(الصفحة 87)اُسوة الغرماء . وكذا الحال لو علم المال جنساً وقدراً ، واشتبه بين أموال من جنسه له أو لغيره من غير امتزاج ، فالأقوى فيه القرعة أيضاً ، خصوصاً إذا كانت الأجناس مختلفة في الجودة والرداءة ، ومع الامتزاج كان المجموع مشتركاً بين أربابه بالنسبة .
ولو علم بعدم وجوده فيها واحتمل أنّه قد ردّه إلى مالكه ، أو تلف بتفريط منه أو بغيره ، فالظاهر أنّه لم يحكم على الميّت بالضمان ، وكان الجميع لورثته . وكذا لو احتمل بقاؤه فيها . ولو علم بأنّ مقداراً من مال المضاربة قد كان قبل موته داخلاً في هذه الأجناس الباقية التي قد تركها ، ولم يعلم أنّه هل بقي فيها ، أو ردّه إلى المالك أو تلف؟ ففيه إشكال ، وإن كانت مورّثيّة الأموال لا تخلو من قوّة ، والأحوط الإخراج منها مع عدم قاصر في الورثة1.
1 ـ قد تعرّض في هذه المسألة لصور موت العامل وكان عنده مال المضاربة علماً أو احتمالاً; وهي كثيرة تالية :
الاُولى : ما لو علم بوجوده فيما تركه بعينه ، ولا إشكال في هذه الصورة في وجوب ردّ المعلوم إلى المالك من دون زيادة ولا نقصان .
الثانية : ما لو علم بوجوده فيما تركه لا بعينه; بأن كان ما تركه العامل مشتملاً عليه وعلى مال نفسه ، أو كان عنده ودائع أو بضائع للآخرين واشتبه بعضها مع بعض ، فإنّه يُعامل معه ما هو العلاج في نظائره من اشتباه الأموال ، والظاهر أنّ الحكم في الجميع هو القرعة; لأنّه القدر المتيقّن من دليل القرعة من جهة كونه من حقوق الناس التي لا سبيل إلى الاطّلاع عليها غير القرعة . نعم ، الأحوط التصالح ليتحقّق تراضي الطرفين أو الأطراف .
وأمّا التقسيم بينهم على نسبة أموالهم فلا دليل عليه إلاّ عدم وجود المرجّح ،
(الصفحة 88)
وتنصيف الدرهم في الوديعة إذا أودع كلّ واحد من شخصين درهماً عند شخص واحد ، فتلف أحدهما من غير تعدّ ولا تفريط ومن دون تعيّن ، فإنّه ينصف الدرهم الموجود الباقي ، مع أنّ القرعة طريق لتشخيص الحقّ ، فلا مجال لدعوى عدم وجود المرجّح ، كما أنّه لا يمكن التجاوز عن مورد الدرهم الودعي إلى جميع الموارد المشابهة ، خصوصاً مع مخالفته للعلم الإجمالي كما لايخفى ، فالأقوى الرجوع إلى دليل القرعة وإن كان الأحوط التصالح لما ذكرنا .
نعم ، لو كان للميّت العامل ديّان وعنده مال مضاربة ، ولم يعلم أنّه بعينه لفلان فهو اُسوة الغرماء ، كما وقع هذا التعبير في موثّقة السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه، عن عليّ (عليهم السلام) أنّه كان يقول: من يموت وعنده مال المضاربة ، قال : إن سمّـاه بعينه قبل موته ، فقال : هذا لفلان فهو له ، وإن مات ولم يذكر فهو اُسوة الغرماء(1) .
وهل المراد بكون المالك اُسوة الغرماء أنّ حاله حالهم ، فكما أنّهم يشتركون مع الوارث ، فكذلك هو يشترك معهم أيضاً ، أو أنّ المراد بذلك ليس هو الشركة ، بل عدم الانتقال إلى الورثة إلاّ بعد أداء ماله كمالهم ؟ والظاهر هو الثاني ، وإن استفاد صاحب الوسائل عنوان الشركة ، حيث ذكر في عنوان الباب «أنّ من كان بيده مضاربة فمات ، فإن عيّنها لواحد بعينه فهي له ، وإلاّ قسّمت على الغرماء بالحصص» مع أنّه على خلاف المقطوع به ، فإنّه لو كان المالك مجهولاً لوجب إخراجه في مصرف مجهول المالك لا إعطاؤه إلى الغرماء ـ ومنهم: المالك ـ بالحصص ، فهي بعيدة عن المقام جدّاً .
