(الصفحة 430)مسألة 21 : يجوز أن يتوكّل اثنان فصاعداً عن واحد في أمر واحد ، فإن صرّح الموكّل بانفرادهما ، أو كان لكلامه ظاهر متّبع في ذلك ، جاز لكلّ منهما الاستقلال في التصرّف من دون مراجعة الآخر ، وإلاّ لم يجز الانفراد لأحدهما ولو مع غيبة صاحبه أو عجزه; سواء صرّح بالانضمام والاجتماع أو أطلق; بأن قال مثلاً: «وكّلتكما» أو «أنتما وكيلاي» ونحو ذلك ، ولو مات أحدهما بطلت الوكالة رأساً مع شرط الاجتماع أو الإطلاق المنزّل منزلته ، وبقيت وكالة الباقي لو وكّل بالانفراد1.
عزل الوكيل الأوّل له ، والظاهر أنّ الوجه اقتضاء التبعية المفروضة كذلك ، فكما أنّه يجوز عزل الوكيل الأوّل ، كان له عزل الوكيل الثاني الذي تكون وكالته تبعاً لوكالته .
1 ـ لا شبهة في جواز أن يوكّل اثنين فصاعداً في أمر واحد ، كبيع داره أو تزويج امرأة له ، وحينئذ فللمسألة صورتان :
إحداهما : أن يصرّح الموكّل باستقلال كلّ منهما ، غاية الأمر أنّه إذا باع أحدهما داره يرتفع موضوع الوكالة بالنسبة ، كما لو فرض خراب الدار بسيل أو زلزلة أو نحوهما . وهكذا في التزويج مع فرض العلم بأنّه لم يرد إلاّ زوجة واحدة ، أو كانت الزوجة التي أوقع زوجيّتها أحد الوكيلين هي الرابعة، ومثل صورة التصريح ما لو كان لكلامه ظهور معتبر عقلائي في ذلك ولو بمعونة القرينة المقاليّة أو الحاليّة ، وفي هذين الفرضين يجوز لكلّ منهما الاستقلال في التصرّف من دون مراجعة الآخر ، بل مع منعه .
ثانيتهما : ما لم يقع التصريح بالاستقلال والانفراد ولم يكن لكلامه ظهور
(الصفحة 431)مسألة 22 : الوكالة عقد جائز من الطرفين ، فللوكيل أن يعزل نفسه مع حضور الموكّل وغيبته ، وكذا للموكّل أن يعزله ، لكن انعزاله بعزله مشروط ببلوغه إيّاه ، فلو أنشأ عزله ولم يطّلع عليه الوكيل لم ينعزل ، فلو أمضى أمراً قبل أن يبلغه ولو بإخبار ثقة كان نافذاً1.
عقلائي في ذلك ; سواء صرّح بالانضمام وعدم الاستقلال أو أطلق ، كما في المثالين المذكورين في المتن ، وفي هذه الصورة لا يجوز لأحدهما الانفراد والاستقلال حتّى مع غيبة الآخر ، أو عروض عجزه .
ولو مات أحدهما يبقى الآخر على وكالته في الصورة الاُولى دون الثانية ، والوجه فيه واضح .
1 ـ الوكالة عقد جائز من الطرفين كما عرفت(1) أنّه لعلّه المشهور ، ومقتضى ذلك أن يعزل الوكيل نفسه في كلّ حين وزمان من دون فرق بين حضور الموكّل أو غيبته ، ولا ينبغي ترتيب الأثر على ما ربما يتوهّم من أنّ عزل الوكيل نفسه في غيبة الموكّل ربما يكون إضراراً به ، أو نقضاً لبعض أغراضه ; لأنّه مع الحضور ربما كان يوكّل وكيلاً آخر لتحصيل غرضه ، فإنّ هذه الجهات لا يلزم شيئاً على الوكيل مع فرض جواز العقد .
وأمّا الموكّل فله أيضاً عزل الوكيل على ما هو مقتضى الجواز ، لكن انعزاله بعزله مشروط ببلوغه إيّاه ، وإلاّ لا يتحقّق الغرض من الموكّل ، وفرّع عليه في المتن أنّه لو أمضى أمراً قبل أن يبلغه ولو بإخبار ثقة كان نافذاً .
قلت : قد أثبتنا في موضعه أنّ خبر الواحد في الموضوعات الخارجيّة لا حجّية
(الصفحة 432)مسألة 23 : تبطل الوكالة بموت الوكيل ، وكذا بموت الموكّل وإن لم يعلم الوكيل بموته ، وبعروض الجنون على كلّ منهما على الأقوى في الإطباقي ، وعلى الأحوط في غيره ، وبإغماء كلّ منهما على الأحوط ، وبتلف ما تعلّقت به الوكالة ، وبفعل الموكّل ـ ولو بالتسبيب ـ ما تعلّقت به ، كما لو وكّله في بيع سلعة ثمّ باعها ، أو فعل ما ينافيه ، كما لو وكّله في بيع شيء ثمّ أوقفه1.
مسألة 24 : يجوز التوكيل في الخصومة والمرافعة لكلّ من المدّعي والمدّعى عليه ، بل يكره لذوي المروءات ـ من أهل الشرف والمناصب
له ولا اعتبار به ، وإلاّ كان جعل الحجّية للبيّنة التي يكون اختلافها معه في العدد لغواً ، كما لايخفى .
