(الصفحة 238)مسألة 3:إنّما يعتبر القبض في الابتداء ، ولا يعتبر استدامته ، فلو قبضه المرتهن ثمّ صار في يد الراهن أو غيره بإذن الراهن أو بدونه ، لم يضرّ ولم يطرأه البطلان . نعم ، للمرتهن استحقاق إدامة القبض وكونه تحت يده ، فلا يجوز انتزاعه منه1.
والثالث ، والعمدة ما ذكرنا من أنّ الرهن له خصوصيّة لا يتحقّق بدون القبض ، ولا يمكن دعوى اعتباره في اللزوم فقط لا في الصحّة ; لأنّ الحقيقة غير متحقّقة بدونه كما لايخفى .
بقي في هذه المسألة أمران آخران :
أحدهما : أنّه لو كان شيء في يده وديعة ، أو عارية ، بل ولو غصباً فأوقعا عقد الرهن عليه ، فالظاهر كفاية ذلك في تحقّق القبض الذي هو أمر تكويني وشرط للصحّة ، ولا يعتبر أن يكون أصل حدوثه قبل الرهن بإذن الراهن . نعم ، بعد حدوث الرهن لا مجال إلاّ لإقباضه أو المأذون من قبله .
ثانيهما : أنّه لو رهن المشاع الذي كان بين الراهن وغيره ، لا يجوز تكليفاً التسليم إلى المرتهن بدون إذن الشريك ، لكن لو ارتكب الحرام وأقبضه بدون إذن شريكه فالظاهر تحقّق القبض المعتبر في الرهن وإن ارتكب الحرام بالتسليم مع عدم إذنه .
1 ـ القبض المعتبر في الرهن إنّما يكون معتبراً في ابتدائه ، ولا يكون معتبراً في الاستدامة ، فلو قبضه المرتهن فلقد تمّ شرط الصحّة ، فإن صار بعده في يد الراهن ، أو غيره بإذن الراهن أو بدونه ، كما لو غصبت من يد المرتهن لم يطرأ الفساد على الرهن لتماميّة شرائطه ، وإلاّ لزم أن يُقال بلزوم حفظ العين المرهونة في يد المرتهن .
(الصفحة 239)مسألة 4 : يشترط في المرهون أن يكون عيناً مملوكاً يصحّ بيعه ويمكن قبضه ، فلا يصحّ رهن الدّين قبل قبضه على الأحوط وإن كان للصحّة وجه . وقبضه بقبض مصداقه . ولا رهن المنفعة ، ولا الحرّ ، ولا الخمر والخنزير ، ولا مال الغير إلاّ بإذنه أو إجازته ، ولا الأرض الخراجية ما كانت مفتوحة عنوة ، وما صولح عليها على أن تكون ملكاً للمسلمين ، ولا الطير المملوك في الهواء إذا كان غير معتاد عوده ، ولا الوقف ولو كان خاصّاً1.
نعم ، للمرتهن استحقاق إدامة القبض وكونه تحت يده ، لمدخليّته في الاستيثاق ، فلا يجوز الانتزاع منه ولو للرّاهن .
1 ـ يشترط في المرهون أن يكون عيناً مملوكاً يصحّ بيعه ويمكن قبضه ، والعين المشروطة هي العين في مقابل الدَّين قبل قبضه وفي مقابل المنفعة . أمّا الدَّين فقد احتاط في عدم الصحّة ، والظاهر أنّ المراد بالاحتياط هو الاحتياط الوجوبي ، وقال في المتن : وإن كان للصحّة وجه ، ولعلّ الوجه فيها إمكان تحقّق الاستيثاق والوثوق بأداء المديون الذي صار دينه رهناً ، بخلاف المديون الذي اُخذ الرهن منه .
وأمّا المنفعة ، فحيث إنّ وجودها تدريجي يوجد وينعدم ، والمفروض أنّ ما بإزائها ملك للراهن فبِمَ يتحقّق الاستيثاق ، وأمّا عدم جواز رهن الحرّ فواضح ; لعدم الفائدة فيه ، وكذا الخمر والخنزير بعد عدم تعلّق الملك بهما شرعاً وعدم جواز بيعهما ، مع أنّ المقصود من الرهن بيع المرتهن العين المرهونة وأداء دينه منه لو امتنع الراهن عن الأداء والوفاء ، وكذا لا يجوز رهن مال الغير إلاّ بإذنه أو إجازته المستلزم لإجازة بيع المرتهن في الصورة المذكورة ، وكذا لا يجوز رهن الأراضي
(الصفحة 240)مسألة 5 : لو رهن ملكه مع ملك غيره في عقد واحد صحّ في ملكه ، ووقف في ملك غيره على إجازة مالكه1.
الخراجية ما كانت مفتوحة عنوة ، وما صولح عليها على أن تكون ملكاً للمسلمين; لعدم اختصاصها بشخص خاصّ ، ولا يبعد أن يُقال بجواز الرهن بالإضافة إلى ما يجوز بيعه من البناء تبعاً للأرض .
وكذا لا يجوز رهن الطير في الهواء وإن كان مملوكاً; لعدم إمكان قبضه إلاّ إذا اعتاد عوده فيصحّ إقباضه ، وكذا لا يجوز رهن الوقف أعمّ من الوقف العام والوقف الخاص; لعدم جواز بيع العين الموقوفة إلاّ في موارد مخصوصة لا يكون بيع المرتهن منها كما لا يخفى .
هذا ، وقد ادّعي الإجماع على جميع ما ذكر(1) ، ولكن في الجواهر : دون تحصيله خرط القتاد(2) .
