(الصفحة 161)والتبن كلّها لصاحب البذر ، ويمكن أن يجعل البذر لأحدهما ، والحشيش والقصيل والتبن للآخر مع اشتراكهما في الحبّ . هذا مع التصريح ، وأمّا مع عدمه فالظاهر من مقتضى وضع المزارعة عند الإطلاق الوجه الأوّل ، فالزرع بمجرّد طلوعه وبروزه يكون مشتركاً بينهما . ويترتّب على ذلك اُمور :
منها: كون القصيل والتبن أيضاً بينهما .
ومنها: تعلّق الزكاة بكلّ منهما إذا كان حصّة كلّ منهما بالغاً حدّ النصاب ، وتعلّقها بمن بلغ نصيبه حدّه إن بلغ نصيب أحدهما ، وعدم التعلّق أصلاً إن لم يبلغ النصاب نصيب واحد منهما .
ومنها : أنّه لو حصل فسخ من أحدهما بخيار أو منهما بالتقايل في الأثناء يكون الزرع بينهما ، وليس لصاحب الأرض على العامل اُجرة أرضه ، ولا للعامل عليه اُجرة عمله بالنسبة إلى ما مضى . وأمّا بالنسبة إلى الآتي إلى زمان البلوغ والحصاد ، فإن وقع بينهما التراضي بالبقاء بلا اُجرة ، أو معها ، أو على القطع قصيلاً فلا إشكال ، وإلاّ فكلّ منهما مسلّط على حصّته ، فلصاحب الأرض مطالبة القسمة وإلزام الزارع بقطع حصّته ، كما أنّ للزارع مطالبتها ليقطع حصّته1.
1 ـ كيفيّة اشتراك العامل مع المالك في الحاصل تابعة للجعل الواقع بينهما; والجعل قد يكون مع التصريح ، وقد يكون مع الإطلاق .
أمّا في صورة التصريح ، فتارةً : يصرّحان بالاشتراك في الزرع من حين بروزه وطلوعه ، فيكون جميع الاُمور المترتّبة من الحشيش والقصيل والتبن والحبّ كلّها مشتركة بينهما ; لأنّها من توابع الزرع البارز الطالع .
واُخرى: يصرّحان بالاشتراك في خصوص الحبّ ; إمّا من حين انعقاده ، أو بعده إلى زمان حصاده ، فتكون الاُمور المذكورة من الحشيش والقصيل والتبن كلّها
(الصفحة 162)مسألة 15 : خراج الأرض ومال الإجارة للأرض المستأجرة على المزارع لا الزارع ، إلاّ إذا اشترط عليه كلاًّ أو بعضاً ، وأمّا سائر المؤن ـ كشقّ الأنهار ، وحفر
تابعة للبذر وملكاً لصاحبه .
وثالثة : يصرّحان بالتفكيك وجعل البذر لأحدهما ، والحشيش والقصيل والتبن للآخر مع الاشتراك في الحبّ .
وأمّا في صورة الإطلاق ، فقد استظهر في المتن أنّ مقتضى وضع المزارعة عند الإطلاق هو الوجه الأوّل الذي مرجعه إلى الاشتراك في جميع الاُمور المذكورة لا في خصوص الحبّ ، خصوصاً مع أهمّيتها في باب الأغراض والأموال ، وعليه فالزرع بمجرّد طلوعه وبروزه يكون مشتركاً بينهما ويترتّب على ذلك سوى الاشتراك في الكلّ اُمور :
منها : استقلال كلّ واحد منهما في باب تعلّق الزكاة إذا بلغ نصيبه النصاب ، ولا يلزم بلوغ المجموع كما لا يخفى .
