(الصفحة 310)مسألة 1 : الولاية على السفيه للأب والجدّ ووصيّهما إذا بلغ سفيهاً ، وفيمن طرأ عليه السفه بعد البلوغ للحاكم الشرعي1.
أنّ السفيه لا يكون له معنى شرعي ، بل استعماله في الكتاب والسنّة إنّما هو بالمعنى الذي يقول به العرف والعقلاء ، وخلاصته ما أفاده في المتن من أنّ السفيه هو الذي ليس له حالة باعثة ومَلَكة راسخة على حفظ المال ، ولا تكون معاملاته بنحو يجريها العقلاء من المكايسة والتحفّظ عن المغابنة وعدم الانخداع في المعاملة ، ومصاديقه واضحة عند العرف ظاهرة لديهم ، وبعد ذلك لا يحتاج إلى تعريف كامل جامع للجنس والفصل . نعم ، الظاهر اختصاص ذلك بالاُمور المالية ، فلا ينافي الدقّة الكاملة والتحقيق الوسيع في مثل اختيار الزوجة ونحوه .
وقد فصّل في المتن بين ما إذا كان السفه متّصلاً بزمان صغره ، فيكون محجوراً عليه بنفسه ولا ينفذ تصرّفاته في ماله ببيع وصلح وإجارة وهبة وإيداع وشبهها من دون توقّف على حجر الحاكم ، ففي الحقيقة تكون المحجوريّة ثابتة عليه من زمان الصغر إلى بعد البلوغ من دون فصل ، وبين ما لو تجدّد بعد البلوغ والرشد وتحقّق الفصل بين الصغر وبين الرشد بعد البلوغ السفاهة ، فالمحجورية متوقّفة على حجر الحاكم ، ولا يتحقّق الحجر بنفسه ; لأنّ السفيه لا يرى نفسه سفيهاً ، فلابدّ أن يبيّنه الحاكم ويحكم بحجره ، فلو حصل له الرشد ارتفع حجره لانتفاء موضوعه ، كما أنّه لو عاد فللحاكم أن يحجره ثانياً لتجدّد موضوعه ، وهكذا .
وكيف كان ، فالسفاهة إحدى موجبات الحجر ، والوجه فيه واضح .
1 ـ قد مرّت الإشارة آنفاً إلى التفصيل في السفيه بين من بلغ سفيهاً ، فالولاية للأب والجدّ ووصيّهما باقية ، وبين من طرأ عليه السفه بعد البلوغ ، فالولاية للحاكم
(الصفحة 311)مسألة 2 : كما أنّ السفيه محجور عليه في أمواله كذلك في ذمّته; بأن يتعهّد مالاً أو عملاً ، فلا يصحّ اقتراضه وضمانه ولا بيعه وشرائه بالذمّة ، ولا إجارة نفسه ولا جعل نفسه عاملاً للمضاربة ونحوها1.
الشرعي ، ولعلّ الصورة الاُولى مستفادة من قوله تعالى :
{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}(1) حيث إنّ المخاطب هو الأب والجدّ ، ومقتضاها أنّه إذا لم يظهر لهما رشدهم فحرمة دفع الأموال إليهم باقية كما قبل البلوغ ، والثانية على القاعدة الجارية في جميع موارد الاحتياج إلى الولي إلاّ في صورة قيام الدليل; وهي ولاية الحاكم .
