(الصفحة 333)مسألة 17 : لو خلط المشتري مثلاً ما اشتراه بماله خلطاً رافعاً للتميّز فالأقرب بطلان حقّ البائع ، فليس له الرجوع إليه ; سواء اختلط بغير جنسه أو بجنسه ، وسواء خلط بالمساوي ، أو الأردأ ، أو الأجود1.
مسألة 18 : لو اشترى غزلاً فنسجه ، أو دقيقاً فخبزه ، أو ثوباً فقصَّره أو صبغه لم يبطل حقّ البائع من العين ، على إشكال في الأوّلين2.
المشتري أن لا يلزمه بالقلع ، بل يرضى البائع بالبقاء ولو مع الاُجرة ، وجعل الاحتياط الكامل في الصورة في أن يرضى البائع بالبقاء من دون اُجرة ، والوجه في كلا الاحتياطين واضح .
1 ـ لو خلط المشتري أو المقترض ما اشتراه أو ما اقترضه بماله خلطاً موجباً لرفع التميّز ، فالأقرب بطلان حقّ البائع أو المقرض وليس له الرجوع إليه ; لأنّ هذا النوع من الاختلاط بمنزلة الانعدام وانتفاء الموضوع ، من دون فرق بين أن يكون الاختلاط بغير جنسه ، كما إذا خلط الدهن الحيواني مع الدهن النباتي ، أو بجنسه كما إذا خلط البرّ المبيع ببرّ آخر ، وكذا من دون فرق بين صورة الخلط بالمساوي أو الخلط بالأجود أو الأردأ ، كما لايخفى .
2 ـ لو نسج المشتري مثلاً الغزل الذي اشتراه أو اشترى دقيقاً فخبزه ، فقد استشكل فيهما في المتن في عدم بطلان حقّ البائع من العين; وذلك لعدم بقاء المبيع لتعدّد العنوانين واختلاف الموضوعين ، بخلاف ما إذا اشترى ثوباً فقصّره أو صبغه ، فإنّه لا يبطل حقّ البائع من العين لبقاء الموضوع وإن حصل له التغيّر الكمّي أو الكيفي ، فتدبّر .
(الصفحة 334)مسألة 19 : غريم الميّت كغريم المفلّس ، فإذا وجد عين ماله في تركته كان له الرجوع إليه ، لكن بشرط أن يكون ما تركه وافياً بدين الغرماء ، وإلاّ فليس له ذلك ، بل هو كسائر الغرماء يضرب بدينه معهم وإن كان الميّت قد مات محجوراً عليه1.
مسألة 20 : يجري على المفلّس إلى يوم قسمة ماله نفقته وكسوته ونفقة من يجب عليه نفقته وكسوته على ما جرت عليه عادته ، ولو مات قدّم كفنه ، بل وسائر مؤن تجهيزه من السدر والكافور وماء الغسل ونحو ذلك على حقوق
1 ـ الدليل في هذه المسألة صحيحة أبي ولاّد قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل باع من رجل متاعاً إلى سنة فمات المشتري قبل أن يحلّ ماله ، وأصاب البائع متاعه بعينه ، أله أن يأخذه إذا حقّق له؟ قال : فقال: إن كان عليه دين وترك نحواً ممّا عليه فليأخذ إن حقّق له ، فإنّ ذلك حلال له ، ولو لم يترك نحواً من دينه ، فإنّ صاحب المتاع كواحد ممّن له عليه شيء يأخذ بحصّته ولا سبيل له على المتاع(1) .
وبها يقيّد إطلاق مرسلة جميل ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل باع متاعاً من رجل فقبض المشتري المتاع ولم يدفع الثمن ، ثمّ مات المشتري والمتاع قائم بعينه ، فقال : إذا كان المتاع قائماً بعينه ردّ إلى صاحب المتاع ، وقال : ليس للغرماء أن يخاصموه(2) . إلاّ أن يُقال : إنّ الذيل قرينة على عدم وفاء التركة بالديون ، فتدبّر .
- (1) تهذيب الأحكام: 6/193 ح421 ، الاستبصار: 3/8 ح20 ، وعنهما الوسائل: 18/415 ، كتاب الحجر ب5 ح3 .
- (2) الكافي: 7/24 ح4 ، الفقيه: 4/167 ح583 ، تهذيب الأحكام: 9/166 ح677 ، الاستبصار: 4/116 ح442 ، وعنها الوسائل: 18/414 ، كتاب الحجر ب5 ح1 .
(الصفحة 335)الغرماء ، ويقتصر على الواجب على الأحوط ، وإن كان القول باعتبار المتعارف بالنسبة إلى أمثاله لا يخلو من قوّة ، خصوصاً في الكفن1.
مسألة 21 : لو قسّم الحاكم مال المفلّس بين الغرماء ثمّ ظهر غريم آخر فالأقوى انكشاف بطلان القسمة من رأس ، فيصير المال للغرماء أجمع بالنسبة2.
1 ـ يجري على المفلّس إلى يوم قسمة ماله نفقة شخصه وكسوته ونفقة من يجب عليه نفقته وكسوته على ما جرت عليه عادته ; لأنّه من الضرورة عدم المحجورية بالإضافة إلى مثل هذه التصرّفات التي يكون بقاء حياته متوقّفاً عليه ، كما أنّه لو مات قدّم كفنه بل وسائر مؤن تجيهزه من السدر والكافور وماء الغسل ونحو ذلك على حقوق الغرماء ، غاية الأمر أنّ مقتضى الاحتياط الاقتصار على الواجب لئلاّ يضرّ بدين الغرماء ، وقد ذكر في المتن أنّ القول باعتبار المتعارف بالنسبة أمثاله لا يخلو من قوّة ، خصوصاً في الكفن ، ولعلّ السرّ في خصوصيّة الكفن هو بقاؤه إلى مدّة بخلاف سائر التجهيزات ، وربما يكون الاقتصار على أقلّ الواجب بالنسبة إلى الكفن موجباً لوهنه والإهانة بمقامه ، كما لا يخفى .
