(الصفحة 484)مسألة 10 : فيما جاز للواهب الرجوع في هبته لا فرق بين الكلّ والبعض ، فلو وهب شيئين لأجنبيّ بعقد واحد يجوز له الرجوع في أحدهما ، بل لو وهبه شيئاً واحداً يجوز له الرجوع في بعضه مشاعاً أو مفروزاً1.
مسألة 11 : الهبة إمّا معوّضة أو غير معوّضة ، فالمراد بالاُولى ما شرط فيها
المتأخِّرين(1) بل المشهور (2) .
ثانيها : جواز الرجوع الثابت قبل التصرّف مطلقاً .
ثالثها : التفصيل بين مثل البيع والصلح والهبة من التصرّفات الناقلة للملك وإن كانت جائزة ، ومثل الطحن والخياطة ونحوهما ممّا يكون مغيّراً للصورة ، وبين ما لا يكون كذلك كالسكنى وركوب الدابّة .
والمستند الوحيد في المسألة هي صحيحة جميل والحلبي المتقدّمة(3) ، الدالّة على جواز الرجوع إذا كانت العين الموهوبة قائمة بعينها ، وعدمه مع عدم كونها كذلك ، ومن الظاهر دلالتها على القول الثالث ، بل احتمل إرجاع القولين الآخرين إلى هذا القول ، نظراًإلى أنّه من البعيد عدم جواز الرجوع بمجرّد ركوب الدابّة ، كما أنّه من المستبعد جدّاً جواز الرجوع مع التصرّف الناقل ، خصوصاً إذا كان لازماً كالبيع ونحوه . ثمّ إنّ الظاهر أنّ الامتزاج الدافع للامتياز يكون من مصاديق عدم قيام العين ، كما أنّ قصارة الثوب عكس ذلك .
1 ـ الوجه في المسألة الاشتراك في دليل الجواز ، من دون فرق بين الكلّ والبعض ، وكذا بين المشاع والمفروز .
- (1) مسالك الأفهام: 6 / 33 ، الحدائق الناضرة: 22 / 335 ، رياض المسائل: 9 / 397 .
- (2) جواهر الكلام: 27 / 186 ـ 187 .
- (3) في ص478 .
(الصفحة 485)الثواب والعوض وإن لم يعط العوض ، أو عوّض عنها وإن لم يشترط فيها العوض1.
مسألة 12 : لو وهب وأطلق لم يلزم على المتّهب إعطاء الثواب والعوض; سواء كانت من الأدنى للأعلى أوالعكس، أومن المساوي للمساوي وإن كان الأولى بل الأحوط في الصورة الاُولى إعطاؤه ، ولو أعطى العوض لم يجب على الواهب قبوله ، وإن قبل وأخذ لزمت الهبة ولم يكن لواحد منهما الرجوع فيما أعطاه2.
مسألة 13 : لو اشترط الواهب في هبته على المتّهب إعطاء العوض; بأن يهبه شيئاً مكافأتاً وثواباً لهبته ، ووقع منه القبول على ما اشترط وقبض الموهوب ، يتخيّر بين ردّ الهبة ودفع العوض ، والأحوط دفعه ، فإن دفع لزمت الهبة الاُولى
1 ـ قد مرّ في بعض المسائل المتقدِّمة أنّ الهبة المعوّضة أعمّ ممّا اشترط فيها العوض ، أو عوّض عنها ولو مع عدم الاشتراط ، والمقصود هنا أنّ القسم الأوّل أعمّ ممّا إذا أعطى المتّهب العوض المشروط ، أو لم يعط .
2 ـ لو كانت الهبة مطلقة غير مشروط فيها العوض ، لا يجب على المتّهب إعطاء الثواب والعوض; من دون فرق بين الأقسام المذكورة في المتن . نعم ، فيما إذا كانت الهبة من الأدنى للأعلى جعل الأولى بل الأحوط إعطاء العوض نظراً إلى اقتضاء الأدنائيّة ذلك ، ولو أعطى المتّهب العوض لم يجب على الواهب قبوله ; لأنّه لا دليل على وجوب قبوله للهبة . نعم ، لو فرض قبوله وأخذه تلزم الهبة من كلا الطرفين ولا يكون لواحد الرجوع . نعم ، مقتضى بعض الروايات المتقدِّمة أنّ مجرّد الإثابة من قبل المتّهب يوجب عدم جواز الرجوع ، ولكن الظاهر أنّ المراد ما ذكرنا .
(الصفحة 486)على الواهب ، وإلاّ فله الرجوع فيها1.
مسألة 14 : لو عيّن العوض في الهبة المشروط فيها العوض تعيّن ، ويلزم على المتّهب على فرض عدم ردّ أصل الهبة بذل ما عيّن . ولو أطلق; بأن شرط عليه أن يثيب ويعوّض ولم يعيّن العوض ، فإن اتّفقا على قدر فذاك ، وإلاّ فالأحوط أن يعوّض مقدار الموهوب مثلاً أو قيمةً ، وأحوط منه تعويضه بأكثر ، خصوصاً إذا كان الواهب أدنى من الموهوب له2.
1 ـ لو اشترط الواهب العوض وقبل المتّهب كذلك وقبض الموهوب لا يلزم عليه شيء ، بل يتخيّر بين ردّ الهبة ودفع العوض ، لكن مقتضى الاحتياط الاستحبابي مع القبول كذلك دفع العوض ، ومع الدفع وقبول الواهب وأخذه تلزم الهبة الاُولى ، وبدونه يجوز للواهب الرجوع في هبته مع الشرط المتقدّم ، فتدبّر .
2 ـ في المسألة فرضان :
الأوّل : ما لو عيّن العوض في الهبة المشروط فيها العوض ، وفي هذا الفرض يتعيّن العوض ، واللازم على المتّهب على فرض قبول الهبة بذل ما عيّن لفرض التعيين .