1 ـ لاشتراك ما في الذمّة من التعهّد المالي أو العملي مع الأموال الخارجيّة في ثبوت الحجر ، وعدم ترتيب الأثر على عمله بعد عدم ثبوت الملكة الباعثة على الانحفاظ وعدم التعرّض للتلف ، فكما أنّه محجور عليه في أن يشتري شيئاً بثمن شخصي موجود للوجه المذكور ، كذلك هو محجور عليه في أن يشتري نسيئة مثلاً بحيث كان الثمن في ذمّته; لعدم الفرق بين الصورتين في ملاك المحجورية ومناطها ، وكما أنّه لا يجوز أن يستأجر شيئاً باُجرة معيّنة لعدم ثبوت تلك المَلَكة ، كذلك لا يجوز له أن يؤجر نفسه في باب الإجارة على الأعمال; مثل أن يصير أجيراً لخياطة ثوب ونحوها وإن كان أصل الاُجرة ثابتاً ، بل لو فرض جعل الاُجرة عليه أزيد من المقدار المتعارف ; لأنّ البحث ليس في كثرة الاُجرة وقلّتها ، بل الملاك هو ما ذكرنا من عدم ثبوت الملكة الباعثة على الانحفاظ ، وإلاّ ففي مثل البيع إذا اشترى المبيع بنصف القيمة العادلة الواقعيّة لا يمكن الحكم بالصحّة من دون موافقة الولي وإذنه ،
(الصفحة 312)مسألة 3 : معنى عدم نفوذ تصرّفات السفيه عدم استقلاله ، فلو كان بإذن الولي أو إجازته صحّ ونفذ . نعم ، فيما لا يجري فيه الفضوليّة يشكل صحّته بالإجازة اللاحقة من الوليّ . ولو أوقع معاملة في حال سفهه ، ثمّ حصل له الرشد فأجازها كانت كإجازة الوليّ1.
مسألة 4 : لا يصحّ زواج السفيه بدون إذن الوليّ أو إجازته ، لكن يصحّ طلاقه وظهاره وخلعه ، ويقبل إقراره إن لم يتعلّق بالمال حتّى بما يوجب القصاص
وكذلك لا يجوز جعل نفسه عاملاً للمضاربة ، بل ولا الجعالة مثلاً ، وإن كان عدم القبول مستلزماً لتعطّله وعدم اشتغاله بوجه; لوجود الملاك المذكور في الجميع ، كما هو غير خفيّ .
وبالجملة : السفاهة مانعة عن نفوذ مطلق تصرّفاته المالية عيناً كانت أو ذمّة ، ولا فرق بين الموارد المذكورة وشبهها أصلاً .
1 ـ قد عرفت أنّ احتياج السفيه إلى الوليّ ليس لأجل كون عبارته كلا عبارة مثلاً ، بل لأجل حصول الانخداع له في المعاملة نوعاً ، وذلك لأجل عدم ثبوت المَلَكة الباعثة له على الانحفاظ وعدم الانخداع وإن لم يتحقّق ذلك في شخص معاملة ، وعليه فلو كان تصرّفه مسبوقاً بإذن الولي أو ملحوقاً له لا يبقى مجال للترديد في الصحّة بعد عدم كونه مسلوب العبارة . نعم ، في المعاملات التي لا تجري فيها الفضولية يشكل صحّتها بالإجازة اللاحقة من الولي ، لأنّه ليس بأولى من نفسه في صورة الرشد وعدم السفاهة ، ولو أوقع معاملة في حال سفهه جارية فيها الفضولية ، فكما أنّ الإجازة اللاحقة من الولي مؤثّرة في صحّتها لو بقي على حالة السفاهة وعدم الرشد ، كذلك إجازة نفسه إذا حصل له الرشد في حال الإجازة .
(الصفحة 313)ونحو ذلك ، ولو أقرّ بالنسب يقبل في غير لوازمه الماليّة كالنفقة ، وأمّا فيها فلا يخلو من إشكال وإن كان الثبوت لا يخلو من قرب . ولو أقرّ بالسرقة يقبل في القطع دون المال1.
مسألة 5 : لو وكّله غيره في بيع أو هبة أو إجارة مثلاً جاز ولو كان وكيلاً في أصل المعاملة لا مجرّد إجراء الصيغة2.
