(الصفحة 202)مسألة 9 : لا يجوز قسمة الدَّين ، فإذا كان لاثنين دين مشترك على ذمم متعدِّدة; كما إذا باعا عيناً مشتركة بينهما من أشخاص ، أو كان لمورّثهما دين على أشخاص فورثاه ، فجعلا بعد التعديل ما في ذمّة بعضهم لأحدهما وما في ذمّة آخرين للآخر ، فإنّه لا يصحّ . نعم ، الظاهر كما مرّ في الشركة أنّه إذا كان لهما دين مشترك على أحد يجوز أن يستوفي أحدهما منه حصّته ، فيتعيّن له وتبقى حصّة الآخر في ذمّته . وهذا ليس من قسمة الدَّين1.
خلافه والتحقيق في محلّه ـ بعض الروايات الواردة في هذا المجال ، مثل:
رواية محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في الرجل يكون عليه دين إلى أجل مسمّى فيأتيه غريمه فيقول : انقدني من الذي لي كذا وكذا وأضع لك بقيّته ، أو يقول : انقدني بعضاً وأمدّ لك في الأجل فيما بقي ، فقال : لا أرى به بأساً ما لم يزد على رأس ماله شيئاً(1) .
ورواية أبان ، عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يكون له على الرجل الدَّين ، فيقول له قبل أن يحلّ الأجل : عجِّل لي النصف من حقّي على أن أضع عنك النصف ، أيحلّ ذلك لواحد منهما؟ قال (عليه السلام) : نعم(2) . والظاهر أنّ إطلاق الدَّين يشمل جميع الفروض الثلاثة المتقدِّمة ، وظهر من الرواية الاُولى عدم جواز تأجيل الحالّ ولا زيادة المؤجّل بزيادة ، كما لايخفى .
1 ـ يدلّ على عدم الجواز روايات متعدِّدة ، مثل :
صحيحة ابن خالد قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجلين كان لهما مال بأيديهما
- (1) الفقيه: 3/21 ح55 ، وعنه الوسائل: 18/376 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ب32 ح1 .
- (2) الكافي: 5/258 ح3 ، تهذيب الأحكام: 6/206 ح474 ، وعنهما الوسائل: 18/449 ، كتاب الصلح ب7 ح2.
(الصفحة 203)
ومنه متفرّق عنهما ، فاقتسما بالسويّة ما كان في أيديهما وما كان غائباً عنهما ، فهلك نصيب أحدهما ممّا كان غائباً واستوفى الآخر ، عليه أن يردّ على صاحبه؟ قال : نعم ما يذهب بماله(1) .
وموثّقة ابن سنان ، عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن رجلين بينهما مال منه دين ومنه عين ، فاقتسما العين والدَّين ، فتوى(2) الذي كان لأحدهما من الدين أو بعضه ، وخرج الذي للآخر أيردّ على صاحبه؟ قال : نعم ما يذهب بماله(3) .
ومرسلة أبي حمزة قال : سُئل أبو جعفر (عليه السلام) عن رجلين بينهما مال منه بأيديهما ومنه غائب عنهما ، فاقتسما الذي بأيديهما ، وأحال كلّ واحد منهما من نصيبه الغائب ، فاقتضى أحدهما ولم يقتض الآخر ، قال : ما اقتضى أحدهما فهو بينهما ما يذهب بماله(4) . ويحتمل قويّاً أن يكون المراد بالمرسلة ما استدركه من أنّ الظاهر أنّه إذا كان لهما دين مشترك على أحد يجوز أن يستوفي أحد حصّته ويتعيّن له ، وتبقى حصّة الآخر على عهدته ، ولكن الظاهر أنّه لا مانع منه كما مرّ في باب الشركة(5) ، ولكنّه ليس من قسمة الدَّين بل استيفاء كلّ دائن حقّه .
- (1) تهذيب الأحكام: 6/207 ح477 ، الفقيه: 3/23 ح60 ، وعنهما الوسائل: 18/371 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرص ب29 ح1 .
- (2) توى: هلك (الصحاح: 6/2290 مادّة توى) .
- (3) تهذيب الأحكام: 7/186 ح821 ، وعنه الوسائل: 19/12 ، كتاب الشركة ب6 ح2 .
- (4) تهذيب الأحكام: 6/195 ح430، وج7/185 ـ 186 ح818 ـ 820 ، وعنه الوسائل: 19/12، كتاب الشركة ب6 ح1.
- (5) في ص133 .
(الصفحة 204)مسألة 10 : يجب على المديون عند حلول الدَّين ومطالبة الدائن السعي في أدائه بكلّ وسيلة; ولو ببيع سلعته ومتاعه وعقاره ، أو مطالبة غريم له ، أو إجارة أملاكه ، وغير ذلك . وهل يجب عليه التكسّب اللائق بحاله من حيث الشرف والقدرة؟ وجهان بل قولان ، أحوطهما ذلك ، خصوصاً فيما لا يحتاج إلى تكلّف وفيمن شغله التكسّب ، بل وجوبه حينئذ قويّ . نعم ، يستثنى من ذلك بيع دار سكناه ، وثيابه المحتاج إليها ولو للتجمّل ، ودابّة ركوبه إذا كان من أهله واحتاج إليه ، بل وضروريّات بيته; من فراشه وغطائه وظروفه وإنائه لأكله وشربه وطبخه ، ولو لأضيافه; مراعياً في ذلك كلّه مقدار الحاجة بحسب حاله وشرفه ، وأنّه بحيث لو كلّف ببيعها لوقع في عسر وشدّة وحزازة ومنقصة . وهذه كلّها من مستثنيات الدَّين ، لا خصوص بعض المذكورات ، بل لا يبعد أن يعدّ منها الكتب العلميّة لأهلها بمقدار حاجته بحسب حاله ومرتبته1.
