(الصفحة 420)مسألة 9 : يشترط في الموكّل فيه أن يكون قابلاً للتفويض إلى الغير; بأن لم يعتبر فيه المباشرة من الموكّل ، فلو تقبّل عملاً بقيد المباشرة لا يصحّ التوكيل فيه . وأمّا العبادات البدنية ـ كالصلاة والصيام والحجّ وغيرها ـ فلا يصحّ فيها التوكيل وإن فرض صحّة النيابة فيها عن الحيّ كالحجّ عن العاجز ، أو عن الميّت كالصلاة وغيرها ، فإنّ النيابة غير الوكالة اعتباراً . نعم ، تصحّ الوكالة في العبادات المالية ـ كالزكاة والخمس والكفّارات ـ إخراجاً وإيصالاً إلى المستحقّ1.
الوكالة على كلّي يكون هو من مصاديقه ، كما لو وكّله على جميع اُموره التي منها ما يتجدّد في ملكه بهبة أو إرث أو نحوهما ; لأنّه لا مانع من إطلاق دائرة الوكالة وسعتها ، كما لا يخفى .
1 ـ يشترط في الموكّل فيه أن يكون قابلاً للتفويض إلى الغير; بأن لم يعتبر فيه المباشرة من الموكّل ، فلو تقبّل عملاً في الإجارة على الأعمال بقيد المباشرة فلا يصحّ التوكيل فيه لفرض لزوم المباشرة ، كما إذا استؤجر لخياطة ثوب بنفسه ، ويمكن أن يقال بأنّ البحث إنّما هو في صحّة الوكالة وعدمها ، ولزوم الإتيان بالعمل بنفسه لا يرتبط بذلك ، بل غايته عدم الوفاء بعقد الإجارة وهذا لا ينافي صحّة الوكالة .
نعم ، تصرّف الغير في الثوب بالخياطة ربما يكون غير جائز; لأجل عدم إذن صاحب الثوب بذلك ، فالبطلان يستند إلى هذه الجهة الراجعة إلى عدم جواز ذلك ، وإلاّ فلو فرض عدم الإشكال من هذه الناحية ، كما إذا استؤجر لحيازة الماء من البحر كذلك ، فلا يكون التقييد بالمباشرة منافياً لصحّة التوكيل ، فتدبّر .
وأمّا العبادات ، فما كانت منها بدنية كالصلاة والصيام والحجّ ، ففي المتن : لا يصحّ
(الصفحة 421)مسألة 10 : يصحّ التوكيل في جميع العقود ، كالبيع ، والصلح ، والإجارة ، والهبة ، والعارية ، والوديعة ، والمضاربة ، والمزارعة ، والمساقاة ، والقرض ، والرهن ، والشركة ، والضمان ، والحوالة ، والكفالة ، والوكالة ، والنكاح إيجاباً وقبولاً في الجميع ، وكذا في الوصية والوقف والطلاق والإبراء ، والأخذ بالشفعة وإسقاطها ، وفسخ العقد في موارد ثبوت الخيار وإسقاطه . والظاهر
فيها التوكيل وإن فرض صحّة النيابة فيها عن الحيّ كالحجّ عن العاجز الذي لا يرجى زوال عذره ، أو عن الميّت كالصلاة وغيرها ، فإنّ النيابة غير الوكالة اعتباراً .
قلت : إنّ النيابة وإن كانت قد تتحقّق مع عدم الوكالة; كالنيابة التبرّعية في الموارد التي يجوز فيها ذلك ، إلاّ أنّ هذا الأمر لا يقتضي أن تكون الوكالة غير النيابة ، خصوصاً على قول من يفسّر الوكالة بأنّها استنابة في التصرّف ، كالسيّد في الملحقات (1) ، بل لعلّه المشهور .
وما كانت منها ماليّة كالزكاة والخمس والكفّارات ، فقد حكم في المتن بصحّة الوكالة فيها إخراجاً وإيصالاً إلى المستحقّ ، وقصد القربة المعتبر في كثيرها إنّما يتحقّق من الموكّل مع حياته والتفاته ، ومن الوكيل بمعنى قصد قربة الموكّل كما في غير الحيّ ، وقد فصّلنا القول في هذا المجال في مسألة صحّة العبادات الاستئجارية(2) ، خلافاً لما يظهر من بعض من صيرورة الأمر بالوفاء بعقد الإجارة حينئذ تعبّدياً(3) ، مع أنّه من الواضح خلافه ، كما لا يخفى .
- (1) ملحقات العروة الوثقى: 2 / 119 .
- (2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الإجارة: 512 .
- (3) حاشية السيّد اليزدي على المكاسب: 23 .
(الصفحة 422)صحّته في الرجوع إلى المطلّقة الرجعيّة إذا أوقعه على وجه لم يكن صرف التوكيل تمسّكاً بالزوجيّة حتّى يرتفع به متعلّق الوكالة . ولا يبعد صحّته في النذر والعهد والظهار ، ولا يصحّ في اليمين واللعان والإيلاء والشهادة والإقرار على إشكال في الأخير1.