1 ـ لا يصحّ زواج السفيه بدون إذن الولي أو إجازته; لأنّ النكاح المنقطع لابدّ فيه من المهر وهو تصرّف ماليّ ، والنكاح الدائم وإن كان لا يلزم فيه ذكر المهر وتسميته ، إلاّ أنّ لزوم مهر المثل باق على حاله ، وهو أيضاً تصرّف ماليّ ، وفي المتن : «لكن يصحّ طلاقه وظهاره وخلعه» ، ويمكن الاستشكال في الأخير من جهة الاحتياج إلى قبول المال المبذول من الزوجة عوضاً عن الطلاق ، وهو تصرّف ماليّ يمكن أن يقع فيه الانخداع .
وأمّا الإقرار ، ففي المتن أنّه يقبل إن لم يتعلّق بالمال حتّى بما يوجب القصاص ، ولو أقرّ بالنسب فلا إشكال في قبول إقراره بالإضافة إلى غير لوازمه المالية ، كحرمة الزواج وجواز النظر ومثلهما . وأمّا بالنسبة إليها ، فقد نفى الخلوّ عن الإشكال ، وإن نفى الخلوّ عن القرب في الثبوت ، ولعلّ الوجه فيه أنّ اللوازم الماليّة من الاُمور التبعيّة في باب النسب وإن كانت لازمة له ، ولكن الظاهر بقاء الإشكال بحاله .
ولو أقرّ بالسرقة فبالإضافة إلى حقّ الله الذي هو القطع يقبل ، وبالإضافة إلى حقّ الناس الذي هو المال المسروق منه لا يقبل .
2 ـ لو صار السفيه وكيلاً عن الغير في بيع أو هبة أو إجارة مثلاً جاز مطلقاً ; لعدم استلزام ذلك للتصرّف المالي ، من دون فرق بين أن يكون وكيلاً في مجرّد
(الصفحة 314)مسألة 6 : لو حلف السفيه أو نذر على فعل شيء أو تركه ممّا لا يتعلّق بماله انعقد ، ولو حنث كفّر كسائر ما يوجب الكفّارة; كقتل الخطأ والإفطار في شهر رمضان . وهل يتعيّن عليه الصوم لوتمكّن منه ، أو يتخيّر بينه وبين الكفّارة الماليّة كغيره ؟ وجهان ، أحوطهما الأوّل . نعم ، لو لم يتمكّن من الصوم تعيّن غيره ، كما إذا فعل ما يوجب الكفّارة الماليّة على التعيين ، كما في كفّارات الإحرام كلّها أو جلّها1.
إجراء الصيغة أو وكيلاً في أصل المعاملة ، ولو استؤجر على ذلك يقع الإشكال فيه ; لأنّه من مصاديق الإجارة على الأعمال ، وقد عرفت محجوريّة السفيه بالإضافة إليها ، ومن هنا يمكن الاستشكال فيه من حيث إنّ الوكالة المجّانية فاقدة للإشكال ومتّصفة بالجواز ، والاستئجار على الوكالة غير جائز .
1 ـ لو حلف السفيه أو نذر على فعل شيء راجح أو تركه كذلك ممّا لا يتعلّق بماله انعقد ، إنّما الكلام في وجوب الكفّارة في صورة الحنث ، فإن كان مثل قتل الخطأ ممّا لا تأثير للإرادة في ذلك فلا شبهة في الوجوب ، وإن كان مثل الإفطار في شهر رمضان من الكفّارة المخيّر فيها بين الأمر المالي والأمر غير المالي كالصوم وإطعام الستّين مسكيناً ، فإن لم يتمكّن من الصوم فالظاهر تعيّن غيره ، كما أنّه في صورة الإفطار عمداً بالمحرّم يجب عليه الجمع ، وفي الكفّارة المالية على التعيين ، كما في كفّارات الإحرام كلّها أو جلّها ، كما إذا لبس الرجل المخيط في إحرام الحجّ ولو مع الاضطرار يوجب الثبوت على السفيه ، وهكذا في الاُمور الاختيارية الموجبة للكفّارة ، ولكنّه ربما يختلج بالبال أنّ الأمر الاختياري الموجب للكفّارة تصرّف مالي اختياري ، فاللازم القول بعدم إيجابه الكفّارة بوجه ، ولكن الظاهر عدمه;