(الصفحة 95)بالخشخاش ، والدخن والسّمسم بمثلهما وجنسهما .
وأمّا مع الخلط بغير جنسهما فالظاهر عدم الشركة ، فيتخلّص بالصلح ونحوه ، كما أنّ الأحوط التخلّص بالصلح ونحوه في خلط الجوز بالجوز واللوز باللوز ، وكذا الدراهم والدنانير المتماثلة إذا اختلط بعضها ببعض على نحو يرفع الامتياز ، ولا تتحقّق الشركة لا واقعاً ولا ظاهراً بخلط القيميّات بعضها ببعض ، كما لو اختلط الثياب بعضها ببعض مع تقارب الصفات ، والأغنام بالأغنام ونحو ذلك ، فالعلاج فيها التصالح أو القرعة1.
1 ـ الامتزاج الموجب للشركة قد يوجب الشركة الواقعيّة الحقيقيّة; سواء كان مع العمد والاختيار ، أو مع الوقوع قهراً; وهو فيما إذا حصل خلط وامتزاج تامّ بين مايعين متجانسين ، بحيث لم يكن هناك رافع للامتياز بحسب الواقع لا عرفاً ولا عقلاً ، كالماء بالماء والدهن بالدهن ، خصوصاً مع عدم الاختلاف في الجودة والرداءة والصبغ والاُمور الاُخر أيضاً ، وأمّا المائعان غير المتجانسين كدهن اللوز بدهن الجوز مثلاً ، ففي المتن أنّ الامتياز وإن كان مرفوعاً عرفاً بحسب الواقع وإن لم يكن عقلاً كذلك ، إلاّ أنّه لا يوجب الخروج عن الشركة الواقعيّة; لأنّ الملاك في أمثال ذلك هو العرف لا العقل .
وأمّا خلط الجامدات الناعمة بعضها ببعض كالأدقّة ، فقد تأمّل في المتن واستشكل في كونها شركة واقعيّة ، بل نفى البُعد عن كونها ظاهريّة ، ولكنّه استشكل بعض الأعلام (قدس سره) في أصل الشركة الظاهرية قهرية كانت أو اختياريّة; بأنّه لا معنى للشركة الظاهرية بعد العلم بعدم الاشتراك واقعاً ، فإنّ الأحكام الظاهرية إنّما هي مجعولة في فرض الشكّ والجهل بالحكم الواقعي ، فلا معنى لثبوتها مع العلم به ، وقد دفع دعوى أنّ المراد من الشركة الظاهرية هو ترتيب آثارها في
(الصفحة 96)
مقام العمل وإن لم تكن هناك شركة في الواقع ، بأنّه لا موجب لإجراء أحكام الشركة بعد العلم بعدمها واقعاً واستقلال كلّ منهما في ماله .
ثمّ قال ما ملخّصه : إنّ الامتزاج إذا كان على نحو يعدّ الممتزجان شيئاً واحداً عرفاً وأمراً ثالثاً مغايراً للموجودين السابقين ، كما في مزج السكّر بالخلّ ، حيث يوجب ذلك انعدامهما معاً وتولّد شيء جديد مغاير لهما يسمّى بالسكنجبين ، ففيه تكون الشركة واقعيّة ، فإنّ الموجود بالفعل مال واحد نشأ عن المالين اللذين يكون ملكاً لهما معاً; إذ لا موجب لاختصاص أحدهما به ، ولا ينافي ذلك أنّه لو اتّفق تفكيكهما بوجه من الوجوه ـ خصوصاً في زماننا هذا ـ يكون كلّ منهما مختصّاً بمالكه الأوّل ، وأمّا إذا كان الامتزاج بنحو يكون الموجود بالفعل عبارة عن موجودات متعدّدة غير قابلة للتمييز خارجاً ، كما في مزج الدراهم بمثلها فلا موجب للقول بالشركة أصلاً ، فإنّ كلّ درهم موجود مستقلّ عن الآخر ومحفوظ في الواقع ، ولا يبعد أن يكون مزج الحنطة بالحنطة والحنطة بالشعير من هذا القبيل(1) .
