(الصفحة 32)يكون للعامل الستّة من اثني عشر ، ولأحد الشريكين اثنين وللآخر أربعة ، ففي صحّته وجهان بل قولان ، أقواهما البطلان1.
1 ـ يجوز اتّحاد المالك وتعدّد العامل في مال واحد; سواء اشترط تساويهما فيما يستحقّان من الربح ، أو فضل أحدهما على الآخر ولو في صورة التساوي في العمل ; لأنّه لا دليل على لزوم التساوي في الربح مع التساوي في العمل ، بل يجري الحكم على طبق المعاقدة والمعاهدة ، ويعمل على طبق ظهور اللفظ عرفاً ، فلو قال : «قارضتكما ولكما نصف الربح» كانا فيه سواء من دون تفاضل .
ثمّ إنّه ذكر السيّد في العروة في أواخر كتاب المضاربة إنّه إذا تعدّد العامل; كأن ضارب اثنين بمائة مثلاً بنصف الربح بينهما متساوياً أو متفاضلاً ، فإمّا أن يميّز حصّة كلّ منهما من رأس المال; كأن يقول: على أن يكون لكلّ منه نصفه ، وإمّا لا يميّز ، فعلى الأوّل الظاهر عدم اشتراكهما في الربح والخسران والجبر إلاّ مع الشرط; لأنّه بمنزلة تعدّد العقد ، وعلى الثاني يشتركان فيها ، وإن اقتسما بينهما فأخذ كلّ منهما مقداراً منه ، إلاّ أن يشترطا عدم الاشتراك فيها .
فلو عمل أحدهما وربح ، وعمل الآخر ولم يربح أو خسر ، يشتركان في ذلك الربح ويجبر به خسران الآخر ، بل لو عمل أحدهما وربح ولم يشرع الآخر بعد في العمل فانفسخت المضاربة يكون الآخر شريكاً وإن لم يصدر منه عمل; لأنّه مقتضى الاشتراك في المعاملة ، ولا يعدّ هذا من شركة الأعمال كما قد يقال ، فهو نظير ما إذا آجرا نفسهما لعمل بالشركة، فهو داخل في عنوان المضاربة لا الشركة ، كما أنّ النظير داخل في عنوان الإجارة»(1) .
- (1) العروة الوثقى: 2/579 مسألة 3475 .
(الصفحة 33)
ومبنى أصل كلامه على تعدّد المضاربة وعدم تعدّدها ، فعلى الأوّل يلحق كلاًّ منهما حكم نفسه لو خلّي وطبعه إلاّ مع الشرط ، وعلى الثاني يجري حكم الواحد ، فيتحقّق الاشتراك في الربح ويجبر به خسران الآخر ، هذا إذا تعدّد العامل .
وأمّا إذا تعدّد المالك واتّحد العامل; بأن كان المال مشتركاً بين اثنين فقارضا واحداً بالنصف مثلاً متساوياً بينهما; بأن يكون النصف للعامل والنصف بينهما بالسويّة ، أو بالاختلاف; بأن يكون في حصّة أحدهما بالنصف وفي حصّة الآخر بالثلث مثلاً ، فإذا كان الربح اثني عشر استحقّ العامل خمسة; لأنّه المجموع المركّب من نصف النصف وثلثه ، وأحد الشريكين ثلاثة والآخر أربعة .
وقد استدرك الماتن (قدس سره) صورة واحدة; وهي ما إذا لم يكن اختلاف في استحقاق العامل بالنسبة إلى حصّة الشريكين ، وكان التفاضل في حصّة الشريكين فقط ، كما إذا اشترط أن يكون للعامل النصف والنصف الآخر بينهما بالتفاضل مع تساويهما في رأس المال; بأن يكون للعامل الستّة من اثني عشر ، ولأحد الشريكين اثنين وللآخر أربعة ، ففي الصحّة وعدمها وجهان بل قولان ، وقد جعل الأقوى البطلان ، ولعلّ الوجه فيه أنّه مع اتّحاد العامل كما هو المفروض ، وكون رأس المال مشتركاً بينهما بالسّوية ، وكون الربح تابعاً لرأس المال من دون تفاضل بين المالكين في أيّة جهة مرتبطة بهذه المعاملة ، لا مجال للتفاضل .
