(الصفحة 436)مسألة 30 : لو وكّل رجل وكيلاً بحضور الحاكم ـ في خصوماته واستيفاء حقوقه مطلقاً ، أو في خصومة شخصية ـ ثمّ قدّم الوكيل خصماً لموكّله وأقام الدعوى عليه يسمع الحاكم دعواه عليه . وكذا إذا ادّعى عند الحاكم وكالته في الدعوى وأقام البيِّنة عنده عليها . وأمّا إذا ادّعاها من دون بيِّنة ، فإن لم يحضر خصماً عنده ، أو أحضر ولم يصدّقه في وكالته لم يسمع دعواه ، ولو صدّقه فيها فالظاهر أنّه يسمع دعواه ، لكن لم تثبت بذلك وكالته عن موكّله بحيث تكون حجّة عليه ، فإذا قضت موازين القضاء بحقّية المدّعي يلزم المدّعى عليه بالحقّ ، ولو قضت بحقّية المدّعى عليه فالمدّعي على حجّته ، فإذا أنكر الوكالة تبقى دعواه على حالها ، وللمدّعى عليه أو وكيل المدّعي إقامة البيِّنة على ثبوت الوكالة ، ومع ثبوتها بها تثبت حقّية المدّعى عليه في ماهية الدعوى1.
من تلك الاُمور ، فإن لم يصرّح بالاستقلال ولم يكن لكلامه ظهور عقلائيّ في ذلك ، يتشاوران ويتباصران ويعضد كلّ منهما صاحبه ويعينه على ما فوّض إليهما ، وفي صورة التصريح بالاستقلال أو وجود ظهور كذلك فيه يجوز لكلّ منهما ذلك ، غاية الأمر أنّه مع سبقة أحدهما لا يبقى مجال للآخر .
1 ـ للمسألة صور وفروض :
الاُولى : ما لو وكّل وكيلاً في محضر الحاكم في جميع خصوماته أو في خصومة شخصية ، ثمّ قدّم الوكيل خصماً من خصمائه في الأوّل ، أو الخصم في تلك الخصومة الشخصية في الثاني ، وأقام الدعوى عليه يسمع الحاكم دعواه عليه; لفرض ثبوت وكالته عنده لوقوعها بحضوره .
الثانية : ما إذا لم يكن التوكيل بحضوره ، ولكن ادّعى الوكيل عند الحاكم الوكالة
(الصفحة 437)مسألة 31 : لو وكّله في الدعوى وتثبيت حقّه على خصمه لم يكن له بعد الإثبات قبض الحقّ ، فللمحكوم عليه أن يمتنع عن تسليم ما ثبت عليه إلى الوكيل1.
مسألة 32 : لو وكّله في استيفاء حقّ له على غيره فجحده من عليه الحقّ ، لم يكن للوكيل مخاصمته ومرافعتهوتثبيت الحقّ عليه مالم يكنوكيلاًفي الخصومة2.
وأقام البيِّنة عليها ، ففي هذه الصورة أيضاً يسمع دعواه .
الثالثة : الفرض مع عدم إقامة البيِّنة عند الحاكم على الوكالة ، وقد فصّل في هذه الصورة بين ما إذا لم يحضر خصماً عنده ، أو أحضره ولم يصدّقه في الوكالة ، فلا يسمع دعواه ، وبين ما لو صدّقه عليها فيسمع دعواه ، لكن لوجود احتمال التباني وعدم ثبوت الوكالة واقعاً لا تثبت حجّة على المدّعي ، فإذا قضت موازين القضاء بحقّية المدّعي يلزم المدّعى عليه بالحقّ ، ولو قضت بحقّية المدّعى عليه فالمدّعي على حجّته مع إنكار الوكالة وتبقى دعواه على حالها ، وللمدّعى عليه أو وكيل المدّعي إقامة البيِّنة على ثبوت الوكالة ، ومع إقامة البيِّنة فالقضاء بنفع المدّعى عليه باق على حاله وإن كان بضرر المدّعي المنكر للوكالة ، والوجه فيه واضح .
