(الصفحة 158)مسألة 11 : عقد المزارعة لازم من الطرفين ، فلا ينفسخ بفسخ أحدهما إلاّ إذا كان له خيار ، وينفسخ بالتقايل كسائر العقود اللازمة ، كما أنّه يبطل وينفسخ قهراً بخروج الأرض عن قابليّة الانتفاع بسبب مع عدم تيسّر العلاج1.
مسألة 12 : لا تبطل المزارعة بموت أحد المتعاقدين ، فإن مات ربّ الأرض قام وارثه مقامه ، وإن مات العامل فكذلك ، فإمّا أن يتمّوا العمل ولهم حصّة مورّثهم ، وإمّا أن يستأجروا شخصاً لإتمامه من مال المورّث ولو الحصّة
المذكوران في البيع ، فالظاهر أنّ استثناءهما إنّما هو بلحاظ البيع الذي يعتبر فيه أن لا يكون غرريّاً ولا يشمل مثل الصلح وغيره ، وقد عرفت أنّ تمليك المعدوم هنا إنّما هو كالتمليك في باب الإجارة ، فلا مانع من هذه الجهة .
1 ـ عقد المزارعة من العقود اللازمة من الطرفين ، فلا ينفسخ بفسخ أحدهما إلاّ إذا كان له خيار ، كخيار تخلّف الشرط أو الغبن بناءً على عدم الاختصاص بالبيع ، والدليل على اللزوم الأدلّة الدالّة عليه في العقود التي يشكّ ابتداءً في لزومها ، المذكورة في متاجر الشيخ الأعظم (قدس سره)(1) من العمومات والإطلاقات ، واستصحاب بقاء أثر العقد بعد فسخ أحدهما من دون وجه ، وينفسخ بالتقايل الذي مرجعه إلى تراضي الطرفين على رفع اليد عن مقتضى الذي كان قوامه بهما ، كسائر العقود اللازمة ما عدا النكاح ، كما أنّه ينفسخ قهراً بخروج الأرض عن قابليّة الانتفاع بسبب ـ ولو بصيرورته معسكراً ونحوه ـ مع عدم إمكان العلاج بيسر وسهولة .
- (1) المكاسب للشيخ الأعظم الأنصاري: 5/17 ـ 24 .
(الصفحة 159)المزبورة ، فإن زاد شيء كان لهم . نعم ، لو شرط على العامل مباشرته للعمل تبطل بموته1.
مسألة 13 : لو تبيّن بطلان المزارعة بعدما زرع الأرض ، فإن كان البذر لصاحب الأرض كان الزرع له ، وعليه اُجرة العامل والعوامل إن كانت من العامل ، إلاّ إذا كان البطلان مستنداً إلى جعل جميع الحاصل لصاحب الأرض ، فإنّ الأقوى حينئذ عدم اُجرة العمل والعوامل عليه . وإن كان من العامل كان الزرع له وعليه اُجرة الأرض ، وكذا العوامل إن كانت من صاحب الأرض ، إلاّ إذا كان البطلان
1 ـ أمّا عدم البطلان بموت المالك ، فلأنّ الأرض وإن كانت تنتقل إلى ورثته ، إلاّ أنّها تنتقل إليهم متعلّقة لحقّ الغير ومسلوبة المنفعة في مدّة المزارعة ، كما في العين المستأجرة مع موت المؤجر . وأمّا عدم البطلان بموت العامل ، فلما ذكر من ثبوت الحقّ لصاحب الأرض على العامل الميّت ، والواجب على الورثة أداء هذا الحقّ ، إمّا بإتمامهم العمل بأنفسهم ولهم حصّة مورّثهم ، وإمّا أن يستأجروا شخصاً لإتمامه من مال المورّث ، ولكن لابدّ أن يكون مال الإجارة غير الحصّة المزبورة التي لا يعلم أصلها ولا مقدارها ، فإن زاد شيء كان لهم .
