(الصفحة 60)مسألة 26 : الظاهر أنّه يصحّ أن يشترط أحدهما على الآخر في ضمن عقد المضاربة مالاً أو عملاً ، كما إذا شرط المالك على العامل أن يخيط له ثوباً أو يعطيه درهماً وبالعكس1.
مسألة 27 : الظاهر أنّه يملك العامل حصّته من الربح بمجرّد ظهوره ، ولا يتوقّف على الإنضاض ـ بمعنى جعل الجنس نقداً ـ ولا على القسمة . كما أنّ الظاهر صيرورته شريكاً مع المالك في نفس العين الموجودة بالنسبة ، فيصحّ له مطالبة القسمة ، وله التصرّف في حصّته من البيع والصلح ،ويترتّب عليه جميع آثار الملكيّة; من الإرث ، وتعلّق الخمس والزكاة ، وحصول الاستطاعة ، وتعلّق حقّ العرفاء وغير ذلك2.
الثاني ، وكون المال مرتبطاً بالمالك ، ولم يكن العامل الثاني طرفاً للمعاقدة مع المالك . نعم ، لا مانع من الإيكال إلى الدلاّل في بعض المعاملات التي يكون المتعارف فيها ذلك ، كما لايخفى .
1 ـ قد عرفت(1) أنّ وجوب العمل بالشرط لا يتوقّف على كون العقد لازماً ، بل في العقود الجائزة أيضاً يجب الوفاء بالشرط . نعم ، يصحّ فسخ العقد وبتبعه يرتفع وجوب الوفاء بالشرط ، فيجوز أن يشترط المالك على العامل أن يخيط له ثوباً أو يعطيه درهماً ، وبالعكس; أي من طرف العامل على المالك .
2 ـ لأنّه مقتضى عقد المضاربة الذي وقع فيه هذا التعهّد والقرار ، ولأنّ الربح الموجود إمّا أن لا يكون له مالك ، وإمّا أن يكون ، فعلى الثاني الذي لا محيص عنه
(الصفحة 61)
إمّا أن يكون مختصّاً بمالك رأس المال وهو خلاف عقد المضاربة ، وإمّا أن يكون مشتركاً بينه وبين العامل فهو المطلوب ، ولا يتوقّف على الانضاض; بمعنى جعل الجنس نقداً ، ولا على القسمة التي تتفرّع على الملكيّة لا نقلاً ولا كشفاً كما هو المشهور(1)، بل استظهر في العروة ثبوت الإجماع عليه(2) ، ولدلالة صحيحة محمّد بن قيس قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى أباه وهو لا يعلم ، فقال : يقوّم فإذا زاد درهماً واحداً اُعتق واستسعى في مال الرجل(3) . ولو لم يصر مالكاً لحصّته لم ينعتق أبوه ، وهذه الرواية شاهدة على أنّ الشراء في المضاربة لا يكون لنفسه وإلاّ انعتق بمجرّد الشراء ، فتدبّر جيّداً .
وعن الفخر، عن والده أنّ في هذه المسألة أربعة أقوال ، ولكن لم يذكر القائل، ولعلّه من العامّة :
أحدها : ما ذكرنا .
الثاني : أنّه يملك بالإنضاض; لأنّه قبله ليس موجوداً خارجيّاً ، بل هو مقدّر موهوم .
الثالث : أنّه يملك بالقسمة ; لأنّه لو ملك قبله لاختصّ بربحه ولم يكن وقاية لرأس المال .
الرابع : أنّ القسمة كاشفة عن الملك سابقاً; لأنّها توجب استقراره(4) .
- (1) مسالك الأفهام: 4/371 ، رياض المسائل: 9/87 ، جواهر الكلام: 26/373 .
- (2) العروة الوثقى: 2/548 مسألة 3423 .
- (3) الكافي: 5/241 ح8 ، الفقيه: 3/144 ح633 ، تهذيب الأحكام: 7/190 ح 841 ، وعنها الوسائل: 19/25 ، كتاب المضاربة ب8 ح1 .
- (4) إيضاح الفوائد: 2/322 ـ 323 .
(الصفحة 62)
قال السيّد في العروة بعد جعل الأقوى ما ذكرنا: ودعوى أنّه ليس بموجود كماترى ، وكون القيمة أمراً وهميّاً ممنوع ، مع أنّا نقول : إنّه يصير شريكاً في العين الموجودة بالنسبة ، ولذا يصحّ له مطالبة القسمة ، مع أنّ المملوك لا يلزم أن يكون موجوداً خارجيّاً ، فإنّ الدّين مملوك ، مع أنّه ليس في الخارج .
ومن الغريب إصرار صاحب الجواهر على الإشكال في ملكيّته ، بدعوى أنّه حقيقة ما زاد على عين الأصل ، وقيمة الشيء أمر وهميّ لا وجود له لا ذمّة ولا خارجاً ، فلا يصدق عليه الربح . نعم ، لا بأس أن يُقال: إنّه بالظهور ملك أن يملك; بمعنى أنّ له الإنضاض فيملك ، وأغرب منه أنّه قال : بل لعلّ الوجه في خبر «عتق الأب» ذلك أيضاً ، بناءً على الاكتفاء بمثل ذلك في العتق المبنيّ على السراية(1).