ومنها : أنّه لو حصل فسخ من أحدهما بخيار ، أو منهما بتقايل في الأثناء يكون الزرع بينهما ، وليس لصاحب الأرض اُجرتها على العامل ، ولا للعامل الاُجرة على عمله بالنسبة إلى ما مضى ; لأنّ أثر الفسخ والتقايل إنّما هو من حينه لا من أوّل العقد وجعله كالعدم من الأوّل . وأمّا بالنسبة إلى الآتي إلى زمان البلوغ والحصاد ، فإن وقع بينهما التراضي بالبقاء بلا اُجرة ، أو معها ، أو على القطع قصيلاً ، فلا إشكال ، وإلاّ فكلّ منهما مستقلّ بالنسبة إلى حصّته ، وحيث يكون الزرع الفعلي مشتركاً بينهما فيجوز لكلّ منهما مطالبة القسمة . أمّا إذا كانت المطالبة من قبل المالك فله إلزام العامل بقطع حصّته ، كما أنّه إذا كانت المطالبة من العامل يجوز له قطع سهمه ونصيبه ليرتفع الاشتراك بالكلّية .
(الصفحة 163)الآبار وإصلاح النهر ، وتهيئة آلات السقي ، ونصب الدولاب والناعور ونحو ذلك ـ فلابدّ من تعيين كونها على أيّ منهما ، إلاّ إذا كانت عادةً تغني عن ذلك1.
مسألة 16 : يجوز لكلّ من الزارع والمالك عند بلوغ الحاصل تقبّل حصّة الآخر بحسب الخرص بمقدار معيّن من حاصله بالتراضي ، والأقوى لزومه من الطرفين بعد القبول ، وإن تبيّن بعد ذلك زيادتها أو نقيصتها فعلى المتقبّل تمام ذلك المقدار ولو تبيّن أنّ حصّة صاحبه أقلّ منه ، كما أنّ على صاحبه قبول ذلك وإن تبيّن كونها أكثر منه ، وليس له مطالبة الزائد2.
1 ـ لا شبهة في أنّ أرض المزارعة إذا كانت مستأجرة من ناحية المالك ـ وبعبارة اُخرى: كان المالك مالكاً لمنفعتها فقط ـ يكون مال الإجارة عليه ; لأنّه المستأجر ، ومال الإجارة إنّما هو على عهدته; سواء استوفى المنفعة أم لم يستوفها ، وكذلك خراج الأرض ، فإنّه متعلّق بها مطلقاً ويكون على عهدة صاحبها مطلقاً; سواء وقع استيفاء المنفعة منها أم لم يقع ، كلّ ذلك مع الإطلاق وعدم الاشتراط على العامل كلاًّ أو بعضاً .
وأمّا المؤن الاُخرى غير المرتبطة بأصل الأرض بل بالزراعة فيها ـ كشقّ الأنهار ، وحفر الآبار ، وإصلاح النهر ، وتهيئة آلات السقي ، ونصب الدولاب والناعور ، ونحو ذلك ـ فلابدّ من تعيين كونها على أيّ منهما ، والفرق ما أشرنا إليه من كون مثل الخراج واُجرة الأرض المستأجرة مرتبطاً بالأرض المرتبطة بالمالك . وأمّا المؤن الاُخرى ، فهي مرتبطة بالزراعة المشتركة بين المالك والعامل ، فلابدّ من التعيين إلاّ أن تكون هناك عادةً تقتضي ذلك لكونها بمنزلة التصريح ، فتدبّر .
2 ـ والدليل على جواز ذلك ـ مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب إلاّ من
(الصفحة 164)
بعض من لا يقول بحجّية خبر الواحد(1) ـ جملة من الأخبار(2) ، مثل :
صحيحة يعقوب بن شعيب في حديث قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول أحدهما لصاحبه : اختر إمّا أن تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلاً مسمّى ، وتعطيني نصف هذا الكيل إمّا زاد أو نقص ، وإمّا أن آخذه أنا بذلك ، قال : نعم ، لا بأس به(3) .