نعم ، استثنى صورة واحدة; وهي ما لو شرط في عقد المزارعة على العامل المباشرة للعمل ، فإنّه تبطل بموته ، هذا كما في باب الإجارة ، فإنّه إذا استؤجر الخيّاط لعمل خياطة ثوب بنفسه فموته يوجب بطلان الإجارة ، وإذا استؤجر لخياطة الثوب بنحو يكون العمل في ذمّته ولو صدرت الخياطة من آخر ، فإنّ موت الخيّاط لا يوجب بطلان الإجارة ، بل على الورثة تحصيل الخياطة وتسليم الثوب المخيط إلى صاحب الثوب ، كما لايخفى .
(الصفحة 160)مستنداً إلى جعل جميع الحاصل للزارع ، فالأقوى حينئذ عدم اُجرة الأرض والعوامل عليه ، وليس للزارع إبقاء الزرع إلى بلوغ الحاصل ولو بالاُجرة ، فللمالك أن يأمر بقلعه1.
مسألة 14 : كيفيّة اشتراك العامل مع المالك في الحاصل تابعة للجعل الواقع بينهما ، فتارةً: يشتركان في الزرع من حين طلوعه وبروزه ، فيكون حشيشه وقصيله وتبنه وحبّه كلّها مشتركة بينهما . واُخرى: يشتركان في خصوص حبّه ; إمّا من حين انعقاده ، أو بعده إلى زمان حصاده ، فيكون الحشيش والقصيل
1 ـ لو تبيّن بطلان المزارعة بعدما زرع العامل الأرض ففيه تفصيل ، فإنّه إن كان البذر لصاحب الأرض فمقتضى تبعيّة النتاج للبذر أن يكون الزرع بأجمعه لصاحب الأرض ، غاية الأمر أنّه حيث لم يقدم العامل على العمل مجّاناً وبلا عوض تكون اُجرة العامل والعوامل إن كانت من العامل على صاحب الأرض ، إلاّ إذا كان منشأ البطلان جعل جميع الحاصل لصاحب الأرض ، فإنّ الظاهر عدم ثبوت الاُجرة عليه للإقدام مجّاناً ، وإن كان البذر للعامل فمقتضى قاعدة التبعيّة المذكورة كون الزرع للزارع وعليه اُجرة الأرض ، وكذا العوامل إن كانت من صاحب الأرض ، إلاّ إذا كان الملاك في البطلان جعل جميع الحاصل للزارع ، فإنّ الظاهر حينئذ عدم ثبوت شيء من اُجرة الأرض والعوامل عليه لعين ما ذكر ، وعلى أيّ فبعد تبيّن البطلان فليس هنا حقّ للزارع بالنسبة إلى البقاء إلى أن يتحقّق الحاصل ولو بالاُجرة ، فللمالك الأمر بقلعه كما في نظائره كما لا يخفى ، وقد مرّ(1) بعض الكلام في هذه الجهة فراجع .
(الصفحة 161)والتبن كلّها لصاحب البذر ، ويمكن أن يجعل البذر لأحدهما ، والحشيش والقصيل والتبن للآخر مع اشتراكهما في الحبّ . هذا مع التصريح ، وأمّا مع عدمه فالظاهر من مقتضى وضع المزارعة عند الإطلاق الوجه الأوّل ، فالزرع بمجرّد طلوعه وبروزه يكون مشتركاً بينهما . ويترتّب على ذلك اُمور :
منها: كون القصيل والتبن أيضاً بينهما .
ومنها: تعلّق الزكاة بكلّ منهما إذا كان حصّة كلّ منهما بالغاً حدّ النصاب ، وتعلّقها بمن بلغ نصيبه حدّه إن بلغ نصيب أحدهما ، وعدم التعلّق أصلاً إن لم يبلغ النصاب نصيب واحد منهما .
