(الصفحة 248)مسألة 11 : كما يصحّ في الإجارة أن يأخذ المؤجر الرهن على الاُجرة التي في ذمّة المستأجر ، كذلك يصحّ أن يأخذ المستأجر الرهن على العمل الثابت في ذمّة المؤجر1.
يقارن طول المدّة ، فإنّه يرد عليه أنّ حصول العلم في مثله ممنوع ، وقد ثبت إخبار بعض المطبوعات بحصول الحياة العادية للأفراد الكذائية ولو بعد سنين متمادية ، وعلى تقدير حصول العلم لا يكون الموجب للدية العلم بانجرار الجناية إلى الموت ، بل الموجب هو الموت الواقعي الخارجي ، فلا مجال للرهن على الدية قبل تحقّقها . وكذا يترتّب على أصل المسألة : عدم جواز الرهن على مال الجعالة قبل تمام العمل; لأنّه يمكن له رفع اليد عن الإتمام ، أو تحقّق الموت أوّلاً وعدم تحقّق الاستحقاق قبل تمام العمل ثانياً ، فلا يجوز الرهن عليه ، وهكذا . نعم ، في مورد مال الإجارة حيث تتحقّق الملكية بنفس عقد الإجارة يجوز الرهن بعد عقدها .
1 ـ كما عرفت أنّه يصحّ في الإجارة أن يأخذ المؤجر الرهن على الاُجرة الثابتة في ذمّة المستأجر بنفس عقد الإجارة بعد تحقّقها ، كذلك في الإجارة على الأعمال ـ التي يشرع في العمل بعد تحقّق الإجارة ، غاية الأمر استحقاق المستأجر العمل على عهدة الأجير بنفس عقد الإجارة مباشرة في بعض الموارد ، وأعمّ منها في بعض الموارد الاُخر ، كما قد فصّل في كتاب الإجارة(1) ـ يجوز للمستأجر أخذ الرهن من الأجير لئلاّ يتحقّق منه العمل على طبق الإجارة ، والوجه فيه إتّحاد العلّة مع الفرض السابق ، وعدم ثبوت الفرق أصلاً . نعم ، لا يجري ذلك في إجارة الأعيان كما هو واضح .
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الإجارة: 251 ـ 262 .
(الصفحة 249)مسألة 12 : الظاهر أنّه يصحّ الرهن على الأعيان المضمونة ، كالمغصوبة والعارية المضمونة والمقبوض بالسّوم ونحوها ، وأمّا عهدة الثمن أو المبيع أو الاُجرة أو عوض الصلح وغيرها ـ لو خرجت مستحقّة للغير ـ فالأقوى عدم صحّته عليها1.
مسألة 13 : لو اشترى شيئاً بثمن في الذمّة جاز جعل المبيع رهناً على الثمن2.
1 ـ لعلّ الوجه في صحّة الرهن على الأعيان المضمونة كالمغصوبة ونحوها ممّا هو مذكور في المتن ، إمّا أولويّتها من الدَّين الثابت على العهدة والمستقرّ في الذمّة ، وإمّا لثبوتها بأنفسها على العهدة ، كما هو التحقيق في مقتضى قاعدة ضمان اليد الثابت بمثل قوله (صلى الله عليه وآله): على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي(1)، وإمّاعدم الاختصاص بالدين لعدم قيام دليل عليه ، مضافاً إلى ثبوت حقيقة الرهن بالإضافة إلى كليهما ، كما لايخفى .
وأمّا عدم صحّة الرهن على عهدة الثمن الشخصي ، أو المبيع كذلك ، أو الاُجرة ، أو عوض الصلح فيما إذا كانا كذلك لو خرجت هذه الاُمور مستحقّة للغير ، فالوجه فيه عدم معلوميّة الحال وعدم ثبوت كونها مستحقّة للغير في حال الرهن ، وعلى تقدير الثبوت بعداً لكشف ذلك عن بطلان المعاملة ; بيعاً كانت أو إجارةً أو صلحاً ، فلا يجوز أيضاً; لأنّ الرهن على دين يمكن أن يثبت بعد ذلك غير جائز ، كما مرّ من لزوم أن يكون الرهن على دين ثابت في الذمّة ، ولعلّه لما ذكر قد قوّى في المتن عدم الصحّة .
2 ـ لو اشترى شيئاً بثمن في الذمّة نسيئة وتمّت المعاملة جاز للمشتري جعل
(الصفحة 250)مسألة 14 : لو رهن على دينه رهناً ثمّ استدان مالاً آخر من المرتهن ، جاز جعل ذلك الرهن رهناً على الثاني أيضاً ، وكان رهناً عليهما معاً; سواء كان الثاني مساوياً للأوّل في الجنس والقدر أو مخالفاً ، وكذا له أن يجعله على دين ثالث ورابع إلى ما شاء . وكذا إذا رهن شيئاً على دين جاز أن يرهن شيئاً آخر على ذلك الدَّين ، وكانا جميعاً رهناً عليه1.
المبيع رهناً على الثمن تحصيلاً للاستيثاق; لفرض صيرورته ملكاً له بمجرّد تماميّة المعاملة ، وخروجه عن ملك البائع بعدها ، ولا فرق في جواز الرهن على الثمن بين المبيع وبين غيره من الاُمور المرتبطة بالمشتري .
