(الصفحة 371)ضمان اثنين عن واحد بالاشتراك .
وأمّا ضمانهما عنه بالاستقلال فلا إشكال في عدم وقوعه لكلّ منهما كذلك على ما يقتضي مذهبنا في الضمان ، فهل يقع باطلاً أو يقسّط عليهما بالاشتراك؟ وجهان ، أقربهما الأوّل1.
1 ـ قد نفى الإشكال عن جواز ضمان اثنين أو أزيد عن واحد بالاشتراك; بأن يكون على كلّ منهما أو منهم بعض الدَّين ، فتشتغل ذمّة كلّ بمقدار ما عيّناه ولو بالتفاوت . وأمّا ضمانهما عنه بالاستقلال ، فقد نفى في ذيل كلامه الإشكال عن عدم وقوعه لكلّ منهما كذلك ، بناءً على مقتضى مذهبنا كما عرفت ، وإلاّ لكان اللازم الالتزام بوقوع ضمان الواحد هكذا أيضاً ; لعدم الفرق ، وحينئذ فهل يقع ضمان اثنين عن واحد بالاستقلال باطلاً من رأسه ، أو يقسّط عليهما بالاشتراك ، الظاهر هو الأوّل ، وإلاّ لكان اللازم الالتزام بالاشتراك في ضمان الواحد بناءً على ما يقول به غيرنا لينطبق على مذهبنا ، فتدبّر .
ثمّ إنّه على تقدير الضمان بالاشتراك لو أطلق ضامنان المقدار ولم يعيّناه ، فالظاهر التقسيط بالنصف كما في ضامنين ، أو بالثلث كما إذا كانوا ثلاثة ، ويجري على الضمان المذكور ما تقدّم من الأحكام; من أنّ الواجب على كلّ إنّما هو مقدار سهمه ، ومن عدم توقّف براءة واحد منهما بالأداء على أداء الآخر ، ومن أنّ للمضمون عنه جواز الرجوع إليه بحصّته ، ومن أنّ جواز رجوع الضامن إلى المضمون عنه إنّما يتوقّف على الإذن والأداء ، وقد صرّح في المتن بأنّه لا فرق بين أن يكون ضمانهما بعقدين أو بعقد واحد ، كما إذا ضمن عنهما وكيلهما في ذلك فقبل المضمون له ، والوجه فيه واضح .
(الصفحة 372)مسألة 13 : لو تمّ عقد الضمان على تمام الدَّين ، فلا يمكن أن يتعقّبه آخر ولو ببعضه ، ولو تمّ على بعضه لا يمكن أن يتعقّبه على التمام ، أو على ذلك المضمون1.
مسألة 14 : يجوز الضمان بغير جنس الدَّين ، لكن إذا كان الضمان بإذن المضمون عنه ليس له الرجوع عليه إلاّ بجنسه2.
مسألة 15 : كما يجوز الضمان عن الأعيان الثابتة في الذمم ، يجوز على المنافع والأعمال المستقرّة عليها ، فكما يجوز أن يضمن عن المستأجر ما عليه من الاُجرة ، كذلك يجوز أن يضمن عن الأجير ما عليه من العمل . نعم ، لو كان ما عليه اعتبر فيه المباشرة لم يصحّ ضمانه3.
1 ـ ظهر حكم هذه المسألة بجميع صورها ممّا تقدّم من المباحث ولا طائل للإعادة والتكرار ، فتدبّر .
2 ـ يجوز الضمان بغير جنس الدَّين ، فإذا كان الثابت على عهدة المديون الأصلي مقدار من الحنطة مثلاً ، يجوز أن يضمن الضامن عنه مقداراً من الشعير بما يساوي ذلك المقدار من حيث القيمة مثلاً; لأنّ مرجع الضمان المذكور بعد اعتبار رضا المضمون له إلى تبديل الحنطة بالشعير وتحقّق المعاوضة بينهما . نعم ، إذا كان أصل الضمان بإذن المضمون عنه يجوز الرجوع للضامن عليه . غاية الأمر بخصوص جنسه ، إلاّ أن يُقال بجواز الرجوع بما يضمنه مع توافق الثلاثة على ذلك وعلمهم به ، والمفروض ثبوت الإذن من المضمون عليه للضامن .
3 ـ كما يجوز الضمان عن الأعيان الثابتة في الذمم في مقابل المنافع والأعمال ،
(الصفحة 373)مسألة 16 : لو ادّعى شخص على آخر ديناً ، فقال ثالث للمدّعي: «عليَّ ما عليه» فرضي صحّ الضمان; بمعنى ثبوت الدَّين في ذمّته على تقدير ثبوته ، فتسقط الدعوى عن المضمون عنه ، ويصير الضامن طرفها ، فلو أقام المدّعي البيِّنة على ثبوته يجب على الضامن أداؤه ، وكذا لو ثبت إقرار المضمون عنه قبل الضمان بالدَّين . وأمّا إقراره بعد الضمان فلا يثبت به شيء ، لا على المقرّ ولا على الضامن1.
كذلك يجوز الضمان عليهما إذا كانا على العهدة ، فيجوز أن يضمن عن الأجير ما عليه من العمل في الإجارة على الأعمال ، كما أنّه يجوز أن يضمن عن المستأجر ما عليه من الاُجرة مطلقاً في تلك الإجارة وغيرها ، وقد استثنى من ذلك صورة واحدة; وهو ما لو كان العمل المستأجر عليه مشروطاً فيه مباشرة الأجير ، بحيث لا يجوز أن يقوم مقامه شخص آخر حتّى الوارث في صورة الموت ، ففي هذه الصورة لا يتمّ الضمان ; لأنّه ينافي قيد المباشرة المأخوذ في الإجارة ، أو الانصراف إلى صورة المباشرة ولو كانت الإجارة مطلقة لم يقع فيها التصريح بهذا القيد .