2 ـ لو قسّم الحاكم مال المفلّس بين الغرماء ثمّ ظهر غريم آخر فقد قوّى في المتن انكشاف بطلان القسمة من رأس ، فيصير المال للغرماء أجمع بالنسبة ، والوجه فيه أنّه لا خصوصيّة لهذا الغريم بالإضافة إلى سائر الغرماء ، ومجرّد عدم ظهوره عند التقسيم الأوّل لا يوجب ارتفاع حقّه وبطلانه ، فبطلانه لا محالة يوجب صيرورته في رديف سائر الغرماء ، ولا مجال لدعوى ضياع حقّه بمجرّد عدم ظهوره أوّلاً .
(الصفحة 336)
تنبيه مهمّ
حكي عن صاحب الحدائق (قدس سره) التوقّف في أصل مسألة الحجر بالفلس ولو مع الشرائط الأربعة المتقدِّمة ، محتجّاً بأنّه ليس في النصوص ما يدلّ عليه(1) ، ونزيد عليه أنّه مخالف لقاعدة السلطنة المعروفة ، فلابدّ من نهوض دليل قويّ على هذا الأمر المخالف للقاعدة ، وردّه صاحب الجواهر : بأنّ الإجماع بقسميه عليه ، مع أنّ الموجود من النصوص غير خال عن الإشعار بل الظهور(2) ; ففي موثّقة عمّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يحبس الرجل إذا التوى على غرمائه ، ثمّ يأمرفيقسّم ماله بينهم بالحصص،فإن أبى باعه فيقسّمه بينهم; يعني ماله(3).فإنّ الظاهر أنّ المراد من الحبس هو المنع من التصرّف ، وإلاّ لا يجتمع مع الأمر بقسمة ماله .
ومثلها خبر الأصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قضى: أنّ الحجر على الغلام حتّى يعقل ، وقضى (عليه السلام) في الدَّين: أنّه يحبس صاحبه ، فإن تبيّن إفلاسه والحاجة فيخلّى سبيله حتّى يستفيد مالاً ، وقضى (عليه السلام) في الرجل يلتوي على غرمائه: أنّه يحبس ثمّ يأمر به فيقسّم ماله بين غرمائه بالحصص ، فإن أبى ، باعه فقسّمه بينهم(4) ، وغير ذلك من الروايات المشعرة أو الدالّة بالظهور على ذلك ، ولأجله لا ينبغي الخدشة فيه بوجه .
- (1) الحدائق الناضرة: 20/383 .
- (2) جواهر الكلام: 25/281 .
- (3) تهذيب الأحكام: 6/191 ح412 ، الاستبصار: 3/7 ح15 ، الكافي: 5/102 ح1 ، الفقيه: 3/19 ذح 43 ، وعنها الوسائل: 18/416 ، كتاب الحجر ب6 ح1 .
- (4) تهذيب الأحكام: 6/232 ح568 ، الفقيه: 3/19 ح43 ، وعنهما الوسائل: 27/247 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ب11 ح1 .
(الصفحة 337)
القول في المرض
المريض إن لم يتّصل مرضه بموته فهو كالصحيح ، يتصرّف في ماله بما شاء وكيف شاء ، وينفذ جميع تصرّفاته في جميع ما يملكه ، إلاّ إذا أوصى بشيء من ماله بعد موته ، فإنّه لا ينفذ فيما زاد على ثلث تركته ، كما أنّ الصحيح أيضاً كذلك ، ويأتي تفصيله في محلّه إن شاء الله تعالى . وأمّا إذا اتّصل مرضه بموته فلا إشكال في عدم نفوذ وصيّته بما زاد على الثلث كغيره ، كما أنّه لا إشكال في نفوذ عقوده المعاوضية المتعلِّقة بماله; كالبيع بثمن المثل والإجارة باُجرة المثل ونحو ذلك ، وكذا لا إشكال في جواز انتفاعه بماله; كالأكل والشرب والإنفاق على نفسه ومن يعوله والصرف على أضيافه ، وفي مورد يحفظ شأنه واعتباره وغير ذلك .
وبالجملة : كلّ صرف فيه غرض عقلائي ممّا لا يعدّ سرفاً ولا تبذيراً أيّ مقدار كان ، وإنّما الإشكال والخلاف في مثل الهبة والوقف والصدقة والإبراء والصلح بغير عوض ، ونحو ذلك من التصرّفات التبرّعية في ماله ممّا لا يقابل بالعوض ، ويكون فيه إضرار بالورثة ، وهي المعبَّر عنها بالمنجّزات ، وأنّها هل هي نافذة من الأصل ، بمعنى نفوذها وصحّتها مطلقاً وإن زادت على ثلث ماله ، بل وإن تعلّقت بجميعه بحيث لم يبق شيء للورثة، أو هي نافذة بمقدار الثلث ، فإن زادت تتوقّف صحّتها ونفوذها في الزائد على إمضاء الورثة؟ والأقوى هو الأوّل1.
1 ـ المريض إن لم يتّصل مرضه بموته فهو كالصحيح غير المريض يتصرّف في ماله بما شاء وكيف شاء ، وينفذ جميع تصرّفاته المعاوضيّة وغيرها إلاّ بالإضافة إلى الوصيّة ممّا زاد على ثلث أمواله ، كما أنّ الصحيح أيضاً كذلك ، ويأتي التفصيل في