1 ـ قد تعرّض في هذه المسألة لفرعين :
أحدهما : أنّه لو رهن على دينه شيئاً يكون مملوكاً للراهن مثلاً ، ثمّ استدان مالاً آخر من نفس ذلك المرتهن ، يجوز مع رضا المرتهن أن يجعل الرهن الأوّلي رهناً على الثاني أيضاً ; لعدم كون تعلّق حقّ الرهن به مانعاً عن ذلك ، وليس فيه تفويت حقّ المرتهن بوجه مع رضاه بذلك ، خصوصاً مع كونه أضعاف الدَّين الأوّلي ، وهذا لا فرق فيه بين كون الدَّين الثاني مساوياً للأوّل في الجنس والقدر ، أو مخالفاً فيهما أو في أحدهما ، وهذا الملاك جار في جعل الرهن الأوّلي رهناً على الدَّين الثالث أو الرابع وهكذا; لعدم الفرق ولأنّ الأمر لا يعدوهما ، فرضاهما بذلك كاف ، كما لو فرض رضا المرتهن بالدَّين الثاني وهكذا من دون رهن .
ثانيهما : أنّه إذا رهن شيئاً على دين جاز له أن يضمّ إليه شيئاً آخر; لحصول الاطمئنان الكامل والاستيثاق التامّ ، خصوصاً مع كون الرهن الأوّل أقلّ من الدين بمراتب ، والوجه فيه ما ذكرناه من أنّ الحقّ لا يعدوهما ، وأنّ الرهن إنّما هو وثيقة
(الصفحة 251)مسألة 15 : لو رهن شيئاً عند زيد ثمّ رهنه عند آخر أيضاً باتّفاق من المرتهنين كان رهناً على الحقّين ، إلاّ إذا قصدا بذلك فسخ الرهن الأوّل وكونه رهناً على خصوص الثاني1.
مسألة 16 : لو استدان اثنان من واحد كلّ منهما ديناً ، ثمّ رهنا عنده مالاً مشتركاً بينهما ولو بعقد واحد ، ثمّ قضى أحدهما دينه انفكّت حصّته عن الرهانة . ولو كان الراهن واحداً والمرتهن متعدّداً; بأن كان عليه دين لاثنين فرهن
للدَّين الثابت على ذمّة الراهن ، فلا مانع من الانضمام ، وعليه: فيكونان جميعاً رهناً على الدَّين الواحد مترتّباً على كلّ واحد منهما أحكام العين المرهونة التي سيأتي التعرّض لها إن شاء الله تعالى ، وعلى ما ذكرنا يجوز ضمّ شيء ثالث أو رابع وهكذا ; لعدم الفرق ووحدة الملاك كما لا يخفى ، ولأجل ما ذكر يجوز للمرتهن بعد تحقّق الارتهان بشرائطه فسخ الرهن وردّ العين المرهونة إلى الراهن مع كون الدَّين باقياً ثابتاً في الذمّة ، وعليه فلا حقّ للمرتهن بعد ذلك ، بل له أداء دينه في ظرفه .
1 ـ لو رهن شيئاً عند زيد مثلاً ثمّ رهنه عند عمرو كذلك باتّفاق من المرتهنين ، فتارةً يكون المقصود فسخ الرهن الأوّل وكونه رهناً على خصوص الثاني ، فلا مانع من ذلك وإن كان الرهن لازماً من ناحية الراهن وجائزاً من ناحية المرتهن كما سيأتي(1) ، وإن كان المقصود ثبوته رهناً على الحقّين وعلى الدَّين الثاني كالدَّين الأوّل ، فلا مانع من ذلك بعدما عرفت من أنّ الحقّ لا يعدوهما ، وجواز كون شيء واحد رهناً على الحقّين وإن كانا مترتّبين كما تقدّم في المسألة السابقة .
(الصفحة 252)شيئاً عندهما بعقد واحد ، فكلّ منهما مرتهن للنصف مع تساوي الدَّين ، ومع التفاوت فالظاهر التقسيط والتوزيع بنسبة حقّهما ، فإن قضى دين أحدهما انفكّ عن الرهانة ما يقابل حقّه . هذا كلّه في التعدّد ابتداءً ، وأمّا التعدّد الطارئ فالظاهر أنّه لا عبرة به ، فلو مات الراهن عن ولدين لم ينفكّ نصيب أحدهما بأداء حصّته من الدَّين ، كما أنّه لو مات المرتهن عن ولدين فاُعطي أحدهما نصيبه من الدَّين لم ينفكّ بمقداره من الرّهن1.
1 ـ في هذه المسألة فروض :
الأوّل : لو استدان اثنان من واحد كلّ منهما ديناً مستقلاًّ غير مرتبط أحدهما بالآخر ، ثمّ رهنا عنده مالاً مشتركاً بينهما ، كما إذا اشتراه بالشركة ثمّ قضى أحدهما دينه أو فكّ المرتهن الرهن بالإضافة إلى حصّته ، انفكّت حصّته فقط عن الرهانة ويصير ملكاً طلقاً له .
الثاني : لو كان الراهن واحداً والمرتهن متعدِّداً ، كما عرفت فرضه في المسألة السابقة ، وذكر فرضاً آخر له في المتن; وهو أنّه كان عليه دين لاثنين فرهن شيئاً عندهما بعقد واحد ، فإن كان الدينان متساويين يكون كلّ منهما مرتهناً بالإضافة إلى النصف ، وإن لم يكن الدينان متساويين فاستظهر في المتن التقسيط والتوزيع بنسبة حقّهما وهو كذلك ; فإنّه لا مجال لتوهّم كون دين أحدهما عشرة أضعاف الدَّين الآخر ، ويكون بالإضافة إلى الرهن متساويين ، فإنّه وإن كان لا تعتبر المماثلة بين الدَّين والرهن من جهة المالية ، إلاّ أنّ المنساق إلى الذهن في الفرض المزبور التقسيط والتوزيع بالنسبة ، وإن لم يقع التصريح بذلك لا من الراهن ولا من المرتهنين ، وفرّع عليه في المتن أنّه إن قضى دين أحدهما انفكّ عن الرهانة ما يقابل حقّه نصفاً كان أو غيره .