1 ـ لازم جواز عقد الوكالة عروض البطلان له بموت أحد المتعاقدين ، ولا فرق في صورة موت الموكّل علم الوكيل به وعدمه ـ بخلاف ما تقدّم من صورة العزل ـ وبعروض الجنون على كلّ منهما على الأقوى في الإطباقي ، وعلى الأحوط في غيره على ما في المتن ، ووجه الأوّل واضح . وأمّا وجه الثاني: فلأجل احتمال عدم كون عروض الجنون الأدواري منافياً للعقد الجائز ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ صدوره لا محالة كان في حال عدم الجنون ، وجريان استصحاب الصحّة بعد رعاية العقل حال الصدور ، ومع ذلك يكون مقتضى الاحتياط ، ولعلّه لأجل إطلاق بعض الكلمات الدالّة على البطلان بعروض الجنون ، وهكذا الحال بالإضافة إلى إغماء كلّ منهما . وتبطل الوكالة قطعاً بتلف ما تعلّقت به الوكالة; كما إذا وكّله في بيع دابّته فتلفت ، وكذا لو فعل الموكّل بنفسه أو بالتسبيب ، الأمر الذي وكّل الوكيل فيه ، أو فعلاً ينافي الوكالة ، كالمثالين المذكورين في المتن .
(الصفحة 433)الجليلة ـ أن يتولّوا المنازعة والمرافعة بأنفسهم ، خصوصاً إذا كان الطرف بذي اللسان ، ولا يعتبر رضا صاحبه ، فليس له الامتناع عن خصومة الوكيل1.
مسألة 25 : وكيل المدّعي وظيفته : بثّ الدعوى على المدّعى عليه عند الحاكم ، وإقامة البيِّنة وتعديلها ، وتحليف المنكر ، وطلب الحكم على الخصم . وبالجملة: كلّ ما هو وسيلة إلى الإثبات ، ووكيل المدّعى عليه وظيفته : الإنكار والطعن على الشهود ، وإقامة بيِّنة الجرح ، ومطالبة الحاكم بسماعها والحكم بها . وبالجملة: عليه السعي في الدفع ما أمكن2.
مسألة 26 : لو ادّعى منكر الدَّين مثلاً في أثناء مدافعة وكيله عنه ، الأداء أو الإبراء ، انقلب مدّعياً ، وصارت وظيفة وكيله إقامة البيِّنة على هذه الدعوى
1 ـ يجوز التوكيل في الخصومة والمرافعة لكلّ من المدّعي والمدّعى عليه ، كما هو المتعارف في زماننا هذا ، بل يكره لأهل الشرف والمناصب الجليلة تولّي ذلك بالمباشرة ، خصوصاً إذا كان الطرف غير شريف ، بل بذيء اللسان صاحب الخلق السيّئ واللسان السوء ، ولا يعتبر في جواز التوكيل المزبور رضا صاحبه ، فليس له الامتناع عن جواب وكيل المدّعي ، وإجراء أحكام المدّعي والمدّعى عليه .
2 ـ وكيل كلّ من المدّعي والمدّعى عليه وظيفته كوظيفة نفسهما ، فكلّ حكم كان ثابتاً بالإضافة إلى المدّعي نفعاً أو ضرراً ثابت في حقّ وكيله ، وكذا وكيل المدّعى عليه يجري فيه ما يجري على الموكّل من دون فرق ، فكما أنّ الموكّل في صورة الإدّعاء بصدد إثبات حقّه لو فرض ، كذلك الوكيل لابدّ أن يكون بهذا النحو ، وهكذا في ناحية وكيل المدّعى عليه كما هو ظاهر .
(الصفحة 434)وغيرها ممّا هو وظيفة المدّعي ، وصارت وظيفة خصمه الإنكار وغيره من وظائف المدّعى عليه1.
مسألة 27 : لا يقبل إقرار الوكيل في الخصومة على موكّله ، فلو أقرّ وكيل المدّعي القبض ، أو الإبراء ، أو قبول الحوالة أو المصالحة ، أو بأنّ الحقّ مؤجّل ، أو أنّ البيِّنة فسقة ، أو أقرّ وكيل المدّعى عليه بالحقّ للمدّعي ، لم يقبل وبقيت الخصومة على حالها; سواء أقرّ في مجلس الحكم أو غيره ، وينعزل
1 ـ لو كان وكيل المدّعى عليه في مقام نفي أصل الحقّ ، فادّعى المدّعى عليه في أثناء مدافعة الوكيل ما يوجب انقلاب الدعوى وصيرورة المدّعي منكراً وبالعكس ، كما إذا ادّعى عليه الدَّين وأنكره الوكيل ، فادّعى المدّعى عليه في أثناء المدافعة أداء الدَّين أو تحقّق الإبراء ، فكما أنّه يكون موجباً لانقلاب الدعوى فيما إذا كان المتصدّي للخصومة المدّعى عليه بنفسه ، كذلك يكون موجباً للانقلاب فيما إذا كان المتصدّي الوكيل ، غاية الأمر أنّ الموكّل إدّعى الإبراء أو الأداء .
وبالجملة : وكيلا المدّعي والمدّعى عليه وظيفتهما القيام مقامهما ، فمع عدم الانقلاب يجري عليهما أحكامهما ، ومع الانقلاب يجري حكم الانقلاب كنفسهما ، والوجه فيه واضح .
ثمّ إنّه هل يجري حكم جواز التوكيل في الخصومات الواقعة في حقوق الناس ـ كالدَّين ونحوه ـ في المحاكمات الواقعة لإجراء ما يوجب الحدّ أو التعزير ، فيجوز لمن كان متّهماً بالزنا مثلاً أن يوكّل غيره عند الحاكم للجواب عن هذا الإتّهام ، أم لا؟ الظاهر أنّه لا فرق بين الصورتين ، ولا تكون الصورة الثانية منافية لأداء الشهادة بعد عدم الإبهام فيه .