(الصفحة 26)
[مسائل المضاربة]
مسألة 3 : الدراهم المغشوشة إن كانت رائجة مع كونها كذلك تجوز المضاربة بها ، ولا يعتبر الخلوص فيها . نعم ، لو كانت قلباً يجب كسرها ولم تجز المعاملة بها لم تصحّ1.
مسألة 4 : لو كان له دين على شخص يجوز أن يوكّل أحداً في استيفائه ، ثمّ إيقاع المضاربة عليه موجباً وقابلاً من الطرفين . وكذا لو كان المديون هو العامل ، يجوز توكيله في تعيين ما في ذمّته في نقد معيّن للدائن ، ثمّ إيقاعها عليه موجباً وقابلاً 2.
1 ـ لا يعتبر الخلوص في الدراهم ، بل هي مع المغشوشيّة وعدم الخلوص فيها لو كانت رائجة مع كونها كذلك تجوز المضاربة بها، ولو كانت قلباً بحيث يجب كسرها ولم يجز جعلها ثمناً في المعاملات لم تصحّ المضاربة بها; لعدم ثبوت الماليّة لها. ثمّ إنّه ذكر المحقّق في الشرائع أنّه لا يقع بالمغشوش; سواء كان الغشّ أقلّ أو أكثر(1) ، والظاهر أنّ المراد بالمغشوش في كلامه هو القلب وإلاّ فلا وجه للحكم بالبطلان ، خصوصاً مع رواجها في المعاملة متضمّنة بهذا الوصف ، وأمّا القلب فقد عرفت البطلان فيه ، وإليه يرجع ما عن جامع المقاصد(2) من تقييد نحو عبارة المحقّق المذكورة بما إذا لم يكن متعاملاً به . قال : فلو كان معلوم الصرف بين الناس جازت به المعاملة ويصحّ جعله مالاً للقراض; سواء كان الغش أقلّ أو أكثر كما هو ظاهر ، والضابطة هو الرواج في سوق العرف والعقلاء وعدمه .
2 ـ لو كان له دين على شخص ، فتارةً: يكون المديون غير العامل ، واُخرى:
- (1) شرائع الإسلام: 2/139 .
- (2) جامع المقاصد: 8/66 .
(الصفحة 27)مسألة 5 : لو دفع إليه عروضاً وقال: بعها ويكون ثمنها مضاربة لم تصحّ ، إلاّ إذا أوقع عقدها بعد ذلك على ثمنها1.
يكون المديون العامل .
ففي الصورة الاُولى: حكم بجواز أن يوكّل أحداً في استيفائه ثمّ إيقاع المضاربة عليه موجباً وقابلاً من الطرفين ، والظاهر أنّ المقصود ما إذا أراد الوكيل في الاستيفاء أن يصير عاملاً له في المضاربة ، فإنّه حينئذ يصير موجباً من ناحية الموكّل وقابلاً من نفسه لفرض كونه العامل ، وإن كانت العبارة قاصرة عن إفادة هذا المعنى .
وفي الصورة الثانية: حكم بجواز توكيله في تعيين ما في ذمّته في نقد معيّن للدائن ثمّ إيقاعها عليه موجباً وقابلاً ، وقد عرفت(1) أنّ الدليل عليه هي موثّقة السكوني المتقدِّمة ، وعرفت(2) أيضاً أنّ موردها صورة عدم وجود مال للعامل يدفع به دينه ، وإلاّ ففي صورة الوجود وحضوره لإعطاء الدّين لا حاجة إلى القبض ولا التوكيل عليه ، بل تجوز المضاربة من ناحية المالك والعامل . غاية الأمر الافتقار إلى القصد في المعاملة التي يوقعها بعد ذلك ، وأنّها هل هي بعنوان المضاربة ـ كما إذا كانت له أموال شخصية أيضاً; إذ لا يعتبر أن يكون الثمن في المعاملة المرتبطة بالمضاربة شخصياً كما لا يخفى ـ أو بعنوان شخصه والتكسّب لنفسه ، اللّهمَّ إلاّ أن يُقال : إنّ الحاجة إلى القبض إنّما هو لعدم التعيّن للدين بدونه ، كما لا يخفى .
1 ـ لو دفع إليه عروضاً وقلنا بعدم جواز المضاربة بالعروض فاللازم أن يوكّله في بيعه وأخذ ثمنه ، فإن أراد أن يجعل ثمنه مضاربة فاللازم توكيله في إيقاع عقد
(الصفحة 28)مسألة 6 : لو دفع إليه شبكة على أن يكون ما وقع فيها من السمك بينهما بالتنصيف مثلاً لم يكن مضاربة ، بل هي معاملة فاسدة ، فما وقع فيه من الصيد للصائد بمقدار حصّته التي قصدها لنفسه ، وما قصده لغيره فمالكيّته له محلّ إشكال ، ويحتمل بقاؤه على إباحته ، وعليه اُجرة مثل الشبكة1.
المضاربة بالثمن المأخوذ; سواء كان هو العامل أو غيره ، ففي الاُولى يصير موجباً وقابلاً من الطرفين دون الثانية ، والوجه فيه واضح ، هذا لو لم نقل بجريان المعاطاة في المضاربة; كما يستفاد من العروة فيما لو قال : بع هذه السلعة وخذ ثمنها قراضاً كما تقدّم(1) ، وإلاّ فلا حاجة إلى العقد أصلاً ، إلاّ أن يقال : إنّ المقصود من الإيجاب والقبول ليس خصوص العقد المشتمل على ألفاظ مخصوصة، بل أعمّ منه ومن المعاطاة ، فإنّ الحاجة إلى الإنشاء محفوظة في كلا الفرضين كما لا يخفى .