إذ لا يخفى ما فيه ، مع أنّ لازم ما ذكره كون العين بتمامها ملكاً للمالك حتّى مقدار الربح ، مع أنّه ادّعى الاتّفاق على عدم كون مقدار حصّة العامل من الربح للمالك ، فلاينبغي التأمّل في أنّ الأقوى ما هو المشهور . نعم ، إن حصل خسران أو تلف بعد ظهور الربح خرج عن ملكيّة العامل ، لا أن يكون كاشفاً عن عدم ملكيّته من الأوّل ، وعلى ما ذكرنا يترتّب عليه جميع آثار الملكيّة من جواز المطالبة بالقسمة ، وإن كانت موقوفة على رضا المالك ، ومن صحّة تصرّفاته فيه من البيع والصلح ونحوهما ، ومن الإرث ، و تعلّق الخمس والزكاة ، وحصول الاستطاعة للحجّ ، وتعلّق حقّ الغرماء به ، ووجوب صرفه في الدّين مع المطالبة ، إلى غير ذلك(2) ، انتهى .
- (1) جواهر الكلام: 26/375 ـ 376 .
- (2) العروة الوثقى: 2/549 ـ 550 ذيل مسألة 3423 .
(الصفحة 63)مسألة 28 : لا إشكال في أنّ الخسارة الواردة على مال المضاربة تجبر بالربح ما دامت المضاربة باقية; سواء كانت سابقة عليه أو لاحقة ، فملكيّة العامل له بالظهور متزلزلة تزول كلّها أو بعضها بالخسران إلى أن تستقرّ ، والاستقرار يحصل بعد الإنضاض وفسخ المضاربة والقسمة قطعاً ، فلا جبران بعد ذلك . وفي حصوله بدون اجتماع الثلاثة وجوه وأقوال ، أقواها تحقّقه بالفسخ
ولقد أجاد فيما أفاد بل جاء بما فوق المراد ، ونضيف إليه : أنّه لو مات المالك بعد ظهور الربح وقبل الإنضاض أو القسمة ، هل يمكن أن يُقال بأنّه ليس للعامل شيء ويكون تمام المال إرثاً لورثة المالك ، وغير ذلك من التوالي الفاسدة الكثيرة كما لا يخفى ، فلا ينبغي التأمّل في الاستحقاق بالظهور ، وقد انقدح نظير بعض إشكالات صاحب الجواهر (قدس سره) في زماننا هذا من بعض الصائغين، حيث إنّهم شرعوا في التجارة بالذهب والفضّة وكان رأس مالهم حين الشروع عشرة ملايين مثلاً في عين كونه مقداراً معيّناً من الذهب مثلاً ، فلمّا عملوا طول السنة وبلغ موعد الخمس صار قيمة ذهبهم مضاعفاً مثلاً ، حتّى عشرين مليوناً في عين سقوط الكمّية وكسر المقدار من زمان الشروع.
فبالنتيجة صارت القيمة أكثر والمقدار والكمّية أقلّ ، فزعموا التخلّص بذلك عن مثل الخمس ; نظراً إلى عدم زيادة الكمّية وعدم بقاء المقدار الذي شرعوا في التجارة بذلك المقدار ، غافلاً عن صدق الاغتنام العقلائي والربح العرفي الموجب لثبوت الخمس لارتفاع القيمة السوقية العقلائية ، وعدم تبديلهم عين الأموال المتعلِّقة بهم بدون القيمة المرتفعة ، فتدبّر حتّى لا يختلط عليك الأمر ، فإنّه لو لم ينضّ العامل في المقام ولم يطالب القسمة وقد ربح ربحاً كثيراً ، هل يمكن الالتزام بعدم استحقاقه من الربح شيئاً; لتوقّفه على الإنضاض أو القسمة؟ وهذا واضح جدّاً.
(الصفحة 64)مع القسمة وإن لم يحصل الانضاض ، بل لا يبعد تحقّقه بالفسخ والإنضاض وإن لم يحصل القسمة ، بل تحقّقه بالفسخ فقط ، أو بتمام أمدها لو كان لها أمد ، لا يخلو من وجه1.
1 ـ الربح وقاية لرأس المال ، فلا تتحقّق ملكيّته بمجرّد الظهور بنحو الملكيّة المستقرّة ، بل ملكيّة العامل له بالظهور متزلزلة وتزول كلّها أو بعضها بالخسران الذي يمكن أن يتحقّق إلى أن تستقرّ ، ولكنّه وقع الخلاف في أنّه بماذا يتحقّق الاستقرار بعد وضوح تحقّقه عند اجتماع الاُمور الثلاثة; أي الإنضاض ، وفسخ المضاربة ، وتحقّق القسمة ، فإنّه عند اجتماع هذه الاُمور الثلاثة لا مجال لتوهّم الجبران بوجه ، وأمّا مع عدم الاجتماع ففيه وجوه بل أقوال .
قال السيّد في العروة : ولا يكفي في الاستقرار قسمة الربح فقط مع عدم الفسخ ، ولا قسمة الكلّ كذلك ، ولا بالفسخ مع عدم القسمة ، فلو حصل خسران أو تلف أو ربح كان كما سبق ، فيكون الربح مشتركاً والتلف والخسران عليهما ويتمّ رأس المال بالربح . نعم ، لو حصل الفسخ ولم يحصل الإنضاض ولو بالنسبة إلى البعض وحصلت القسمة ، فهل تستقرّ الملكيّة أم لا؟ إن قلنا بوجوب الإنضاض على العامل فالظاهر عدم الاستقرار ، وإن قلنا بعدم وجوبه ففيه وجهان ، أقواهما الاستقرار .
والحاصل : أنّ اللازم أوّلاً دفع مقدار رأس المال للمالك، ثمّ يقسّم ما زاد عنه بينهما على حسب حصّتهما ، فكلّ خسارة وتلف قبل تمام المضاربة يجبر بالربح ، وتماميّتها بما ذكرنا من الفسخ والقسمة(1) ، انتهى .
- (1) العروة الوثقى: 2/550 مسألة 35 .