(الصفحة 42)مسألة 15 : يجب على العامل ـ بعد عقد المضاربة ـ القيام بوظيفته; من تولّي ما يتولاّه التاجر لنفسه على المعتاد بالنسبة إلى مثل تلك التجارة في مثل ذلك المكان والزمان ، ومثل ذلك العامل; من عرض القماش والنشر والطيّ مثلاً ، وقبض الثمن وإحرازه في حرزه ، واستئجار ما جرت العادة باستئجاره ، كالدلاّل والوزّان والحمّال ، ويعطي اُجرتهم من أصل المال ، بل لو باشر مثل هذه الاُمور هو بنفسه لا بقصد التبرّع فالظاهر جواز أخذ الاُجرة . نعم ، لو استأجر لما يتعارف فيه مباشرة العامل بنفسه كانت عليه الاُجرة1.
النتيجة ، ففي غاية البُعد ، خصوصاً بعد كونه خلاف مقتضى العقد ، وعدم الدليل على الانتقال في أمثال هذه الموارد وهو ظاهر .
ودعوى أنّ إطلاق دليل لزوم الشرط يشمله ، مدفوعة بمنع ذلك بعد كونه مستلزماً لتحريم الحلال فتأمّل ، وبالجملة : فصحّة هذا النحو من شرط النتيجة أيضاً مشكلة .
فإنّ الانتقال المزبور لابدّ وأن يكون له سبب ، كبيع الدين على من هو عليه الذي يؤثّر في الإبراء وسقوط الدّين ، وأمّا ما له سبب خاصّ كالانتقال البيعي من دون السبب القولي أو الفعلي فلا يكاد يتحقّق بمجرّد الشرط إلاّ أن يكون الشرط بنحو شرط الفعل لا النتيجة،فحصول الانتقال المزبور بمجرّد الشرط في غاية البُعد .
1 ـ يجب على العامل بعد عقد المضاربة القيام بوظيفته ، وليس مرجع كون العقد جائزاً كما ذكرناه(1) إلى عدم وجوب شيء على أحد الطرفين ، بل جواز الفسخ في جميع الحالات في المقام كما تقدّم(2) . وأمّا ما دام لم يتحقّق الفسخ فوجوب العمل
(الصفحة 43)مسألة 16 : مع إطلاق عقد المضاربة يجوز للعامل الاتّجار بالمال على ما يراه من المصلحة; من حيث الجنس المشترى والبائع والمشتري وغير ذلك حتّى في الثمن ، فلا يتعيّن عليه أن يبيع بالنقود ، بل يجوز أن يبيع الجنس بجنس آخر ، إلاّ أن يكون هناك تعارف ينصرف إليه الإطلاق . ولو شرط عليه المالك أن لا يشتري الجنس الفلاني ، أو إلاّ الجنس الفلاني ، أو لا يبيع من الشخص الفلاني ، أو الطائفة الفلانية ، وغير ذلك من الشروط ، لم يجز له المخالفة ، ولو خالف ضمن المال والخسارة ، لكن لو حصل الربح وكانت التجارة رابحة شارك المالك في الربح على ما قرّراه في عقد المضاربة1.
بمقتضى العقد باق على حاله كما لا يخفى .
وعليه: ففي المقام يجب القيام بوظائف التاجر لنفسه مع حفظ الخصوصيّات; من مثل تلك التجارة المأذون فيها لو كان تجارة خاصّة ، ومثل ذلك الزمان والمكان ، ومثل ذلك العامل اُستاذاً أو تلميذاً ، وعرض القماش والنشر والطيّ مثلاً ، وأخذ الأثمان وحفظها في محفظة مأمونة ، وفي زماننا هذا في مثل البنك لو كانت الأثمان كثيرة ، واستئجار ما جرت العادة النوعية باستئجاره; كالدلاّل والوزّان والحمّال ، وإعطاء اُجرتهم من أصل المال .