وبالجملة : لابدّ وأن يكون الضامن صالحاً لأن يقوم مقام المضمون عنه ، وفي صورة التصريح بقيد المباشرة ، أو انصراف الإطلاق إليه لا يمكن أن يتحقّق ذلك ، فلا يصحّ الضمان بوجه ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ لو ادّعى شخص على آخر ديناً ، فقال ثالث للمدّعي : «عَليَّ ما عليه» فرضي المدّعي بذلك صحّ الضمان ، بمعنى ثبوت الدَّين على تقديره في ذمّته ، وخروج المضمون عنه عن الطرفية للدعوى ، وصيرورة الضامن طرفاً لها . وعليه فلو أقام المدّعي البيِّنة على ثبوته يجب على الضامن أداؤه ، وليس هذا من التعليق في الضمان
(الصفحة 374)مسألة 17 : الأقوى عدم جواز ضمان الأعيان المضمونة كالغصب والمقبوض بالعقد الفاسد لمالكها عمّن كانت هي بيده1.
الذي يعتبر فيه التنجيز على ما عرفت (1); لأنّه قيد في أصل تحقّق الضمان ; لعدم صحّته بدون اشتغال ذمّة المضمون عنه وثبوت الدَّين على عهدته; لما مرّ من أنّه نقل ذمّة إلى اُخرى عند علمائنا(2) ، مثل ما إذا كان في يد المشتري شيء يشكّ في ملكيّة البائع له ، فقال البائع : إن كان هذا ملكي فقد بعتك إيّاه .
نعم ، حيث إنّ البيِّنة يثبت الدّين وعلى الضامن أداؤه ، يجوز له الرجوع إلى المضمون عنه بشرطين: الأداء والرضا . ولو فرض إقرار المضمون عنه بثبوت الدَّين على عهدته ، فإن كان إقراره قبل الضمان فهو نافذ ، وإن كان إقراره بعد الضمان فغير نافذ ; لأنّه إقرار في حقّ الغير وعليه .
1 ـ في جواز ضمان الأعيان المغصوبة كالغصب والمقبوض بالعقد الفاسد لمالكها عمّن كانت هي بيده ، وعدم جوازه وجهان; من أنّ مرجع الضمان المذكور إلى اشتغال الذمّة بالمثل أو القيمة ، وتعلّق أحدهما بالعهدة ولو لم يتحقّق التلف بعدُ ، ومن أنّه ما دام لم يتحقّق التلف لا يكون على العهدة شيء ، ووجب عليه ردّ المال إلى صاحبه وحفظه لذلك . وإن قلنا بأنّ مقتضى التحقيق في قاعدة ضمان اليد ثبوت نفس العين على العهدة وإن كانت شخصية ولم يتحقّق التلف أصلاً ، فالظاهر أنّه لا مانع من ضمانها لثبوتها على العهدة ، وإن كان الواجب في صورة البقاء تأديتها بنفسها وفي صورة التلف المثل أو القيمة ، ولا يبعد أن يُقال بأنّه الظاهر بعد ظهور
- (1) في ص359 ـ 360 .
- (2) في ص357 ـ 358 .
(الصفحة 375)مسألة 18 : لا إشكال في جواز ضمان عهدة الثمن للمشتري عن البائع لو ظهر المبيع مستحقّاً للغير ، أو ظهر بطلان البيع ـ لفقد شرط من شروط صحّته ـ إذا كان بعد قبض البائع الثمن وتلفه عنده ، وأمّا مع بقائه في يده فمحلّ تردّد . والأقوى عدم صحّة ضمان درك ما يحدثه المشتري ـ من بناء أو غرس في الأرض المشتراة إن ظهرت مستحقّة للغير ، وقلعه المالك ـ للمشتري عن البائع1.
دليل القاعدة في كون المضمون هو المأخوذ باليد ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : إذا قبض البائع الثمن وأتلفه أو صار تالفاً عنده ، يجوز ضمانه للمشتري عن البائع في صورة ظهور المبيع مستحقّاً للغير ، أو ظهور بطلان البيع لفقد شرط من شروط صحّته ; لأنّ الثمن في هاتين الصورتين على عهدة البائع وفي ذمّته مثلاً أو قيمة ، وقد عرفت أنّ هذا النحو من الضمان لا ينافي التنجيز المعتبر فيه ، والفرق بينه وبين ما تقدّم(1) من عدم الصحّة فيما لو قال : أقرض فلاناً أو بعه نسيئة وأنا ضامن إنّما هو ثبوت الإجماع على البطلان هناك ، وعدم ثبوته هنا ، وإلاّ فلا فرق بينهما كما لايخفى .
اللّهمّ إلاّ أن يُقال : إنّ ظهور المبيع مستحقّاً للغير ، أو ظهور بطلان البيع يكشف عن اشتغال ذمّة البائع بالثمن ; لأنّ الفرض حصول التلف عنده . وأمّا في المثالين فلم يتحقّق الاشتغال بوجه حين الضمان; لعدم حصول الاقتراض والبيع بعد .
الثاني : الصورة مع بقاء الثمن في يد البائع ، وقد تردّد في صحّة الضمان في هذه الصورة في المتن ، والظاهر أنّ الترديد واحتمال الوجهين ينشأ ممّا قوّاه سابقاً من عدم