(الصفحة 196)مسألة 4 : يجوز التبرّع بأداء دين الغير حيّاً كان أو ميّتاً ، وبه تبرأ ذمّته وإن كان بغير إذنه بل وإن منعه ، ويجب على من له الدَّين القبول1.
1 ـ الأصل في ذلك أنّ أداء الدَّين وإن كان واجباً لكنّه واجب غير تعبّدي ، ومن خصوصيّاته تحقّق الموافقة بأيّ نحو تحقّق ، فإذا أرسلت الرياح الثوب النجس إلى الحوض الكرّ بحيث غمس الماء جانبه النجس يطهر وإن لم يطّلع عليه صاحب الثوب أصلاً ، مضافاً إلى دلالة نصوص كثيرة عليه .
منها: ما عن الصادق (عليه السلام) : من أحبّ الأعمال إلى الله ـ عزّوجلّ ـ إدخال السرور على المؤمن: إشباع جوعته ، أو تنفيس كربته ، أو قضاء دينه(1) .
ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين الحيّ والميّت ، كما أنّ مقتضاه حصول البراءة بذلك وإن كان بغير إذنه ، بل مع منعه . وقد ورد في قضاء ديون الميّت أخبار كثيرة .
منها: ما عن ابن خنيس قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّ لعبد الرحمن بن سيابة ديناً على رجل قد مات وكلّمناه أن يحلّله فأبى ، قال : ويحه أما يعلم أنّ له بكلّ درهم عشرة دراهم إذا حلّله ، فإن لم يحلّله فإنّما له درهم بدل درهم(2) .
وقد ورد في قضاء دين الوالدين أخبار أيضاً .
منها: رواية محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إنّ العبد ليكون بارّاً بوالديه في حياتهما ثمّ يموتان فلا يقضي عنهما ديونهما ، ولا يستغفر لهما فيكتبه الله عاقّاً(3) ،
- (1) الكافي: 2/192 ح16 ، مصادقة الأخوان: 44 ح2 ، تهذيب الأحكام: 4/110 ح318 ، وعنها الوسائل: 16/350 ، كتاب الأمر والنهى ، أبواب فعل المعروف ب24 ح6 .
- (2) الفقيه: 3/116 ح498 ، و ج2/32 ح131 ، ثواب الأعمال: 175 ح1 ، تهذيب الأحكام: 6/195 ح427 ، وعنها الوسائل: 18/363 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ب23 ح1 .
- (3) الكافي : 2/163 ح21 ، الزهد : 33 ح87 ، وعنهما ا الوسائل : 18/371 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ب30 ح1 .
(الصفحة 197)مسألة 5 : لا يتعيّن الدَّين فيما عيّنه المدين ، ولا يصير ملكاً للدائن ما لم يقبضه . وقد مرّ التأمّل والإشكال في تعيّنه بالتعيين عند امتناع الدائن عن القبول في المسألة الثالثة ، فلو كان عليه درهم وأخرج من كيسه درهماً ليدفعه إليه وفاءً عمّا عليه ، وقبل وصوله بيده تلف ، كان من ماله وبقي ما في ذمّته على حاله1.
مسألة 6 : يحلّ الدَّين المؤجّل بموت المديون قبل حلول أجله ، لا موت الدائن ، فلو مات يبقى على حاله ينتظر ورثته انقضاءه ، فلو كان الصداق مؤجّلاً إلى مدّة معيّنة ، ومات الزوج قبل حلوله استحقّت الزوجة مطالبته بعد موته ، بخلاف ما إذا ماتت الزوجة ، فليس لورثتها المطالبة قبل انقضائه . ولا يلحق بموت الزوج طلاقه ، فلو طلّقها يبقى صداقها المؤجّل على حاله . كما أنّه لا يلحق بموت المديون تحجيره بسبب الفلس ، فلو كان عليه ديون حالّة وديون مؤجّلة يقسّم ماله بين أرباب الديون الحالّة ، ولا يشاركهم أرباب المؤجّلة2.