أقول : لا يبعد أن يقال بأنّ تقابل الشركة الظاهريّة مع الشركة الواقعيّة ليس هو تقابل الحكم الظاهري مع الحكم الواقعي ، حيث إنّه لا ينتقل إلى الأوّل إلاّ مع الشكّ في الثاني ، وأمّا مع العلم بعدمه فلا مجال للأوّل أصلاً كما لايخفى ، بل المقابلة بينهما إنّما هي بلحاظ أنّ الشركة الواقعيّة الحاصلة بالامتزاج إنّما هي بنحو لا يمكن التمييز عقلاً ، كامتزاج الماء بالماء أو الخلّ بالخلّ ، خصوصاً مع اتّفاقهما في الجودة والرداءة ، ومثل ذلك من الصفات .
وأمّا إذا كان بنحو لا يمكن التمييز عرفاً لا عقلاً ، فهي الشركة الظاهرية، وتشترك
- (1) المباني في شرح العروة الوثقى ، كتاب المضاربة: 182 ـ 183 .
(الصفحة 97)مسألة 2 : لا يجوز لبعض الشركاء التصرّف في المال المشترك إلاّ برضا الباقين ، بل لو أذِن أحد الشريكين شريكه في التصرّف جاز للمأذون دون الآذن إلاّ بإذن صاحبه ، ويجب على المأذون أن يقتصر على المقدار المأذون فيه كمّاً وكيفاً . نعم ، الإذن في الشيء إذن في لوازمه عند الإطلاق ، والموارد مختلفة لابدّ من لحاظها ، فربما يكون إذنه له في سكنى الدار لازمه إسكان أهله وعياله
الشركتان في الأحكام ، ومن أقسام الشركة الظاهريّة خلط الحنطة بالشعير ، بل بحنطة اُخرى ، خصوصاً مع الاختلاف في الخصوصيّات من الجودة والرداءة وغيرهما من الصفات . وأمّا في باب الدراهم والدنانير ، فإن كان الامتزاج بجنسهما ونوعهما وصنفهما ـ كامتزاج ألف ورقة نقديّة «مائة ريالية إيرانيّة» مع الألف الآخر كذلك من دون ميز وخصوصيّة ـ فالظاهر أنّه من الامتزاج الموجب للشركة ويقع التخصيص بالقسمة ، هذا كلّه في غير القيميات .
وأمّا في القيميات ، فلا تتحقّق الشركة لا ظاهراً ولا واقعاً ، كما في اختلاط الثياب بعضها مع بعض ، والأغنام مع الأغنام ; لعدم تحقّق الامتزاج فيها أصلاً ، غاية الأمر الاشتباه في صورة الاختلاط ، ولذا نرى أنّ اختلاط الأغنام ـ مع كون كلّ واحد منها لمالك خاصّ في القرى نوعاً ـ لأجل وجود راع واحد ، لا يبقي مجالاً لتوهّم الشركة ، بل لو كان لها مجال لما اجتمعوا على هذه الكيفيّة ، إلاّ أن يُقال بأنّ غنم كلّ واحد يغاير الآخر من الخصوصيّات ويعرفه مالكه بها .
وكيف كان ، لو فرض تحقّق الاشتباه في صورة الاختلاط والتركيب يكون العلاج فيه القرعة التي هي المرجع في تشخيص الأموال ومالكها في أمثال هذه الموارد ، لكن مراعاة الاحتياط بالتصالح أولى; لأنّه طريق لإرضاء جميع المالكين كما لايخفى .
(الصفحة 98)وأطفاله ، بل وتردّد أصدقائه ونزول ضيوفه بالمقدار المعتاد ، فيجوز ذلك كلّه إلاّ أن يمنع عنه كلاًّ أو بعضاً فيتّبع1.
