(الصفحة 373)مسألة 16 : لو ادّعى شخص على آخر ديناً ، فقال ثالث للمدّعي: «عليَّ ما عليه» فرضي صحّ الضمان; بمعنى ثبوت الدَّين في ذمّته على تقدير ثبوته ، فتسقط الدعوى عن المضمون عنه ، ويصير الضامن طرفها ، فلو أقام المدّعي البيِّنة على ثبوته يجب على الضامن أداؤه ، وكذا لو ثبت إقرار المضمون عنه قبل الضمان بالدَّين . وأمّا إقراره بعد الضمان فلا يثبت به شيء ، لا على المقرّ ولا على الضامن1.
كذلك يجوز الضمان عليهما إذا كانا على العهدة ، فيجوز أن يضمن عن الأجير ما عليه من العمل في الإجارة على الأعمال ، كما أنّه يجوز أن يضمن عن المستأجر ما عليه من الاُجرة مطلقاً في تلك الإجارة وغيرها ، وقد استثنى من ذلك صورة واحدة; وهو ما لو كان العمل المستأجر عليه مشروطاً فيه مباشرة الأجير ، بحيث لا يجوز أن يقوم مقامه شخص آخر حتّى الوارث في صورة الموت ، ففي هذه الصورة لا يتمّ الضمان ; لأنّه ينافي قيد المباشرة المأخوذ في الإجارة ، أو الانصراف إلى صورة المباشرة ولو كانت الإجارة مطلقة لم يقع فيها التصريح بهذا القيد .
وبالجملة : لابدّ وأن يكون الضامن صالحاً لأن يقوم مقام المضمون عنه ، وفي صورة التصريح بقيد المباشرة ، أو انصراف الإطلاق إليه لا يمكن أن يتحقّق ذلك ، فلا يصحّ الضمان بوجه ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ لو ادّعى شخص على آخر ديناً ، فقال ثالث للمدّعي : «عَليَّ ما عليه» فرضي المدّعي بذلك صحّ الضمان ، بمعنى ثبوت الدَّين على تقديره في ذمّته ، وخروج المضمون عنه عن الطرفية للدعوى ، وصيرورة الضامن طرفاً لها . وعليه فلو أقام المدّعي البيِّنة على ثبوته يجب على الضامن أداؤه ، وليس هذا من التعليق في الضمان
(الصفحة 374)مسألة 17 : الأقوى عدم جواز ضمان الأعيان المضمونة كالغصب والمقبوض بالعقد الفاسد لمالكها عمّن كانت هي بيده1.
الذي يعتبر فيه التنجيز على ما عرفت (1); لأنّه قيد في أصل تحقّق الضمان ; لعدم صحّته بدون اشتغال ذمّة المضمون عنه وثبوت الدَّين على عهدته; لما مرّ من أنّه نقل ذمّة إلى اُخرى عند علمائنا(2) ، مثل ما إذا كان في يد المشتري شيء يشكّ في ملكيّة البائع له ، فقال البائع : إن كان هذا ملكي فقد بعتك إيّاه .
نعم ، حيث إنّ البيِّنة يثبت الدّين وعلى الضامن أداؤه ، يجوز له الرجوع إلى المضمون عنه بشرطين: الأداء والرضا . ولو فرض إقرار المضمون عنه بثبوت الدَّين على عهدته ، فإن كان إقراره قبل الضمان فهو نافذ ، وإن كان إقراره بعد الضمان فغير نافذ ; لأنّه إقرار في حقّ الغير وعليه .
1 ـ في جواز ضمان الأعيان المغصوبة كالغصب والمقبوض بالعقد الفاسد لمالكها عمّن كانت هي بيده ، وعدم جوازه وجهان; من أنّ مرجع الضمان المذكور إلى اشتغال الذمّة بالمثل أو القيمة ، وتعلّق أحدهما بالعهدة ولو لم يتحقّق التلف بعدُ ، ومن أنّه ما دام لم يتحقّق التلف لا يكون على العهدة شيء ، ووجب عليه ردّ المال إلى صاحبه وحفظه لذلك . وإن قلنا بأنّ مقتضى التحقيق في قاعدة ضمان اليد ثبوت نفس العين على العهدة وإن كانت شخصية ولم يتحقّق التلف أصلاً ، فالظاهر أنّه لا مانع من ضمانها لثبوتها على العهدة ، وإن كان الواجب في صورة البقاء تأديتها بنفسها وفي صورة التلف المثل أو القيمة ، ولا يبعد أن يُقال بأنّه الظاهر بعد ظهور
- (1) في ص359 ـ 360 .
- (2) في ص357 ـ 358 .
