(الصفحة 385)مسألة 3 : لا فرق في المحال به بين كونه عيناً ثابتاً في ذمّة المحيل ، وبين كونه منفعة أو عملاً لا يعتبر فيه المباشرة ، فتصحّ إحالة مشغول الذمّة ـ بخياطة ثوب أو زيارة أو صلاة أو حجّ أو قراءة قرآن ونحو ذلك ـ على بري ، أو على من اشتغلت ذمّته له بمثل ذلك . وكذا لا فرق بين كونه مثليّاً كالحنطة والشعير ، أو قيميّاً كالغنم والثوب بعدما كان موصوفاً بما يرفع الجهالة ، فإذا اشتغلت ذمّته بشاة موصوفة مثلاً بسبب كالسلم ، جاز له إحالتها على من كان له عليه شاة بذلك الوصف أو كان بريئاً1.
بعض ابتناء الخلاف على أنّ الحوالة اعتياض أو استيفاء ، فعلى الأوّل لا تجوز وعلى الثاني تجوز (1) ، والظاهر أنّها عنوان برأسه وإن لحقها حكم أحد العنوانين في بعض الأحوال والآخر في الآخر . ودعوى استبعاد اختلاف مقتضاها; لأنّها في بعض الصور انتقال ، وفي بعض الصور ضمان ، ليست إلاّ مجرّد الاستبعاد ، وإلاّ فقد عرفت أنّها عنوان مستقلّ كالصلح بناءً على كونه عقداً برأسه ، وإن أفاد فائدة البيع أو الإجارة أو الهبة أو نحوها ، فتدبّر .
1 ـ عدم الفرق في المحال به بين الاُمور المذكورة في المتن واضح بعد أنّه لم ينهض دليل على ثبوت الفرق ، وقد ثبت في المسألة السابقة صحّة الحوالة على البري . نعم ، فيما إذا كان العمل الثابت على عهدة المحيل مقيّداً بالمباشرة تصريحاً أو انصرافاً ، لا معنى للحوالة به على الغير ; لعدم إمكان تحقّق المباشرة حينئذ ، ولا مجال لتوهّم الفرق بين المثلي والقيمي بعدما كان القيمي المحال به موصوفاً بما يرفع الجهالة ، وأنّه كالثابت على ذمّة المحيل ، فتأمّل .
- (1) غاية المراد: 2 / 226 ، جامع المقاصد: 5 / 359 ، مسالك الأفهام: 4 / 215 .
(الصفحة 386)مسألة 4 : لا إشكال في صحّة الحوالة مع اتّحاد الدَّين المحال به ، مع الدَّين الذي على المحال عليه جنساً ونوعاً . وأمّا مع الاختلاف; بأن كان عليه لرجل مثلاً دراهم وله على آخر دنانير ، فيحيل الأوّل على الثاني ، فهو على أنحاء : فتارةً: يُحيل الأوّل بدراهمه على الثاني بالدنانير; بأن يأخذ منه ويستحقّ عليه بدل الدراهم الدنانير ، واُخرى: يُحيله عليه بالدراهم; بأن يأخذ منه الدراهم ويعطي المحال عليه بدل ما عليه من الدنانير الدراهم ، وثالثة: يُحيله عليه بالدراهم; بأن يأخذ منه دراهمه وتبقى الدنانير على حالها ، لا إشكال في صحّة النحو الأوّل ، وكذا الثالث ، ويكون هو كالحوالة على البري . وأمّا الثاني ففيه إشكال ، فالأحوط فيما إذا أراد ذلك أن يقلب الدنانير التي على المحال عليه بدراهم بناقل شرعي أوّلاً ، ثمّ يحال عليه الدراهم وإن كان الأقوى صحّته مع التراضي1.
1 ـ لا ريب في صحّة الحوالة في صورة اتّحاد الدَّين المحال به مع الدَّين الذي للمحيل على المحال عليه ، وعدم اختلافهما من حيث الجنس والنوع . وأمّا مع الاختلاف; بأن كان لرجل عليه دراهم وله على الآخر دنانير ، فيحيل الأوّل على الثاني ، فهو كما في المتن على صور :
الاُولى : أن يحيل الأوّل على الثاني بالدنانير; بأن يأخذ منه ويستحقّ عليه بدل الدراهم الدنانير ، ونفى الإشكال في المتن في أواخر المسألة في صحّة هذه الصورة ، ولكن لابدّ من أن يُقال : إنّ التبديل المذكور لابدّ وأن يكون بنحو الصلح أو مثله ، وإلاّ فلو كان بنحو البيع يعتبر التقابض في المجلس ; لاعتباره في بيع النقدين ، والمفروض أنّه غير متحقّق هنا .
الثانية : أن يحيله عليه بالدراهم; بأن يأخذ منه الدراهم ويعطي المحال عليه بدل
(الصفحة 387)مسألة 5 : إذا تحقّقت الحوالة جامعة للشروط برئت ذمّة المحيل عن الدَّين وإن لم يبرئه المحتال ، واشتغلت ذمّة المحال عليه للمحتال بما اُحيل عليه . هذا حال المحيل مع المحتال ، والمحتال مع المحال عليه . وأمّا حال المحال عليه مع المحيل ، فإن كانت الحوالة بمثل ما عليه برئت ذمّته ممّا له عليه ، وكذا إن كانت بغير الجنس ووقعت على النحو الأوّل والثاني مع التراضي . وأمّا إن وقعت على النحو الأخير ، أو كانت الحوالة على البري ، اشتغلت ذمّة المحيل للمحال عليه بما أحال عليه ، وإن كان له عليه دين يبقى على حاله1.