1 ـ لا يجوز لبعض الشركاء التصرّف قبل القسمة في المال المشترك ولو لم يكن زائداً على مقدار سهمه ، كالتصرّف في النصف فقط فيما إذا كانت الشركة بنحو التنصيف; لاستلزامه التصرّف في مال الغير ، ولا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره إلاّ بإذنه ، فكلّ جزء مشترك يكون مرتبطاً بكليهما ، وقد حقّقنا في البحث عن قاعدة اليد(1) أنّ الكسور المشاعة لها واقعيّة وحقيقة ، ولا تكون صرف الاعتبار ، ولا يكون المالك للنصف مثلاً مالكاً لأمر اعتباري ، بل المملوك له حقيقة هو النصف بنحو الإشاعة; بمعنى أنّ كلّ جزء يفرض يكون نصفه له ، فالتصرّف في المال المشترك تصرّف في مال الغير تتوقّف حلّيته على إذنه بمقتضى ما ذكرنا ، وحينئذ فمع الإذن يحلّ للشريك المأذون التصرّف في المال المشترك ، ولا ملازمة بين حلّية التصرّف له ، وبين حلّية التصرّف للآذن ، بل يحرم عليه ما لم يتحقّق له الإذن من الشريك الآذن قبلاً ، ويجب على المأذون أن يقتصر فيه على المقدار المأذون فيه كمّاً وكيفاً .
نعم ، في صورة الإطلاق وعدم التقييد يكون الإذن في الشيء إذناً في لوازمه ، فإذا أذِن للشريك الذي له أهل وعيال في سكنى الدار المشتركة يكون لازمه الإذن في إسكان أهله وعياله وأطفاله ، بل وتردّد أصدقائه ونزول ضيوفه بالمقدار المعتاد ، ولا يبعد أن يُقال بالمقدار المطابق لشأنه بحسب خصوصيّاته والجهات الخاصّة فيه الواضحة للشريك; لأنّ الأشخاص مختلفة من هذه الجهة عنواناً وشأناً
- (1) القواعد الفقهيّة للمؤلّف دام ظلّه: 1/409 ـ 418 .
(الصفحة 99)مسألة 3 : كما تطلق الشركة على المعنى المتقدِّم; وهو كون شيء واحد لاثنين أو أزيد ، تطلق أيضاً على معنى آخر; وهو العقد الواقع بين اثنين أو أزيد على المعاملة بمال مشترك بينهم ، وتسمّى الشركة العقدية والاكتسابية ، وثمرته جواز تصرّف الشريكين فيما اشتركا فيه بالتكسّب به ، وكون الربح والخسران بينهما على نسبة مالهما . وهي عقد يحتاج إلى إيجاب وقبول ، ويكفي قولهما: اشتركنا ، أو قول أحدهما ذلك مع قبول الآخر ، ولا يبعد جريان المعاطاة فيها; بأن خلطا المالين بقصد اشتراكهما في الاكتساب والمعاملة به1.
ومسؤوليّةً ، وغير ذلك من الجهات العقلائية التي لها دخل في ذلك ، كزوجته واُسرتها وغيرهما ، ففي صورة الإطلاق يجوز ذلك كلّه إلاّ أن يصرّح بالمنع عن الجميع أو البعض ، فاللازم مراعاة ذلك كما لايخفى .
ثمّ إنّه لو فرض أنّ الشريك يحتاج إلى التصرّف في المال المشترك ، مثل أن لا يكون له مسكن ، ومن ناحية اُخرى لا يأذن له الشريك الآخر بوجه ، فلابدّ من التقسيم ولو من حيث الزمان ، وسيأتي شرائط القسمة وكيفيّتها إن شاء الله تعالى .
1 ـ كما تطلق الشركة على المعنى المتقدّم; وهو كون شيء واحد لاثنين أو أزيد بأحد الأسباب التي تقدّم ذكرها ، كالإرث واشتراء شيء واحد في بيع واحد والحيازة وغيرها ، كذلك تطلق على معنى آخر; وهو العقد الواقع بين اثنين أو أزيد على المعاملة بمال مشترك بينهم ، وتسمّى الشركة العقدية والاكتسابية ، وثمرته جواز تصرّف الشريكين فيما اشتركا فيه بالتكسّب به ، وكون الربح والخسران بينهما على نسبة مالهما .
قال السيّد (قدس سره) في العروة : كما أنّ هذه الشركة قد تكون في عين وقد تكون في