1 ـ لأنّ دائرة الوكالة لا تشمل قبض الحقّ الذي أثبته الوكيل ; لأنّ موردها مجرّد التثبيت على الخصم ، إلاّ أن يفرض شمول الوكالة لذلك أيضاً ، ومع ذلك لا يجب على المحكوم عليه الدفع إليه وإن كان جائزاً في هذا الفرض .
2 ـ الوجه فيه أنّ الموكّل فيه إنّما هو استيفاء الحقّ ، والفرض أنّ من عليه الحقّ جاحد لذلك ، وليست المخاصمة والمرافعة لتثبيت الحقّ عليه داخلة في متعلّق
(الصفحة 438)مسألة 33 : يجوز التوكيل بجُعل وبغيره ، وإنّما يستحقّ الجعل في الأوّل بتسليم العمل الموكّل فيه ، فلو وكّله في البيع أو الشراء وجعل له جُعلاً فله المطالبة به بمجرّد إتمام المعاملة وإن لم يتسلّم الموكّل الثمن أو المثمن . وكذا لو وكّله في المرافعة وتثبيت الحقّ استحقّه بمجرّد إثباته وإن لم يتسلّمه الموكّل1.
مسألة 34 : لو وكّله في قبض دينه من شخص فمات قبل الأداء ، لم يكن له مطالبة وارثه إلاّ أن تشملها الوكالة2.
الوكالة ، إلاّ أن يكون المراد من الاستيفاء الأعمّ من ذلك ، أو كانت المرافعة ثابتة فيها الوكالة بالخصوص أيضاً . ويمكن أن يكون بنحو الطولية ، ومرجعها إلى الوكالة في الاستيفاء مع عدم الجحد ، وفي المخاصمة معه ، كما لا يخفى .
1 ـ التوكيل قد يكون بجُعل وقد يكون بغيره ، وفي الفرض الأوّل لابدّ من ملاحظة أنّ الوكيل يستحقّ الجعل في أيّ زمان ، فنقول: بعد وضوح أنّ استحقاق الجعل في المقام إنّما يكون بتحقّق العمل الموكّل فيه من الوكيل ، ولا يتوقّف ذلك على لوازمه وآثاره ، أنّه لو وكّله في البيع أو الشراء ، كذلك ، فاستحقاق الجعل للوكيل إنّما يترتّب على مجرّد تماميّة البيع أو الشراء من قبله ، ولا يتوقّف على تسلّم الموكّل الثمن أو المبيع; لأنّ التسلّم أمر آخر خارج عن دائرة الوكالة . وكذا لو وكّله في الخصومة وتثبيت الحقّ كذلك يستحقّ الجُعل بمجرّد المخاصمة وتثبيت الحقّ; سواء تسلّمه الموكّل أم لا ، وهذا ظاهر .
2 ـ لو مات المديون بعد صيرورة الشخص وكيلاً عن الدائن في قبض دينه ، فمجرّد ا لتوكيل في القبض من المديون لا يلازم جواز القبض من ورثته بعنوان
(الصفحة 439)مسألة 35 : لو وكّله في استيفاء دينه من زيد فجاء إليه للمطالبة ، فقال زيد : خذ هذه الدراهم واقض بها دين فلان ـ أي موكّله ـ فأخذها ، صار وكيل زيد في قضاء دينه ، وكانت الدراهم باقية على ملك زيد ما لم يقبضها صاحب الدَّين ، وللوكيل أن يقبض نفسه بعد أخذه من المديون بعنوان الوكالة عن الدائن في الاستيفاء ، إلاّ أن يكون توكيل المديون بنحو لا يشمل قبض الوكيل ، فلزيد استردادها ما دامت في يد الوكيل ولم يتحقّق القبض من الدائن بنحو ممّا ذكر ، ولو تلفت عنده بقي الدَّين بحاله ، ولو قال : خُذها عن الدَّين الذي تطالبني به لفلان ، فأخذها كان قابضاً للموكّل وبرئت ذمّة زيد ، وليس له الاسترداد1.