(الصفحة 375)مسألة 18 : لا إشكال في جواز ضمان عهدة الثمن للمشتري عن البائع لو ظهر المبيع مستحقّاً للغير ، أو ظهر بطلان البيع ـ لفقد شرط من شروط صحّته ـ إذا كان بعد قبض البائع الثمن وتلفه عنده ، وأمّا مع بقائه في يده فمحلّ تردّد . والأقوى عدم صحّة ضمان درك ما يحدثه المشتري ـ من بناء أو غرس في الأرض المشتراة إن ظهرت مستحقّة للغير ، وقلعه المالك ـ للمشتري عن البائع1.
دليل القاعدة في كون المضمون هو المأخوذ باليد ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : إذا قبض البائع الثمن وأتلفه أو صار تالفاً عنده ، يجوز ضمانه للمشتري عن البائع في صورة ظهور المبيع مستحقّاً للغير ، أو ظهور بطلان البيع لفقد شرط من شروط صحّته ; لأنّ الثمن في هاتين الصورتين على عهدة البائع وفي ذمّته مثلاً أو قيمة ، وقد عرفت أنّ هذا النحو من الضمان لا ينافي التنجيز المعتبر فيه ، والفرق بينه وبين ما تقدّم(1) من عدم الصحّة فيما لو قال : أقرض فلاناً أو بعه نسيئة وأنا ضامن إنّما هو ثبوت الإجماع على البطلان هناك ، وعدم ثبوته هنا ، وإلاّ فلا فرق بينهما كما لايخفى .
اللّهمّ إلاّ أن يُقال : إنّ ظهور المبيع مستحقّاً للغير ، أو ظهور بطلان البيع يكشف عن اشتغال ذمّة البائع بالثمن ; لأنّ الفرض حصول التلف عنده . وأمّا في المثالين فلم يتحقّق الاشتغال بوجه حين الضمان; لعدم حصول الاقتراض والبيع بعد .
الثاني : الصورة مع بقاء الثمن في يد البائع ، وقد تردّد في صحّة الضمان في هذه الصورة في المتن ، والظاهر أنّ الترديد واحتمال الوجهين ينشأ ممّا قوّاه سابقاً من عدم
(الصفحة 376)مسألة 19 : لو كان على الدَّين الذي على المضمون عنه رهن ينفكّ بالضمان ، شرط الضامن انفكاكه أم لا1.
مسألة 20 : لو كان على أحد دين فالتمس من غيره أداءه ، فأدّاه بلا ضمان
صحّة الضمان في الأعيان المضمونة كالمغصوب ونحوه ، ضرورة ضمان نفس الثمن مع البقاء في يد البائع لو ظهر المبيع مستحقّاً للغير ، أو ظهر بطلان البيع ، ومن أنّ كونه مضموناً على البائع بالفعل غير معلوم ، ولذا يجوز له إتلافه مع عدم علمه بالحال ، فالضمان يرجع إلى اشتغال الذمّة بالمثل أو القيمة ، فلا مانع من ضمان العهدة فتدبّر .
الثالث : صحّة ضمان درك ما يحدثه المشتري ـ من بناء أو غرس في الأرض المشتراة إن ظهرت مستحقّة للغير ، وقلعه المالك ـ للمشتري عن البائع ، وعدم صحّته ، وقد قوّى في المتن العدم ، والظاهر أنّ الوجه فيه أنّ الظهورين المزبورين وإن كانا كاشفين عن بطلان المعاملة ، الذي لازمه عدم كون المبيع للبائع ، إلاّ أنّ قلع المالك للبناء أو الغرس الذي أحدثه المشتري ـ بتخيّل كون الأرض مملوكة له ـ غير معلوم . ومن المحتمل أن لا يتحقّق القلع من المالك ، ويرضى ببقاء البناء أو الغرس مجّاناً أو مع الاُجرة ، والمفروض رجوع الثمن إلى المشتري ، فإذا رضي بالبقاء مع الاُجرة لا يكون هناك مانع منه .
1 ـ والوجه فيه أنّ الرهن كان وثيقة بالإضافة إلى المديون الأوّلي ، والمفروض انتقال ذمّته إلى ذمّة الضامن ورضا المضمون له بذلك ، فمن كان الرهن عنده لا تكون ذمّته مشغولة ، ومن كانت ذمّته مشغولة لا يكون في مقابلها رهن ، فالرهن ينفكّ بنفس الضمان; سواء شرط انفكاكه أم لا .
(الصفحة 377)عنه للدائن ، جاز له الرجوع على الملتمس مع عدم قصد التبرّع1.
1 ـ هذه المسألة لا تكون من مسائل كتاب الضمان ; لأنّه لا يكون فيها ضمان ، بل هي من مسائل كتاب القرض والدَّين ، والنظر فيها إلى أنّ المديون لو التمس من شخص أن يؤدّي دينه من غير ضمان ، فأدّاه إجابةً لالتماسه ، فإن كان الأداء بقصد التبرّع فلا يجوز له الرجوع إلى المديون ، وإن لم يكن بقصد التبرّع فله الرجوع كما في الضمان على ما تقدّم (1) .