مسألة 11 : لو كانت دار سكناه أزيد عمّا يحتاجه ، سكن ما احتاجه وباع ما فضل عنه ، أو باعها واشترى ما هو أدون ممّا يليق بحاله . وإذا كانت له دور متعدّدة واحتاج إليها لسكناها لا يبيع شيئاً منها ، وكذلك الحال في المركوب
1 ـ قد استوفينا الكلام في هذه المسألة ـ وأنّه هل على المديون غير القادر على أداء الدَّين ، التكسّب مطلقاً ، أو خصوص التكسّب اللائق بحاله من حيث الشرف والقدرة ، أو لا يجب عليه التكسّب مطلقاً ، بل إن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ـ في كتاب القضاء(1) ، ولا حاجة إلى الإعادة والتكرار ، فراجع ما هناك .
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء: 112 ـ 115 و 119 .
(الصفحة 205)والثياب ونحوهما1.
مسألة 12 : لو كانت عنده دار موقوفة عليه تكفي لسكناه ـ ولم يكن سكناه فيها موجباً لمنقصة وحزازة ـ وله دار مملوكة ، فالأحوط أن يبيع المملوكة2.
1 ـ لو كانت دار سكنى المديون غير القادر على أداء الدَّين مع قطع النظر عنها أزيد ممّا يحتاجه ، سكن ما احتاجه وباع ما فضل عنه ، أو باعها واشترى ما هو أدون ممّا يرفع حاجته ولا يكون غير لائق بحاله ; لأنّ ظاهر أدلّة استثناء دار المديون استثناؤها للاحتياج إليها ، ولئلاّ يصير فاقداً للمسكن اللائق بحاله . وأمّا في صورة زيادة المسكن عن الاحتياج لأجل سعتها أو خصوصياتها الاُخرى ، فلا دلالة لها على استثناء الزيادة أصلاً ، بل يعمل طبق أحد الطريقين المذكورين في المتن ، كما أنّه لو كانت له دور متعدّدة يحتاج إلى جميعها لتعدّد زوجاته مثلاً ، أو لأجل الصيف والشتاء لا يجب عليه بيع شيء منها .
وكذلك الحال في المركوب والثياب والكتب ونحوها ، ويدلّ على أصل الحكم أيضاً خبر مسعدة بن صدقة قال : سمعت جعفر بن محمّد (عليهما السلام) وسُئل عن رجل عليه دين وله نصيب في دار ، وهي تغل غلّة فربما بلغت غلّتها قوته ، وربما لم تبلغ حتّى يستدين ، فإن هو باع الدار وقضى دينه بقي لا دار له ؟ فقال : إن كان في داره ما يقضي به دينه ويفضل منها ما يكفيه وعياله فليبع الدار ، وإلاّ فلا(1) .
2 ـ لو كانت عند المديون دار موقوفة عليه كافية لسكناه ـ ولا يكون سكناه فيها موجباً لمنقصة وحزازة مخلّة بشأنه عند العرف والعقلاء ـ وله أيضاً دار مملوكة
- (1) تهذيب الأحكام: 6/198 ح440 ، الاستبصار: 3/7 ح16 ، وعنهما الوسائل: 18/342 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ب11 ح7 .
(الصفحة 206)مسألة 13 : إنّما لا تباع دار السكنى في أداء الدَّين ما دام المديون حيّاً ، فلو مات ولم يترك غير دار سكناه ، أو ترك وكان دينه مستوعباً أو كالمستوعب ، تُباع وتُصرف فيه1.
مسألة 14: معنى كون الدار ونحوها من مستثنيات الدَّين: أنّه لايجبرعلى بيعها لأجل أدائه، ولا يجب عليه ذلك، وأمّا لورضى به لقضائه جاز للدائن أخذه. نعم، ينبغي أن لا يرضى ببيع مسكنه ولا يصير سبباً له وإن رضي به ، ففي خبر عثمان بن زياد قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّ لي على رجل ديناً وقد أراد أن يبيع داره فيقضيني، فقال أبوعبدالله (عليه السلام): «أعيذك بالله أن تخرجه من ظلّ رأسه»بل الاحتياط والتورّع في الدِّين يقتضي ذلك بعد قصّة ابن أبي عمير رضوان الله عليه2.
لشخصه ، فقد احتاط وجوباً في المتن بأن يبيع الدار المملوكة ويصرف ثمنها في أداء الدَّين ، ولعلّ الوجه فيه انصراف أدلّة الاستثناء عن مثل هذا المورد الذي يوجد ما يرفع حاجته من دون توقيت .
1 ـ إنّما لا تباع دار السكنى لأداء الدَّين ما دام كون المديون حيّاً ، فلو مات ولم يترك غير داره تباع وتُصرف في دينه; لوضوح أنّ أدلّة استثناء الدار لا تشمل هذه الصورة التي لا حاجة له إليها أصلاً لفرض موته ، واحتياج الورثة على تقديره لا يرتبط بالميّت المديون . ومثل هذه الصورة ما لو ترك غير داره أيضاً ، ولكن كان دينه مستوعباً أو كالمستوعب ، ولا يمكن أداء الجميع إلاّ ببيع داره ، فإنّها تُباع وتُصرف فيه كما لا يخفى .
2 ـ لوضوح أنّ استثناء الدار ونحوها من مستثنيات الدَّين إنّما هو استثناء ترخيصيّ لا إلزاميّ ، فلا يجبر المديون على بيعها لأجل أداء الدَّين ، ولا يجب عليه