1 ـ يصحّ التوكيل في جميع العقود كالأمثلة المذكورة في المتن ، وكذا في مثل أصل الوصية والوقف والطلاق والإبراء ، والأخذ بالشفعة وإسقاطها ، والأخذ بالخيار وإسقاطه; لعدم وجود شيء يمنع عن جريان الوكالة في الاُمور المذكورة ، واستظهر صحّة التوكيل في الرجوع إلى المطلّقة الرجعيّة إذا لم يقع على وجه يكون نفس التوكيل في ذلك معدوداً رجوعاً شرعاً ، وإلاّ يرتفع بنفس التوكيل متعلّق الوكالة ويتحقّق الرجوع وتصير زوجة برجوع نفسه ، مثل أن تكون دائرة الوكالة عامّة شاملة للرجوع إلى المطلّقة ، كقوله : «أنت وكيلي في جميع ما يتعلّق بي ويرتبط» كما مرّ في بعض المسائل المتقدِّمة .
ونفى البُعد عن صحّته في النذر والعهد والظهار ، وأمّا اليمين واللعان والإيلاء والشهادة فحيث إنّ وجوب الوفاء ، والصيغة المخصوصة في اللعان ، وكذا الإيلاء الذي هي يمين خاصّة ، والشهادة المتقوّمة بشهادة الشاهد يرتبط بمن صدر منه اليمين ، وكذا اللعان المترتّب على رمي الزوجة بالزنا من غير شاهد ، والكيفيّة فيه مخصوصة ، والصدق والكذب منسوبان إلى الزوج الرامي ، كما تقدّم في كتابه(1) ، فلا يجري فيها الوكالة ، وأمّا الإقرار فقد استشكل في جريان الوكالة فيه ، منشؤه أنّ النافذ هو إقرار المقرّ ، وأنّه بعد التوكيل يصير كإقراره .
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب اللعان المطبوع مع كتاب الطلاق: 289 ـ 291 .
(الصفحة 423)مسألة 11 : يصحّ التوكيل في القبض والإقباض في موارد لزومهما ، كما في الرهن والقرض والصرف بالنسبة إلى العوضين ، والسلم بالنسبة إلى الثمن ، وفي إيفاء الديون واستيفائها وغيرها1.
مسألة 12 : يجوز التوكيل في الطلاق غائباً كان الزوج أم حاضراً ، بل يجوز توكيل الزوجة في أن تطلّق نفسها بنفسها ، أو بأن توكّل الغير عن الزوج أو عن نفسها2.
1 ـ يصحّ التوكيل في القبض في موارد لزومهما فضلاً عن موارد عدم اللزوم ، والأوّل كالأمثلة المذكورة في المتن ، وكذا يصحّ التوكيل في أداء الدَّين واستيفائه; لما عرفت من عدم وجود ما يدلّ على المنع ، فتدبّر .
2 ـ قد مرّ جواز التوكيل في الطلاق ، والمقصود هنا عدم الفرق بين كون الزوج غائباً ، أو حاضراً متمكِّناً من أن يطلّق نفسه ، كما أنّه يجوز توكيل الزوجة في أن تطلّق نفسها بنفسها ، أو بأن توكّل الغير عن الزوج أو عن نفسها ، وينبغي أن يعلم أنّ أحد المواد المندرجة في سند الزواج الرسمي الحكومي من جواز أن تطلّق الزوجة نفسها ، فإنّما هو على تقدير بعض الاُمور ، أو حصول بعض الموانع الاحتمالية; كترك النفقة ، أو صيرورته محبوساً ، أو معتاداً بالأفيون ونحوه ، وهو ينافي اعتبار التنجيز في الوكالة ، ولو كان اعتباره على سبيل الاحتياط الوجوبي كما مرّ (1) ، إلاّ أن يقال: إنّه على سبيل الواجب المعلّق ، فتدبّر .
(الصفحة 424)مسألة 13 : تجوز الوكالة في حيازة المباح ، كالاستقاء والاحتطاب وغيرهما ، فإذا وكّل شخصاً فيها وقد حاز بعنوان الوكالة عنه صار ملكاً له1.
مسألة 14 : يشترط في الموكّل فيه التعيين; بأن لا يكون مجهولاً أو مبهماً ، فلو قال : «وكَّلتك على أمر من الاُمور» لم يصحّ . نعم ، لا بأس بالتعميم والإطلاق كما يأتي2.
1 ـ تجوز الوكالة في حيازة المباح; كالاستقاء والاحتطاب ونحوهما ، وقد عرفت(1) أنّه لو استؤجر بقيد المباشرة فوكّل وكيلاً في ذلك لا يمنع قيد المباشرة عن تحقّق الحيازة المذكورة ; لعدم استلزام القيد المذكور لزوال الإباحة العامّة ، بخلاف مثل خياطة الثوب ، وقد فرّع على عنوان أصل المسألة بأنّه لو حاز الوكيل بعنوان الوكالة عنه صار ملكاً للموكّل .
2 ـ يشترط في الموكّل فيه التعيين; بأن لا يكون مجهولاً أو مبهماً ، فلو قال : «وكّلتك على أمر من الاُمور» لم يصحّ بلا إشكال ، وأمّا لو قال : «وكّلتك في تزويج إحدى هاتين المرأتين» فلا دليل على بطلانه ، وقد ورد في قصّة شعيب خطاباً لموسى
{إِنِّى أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَىَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِى ثَمَانِىَ حِجَج فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ}(2) . نعم ، لا بأس بالتعميم والإطلاق كما مرّ(3)ويأتي إن شاء الله تعالى .
- (1) في ص420 .
- (2) سورة القصص : 28 / 27 .
- (3) في ص419 ـ 420 .