نعم ، لو باشر مثل هذه الاُمور بنفسه من دون قصد التبرّع فالظاهر جواز أخذ اُجرتها لنفسه . نعم ، لو استأجر فيما كان المتعارف فيه عدم الاستئجار ومباشرة العامل بنفسه كانت الاُجرة عليه لا على المالك ، والوجه في جميع ما ذكر واضح .
1 ـ تارةً يكون عقد المضاربة مطلقاً ، واُخرى يكون مقروناً مع الشرط .
ففي الصورة الاُولى: يجوز للعامل الاتّجار بالمال على ما يراه من المصلحة من
(الصفحة 44)
جهة الجنس والبائع والمشتري وغير ذلك; كالنقد والنسيئة ، وحتّى في الثمن ، فلا يتعيّن عليه أن يبيع بخصوص النقود ، بل يجوز أن يبيع الجنس بجنس الآخر ، وبالجملة: في صورة الإطلاق يكون اللازم مراعاة المصلحة بحسب اعتقاده ، إلاّ أن يكون في البين تعارف موجب لانصراف الإطلاق إليه ; كما إذا كان المتعارف شراء الحنطة مثلاً لكون البلد محلّ نشؤها ، أو الأرُز مثلاً لكون البلد كذلك .
وفي الصورة الثانية: أعني ما يكون فيه عقد المضاربة مقروناً بالشرط أيّ شرط كان لا يجوز التخلّف عنه; سواء قلنا بأنّ الشروط في ضمن العقود الجائزة أيضاً يجب الوفاء بها كما تقدّم(1) ، أو قلنا بأنّ غير مورد الشرط لا يكون مأذوناً فيه ، وعلى أيّ حال فلو تحقّقت المخالفة ضمن العامل أصل المال أو الخسارة ، لكن المذكور في المتن أنّه لو حصل الربح وكانت التجارة رابحة شارك المالك في الربح على ما قرّراه في عقد المضاربة .
والظاهر أنّ الوجه فيه أنّ الربح كالنماء تابع لأصل المال ، والمفروض أنّه في عقد المضاربة قد التزم بثبوت حصّة من الربح للعامل ، اللّهمَّ إلاّ أن يُقال : إنّ الإذن كان مقيّداً ، ومع عدم رعاية القيد من طرف العامل لا يستحقّ من الربح شيئاً وإن كانت التجارة رابحة ، بل لا يستحقّ شيئاً أصلاً ولو اُجرة مثل العمل ; لعدم كونه مأذوناً فيه ، إلاّ أنّه استند في ذلك إلى دلالة جملة من الأخبار عليه ، مثل:
صحيحة جميل ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل دفع إلى رجل مالاً يشتري به ضرباً من المتاع مضاربة ، فذهب فاشترى به غير الذي أمره ، قال : هو ضامن
(الصفحة 45)
والربح بينهما على ما شرط(1) .
وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يعطي الرجل مالاً مضاربة فيخالف ما شرط عليه ، قال : هو ضامن والربح بينهما(2) . وغيرهما من النصوص .
قال السيّد في العروة : ولا داعي إلى حملها على بعض المحامل ، ولا إلى الاقتصار على مواردها; لاستفادة العموم من بعضها الآخر(3) ، والظاهر أنّ المراد من البعض الآخر هي صحيحة الحلبي الدالّة على إطلاق مخالفة المشروط عليه ، وعليه: فالروايات بما أنّها معتبرة ظاهرة لابدّ من الأخذ بمفادها وإن كانت على خلاف القاعدة ، ولكن التقييد بكون التجارة رابحة يعطي أمراً إضافيّاً كما لا يخفى .