والرواية دالّة على الجواز في مطلق بيع الثمار ، ولا اختصاص لها بالمزارعة والمساقاة ، بل مقتضى الأخبار جوازه في كلّ زرع مشترك أو ثمر مشترك ، والظاهر أنّها معاملة مستقلّة وليست بيعاً ولا صلحاً معاوضيّاً ، فلا يجري فيها إشكال اتّحاد العوض والمعوّض ولا إشكال الربا وإن قلنا بعدم اختصاص حرمته بالبيع وجريانه في مطلق المعاوضات ، مع أنّ حاصل الزرع والثمر قبل الحصاد والجذاذ ليس من المكيل والموزون ، فهي معاملة مستقلّة عقلائيّة مسمّـاة بالتقبّل ، والظاهر كونها لازمة لدلالة أدلّة أصالة اللزوم عليها ، مضافاً إلى دلالة مثل الرواية السابقة ولكنّه لابدّ من حملها على عدم كون المراد قول أحدهما لصاحبه اختر أو أنا أختر ، بل لابدّ من تعيين ذلك كما في النقد والنسيئة إذا خيّر البائع المشتري ذلك ، لكنّه يصحّ بشرط تعيين النوع خصوصاً مع اختلاف الثمن ، كما هو المتداول في النقد والنسيئة .
- (1) كابن ادريس في السرائر: 2/450 ـ 451 .
- (2) الوسائل: 19/49 ـ 51 ، كتاب المزارعة والمساقاة ب14 .
- (3) الكافي: 5/193 ح2 ، الفقيه: 3/142 ح623 و ص164 ح724 ، تهذيب الأحكام: 7/42 ح180 و ص125 ح546 ، و عنها الوسائل: 18/232 ، كتاب التجارة ، أبواب بيع الثمار ب10 ح1 .
(الصفحة 165)مسألة 17 : لو بقيت في الأرض اُصول الزرع بعد جمع الحاصل وانقضاء المدّة ، فنبتت بعد ذلك في العام المستقبل ، فإن كان القرار الواقع بينهما على اشتراكهما في الزرع واُصوله كان الزرع الجديد بينهما على حسب الزرع السابق ، وإن كان على اشتراكهما فيما خرج من الزرع في ذلك العام فهو لصاحب البذر ، فإن أعرض عنه فهو لمن سبق1.
1 ـ لو بقيت في الأرض اُصول الزرع بعد جمع الحاصل وانقضاء المدّة . فنبتت بعد ذلك في العام المستقبل الخارج عن المدّة المعيّنة ، ففي المتن التفصيل بين ما إذا كان القرار الواقع بينهما على اشتراكهما في الزرع واُصوله كان الزرع الجديد بينهما على حسب الزرع السابق ، وإن كان القرار على الاشتراك فيما خرج من الزرع في ذلك العام ـ أي المدّة المعيّنة ـ فهو لصاحب البذر ، فإن كان صاحب البذر فواضح كون الحاصل له ، وإن كان العامل فمقتضى تبعيّة النتاج للبذر الالتحاق به . نعم ، في صورة الإعراض فهو لمن سبق .
وذكرصاحب العروة أنّه يحتمل أن يكون لهمامع عدم الإعراض مطلقاً;لأنّ المفروض شركتهمافي الزرع وأصله،وإن كان البذر لأحدهما أو لثالث ،قال :وهو الأقوى(1) .
وذكر بعض الأعلام (قدس سره) في الشرح أنّه مبنيّ على ما أفاده من كون مبدأ الاشتراك بين المالك والعامل من حين نثر البذر بحيث يكون الحبّ مشتركاً بينهما ، أو يكون ذلك بالاشتراط بناءً على جوازه . وأمّا على غير هذين الوجهين كالوجهين الأخيرين اللذين ذكرهما ، أو الوجه الذي ذكرناه من كون مبدأ الاشتراك أوّل أزمنة حصول الزرع ، فحيث إنّ عقد المزارعة لا يقتضي إلاّ الاشتراك في الحاصل ،
- (1) العروة الوثقى: 2/609 ـ 610 مسألة 3514 .