ومنها : أنّه لو حصل فسخ من أحدهما بخيار أو منهما بالتقايل في الأثناء يكون الزرع بينهما ، وليس لصاحب الأرض على العامل اُجرة أرضه ، ولا للعامل عليه اُجرة عمله بالنسبة إلى ما مضى . وأمّا بالنسبة إلى الآتي إلى زمان البلوغ والحصاد ، فإن وقع بينهما التراضي بالبقاء بلا اُجرة ، أو معها ، أو على القطع قصيلاً فلا إشكال ، وإلاّ فكلّ منهما مسلّط على حصّته ، فلصاحب الأرض مطالبة القسمة وإلزام الزارع بقطع حصّته ، كما أنّ للزارع مطالبتها ليقطع حصّته1.
1 ـ كيفيّة اشتراك العامل مع المالك في الحاصل تابعة للجعل الواقع بينهما; والجعل قد يكون مع التصريح ، وقد يكون مع الإطلاق .
أمّا في صورة التصريح ، فتارةً : يصرّحان بالاشتراك في الزرع من حين بروزه وطلوعه ، فيكون جميع الاُمور المترتّبة من الحشيش والقصيل والتبن والحبّ كلّها مشتركة بينهما ; لأنّها من توابع الزرع البارز الطالع .
واُخرى: يصرّحان بالاشتراك في خصوص الحبّ ; إمّا من حين انعقاده ، أو بعده إلى زمان حصاده ، فتكون الاُمور المذكورة من الحشيش والقصيل والتبن كلّها
(الصفحة 162)مسألة 15 : خراج الأرض ومال الإجارة للأرض المستأجرة على المزارع لا الزارع ، إلاّ إذا اشترط عليه كلاًّ أو بعضاً ، وأمّا سائر المؤن ـ كشقّ الأنهار ، وحفر
تابعة للبذر وملكاً لصاحبه .
وثالثة : يصرّحان بالتفكيك وجعل البذر لأحدهما ، والحشيش والقصيل والتبن للآخر مع الاشتراك في الحبّ .
وأمّا في صورة الإطلاق ، فقد استظهر في المتن أنّ مقتضى وضع المزارعة عند الإطلاق هو الوجه الأوّل الذي مرجعه إلى الاشتراك في جميع الاُمور المذكورة لا في خصوص الحبّ ، خصوصاً مع أهمّيتها في باب الأغراض والأموال ، وعليه فالزرع بمجرّد طلوعه وبروزه يكون مشتركاً بينهما ويترتّب على ذلك سوى الاشتراك في الكلّ اُمور :
منها : استقلال كلّ واحد منهما في باب تعلّق الزكاة إذا بلغ نصيبه النصاب ، ولا يلزم بلوغ المجموع كما لا يخفى .
ومنها : أنّه لو حصل فسخ من أحدهما بخيار ، أو منهما بتقايل في الأثناء يكون الزرع بينهما ، وليس لصاحب الأرض اُجرتها على العامل ، ولا للعامل الاُجرة على عمله بالنسبة إلى ما مضى ; لأنّ أثر الفسخ والتقايل إنّما هو من حينه لا من أوّل العقد وجعله كالعدم من الأوّل . وأمّا بالنسبة إلى الآتي إلى زمان البلوغ والحصاد ، فإن وقع بينهما التراضي بالبقاء بلا اُجرة ، أو معها ، أو على القطع قصيلاً ، فلا إشكال ، وإلاّ فكلّ منهما مستقلّ بالنسبة إلى حصّته ، وحيث يكون الزرع الفعلي مشتركاً بينهما فيجوز لكلّ منهما مطالبة القسمة . أمّا إذا كانت المطالبة من قبل المالك فله إلزام العامل بقطع حصّته ، كما أنّه إذا كانت المطالبة من العامل يجوز له قطع سهمه ونصيبه ليرتفع الاشتراك بالكلّية .