ويجب على من له الدَّين القبول كما مرّ .
1 ـ لا يتعيّن الدَّين فيما عيّنه المدين ، ولا يصير ملكاً للدائن ما لم يتحقّق القبض منه; لأصالة عدم التعيّن بتعيينه ، وقد مرّ التأمّل والإشكال في تعيّنه بالتعيين عند امتناع الدائن عن القبول في المسألة الثالثة ، فلو كان عليه درهم وأخرج من كيسه درهماً ليدفعه إليه وفاءً عمّا عليه ، وقبل وصوله بيده تلف ، كان من ماله وبقي ما في ذمّته على حاله ; للأصل المذكور وعدم ما يدلّ على التعيّن بنحو التعيين المذكور .
2 ـ والدليل على حلول الدَّين المؤجّل بموت المديون قبل حلول أجله صحيحة حسين بن سعيد قال : سألته عن رجل أقرض رجلاً دراهم إلى أجل مسمّى ، ثمّ
(الصفحة 198)
مات المستقرض أيحلّ مال القارض عند موت المستقرض منه ، أو للورثة من الأجل مثل ما للمستقرض في حياته؟ فقال : إذا مات فقد حلّ مال القارض(1) ، والظاهر أنّه لا خصوصيّة للقرض في ذلك ، بل هو حكم الدَّين مطلقاً قرضاً كان أو غيره .
ورواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) أنّه قال : إذا كان على الرجل دين إلى أجل ومات الرجل حلَّ الدَّين(2) .
هذا بالإضافة إلى المديون ، وأمّا بالإضافة إلى الدائن ، فلو مات يبقى على حاله ينتظر ورثته انقضاءه كما هو المنسوب إلى المشهور(3) . نعم ، في رواية أبي بصير ، عن الصادق (عليه السلام) قال : إذا مات الرجل حلَّ ماله وما عليه من الدَّين(4) . لكنّه قد نوقش فيها بضعف السند تارةً ، وبالإعراض اُخرى ، وبالحمل على مثل السكنى والرقبى ثالثة ، و العمدة هو الإعراض ، مضافاً إلى ثبوت خلاف الظاهر في بعضها . وعلى ما ذكرنا فلو كان الصداق مؤجّلاً إلى مدّة معيّنة ، فإن مات الزوج قبل حلول الأجل استحقّت الزوجة مطالبته بعد موته ، بخلاف ما إذا ماتت الزوجة ، فإنّه ليس لورثتها المطالبة قبل انقضائه .
ولا يلحق بموت الزوج طلاقه ، فلو طلّقها يبقى صداقها المؤجّل على حاله ; لعدم
- (1) تهذيب الأحكام: 6/190 ح409 ، وعنه الوسائل: 18/344 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ب12 ح2 .
- (2) الفقيه: 3/116 ح495 ، تهذيب الأحكام: 6/190 ح408 ، وعنهما الوسائل: 18/344 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ب12 ح3 .
- (3) الحدائق الناضرة: 20/164 .
- (4) الكافي: 5/99 ح1 ، تهذيب الأحكام: 16/190 ح407 ، وعنهما الوسائل: 18/344 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ب12 ح1 .
(الصفحة 199)مسألة 7 : لا يجوز بيع الدَّين بالدَّين على الأقوى فيما إذا كانا مؤجَّلين وإن حلّ أجلهما ، وعلى الأحوط في غيره; بأن كان العوضان كلاهما ديناً قبل البيع ، كما إذا كان لأحدهما على الآخر طعام كوزنة من حنطة ، وللآخر عليه طعام آخر كوزنة من شعير ، فباع الشعير بالحنطة ، أو كان لأحدهما على شخص طعام ، وللآخر على ذلك الشخص طعام آخر ، فباع ماله على ذلك الشخص بما للآخر عليه ، أو كان لأحدهما على شخص طعام ، وللآخر طعام على شخص آخر ، فبيع أحدهما بالآخر . وأمّا إذا لم يكن العوضان كلاهما ديناً قبل البيع وإن صار أحدهما أو كلاهما ديناً بسبب البيع ، كما إذا باع ماله في ذمّة الآخر بثمن في ذمّته نسيئة مثلاً ، فله شقوق وصور كثيرة لا يسعها هذا المختصر1.
