(الصفحة 392)البائع بالثمن على شخص آخر ، ثمّ تبيّن بطلان البيع بطلت الحوالة ، بخلاف ما إذا انفسخ البيع بخيار أو بالإقالة ، فإنّه تبقى الحوالة ولم تتبع البيع فيه1.
مسألة 12 : إذا كان له عند وكيله أو أمينه مال معيّن خارجيّ ، فأحال دائنه عليه ليدفع إليه وقبل المحتال ، وجب عليه دفعه إليه ، ولو لم يدفع فله الرجوع على المحيل لبقاء شغل ذمّته2.
1 ـ لو أحال البائع من له عليه دين على المشتري ، فقبل المشتري الحوالة بتخيّل صحّة البيع واشتغال ذمّته للبائع بالثمن ، أو أحال المشتري البائع بالثمن على شخص آخر ، ثمّ تبيّن أنّ البيع كان باطلاً من أصله ولم يتحقّق فيه النقل والانتقال بالإضافة إلى المبيع والثمن ، بطلت الحوالة ; لأنّ قبولها كان لأجل تخيّل الصحّة وتحقّق النقل والانتقال ، وقد إنكشف الخلاف ، وهذا بخلاف ما إذا عرض للبيع الفسخ بالخيار أو بالإقالة ، فإنّه لا يكشف عن بطلان الحوالة بعد كون الفسخ من الحين لا من الأصل ، والحوالة متفرّعة على الأصل كما لا يخفى .
2 ـ إذا كان له عند وكيله أو أمينه مال معيّن خارجي ، كما إذا كان ماله عنده أمانة فأحال دائنه عليه وقبل الدائن المحتال الحوالة ، وجب على ذلك الشخص دفعه إليه لفرض كونه مالاً له وهو أمينه ، والدائن قابل للحوالة ، فلو لم يعمل الأمين ما وجب عليه ، ولم يدفع المال المعيّن إلى المحتال تبقى ذمّة المحيل على حالها; لفرض عدم تحقّق العمل الرافع للاشتغال ، ولم ينتقل الدَّين حينئذ إلى المحال عليه كما في الموارد الاُخر ; لأنّ المفروض أنّ المحال عليه ، أمينه والمال المحال به مال معيّن
(الصفحة 393)
القول في الكفالة
وهي التعهّد والالتزام لشخص بإحضار نفس له عليها حقّ; وهي عقد واقع بين الكفيل والمكفول له; وهو صاحب الحقّ ، والإيجاب من الأوّل ، ويكفي فيه كلّ لفظ دالّ على المقصود ، نحو «كفلت لك نفس فلان» ، أو «أنا كفيل لك بإحضاره» ونحو ذلك ، والقبول من الثاني ممّا دلّ على الرضا بذلك1.
مسألة 1 : يعتبر في الكفيل البلوغ والعقل والاختيار والتمكّن من الإحضار ، ولا يشترط في المكفول له البلوغ والعقل ، فيصحّ الكفالة للصبيّ والمجنون إذا قبلها الوليّ2.
خارجيّ ، فالدَّين باق على ذمّة المحيل من دون انتقال .
1 ـ الكفالة عبارة عن التعهّد والالتزام للدائن بإحضار نفس له عليها حقّ حتّى يمكن له قضاء دينه منه والوصول إلى الحقّ الذي عليه ، ويعبّر عن صاحب الحقّ بالمكفول له ، وعن الملتزم بالإحضار الكفيل . وهي عقد وإنشاء واقع بينهما ، غاية الأمر أنّ الإيجاب من المتعهّد بالإحضار ، والقبول من صاحب الحقّ ، ولا مدخلية للفظ خاصّ وصيغة مخصوصة لهذا العقد ، بل يكفي في الإيجاب كلّ لفظ دالّ على المقصود; نحو «كفلت لك نفس فلان» ، أو «أنا كفيل لك بإحضاره» أو نحو ذلك ، وفي القبول ما يدلّ على الرضا بذلك أيّ لفظ كان ، ولا مدخلية لرضا المكفول وموافقته لذلك ، كما في المثال على ما مرّ من اعتبار قوله .
2 ـ يشترط في الكفيل ما اشترطناه في المحيل من البلوغ والعقل والاختيار وأمر زائد على ما ذكر; وهو التمكّن من الإحضار والقدرة عليه ; لأنّه الغرض من الكفالة ، وأمّا المكفول له فلا يعتبر فيه البلوغ والعقل وإن كان طرفاً للعقد قطعاً ،
(الصفحة 394)مسألة 2 : لا إشكال في اعتبار رضا الكفيل والمكفول له ، والأقوى عدم اعتبار رضا المكفول وعدم كونه طرفاً للعقد . نعم ، مع رضاه يلحق بها بعض الأحكام زائداً على المجرّدة منه . والأحوط اعتبار رضاه وأن يكون طرفاً للعقد; بأن يكون عقدها مركّباً من إيجاب وقبولين من المكفول له والمكفول1.
فتصحّ الكفالة للصبي والمجنون مع قبول الولي وإذنه في ذلك ; لأنّه لا يبقى مع قبوله مجال للحكم بالبطلان ، خصوصاً مع أنّها تعهّد بالالتزام بالإحضار ليتمكّن المكفول له من الوصول إلى حقّه عليه .