الثاني : ما لو أطلق الهبة المشروط فيها العوض; بأن شرط عليه أن يثيب ويعوّض ولم يعيّن العوض ، ففيما إذا اتّفقا على قدر فذاك ، وإلاّ فجعل مقتضى الاحتياط الوجوبي أن يعوّض مقدار الموهوب مثلاً أو قيمةً ، وجعل الأحوط منه التعويض بالأكثر ، خصوصاً إذا كان الواهب أدنى من الموهوب له .
هذا ، ويمكن أن يُقال: إنّ المستفاد من الروايات الواردة في هذا المجال المتقدّمة كلاًّ أو جلاًّ ، أنّ الملاك في عدم جواز الرجوع للواهب مطلق الثواب ولو كان قليلاً ،
(الصفحة 487)مسألة 15 : الظاهر أنّه لا يعتبر في الهبة المشروط فيها العوض أن يكون التعويض المشروط بعنوان الهبة ; بأن يشترط على المتّهب أن يهبه شيئاً ، بل يجوز أن يكون بعنوان الصلح عن شيء ; بأن يشترط عليه أن يصالحه عن مال أو حقّ ، فإذا صالحه عنه وتحقّق منه القبول فقد عوّضه ولم يكن له الرجوع في هبته . وكذا يجوز أن يكون إبراءً من حقّ أو إيقاع عمل له ، كخياطة ثوبه أو صياغة خاتمه ونحو ذلك ، فإذا أبرأه منه أو عمل له فقد عوّضه1.
مسألة 16 : لو رجع الواهب في هبته فيما جاز له ، وكان في الموهوب نماء منفصل حدث بعد العقد والقبض ـ كالثمرة والحمل والولد واللبن في الضرع ـ كان من مال المتّهب ، ولا يرجع إلى الواهب ، بخلاف المتّصل كالسمن ، فإنّه يرجع إليه ، ويحتمل أن يكون ذلك مانعاً عن الرجوع ; لعدم كون الموهوب معه قائماً بعينه، بل لايخلو من قوّة، بل الظاهر أنّ حصول الثمرة والحمل والولد أيضاً من ذلك ، فلا يجوز معها الرجوع . نعم ، اللبن في الضرع واُجرة البيت والحمّام ـ
لا بمقدار الموهب ، إلاّ أن يُقال: إنّ المنصرف بل المتبادر من كلمة الثواب هي المماثلة أو الأكثرية ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ استظهر في هذه المسألة أنّه لا يلزم في الهبة المشروط فيها العوض أن يكون العوض بعنوان الهبة ، بل يجوز أن يكون بعنوان الصلح عن شيء ، أو بعنوان الإبراء من حقّ أو إيقاع عمل منه ، كالمثالين المذكورين في المتن ، غاية الأمر لزوم تحقّق القبول من الواهب إلاّ في مسألة الإبراء التي لا حاجة فيها إلى القبول ظاهراً ، والدليل على أصل المطلب إطلاق التعويض الوارد في الرواية ، فإنّ العوض لا ينحصر بالهبة من جانب المتّهب ، بل يشمل مثل الموارد المذكورة .
(الصفحة 488)سيّما اُجرة المثل ـ لو غصبهما غاصب ليست منه ، فتكون بعد الرجوع للمتّهب1.
مسألة 17 : لو مات الواهب بعد إقباض الموهوب لزمت الهبة وإن كانت لأجنبيّ ولم تكن معوّضة ، وليس لورثته الرجوع . وكذلك لو مات الموهوب له ، فينقل الموهوب إلى ورثته انتقالاً لازماً2.
1 ـ لو رجع الواهب في هبته في الموارد التي يجوز له الرجوع فيها ، وكان في الموهوب نماء لم يكن حال الهبة ، فإن كان النماء منفصلاً حادثاً بعد العقد والقبض الذي هو شرط صحّته ـ كالأمثلة المذكورة في المتن ـ فكلّها من مال المتّهب ـ ولا ربط لها بالواهب ـ للحدوث في ملكه ، والفسخ إنّما يؤثّر من حينه لا من أصل العقد . وإن كان النماء متّصلاً كالسمن ، فإنّه يرجع إلى الواهب تبعاً ، ويحتمل الشركة بين الواهب والمتّهب بنسبة السمن ، فتدبّر .
واحتمل في المتن بل نفى خلوّه عن القوّة أن يكون النماء المذكور مانعاً عن أصل جواز الرجوع; لعدم كون الموهوب معه قائماً بعينه ، بل استظهر أنّ حصول الثمرة والحمل والولد أيضاً من ذلك ، فلا يجوز الرجوع معها للدليل المذكور ، ولكنّه مشكل ; لأنّ صيرورتها سبباً لعدم قيام العين محلّ إشكال ; لأنّه في مقابل التلف أو ما بحكمه ممّا عرفت ، لا في مقابل ما ذكر ، واستدرك اللبن في الضرع واُجرة البيت والحمّام ـ سيّما اُجرة المثل ـ لو غصبهما غاصب ، فإنّها ليست منه ، بل هي بعد الرجوع للمتّهب الذي كان مالكاً .
2 ـ لو مات الواهب بعد تماميّة الهبة وإقباض الموهوب لزمت الهبة وإن كانت لغير ذي رحم ولم تكن معوّضة ، وفاقاً لجماعة من أجلاّء الفقهاء(1) ، وليس لورثته
- (1) قواعد الأحكام : 2/408 ، إيضاح الفوائد : 2/419 ، القواعد والفوائد : 2/285 ، جامع المقاصد : 9/169 ، جامع الشتات : 4/169 ـ 171 .