(الصفحة 227)النقود بالقيمة، لكنّه يتوقّف على التراضي . ولو كانت العين المقترضة موجودة، فأراد المقترض أو المقرض أداء الدَّين بإعطائها ، فالأقوى جواز الامتناع1.
1 ـ المال المقترض تارةً يكون بنفسه موجوداً ، واُخرى لا يكون كذلك ، وعلى الفرض الثاني تارةً يكون مثليّاً ، كالدراهم والدنانير والحنطة والشعير ، واُخرى يكون قيميّاً ، كالأغنام ومثلها ، وعلى التقديرين تارةً لا يتوقّف الأداء على التراضي ولا يجوز لكلّ منهما الامتناع ، واُخرى يتوقّف على التراضي ولا يتحقّق بدونه . أمّا إذا كان المال المقترض موجوداً باقياً غير تالف ، فقد قوّى في المتن جواز الامتناع لكلّ منهما ، ولعلّ السرّ أنّ الدَّين الذي يعمّ القرض مال كلّي في ذمّة المديون المقترض ، وتعيينه في فرد خاصّ إنّما هو بيده ، فإذا أراد التعيين في غير المال الشخصي المقترض فله ذلك ، وليس للمقرض الامتناع عن قبوله ، وأمّا إذا أراد الأداء بدفع نفس العين المقترضة فظاهر المتن جواز امتناعه عن قبولها ، والظاهر أنّه ليس له وجه وجيه ، فإنّ المفروض أنّ ما في الذمّة هو الكلّي ، والعين الشخصية من مصاديقه وأفراده ، مضافاً إلى أنّ لزوم قبول المثل أو القيمة مع جواز الامتناع من قبول نفس العين لعلّه ممّا لا يجتمعان .
هذا بالنسبة إلى العين . وأمّا في غيرها ، فإن كان مثلياً كالدراهم والدنانير ، فإن أراد الدفع والأداء من نفس المثلي الذي يماثله في الصفات والخصوصيات المربوطة ، فذلك هو الأداء الواقعي الذي لا يتوقّف على التراضي ، ولا يجوز للمقرض الامتناع عن قبوله بوجه ، وهذا من دون فرق بين ترقّي السعر وتنزّله والعدم; لعدم الفرق بين الصور الثلاثة في ذلك . وأمّا إذا لم يرد الدفع من نفس المثلي ، بل من جنس آخر أو القيمة مثلاً ، كما إذا أراد إعطاء الشعير بدلاً عن الحنطة أو قيمتها ، فهو متوقّف على التراضي وإن كانت القيمتان متساويتين . وكذا الحال في
(الصفحة 228)مسألة 15 : يجوز في قرض المثلي أن يشترط المقرض على المقترض أن يؤدّي من غير جنسه ، ويلزم عليه ذلك بشرط أن يكونا متساويين في القيمة ، أو كان ما شرط عليه أقلّ قيمة ممّا اقترض1.
مسألة 16 : الأقوى أنّه لو شرط التأجيل في القرض صحّ ولزم العمل به وليس للمقرض مطالبته قبل حلول الأجل2.
غير المثلي ، فإن أراد الوفاء بالقيمة ـ وهي النقود الرائجة ـ فذلك لا يتوقّف على التراضي; لأنّها الأداء الواقعي ، وإن أراد التأدية بغير القيمة كجنس آخر فذلك يتوقّف على التراضي ; لأنّ أداء القيمة كانت هي الوظيفة عليه ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ يجوز في قرض المثلي أن يشترط المقرض على المقترض أن يؤدّي من جنسه ، ويلزم عليه ذلك بشرط عدم تحقّق الزيادة بشيء من عناوينها المتقدِّمة ، ولا يصدق على ذلك الزيادة في الصفة بعد عدم المدخلية في زيادة القيمة ، بل ربما يكون له دخلاً في قلّتها ، كما لا يخفى .