نعم ، لو كانت المضاربة متعدّدة ، أو كان العامل كذلك ، أو كون رأس المال مختلفاً أو متميِّزاً ، لم يكن مانع من ذلك ، وأمّا مع الوحدة من جميع الجهات وعدم تميّز رأس المال من كلّ واحد من الشريكين لا يبقى موقع للصحّة ، خصوصاً بعد كون مشروعيّة المضاربة على خلاف القاعدة كما ذكرناه مراراً ، فالأقوى كما في المتن البطلان ، ولكن السيّد في العروة جعل الأقوى الصحّة ، معلّلاً بمنع عدم جواز
(الصفحة 34)مسألة 11 : المضاربة جائزة من الطرفين يجوز لكلّ منهما فسخها ، قبل الشروع في العمل وبعده ، قبل حصول الربح وبعده ، صار المال كلّه نقداً ، أو كان فيه أجناس لم تنضّ بعد ، بل لو اشترطا فيها الأجل جاز لكلّ منهما فسخها قبل انقضائه . ولو اشترطا فيها عدم الفسخ ، فإن كان المقصود لزومها بحيث لا تنفسخ بفسخ أحدهما ـ بأن جعل ذلك كناية عن لزومها مع ذكر قرينة دالّة عليه ـ بطل الشرط دون أصل المضاربة على الأقوى ، وإن كان المقصود التزامهما بأن لا يفسخاها فلا بأس به ، ولا يبعد لزوم العمل عليهما ، وكذلك لو شرطاه في ضمن عقد جائز ما لم يفسخ ، وأمّا لو جعلا هذا الشرط في ضمن عقد خارج لازم ـ كالبيع والصلح ونحوهما ـ فلا إشكال في لزوم العمل به1.
الزيادة لأحد الشريكين بلا مقابلتها لعمل منه ، فإنّ الأقوى جواز ذلك الشرط ، ونمنع كونه خلاف مقتضى الشركة ، بل هو مخالف لمقتضى إطلاقها، مع أنّه يمكن أن يدّعى الفرق بين الشركة والمضاربة وإن كانت متضمِّنة للشركة(1) .
وفيه: أنّه مبنيّ على جواز جعل مقدار من الربح للأجنبي ، وقد ذكرنا عدم الجواز ، فراجع .
1 ـ المضاربة من العقود الجائزة ، وهل الوجه فيه الإجماع ، أو قصور أدلّة اللزوم عن الشمول للعقود الإذنية الفاقدة للتمليك والتملّك ; لعدم التزام من أحدهما بشيء كي يشمله «أوفوا بالعقود» ، بل إنّما هي مجرّد إذن وإباحة للتصرّف من أحدهما وقبول من الآخر كالعارية ، ولا ينافي ذلك وقوع التجارة والبيع والشراء من العامل ، مع أنّه لا بيع إلاّ في ملك ، ولا يكون هنا وكالة من قبل المالك حتّى يقع البيع
- (1) العروة الوثقى: 2/543 ذيل مسألة 3417 .
(الصفحة 35)
له ويكون آثار البيع مترتّبة بالإضافة إليه ، كخياري الغبن والعيب ونحوهما ، فلابدّ من الالتزام بدخوله في ملكه آناًما قبل البيع ليقع في ملكه ، وإلاّ فكيف يجتمع عدم ملكيّة العامل لرأس المال مع وقوع البيع له ، ولذا ذكرنا(1) أنّ المضاربة على خلاف القاعدة من جهات مختلفة ، وأنّ الحكمة الباعثة على تشريعها هي أهمّية الاقتصاد في المجتمع الإسلامي ، وإن كانت على خلاف القواعد السارية في العقود ، فتدبّر .