وعليه: ففيما إذا لم يكن هناك إلاّ شخص واحد يمكن أن يُقال بعدم إمكان تحقّق المعاطاة ، بخلاف ما لو كان في البين شخصان وكان الإعطاء متحقّقاً من ناحية واحد; كما إذا كان الثمن موجوداً عند البائع وأعطى المبيع إلى المشتري بقصد إنشاء البيع ، وأمّا مع الانحصار بواحد فكيف يمكن تحقّق المعاطاة وإن لم تحتج إلاّ إلى إعطاء واحد كما في المضاربة ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ لو دفع إليه شبكة على أن يكون ما وقع فيها من السمك بينهما بالتنصيف مثلاً لا تكون هذه المعاهدة بمضاربة ; لعدم ثبوت رأس المال فيها أوّلاً ، وعدم ثبوت الاسترباح بالتجارة ثانياً ، بل هي معاملة فاسدة ، فما وقع فيها من الصيد للصائد بمقدار حصّته التي قصدها لنفسه; لتعلّق قصد الحيازة بها ولو كانت الشبكة
(الصفحة 29)مسألة 7 : لو دفع إليه مالاً ليشتري نخيلاً أو أغناماً على أن تكون الثمرة والنتاج بينهما لم يكن مضاربة ، فهي معاملة فاسدة تكون الثمرة والنتاج لربّ المال ، وعليه اُجرة مثل عمل العامل1.
للغير ، فإنّ الظاهر أنّ الشبكة إذا كانت مغصوبة مثلاً وقصد بها حيازة السمك يملكه ، فلا شبهة في مفروض المسألة في تملّك مقدار حصّته التي قصدها لنفسه ، وأمّا ما قصده لغيره فقد استشكل في ملكيّته له ; لأنّ قصده للغير كان بعنوان المضاربة ، والمفروض عدم ثبوتها ، ولا يكون هناك عنوان معاملي آخر ، كما أنّه لا يكون توكيل في حيازة النصف لمالك الشبكة ، ولا يكون إيقاع عقد المضاربة مستلزماً للتوكيل في الحيازة بناءً على جريان الوكالة في الحيازة كما هو الظاهر; لأنّه مضافاً إلى منع الاستلزام المذكور نقول: إنّ قبول الوكالة لا يكون في المفروض تبرّعاً ومجّاناً بل مع العوض ، والمفروض جهالته في المقام ، فلا يمكن أن يكون من هذا القبيل .
واحتمل في المتن بقاءه على حالته الأصلية من الإباحة ; لعدم تعلّق الحيازة بها أصلاً ولا وكالة ، وعلى كلا التقديرين عليه اُجرة مثل الشبكة كما لا يخفى ، ولا يتوقّف ملكيّة السمك بالحيازة على كونه مالكاً للشبكة أو مأذوناً ، بل الظاهر تحقّق الحيازة ولو بالشبكة المغصوبة كما عرفت .
1 ـ لو دفع إليه مالاً ليشتري نخيلاً أو أغناماً على أن تكون الثمرة والنتاج بينهما بالكسر الذي توافقا عليه لا تكون مضاربة; لعدم تحقّق الاسترباح بالتجارة على ما عرفت ، بل تكون المعاملة فاسدة ، ولازمها كون الثمرة والنتاج لربّ المال وعليه اُجرة مثل العمل ، ومثل هذا المعنى شائع في زماننا هذا في مثل السيّارة التي يعطيها
(الصفحة 30)مسألة 8 : تصحّ المضاربة بالمشاع كالمفروز ، فلو كانت دراهم معلومة مشتركة بين اثنين ، فقال أحدهما للعامل: «قارضتك بحصّتي من هذه الدراهم» صحّ مع العلم بمقدار حصّته ، وكذا لو كان عنده ألف دينار مثلاً وقال: «قارضتك بنصف هذه الدنانير»1.
مسألة 9 : لا فرق بين أن يقول : «خذ هذا المال قراضاً ولكلّ منّا نصف الربح» وأن يقول: « . . . والربح بيننا» أو يقول: « . . . ولك نصف الربح» أو « . . . لي نصف الربح» في أنّ الظاهر أنّه جعل لكلّ منهما نصف الربح . وكذلك
صاحبها لمن يعمل بها ويحمل المسافر بسببها من محلّ إلى محلّ آخر وتجعل الاُجرة بينهما ، فإنّ الظاهر عدم ثبوت المضاربة وبطلان المعاهدة الواقعة ، بل الاُجرة بأجمعها لصاحب السيّارة وعليه اُجرة مثل عمل العامل ، وفيما لو فرض غصب السيّارة وحمل المسافر بسببها لا يكون عليه اُجرة مثل العمل أيضاً; لعدم وقوعه بأمره وإذنه ، فلا يكون عمله محترماً بوجه ، فلا فرق في عدم تحقّق المضاربة وعدم ترتيّب آثارها بين صورتي الإذن وعدمها كما لا يخفى ، والحكمة التي ذكرناها لتشريع المضاربة وجعلها في الإسلام لا تقتضي الحكم بالصحّة في الموارد المذكورة; لكونها حكمة أوّلاً لا علّة ، وكون الحكمة المذكورة ممّا لم ينصّ عليها في رواية أو مثلها ، فلا يدور الحكم مدارها كما في سائر الموارد .
1 ـ لعدم الدليل على اختصاص المضاربة برأس المال المفروز ، بل تصحّ بالمشاع مع حفظ الشرائط المتقدِّمة في رأس المال ، التي منها كونه معلوماً قدراً ووصفاً ، أو ممّا يؤول إلى العلم ، فتصحّ المضاربة في مثل الفرضين المذكورين في المتن ، ولا تكون الإشاعة موجبة لعدم كون رأس المال عيناً .