2 ـ شرط التأجيل في القرض صحيح بشرط كون الأجل معيّناً ، ويلزم العمل بهذا الشرط خصوصاً بعد وقوعه في ضمن عقد لازم ، وعليه فليس للمقرض المطالبة قبل حلول الأجل . نعم ، يظهر هنا في بادئ النظر إشكال; وهو أنّ لزوم عقد القرض من ناحية كما تقدّم ، وعدم لزوم شرط التأجيل من ناحية اُخرى ، وجواز مطالبة المقرض بعد تحقّق القرض في كلّ آن لعلّهما ممّا لا يمكن اجتماعهما ، والجواب أنّ معنى اللزوم عدم جواز الفسخ الذي مرجعه إلى ردّ نفس العين المقترضة ، وهو لا ينافي جواز مطالبة المثل أو القيمة ، خصوصاً مع ما عرفت من المتن من أنّه يجوز
(الصفحة 229)مسألة 17 : لو شرط على المقترض أداء القرض وتسليمه في بلد معيّن صحّ ولزم وإن كان في حمله مؤونة ، فإن طالبه في غيره لم يلزم عليه الأداء ، كما أنّه لو أدّاه في غيره لم يلزم المقرض القبول . وإن أطلق القرض ولم يعيّن بلد التسليم ، فلو طالبه المقرض في بلد القرض يجب عليه الأداء ، ولو أدّاه فيه يجب عليه القبول ، وأمّا في غيره فالأحوط للمقترض ـ مع عدم الضرر وعدم الاحتياج إلى المؤونة ـ الأداء لو طالبه الغريم ، كما أنّ الأحوط للمقرض القبول مع عدمهما ، ومع لزوم أحدهما يحتاج إلى التراضي1.
للمقرض الامتناع عن قبول نفس العين المقترضة ، ومعنى عدم لزوم شرط التأجيل أنّ القرض ليس مثل الإجارة التي يعتبر فيها ذكر الأجل المعيّن ، بل يمكن فيه ترك اشتراط التأجيل بالمرّة ، فاجتماع هذه الاُمور ممكن .
1 ـ لو شرط على المقترض أداء القرض وتسليمه في بلد معيّن صحّ ولزم; للزوم الوفاء بالشرط ، خصوصاً إذا كان في ضمن عقد لازم كالقرض ومثله ، ويجب على المقترض الأداء في ذلك البلد المعيّن المشروط ، من دون فرق بين أن يكون في حمله مؤونة أم لا ، ومع المطالبة في غير ذلك لم يلزم عليه الأداء ، كما أنّه لو أدّاه في غيره لم يلزم المقرض القبول ، وكذا ، من دون فرق بين أن يكون الإعطاء في ذلك البلد بنفع واحد منهما أو عدمه ; لعدم صدق الزيادة الموجبة للتحريم ، ويتّفق هذا في زماننا كثيراً من جهة اختلاف قيمة مثل الورقة النقديّة في الممالك المختلفة ، هذا في صورة التعيين .
وأمّا مع الإطلاق وعدم تعيين بلد التسليم أصلاً ، فلو وقعت المطالبة في بلد القرض يجب على المقترض الأداء ، وكذا العكس لو أدّاه فيه يجب على المقرض
(الصفحة 230)مسألة 18 : يجوز أن يشترط في القرض إعطاء الرهن ، أو الضامن ، أو الكفيل ، وكلّ شرط سائغ لا يكون فيه النفع للمقرض ولو كان مصلحة له1.