وكيف كان ، فالظاهر هو الثاني ، فلا مجال للمناقشة في أنّ الأوّل غير معلوم ، ولا فرق في جواز الفسخ بين أن يكون قبل الشروع في العمل أو بعده ، وكذا لا فرق بين أن يكون قبل حصول الربح أو بعده ، كما أنّه لا فرق بين صيرورة المال كلّه نقداً ، أو كان فيه أجناس لم تنضّ بعد ، والظاهر أنّه لا فرق بين صورة اشتراط الأجل فيها وعدمه ، فإنّه يجوز الفسخ في الصورة الاُولى قبل حلول الأجل وانقضائه .
ولو اشترطا فيها عدم الفسخ ، فإن كان بنحو شرط النتيجة; وهو أن يكون المراد عدم قابليّتها للانفساخ ، فلا شبهة في بطلان الشرط لكونه مخالفاً للكتاب والسنّة ، ولكنّه لا يسري البطلان إلى أصل المضاربة; لعدم الملازمة بين فساد الشرط وفساد المشروط ، فإنّ الشرط هو التزام في التزام لا مرتبطاً به بحيث يتبعه في اللزوم والجواز ، وعدم لزوم العمل بالشروط الابتدائية للإجماع عليه ، والتحقيق في محلّه . وإن كان المقصود شرط الفعل; بأن لا يتحقّق الفسخ من أحدهما خارجاً ـ وإن كانت المعاملة في نفسها جائزة قابلة للفسخ ـ فلا بأس به .
وتظهر الثمرة بين الصورتين في أنّ الفسخ في الصورة الاُولى يؤثّر في الانفساخ من دون استلزام مخالفة حكم تكليفي أصلاً ، وأمّا في الصورة الثانية فيؤثّر في
(الصفحة 36)مسألة 12 : الظاهر جريان المعاطاة والفضولية في المضاربة ، فتصحّ بالمعاطاة ، ولو وقعت فضولاً من طرف المالك أو العامل تصحّ بإجازتهما1.
الانفساخ مع الاستلزام المذكور ، فتدبّر .
ونفى البُعد عن لزوم العمل عليهما نظراً إلى عدم اختصاص لزوم الوفاء بالشرط بالشروط في ضمن العقود اللازمة; لإطلاق دليل لزوم الوفاء بالشرط ، وهو مثل قوله (صلى الله عليه وآله) : المؤمنون عند شروطهم(1) . نعم ، مع فسخ المضاربة وانحلالها لا يبقى مجال للزوم الوفاء ; لعدم بقاء المشروط ، ومن هنا يظهر أنّه لو شرطاه في ضمن عقد جائز آخر لم يفسخ يلزم الوفاء به ، وأولى من ذلك ما لو جعلا هذا الشرط في ضمن عقد خارج لازم كالبيع والصلح ونحوهما ، فإنّه لا إشكال في لزوم العمل بالشرط لا مجرّد نفي البُعد .
1 ـ فإنّ جريان المعاطاة والفضوليّة في العقود لا يكون على خلاف القاعدة ، فإنّ مرجع الأوّل إلى عدم اعتبار اللفظ في مقام الإنشاء ، بل يمكن تحقّقه بالفعل الدالّ عليه عرفاً ، اللّهمَّ إلاّ في مورد ثبوت الإجماع على الخلاف وعدم الجريان ، كالمعاطاة في النكاح ، ومرجع الثاني إلى عدم اعتبار صدور السبب من المالك أو من يقوم مقامه . وبعبارة اُخرى إلى عدم مقارنة الرّضا وطيب النفس ، ولا دليل على الاعتبار في العقود وإن كان الظاهر اعتباره في باب الإيقاعات على وفق القاعدة أو
- (1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : 2/159 ، تهذيب الأحكام: 7/371 ح 1503 ، الاستبصار: 3/232 ح 833 ، قضاء الحقوق للصوري: 18 ح 5، عوالي اللئالي: 1/218 ح 84 و ص 293 ح 173 و ج 2/257 ح 7 ، وعنها الوسائل: 21/276 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ب 20 ذ ح 4 ، و بحار الأنوار: 49/162 و ج 75/96 ح 18 و ج 77/167 ، و مستدرك الوسائل: 13/301 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ب 5 ح 7 .