هذا ، وقد ذكر بعض الأعلام (قدس سره)في تقريراته التي قرّرها ولده الشاب الشهيد (قدس سره)في هذا المجال ما ملخّصه: يمتاز القيد من الشرط في العقود الالتزامية التمليكيّة كالبيع ، بأنّ الشرط فيها قد يكون أمراً خارجيّاً أجنبيّاً عن المبيع والثمن كالخياطة ، ففي مثله لا يمكن أن يكون قيداً لمتعلّق العقد; إذ المبيع وجود والشرط وجود آخر ، والنسبة بين الوجودين هي التباين ، فلا معنى لأن يكون أحدهما مقيّداً بوجود الآخر.
وقد يكون وصفاً لمتعلّق العقد ، وهو تارةً يكون من الأوصاف الذاتية المقوّمة للذات ، فهو قيد لا محالة; كأن يقول : «بعتك هذا الموجود الخارجي على أن يكون ذهباً» . وعليه: فلو تخلّف الوصف لكان البيع محكوماً بالبطلان لا محالة ، واُخرى لا يكون مقوّماً للذّات; كما لو باع العبد على أنّه كاتب ، ومثله لا يصلح أن يكون قيداً ، فإنّ الموجود الخارجي لا إطلاق له لكي يكون مقيّداً بالكتابة في بعض الأحيان ،
- (1) تهذيب الأحكام: 7/193 ح 853 ، و عنه الوسائل: 19/18 ، كتاب المضاربة ب1 ح9 .
- (2) تهذيب الأحكام: 7/190 ح 838 ، وعنه الوسائل: 19/16 ، كتاب المضاربة ب1 ح5 .
- (3) العروة الوثقى: 2/533 ذيل مسألة 3394 .
(الصفحة 46)
وحيث لا يجوز أن يكون من تعليق نفس البيع عليه; لأنّه من التعليق المبطل جزماً ، فينحصر أمره في كونه شرطاً .
هذا كلّه بالنسبة إلى المائز بين القيود والشروط في الأعيان الخارجيّة ، وأمّا إذا كان متعلّق العقد كلّياً في الذمّة ، فحيث إنّ وجود الكلّي ينحصر في وجود أفراده; إذ لا وجود له إلاّ في ضمنها ، كان الاشتراط ـ مقوّماً كان الشرط أو غيره ـ موجباً لتعدّد الوجود وامتياز المقيّد عن غيره ، ومن هنا يكون الشرط قيداً في متعلّق المعاملة لا محالة ، بحيث يكون متعلّقها خصوص الحصّة المقيّدة دون غيرها; لاقتضاء أخذ الوصف تخصّص الكلّي لا محالة .
وكذا الحال إذا كان متعلّق العقد عملاً من الأعمال ، فإنّه عرض من الأعراض ، وهو يختلف ويتعدّد في الوجود بما له من صفات .
هذا كلّه في العقود الالتزامية التمليكية ، وأمّا في عقد المضاربة الذي ينحلّ في الحقيقة إلى أمرين: إذن المالك للعامل في العمل ، والتزامه بأن يكون الربح بينهما ، فهو من العقود الإذنيّة بلحاظ الجهة الاُولى ، ومن العقود الالتزاميّة بلحاظ الجهة الثانية، فإذا اشترط المالك على العامل ما يرجع إلى خصوصيّة في البيع أو الشراء ، كان ذلك من تقييد الإذن لا محالة ، فيكون راجعاً إلى الجهة الاُولى في المضاربة . ومقتضى ذلك أنّ مخالفة الشرط توجب انتفاء الإذن في التصرّف فيه ، وعليه: فيحكم بعدم استحقاق العامل شيئاً ، وأمّا ما وقع من العمل خارجاً فهو معاملة فضوليّة تتوقّف على إجازة المالك .
وأمّا إذا كان الشرط أمراً خارجيّاً; كالخياطة والكتابة ونحوهما ، فيمكن أن يكون راجعاً إلى الجهة الاُولى ، فيكون من تعليق الإذن في التجارة على ذلك الفعل المعيّن ، ولا يقدح فيه التعليق ; لأنّ الممنوع إنّما هو التعليق في العقود التمليكيّة ،