مسألة 19 : لو اقترض دراهم ثمّ أسقطها السلطان وجاء بدراهم غيرها ، لم يكن عليه إلاّ الدراهم الاُولى . نعم ، في مثل الأوراق النقدية المتعارفة في هذه
القبول . وأمّا في غير بلد القرض ، فإن طالبه الغريم ولم يكن الأداء مستلزماً للضرر أو الحاجة إلى المؤونة، كما لو كانت العين المقترضة هي الورقة النقديّة الذي لايحتاج حمله إلى المؤونة ، ولا يوجب الأداء في غير بلد القرض والتسليم مستلزماً للضرر بوجه ، فقد احتاط لزوماً في المتن بالأداء ، كما أنّه احتاط كذلك قبول المقرض مع عدم استلزام شيء من الأمرين ، ولعلّ وجه الاحتياط أنّه نسب وجوب الأداء في هذه الصورة إلى العلاّمة(1) ; لأنّ المقرض صاحب الحقّ فله السلطنة على التعيين ، ويرد عليه أنّه لا ملازمة بين كونه صاحب الحقّ ، وبين لزوم الأداء مع المطالبة في صورة عدم الاشتراط مع ثبوت حقّ الاشتراط له كما مرّ ، فالظاهر لزوم رعاية التراضي كما في صورة استلزام الضرر أو الحاجة إلى المؤونة ، كما لايخفى .
1 ـ يجوز أن يشترط في القرض إعطاء الرهن ليكون وثيقة لدينه ولا ينطبق عليه عنوان الزيادة ، بل يشترطه لأجل أن يصل إلى ماله قطعاً كما هو الغرض الأصلي من الرهن ، كما أنّه يجوز أن يشترط فيه الضامن أو الكفيل لما ذكرنا ، وكذا كلّ شرط سائغ لا يكون فيه النفع الموجب لانطباق عنوان الزيادة وإن كان للمشترط فيه المصلحة ، فإنّ ثبوتها أعمّ من ثبوت نفع له كما لا يخفى .
- (1) قواعد الأحكام: 2/105 .
(الصفحة 231)الأزمنة إذا سقطت عن الاعتبار ، فالظاهر الاشتغال بالدراهم والدنانير الرائجة .نعم ، لو فرض وقوع القرض على الصكّ الخاصّ بنفسه ـ بأن قال : «أقرضتك هذا الكاغذ المسمّى بالنوت» ـ كان حاله حال الدراهم ، وهكذا الحال في المعاملات والمهور الواقعة على الصكوك1.
1 ـ ربما يُقال : إنّ إسقاط الدراهم والدنانير على أقسام :
الأوّل : إسقاط الرواج الفعلي مع بقاء أصل المالية من كلّ جهة ، بلا فرق في هذه الجهة بين السابقة واللاحقة ، بل ربما تكون القيمة في السابقة أكثر ، كالسكوك التي كانت من الفضّة الواقعية في الزمن السابق ، فإنّها وإن لم تكن رائجة فعلاً لكن قيمتها تكون أكثر من السابقة .
الثاني : إسقاط أصل المالية رأساً ، فلا تكون للسابقة قيمة أصلاً ، كالسكوك التي كانت في زمن الطاغوت والآن لا قيمة لها أصلاً; لخلوّها عن الفضّة الواقعيّة .
الثالث : تغيير السعر في الجملة بين السابقة واللاحقة مع بقاء الرواج وسائر الجهات ، ومقتضى قاعدة ضمان المثلي بالمثل هو اشتغال الذمّة بالمثل في القسم الأوّل والأخير ، كما أنّ مقتضى بناء القرض وسائر الضمانات على تحفّظ المالية مهما أمكن ذلك ، هو اشتغال الذمّة بالقيمة في الوسط بناءً على متعارف الناس في هذا الموضوع .
هذا مع قطع النظر عن الروايات ، وأمّا بملاحظتها ، فقد وردت فيه روايتان :
إحداهما : رواية يونس قال : كتبت إلى الرضا (عليه السلام) : إنّ لي على رجل ثلاثة آلاف درهم ، وكانت تلك الدراهم تنفق بين الناس تلك الأيّام ، وليست تنفق اليوم ، فلي عليه تلك الدراهم بأعيانها ، أو ما ينفق اليوم بين الناس ؟
قال: فكتب (عليه السلام) إليّ : لك أن تأخذ منه ما ينفق بين الناس كما أعطيته ما ينفق بين