1 ـ مرجع هذه المسألة إلى جريان الفضولية في الرهن كجريانها في البيع والإجارة ، فلو رهن ملكه مع ملك غيره في عقد واحد صحّ في ملكه ، ويتوقّف في ملك غيره على إجازة مالكه ، كما أنّك عرفت في المسألة السابقة التوقّف على الإجازة لو رهن ملك الغير فقط ، والسرّ في ذلك كلّه أنّ صحّة الفضولي في موارده لا تكون على خلاف القاعدة حتّى يقتصر فيه على المورد المسلّم كالبيع ونحوه ، بل هي على طبق القاعدة لا يتخلّف عنها إلاّ في موارد قيام الدليل ، كالإيقاعات مثلاً .
- (1) غنية النزوع: 242 ـ 243 ، السرائر: 2/416 ـ 417 ، مهذّب الأحكام: 21/81 ـ 82 .
- (2) جواهر الكلام: 25/118 ـ 119 .
(الصفحة 241)مسألة 6 : لو كان له غرس أو بناء في الأرض الخراجية لا إشكال في صحّة رهن ما فيها مستقلاًّ ، وأمّا رهنها مع أرضها بعنوان التبعيّة ففيه إشكال ، بل المنع لا يخلو من قرب ، كما لا يصحّ رهن أرضها مستقلاًّ على الأقوى . نعم ، لا يبعد جواز رهن الحقّ المتعلّق بها على إشكال1.
مسألة 7 : لا يعتبر أن يكون الرهن ملكاً لمن عليه الدَّين ، فيجوز لشخص أن يرهن ماله على دين غيره تبرّعاً ولو من غير إذنه ، بل ولو مع نهيه . وكذا يجوز للمديون أن يستعير شيئاً ليرهنه على دينه ، ولو رهنه وقبضه المرتهن ليس
1 ـ لو كان له غرس أو بناء في الأرض الخراجيّة فلا إشكال في صحّة رهنه مستقلاًّ ; لأنّه ملك له لا يشاركه غيره ، فلا مانع من رهنه . وأمّا رهنه بضميمة الأرض بعنوان التبعيّة فقد استشكل فيه في المتن ، بل جعل المنع غير خال عن القرب ، والوجه فيه أنّ الأرض لا تكون ملكاً له بشخصه ، بل إنّما هي ملك للمسلمين جميعاً ، وليست لها أيّة طريق للاختصاص بمالك الغرس ، أو البناء في الأرض المذكورة ، ومنه يظهر عدم جواز رهن الأرض الكذائيّة مستقلّة بطريق أولى .
نعم ، نفى البُعد عن جواز رهن الحقّ المتعلّق بها على إشكال ، ولعلّ السرّ في الإشكال أنّه لا يكون في هذا الحقّ نفع يعود إلى المرتهن بدلاً عن الدَّين ووثيقة له ; لأنّه ما دام فيها الغرس والبناء يكون الغرس والبناء لنفسه ، ولو فرض زوالهما بسبب زلزلة ونحوها تصير الأرض الخالية متعلّقة بجميع المسلمين; لأنّ المفروض كونها مفتوحة عنوةً وملكاً لعموم المسلمين ، فليس هذا الحقّ الذي مرجعه إلى جواز البقاء في الأرض ما دام الأثر باقياً فيه ، نفع قابل لأن يقع بديلاً عن الدَّين .
(الصفحة 242)لمالكه الرجوع ، ويبيعه المرتهن كما يبيع ما كان ملكاً للمديون ، ولو بيع كان لمالكه مطالبة المستعير بما بيع به لو بيع بالقيمة أو بالأكثر ، وبقيمة تامّة لو بيع بأقلّ منها ، ولو عيّن له أن يرهنه على حقّ مخصوص ـ من حيث القدر أو الحلول أو الأجل أو عند شخص معيّن ـ لم يجز له مخالفته ، ولو أذنه في الرهن مطلقاً جاز له الجميع وتخيّر1.
1 ـ أمّا عدم اعتبار أن يكون الرهن ملكاً لمن عليه الدَّين ، فلأنّه لا يتضمّن معنى المبادلة والنقل والانتقال كما في البيع ونحوه ، بل هو وثيقة للدَّين كما عرفت في تعريفه(1) ، ويتفرّع على ما ذكر أنّه يجوز لشخص أن يرهن مال نفسه على دين غيره تبرّعاً ولو من غير إذنه ، بل ومع نهيه ، وما تقدّم من التوقّف على الإذن فإنّما هو فيما لو أراد أن يرهن مال المالك المديون ، لا ما لو أراد أن يرهن مال نفسه ، كما أنّه يتفرّع على ما ذكرنا أنّه يجوز للمديون عارية العين المرهونة ليرهنها ، وفي هذه الصورة لو تحقّق الرهن والقبض والإقباض لا يجوز للمالك المعير الرجوع ، بل يجوز للمرتهن بيعه كما في سائر الصور . وفي صورة تحقّق البيع ، فإن بيع بالقيمة أو بالأكثر يجوز للمعير مطالبة المستعير بتلك القيمة; لأنّ المبيع كان ملكه الذي بيع عليه قهراً بمقتضى إعارته للرهن بطيب نفسه ورضاه ، وإن بيع بالأقلّ من القيمة فللمالك القيمة التامّة العادلة .
ثمّ إنّه حيث يكون المالك في العارية هو المعير ; لأنّ مرجع العارية إلى حقّ الانتفاع بالعين من دون ثبوت ملكيّة للمستعير عيناً ولا منفعة ، فمرجع الإذن في ذلك هو المالك ، فلو عيّن للمستعير جهة خاصّة من جهة المرتهن ، أو الحقّ