الدليل على اللحوق ، مضافاً إلى مساعدة الاعتبار للفرق بين الموت والطلاق ، كما أنّه لا يلحق بموت المديون تحجيره بسبب الفلس ، فلو كان عليه ديون حالّة وديون مؤجّلة يقسّم ماله بين أرباب الديون الحالّة ، ولا يشاركهم أرباب المؤجَّلة لإطلاق دليل التأجيل . مضافاً إلى الأصل ، وظهور الاتّفاق ، وعدم كون الدَّين المؤجّل ديناً حالّياً ، وثبوته في المديون بسبب الموت لا يلازم الثبوت في جميع الموارد .
1 ـ يدلّ على عدم جواز بيع الدَّين بالدَّين في الجملة ـ مضافاً إلى الإجماع(1) ـ رواية طلحة بن زيد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا يباع الدَّين بالدَّين(2) .
- (1) السرائر: 2/55 ، الحدائق الناضرة: 20/201 ، مفتاح الكرامة: 5/28 ـ 29 .
- (2) الكافي: 5/100 ح1 ، تهذيب الأحكام: 6/189 ح400 ، وعنهما الوسائل: 18/298 ، كتاب التجارة ، أبواب السلف ب8 ح2 و ص347 ، أبواب الدين والقرض ب15 ح1 .
(الصفحة 200)
وعن طرق العامّة عنه (صلى الله عليه وآله) : لا يجوز بيع الكالئ بالكالئ(1) ، والمراد بالكالئ هو الدَّين ، ولكن ذلك فيما إذا كانا مؤجّلين; بأن كان العوضان كلاهما ديناً قبل البيع; سواء حلّ أجلهما كما هو المتيقّن من النصوص ومن معقد الإجماع ـ لأنّ الحكم إنّما هو على خلاف القواعد المستفادة من العمومات والإطلاقات على الأقوى ـ أو لم يحلّ على الأحوط; لعدم قوّة رفض الإطلاق والعموم ، وقد ذكر لذلك ـ أي ما إذا كان العوضان كلاهما ديناً قبل البيع ـ ثلاثة أمثلة مذكورة في المتن ولا حاجة إلى تكرارها .
وأمّا إذا لم يكن العوضان كلاهما ديناً قبل البيع ، وإن صار أحدهما أو كلاهما ديناً بسبب البيع ، كما إذا باع ماله في ذمّة الآخر بثمن في ذمّته نسيئة مثلاً ، فله شقوق كثيرة ، وقد ذكر بعض الأعاظم (قدس سره) أنّ إجمال بعضها : أنّ كلاًّ من المبيع والثمن لا تخلو عن أقسام خمسة :
الأوّل : أن يكون ديناً سابقاً مؤجّلاً فعلاً .
الثاني : أن يكون مؤجّلاً سابقاً ولكن حلّ الأجل .
الثالث : أن يكون ديناً سابقاً غير مؤجّل بل حالاًّ .
الرابع : أن يكون ديناً لاحقاً حالاًّ .
الخامس : أن يكون ديناً لاحقاً مؤجَّلاً ، وضرب الخمسة في الخمسة يصير خمسة وعشرين .
هذا فيما إذا كان بيع الدَّين على غير المديون . وأمّا إن كان بيع الدَّين على المديون
- (1) السنن الكبرى للبيهقى: 8/141 ـ 142 ح10675 ـ 10679 ، كنزالعمال: 4/77 ح9606 و ص 172 ح10025 ، دعائم الإسلام: 2/33 ح70 ، وعنه مستدرك الوسائل: 13/405 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ب15 ح1 .