1 ـ لا ريب في اعتبار رضا الكفيل والمكفول له; لتقوّم عقد الكفالة بهما كما ذكرناه في تعريف الكفالة; لأنّها تعهّد والتزام في مقابله . وأمّا المكفول ، فقد قوّى في المتن عدم اعتبار رضاه وعدم كونه طرفاً للعقد . نعم ، مع رضاه يلحق بها بعض الأحكام زائداً على الخالية عن هذا القبول ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى(1) . نعم ، احتاط بالاحتياط الاستحبابي اعتبار رضاه وأن يكون طرفاً للعقد; بأن يكون عقدها مركّباً من إيجاب وقبولين من المكفول له والمكفول ، كما أنّه يعتبر في باب الحوالة رضا الثلاثة : المحيل والمحتال والمحال عليه .
ولكن الظاهر وجود الفرق بين الحوالة والكفالة ، أمّا اعتبار الأشخاص الثلاثة في الحوالة فالوجه فيه واضح ; لأنّ المحيل يريد نقل ذمّته إلى المحال عليه ، والمحتال لا يكون له حقّ الرجوع إلى المحيل بعد تحقّق الحوالة الجامعة ، والمحال عليه يشتغل ذمّته بذلك وإن كانت بريئة ، فلا محيص عن اعتبار رضاهم جميعاً . وأمّا هنا فالغاية إحضار المديون للدائن والالتزام له بذلك . ومن المعلوم أنّ
(الصفحة 395)مسألة 3 : كلّ من عليه حقّ ماليّ صحّت الكفالة ببدنه ، ولا يشترط العلم بمبلغ ذلك المال . نعم ، يشترط أن يكون المال ثابتاً في الذمّة بحيث يصحّ ضمانه ، فلو تكفّل بإحضار من لا مال عليه وإن وجد سببه ـ كمن جعل الجعالة قبل أن يعمل العامل ـ لم تصحّ . وكذا تصحّ كفالة كلّ من يستحقّ عليه الحضور إلى مجلس الشرع; بأن تكون عليه دعوى مسموعة وإن لم تقم البيِّنة عليه بالحقّ . وكذا تصحّ كفالة من عليه عقوبة من حقوق الخلق كعقوبة القصاص ، دون من عليه عقوبة من حقوق الله تعالى كالحدّ والتعزير ، فإنّها لا تصحّ1.
المديون لا يكون راضياً به نوعاً ، بل كان مريداً للغيبوبة وعدم الحضور عند الدائن ، بل عدم التمكّن من إحضاره لذلك ، فلا وجه لاعتبار رضاه وصيرورته طرفاً للعقد ، فتدبّر جيّداً .
لكن حيث إنّ إحضاره نوع تسلّط عليه ، وهو لا يكون مرضياً له عادةً ، فمقتضى الاحتياط الاستحبابي اعتبار رضاه وكونه طرفاً للعقد أيضاً .
1 ـ قد عرفت أنّ حقيقة الكفالة هي التعهّد بإحضار الشخص ببدنه ، وهي تصحّ في الموارد التالية :
الأوّل : أن يكون المكفول من عليه حقّ ماليّ ، ولا يعتبر العلم بمقدار ذلك المال . نعم ، يعتبر أن يكون المال ثابتاً في الذمّة بحيث يصحّ ضمانه ، فلو تكفّل بإحضار من لا مال عليه وإن وجد سببه الناقص ـ كالجاعل في الجعالة قبل أن يتحقّق العمل من العامل ـ لم تصحّ الكفالة .
الثاني : أن يكون المكفول من يستحقّ عليه الحضور في مجلس الشرع; بأن تكون عليه دعوى مسموعة ـ وقد ذكرت شرائط سماع الدعوى في كتاب
(الصفحة 396)مسألة 4 : يصحّ إيقاع الكفالة حالّة لو كان الحقّ ثابتاً على المكفول كذلك ومؤجّلة ، ومع الإطلاق تكون حالّة مع ثبوت الحقّ كذلك ، ولو كانت مؤجّلة يلزم تعيين الأجل بنحو لا يختلف زيادة ونقصاً1.
القضاء(1) ـ وإن لم تقم عليه البيِّنة بالحقّ .
الثالث : أن يكون المكفول من عليه عقوبة من حقوق الخلق غير ماليّ كعقوبة القصاص،فإنّه تصحّ الكفالة والتعهّدبإحضارمثله ليتمكّن من إعمال القصاص ومثله.
واستثنى في الذيل ما إذا كان المكفول من عليه عقوبة من حقوق الله تبارك وتعالى كالحدّ والتعزير ، والوجه فيه أنّ المستحقّ فيه هو الخالق دون الخلق حتّى الحاكم الشرعي ، فلا يستحقّ أحد عليه الحضور ، ولو ثبت استحقاقه للحدّ والتعزير . نعم ، مع حضوره والتمكّن منه يجري عليه الحكم بأمر الحاكم .
وقد ذكر الفقهاء ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ في كتاب الحدود أنّ الزاني الذي حدّه الرجم إذا فرّ من الحفيرة التي جعل فيها لإجراء حدّ الرجم لا تجب إعادته إليها ، إمّا مطلقاً أو في بعض الصور(2) فراجع ، ومنه يظهر أنّ صورة اجتماع الحقّين كما في باب السرقة يجوز الكفالة فيه بالإضافة إلى حقّ الناس ، ولا تجوز بالنسبة إلى حقّ الله تعالى كما لا يخفى .
1 ـ إذا كان الحقّ الثابت على المكفول حالاًّ يصحّ إيقاع الكفالة كذلك
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة: كتاب القضاء والشهادات: 75 ـ 98.
- (2) المقنعة: 780 ، الكافي في الفقه: 407 ، المراسم العلويّة في الأحكام النبويّة: 254 ، الجامع للشرائع: 551 ، الروضة البهيّة في شرح اللّمعة الدمشقيّة: 9 / 91 ، النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى: 700 ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 412 .