الوكالة لعدم الملازمة ، إلاّ أن تكون دائرة الوكالة وسيعة شاملة للقبض من الوارث أيضاً .
1 ـ الظاهر أنّ مفروض المسألة فيما كان له على زيد دراهم مثلاً ، فوكّل عمرواً في استيفاء دينه من زيد ، فجاء إليه للمطالبة ، فقال زيد : خذ هذه الدراهم التي هي بمقدار الدَّين واقض بها دين فلان ـ أي موكّله في الاستيفاء ـ صار وكيل زيد المديون في قضاء دينه ، والدراهم باقية على ملك المديون ، فإن أقبضها صاحب الدَّين ـ يعني الموكّل ـ يخرج عن ملك زيد ويدخل في ملك الموكّل ; لأنّ المفروض أنّه دائن والوكيل ثابت له الوكالة في أداء الدَّين ، وقد قبضها صاحب الدَّين .
نعم ، يجوز للوكيل أن يقبض نفسه من المديون بعنوان الوكالة من الدائن في الاستيفاء والقبض ، إلاّ أن يكون توكيل المديون بنحو لا يشمل قبض الوكيل; بأن وكّله في إقباض شخص الدائن ، فلزيد حينئذ استردادها ما دامت في يد الوكيل ولم يتحقّق القبض من الدائن نفسه ، ولازمه حينئذ أنّه مع التلف في يد الوكيل يبقى
(الصفحة 440)مسألة 36 : الوكيل أمين بالنسبة إلى ما في يده لا يضمنه إلاّ مع التفريط أو التعدّي; كما إذا لبس ثوباً أو حمل على دابّة كان وكيلاً في بيعهما ، لكن لا تبطل بذلك وكالته ، فلو باع الثوب بعد لبسه صحّ بيعه وإن كان ضامناً له لو تلف قبل أن يبيعه ، وبتسليمه إلى المشتري يبرأ عن ضمانه ، بل لا يبعد ارتفاع ضمانه بنفس البيع1.
مسألة 37 : لو وكّله في إيداع مال فأودعه بلا إشهاد فجحد الودعي لم يضمنه الوكيل ، إلاّ إذا وكّله في أن يودعه مع الإشهاد فخالف . وكذا الحال لو
الدَّين بحاله ; لأنّ المفروض عدم الإقباض الذي وكّل فيه .
نعم ، لو قال المديون : خُذ هذه الدراهم عن الدَّين الذي تطالبني به لفلان ، يكون بمنزلة قبض الموكّل الدائن وبرئت ذمّة زيد المديون ، وليس له الاسترداد لحصول الأداء وتحقّق القبض ، كما لا يخفى .
1 ـ لا شبهة في أنّ الوكيل أمين ، وقد تقرّر في محلّه أنّ الأمين لا يضمن إلاّ مع التعدّي أو التفريط(1) كالمثالين المذكورين في المتن ، لكن الضمان بذلك لا يوجب بطلان الوكالة ، فلو باع الثوب بعد لبسه ـ غير الجائز للوكيل ـ صحّ بيعه وإن كان ضامناً له لو تلف قبل أن يبيعه ، لكن ارتفاع الضمان هل يتحقّق بمجرّد البيع وإن لم يسلّمه إلى المشتري ، أو بالتسليم إلى المشتري؟ نفى في المتن البُعد عن الأوّل ، ولعلّه لأجل أنّ الموكّل فيه إنّما هو البيع فقط ، وأمّا التسليم فهو أمر آخر لعلّه لم يكن وكيلاً فيه أصلاً ، كما تقدّم مثله .
- (1) القواعد الفقهيّة للمؤلّف دام ظلّه: 1 / 27 ـ 43 .