- (1) تهذيب الأحكام: 7/192 ح 851 ، الفقيه: 3/144 ح 636 ، و عنهما الوسائل: 19/29 ، كتاب المضاربة ب13 ح1 .
(الصفحة 89)
الثالثة : ما لو علم المال جنساً وقدراً واشتبه بين أموال الناس من جنسه له أو لغيره ، من دون أن يتحقّق فيه امتزاج أصلاً ، فإن كانت الأجناس مختلفة في الجودة والرداءة ـ وإن كانت متّحدة جنساً وقدراً ـ فالحقّ فيه الرجوع إلى القرعة ، ولا مجال لدعوى الشركة بعد عدم حصول الامتزاج ، وإلاّ فمع عدم تحقّق الامتزاج لا سبيل إلى الشركة ، بل يتشخّص بالقرعة ، ومع تحقّق الامتزاج كان المجموع مشتركاً بين أربابه بالنسبة .
الرابعة : ما لو علم بعدم وجود مال المضاربة في التركة ، واحتمل أنّه قد ردّه في زمن حياته إلى مالكه ، أو تلف بتفريط منه أو بغيره ، وفي هذه الصورة لا يحكم على العامل الميّت بالضمان ، بل يكون جميع الأموال للورثة ، وكذا لو احتمل بقاؤه فيها .
ويظهر من صاحب العروة ثبوت الضمان في غير الفرض الأخير ، نظراً إلى عموم قوله (صلى الله عليه وآله) : «على اليد ما أخذت . . .»(1) حيث إنّ الأظهر باعتقاده شموله للأمانات أيضاً ، قال : ودعوى خروجها لأنّ المفروض عدم الضمان فيها ، مدفوعة بأنّ غاية ما يكون خروج بعض الصور منها ، كما إذا تلفت بلا تفريط أو ادّعى تلفها كذلك إذا حلف . وأمّا صورة التفريط والإتلاف ، ودعوى الردّ في غير الوديعة ، ودعوى التلف والنكول عن الحلف ، فهي باقية تحت العموم الخ(2) .
ولكن الظاهر عدم ثبوت الضمان ; لأنّه مضافاً إلى كون على اليد مخدوشاً من حيث السند تكون دلالته أيضاً ممنوعة ، نظراً إلى عدم شمولها للمقام; لأنّ يد الأمين خارجة عنها تخصّصاً قطعاً ، وقد مرّ(3) أنّ العامل أمين لا يكون ضامناً ، فالأصل في
- (1) تقدّم في ص 69 .
- (2) العروة الوثقى: 2/572 قطعة من مسألة 3460 .
- (3) في ص 38 .
(الصفحة 90)
المقام عدم الضمان .
الخامسة : ما لو علم بأنّ مقداراً من مال المضاربة قد كان قبل موته داخلاً في هذه الأجناس الباقية التي قد تركها ، ولم يعلم بأنّه هل بقي فيها ، أو ردّه إلى المالك ، أو تلف؟ فقد استشكل فيه في المتن ثمّ قال : «وإن كانت مورّثيّة الأموال لا تخلو عن قوّة ، والأحوط الإخراج منها مع عدم قاصر في الورثة» ولعلّ الوجه في الاستشكال حجّية قاعدة اليد وأماريتها هنا ، ولا مجال معها لاستصحاب عدم الردّ إلى المالك ومثله كما في سائر الموارد ، حيث إنّه مع وجود اليد الشرعيّة لا تصل النوبة إلى استصحاب عدم الانتقال إليه ومثله .
وقد عرفت خروج مثل الأمانات عن عموم «على اليد» وإلاّ فاللازم أن يُقال بأنّ المال إذا تلف في يد الأمين ، ولم يعلم أنّه بتعدٍّ منه أو تفريط ، يكون ضمانه ثابتاً على من تلف في يده ; لأنّ ضمانه بالأخذ قد صار ثابتاً ، والتفريط أو التعدّي يكونان مشكوكين ، فيجب أن يحكم بالضمان استصحاباً له وعدم ثبوت التعدّي والتفريط ، وأصالة عدمها لا تثبت الضمان كما لايخفى .
نعم ، مقتضى الاحتياط غير اللازم ـ أنّه لو لم يكن في الورثة قاصر ـ إخراج المشكوك عن دائرة الإرث; والله العالم بحقيقة الحال . هذا بحمد الله تمام الكلام في شرح كتاب المضاربة من تحرير الوسيلة للإمام الراحل المحقّق الاُستاذ الخميني قدّس سرّه الشريف .
(الصفحة 91)
كتاب الشركة