ما عليه من الدنانير الدراهم ، وقد استشكل في ذيل كلامه في صحّة هذه الصورة ، واحتاط بتبديل الدنانير بالدراهم بناقل شرعي أوّلاً ، ثمّ يُحال عليه الدراهم ، وإن كان قد قوّى الصحّة مع التراضي لرجوعه إلى الصلح ومثله ، وإلاّ فقد عرفت أنّه لو كان بصورة البيع يعتبر التقابض في المجلس غير المتحقّق هنا .
الثالثة : الصورة المفروضة مع بقاء الدنانير على حالها ، وقد نفى الإشكال في صحّته; لأنّه يكون كالحوالة على البري التي قد قوّى صحّتها في المسألة الثانية ; لأنّ ما على المحال عليه لا يكون ثابتاً في ذمّته ، وما على ذمّته لم تتحقّق الحوالة بالإضافة إليه ، فهو كالحوالة على البري ، والظاهر أنّه أحسن الصور الثلاثة المفروضة في المقام ، فتدبّر .
1 ـ لو فرض تحقّق الحوالة جامعة للشروط المعتبرة السابقة يترتّب عليها اُمور :
الأوّل : براءة ذمّة المحيل عن الدَّين وإن لم يبرئه المحتال ; لأنّ الغرض من الحوالة ذلك; أي حصول البراءة للمحيل عن الدَّين .
(الصفحة 388)مسألة 6 : لا يجب على المحتال قبول الحوالة وإن كانت على غنيّ غير مماطل ، ولو قبلها لزم وإن كانت على فقير معدم مع علمه بحاله ، ولو كان جاهلاً فبان إعساره وفقره وقت الحوالة ، فله الفسخ والعود على المحيل ، ولا فسخ مع الفقر الطارئ ، كما لا يزول الخيار باليسار الطارئ1.
الثاني : اشتغال ذمّة المحال عليه للمحتال بما اُحيل عليه ; لأنّه بعد قبول الحوالة ورضاه بها تصير ذمّته مشغولة له; سواء كانت مشغولة بالإضافة إلى المحيل ، أو بريئة بناءً على ما سبق من صحّة الحوالة على البريء .
الثالث : براءة ذمّة المحال عليه بالإضافة إلى المحيل بما له عليه إن كانت الحوالة بمثل ما عليه ، وكذا إن كانت بغير الجنس ووقعت على النحو الأوّل من الأنحاء الثلاثة المتقدِّمة في المسألة الرابعة ، أو على النحو الثاني مع التراضي بناءً على ما أفاده الماتن (قدس سره) على ما مرّ ، وإن وقعت على النحو الأخير من تلك الأنحاء اشتغلت ذمّة المحيل للمحال عليه بما أحال عليه ، وإن كان للأوّل على الثاني دين يبقى على حاله كالأوّل . وكذا إن كانت الحوالة على البري ، فإنّه يتحقّق فيها اشتغال ذمّة المحيل للمحال عليه ، وليس الرضا وقبول الحوالة دليلاً على التبرّع والمجّانية ، فلعلّه يريد أداء بعض حقوق المحيل غير المالية من دون قصد المجّانية ، هذه هي الاُمور المترتّبة على الحوالة الصحيحة والصور المتصوّرة فيها فاعرف .
1 ـ قد تعرّض في هذه المسألة لاُمور :
الأوّل : أ نّه حيث إنّ الحوالة عقد يحتاج إلى إيجاب وقبول ، فكما أنّه لا يجب على المحيل الإيجاب ، كذلك لا يجب على المحتال القبول ، وهذا من دون فرق بين أن
(الصفحة 389)مسألة 7 : الحوالة لازمة بالنسبة إلى كلّ من الثلاثة إلاّ على المحتال مع إعسار المحال عليه وجهله بالحال ، كما أشرنا إليه . والمراد بالإعسار أن لا يكون عنده ما يوفي به الدَّين زائداً على مستثنياته ، ويجوز اشتراط خيار الفسخ لكلّ منهم1.
يكون المحال عليه غنيّاً غير مماطل ، أو فقيراً معدماً ، أو غيرهما .
الثاني : أنّ الحوالة مع قبول المحتال لازمة ، كما هو مقتضى أصالة اللزوم الجارية في كلّ عقد شكّ في لزومه وعدمه .
الثالث : لو كان المحتال جاهلاًبإعسار المحال عليه ـ وسيأتي معنى الإعسار في المسألة اللاحقة ـ فبان إعساره وفقره وقت الحوالة ، وأنّه لا يكون قادراً على الأداء فله الفسخ والعود على المحيل; لأنّه مع عدم ثبوت حقّ الفسخ لا يتحقّق الغرض من الحوالة .
الرابع : أنّه لا فسخ مع الفقر الطارئ على الحوالة لاستصحاب اللزوم ، كما أنّه لا يزول الخيار باليسار الطارئ للاستصحاب أيضاً .
1 ـ قد عرفت حكم الحوالة من حيث اللزوم وعدمه ، والتفصيل بين صورة الإعسار وصورة عدمه ، والغرض من هذه المسألة بيان المراد من الإعسار ، وفي المتن : أنّ المراد به أن لا يكون عنده ما يوفي به الدَّين زائداً على مستثنيات الدَّين ، كما أنّها حيث تكون لازمة في نفسها يجوز اشتراط الخيار لكلّ من الثلاثة الذين هم أركان الحوالة على ما عرفت; لما مرّ في كتاب الضمان من جواز اشتراط الخيار لعموم «المؤمنون عند شروطهم »(1) .