(الصفحة 219)مسألة 8 : لو كان المال المقترض مثليّاً ـ كالحنطة والشعير والذهب والفضّة ـ تثبت في ذمّة المقترض مثل ما اقترض . ويلحق به أمثال ما يخرج من المكائن الحديثة كظروف البلّور والصيني ، بل وطاقات الملابس على الأقرب . ولو كان قيمياً ـ كالغنم ونحوها ـ ثبت في ذمّته قيمته . وفي اعتبار قيمة وقت الاقتراض والقبض أو قيمة حال الأداء وجهان ، أقربهما الأوّل وإن كان الأحوط التراضي والتصالح في مقدار التفاوت بين القيمتين1.
قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من أراد أن يظلّه الله في ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه فلينظر معسراً ، أو ليدع له من حقّه(1) . هذا مع عدم اشتراط التأجيل في ضمن عقد لازم ، وإلاّ فلا يجوز له المطالبة وعدم الإنظار .
1 ـ قاعدة ضمان المثل بالمثل والقيمي بالقيمة وإن كانت من القواعد المسلّمة المذكورة في محلّها ، إلاّ أنّ الغرض من هذه المسألة بيان أمرين :
أحدهما: أنّ ما يخرج من المكائن الحديثة ـ سيّما في زماننا هذا ـ التّي تكون الأجناس الخارجة منها متّحدة في الأوصاف والخصوصيّات ويسمّى بـ «المعيار» يكون ملحقاً بالمثليات ، كظروف البلّور والصيني بل وطاقات الملابس والثياب .
ثانيهما : أنّ القيمة الثابتة في القيميات هل هي القيمة وقت الاقتراض والقبض ، أو قيمة حال الأداء؟ فيه وجهان ، والظاهر هو الوجه الأوّل; لأنّ الانتقال إلى القيمة إنّما هو ذلك الحين ، ولكن الأحوط التصالح في مقدار التفاوت .
- (1) تفسير العيّاشي: 1/153 ح513 ، وعنه الوسائل: 18/367 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ب25 ح4 .
(الصفحة 220)مسألة 9 : لا يجوز شرط الزيادة; بأن يقرض مالاً على أن يؤدّي المقترض أزيد ممّا اقترضه ، سواء اشترطاه صريحاً ، أو أضمراه بحيث وقع القرض مبنيّاً عليه ، وهذا هو الربا القرضي المحرّم الذي ورد التشديد عليه . ولا فرق في الزيادة بين أن تكون عينيّة كعشرة دراهم باثني عشر ، أو عملاً كخياطة ثوب له ، أو منفعة ، أو انتفاعاً كالانتفاع بالعين المرهونة عنده ، أو صفة مثل أن يُقرضه دراهم مكسورة على أن يؤدّيهاصحيحة. وكذا لافرق بين أن يكون المال المقترض ربويّاً; بأن كان من المكيل والموزون، وغيره; بأن كان معدوداً كالجوز والبيض1.
1 ـ لا يجوز شرط الزيادة في القرض ، بل الواجب الاقتصار على ردّ العوض فقط من دون نفع زائد ، وعليه الإجماع ، بل ربما يقال : إنّه إجماع المسلمين ، ويدلّ عليه الكتاب والسنّة ، مثل:
قوله تعالى :
{وَحَرَّمَ الرِّبَا}(1) ، وفي رواية عليّ بن جعفر المرويّة في قرب الإسناد قال : سألت أخي موسى بن جعفر (عليه السلام) عن رجل أعطى رجلاً مائة درهم على أن يعطيه خمسة دراهم أو أقلّ أو أكثر؟ قال : هذا الربا المحض(2) .
وفي رواية خالد بن الحجّاج قال : سألته عن الرجل كانت لي عليه مائة درهم عدداً قضانيها مائة درهم وزناً ؟ قال : لا بأس ما لم يشترط . قال : وقال : جاء الربا من قبل الشروط ، إنّما يفسده الشروط(3) .
- (1) سورة البقرة : 2/275 .
- (2) قرب الإسناد: 265 ح1055 ، مسائل عليّ بن جعفر: 125 ح90 ، وعنهما الوسائل: 18/359 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ب19 ح18 ، وفي البحار: 103/157 ح2 عن قرب الإسناد .
- (3) الكافي: 5/244 ح1 ، تهذيب الأحكام: 7/112 ح483 ، وعنهما الوسائل: 18/190 ، كتاب التجارة ، أبواب الصرف ب12 ح1 .
(الصفحة 221)
ومثل هذه الروايات دليل على أنّ المراد بالبأس في بعض الروايات الواردة في هذا المجال في صورة الاشتراط هي الحرمة ، ففي موثّقة إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام) : الرجل يكون له عند الرجل المال قرضاً ، فيطول مكثه عند الرجل لا يدخل على صاحبه منه منفعة ، فينيله الرجل الشيء بعد الشيء كراهية أن يأخذ ماله حيث لا يصيب منه منفعة ، أيحلّ ذلك له؟ قال : لا بأس إذا لم يكونا شرطاه(1) .
وفي رواية الحلبي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يستقرض الدراهم البيض عدداً ثمّ يعطي سوداً وزناً وقد عرف أنّها أثقلّ ممّا أخذ ، وتطيب نفسه أن يجعل له فضلها ؟ فقال : لا بأس به إذا لم يكن فيه شرط ، ولو وهبها له كلّها صلح(2) ، وغير ذلك من الروايات الدالّة عليه .
ثمّ إنّ الزيادة التي لا يجوز شرطها في القرض أعمّ من أن تكون عينيّة كعشرة دراهم باثني عشر ، أو عملاً كخياطة الثوب ، أو منفعة ، أو انتفاعاً كالانتفاع بالعين المرهونة عنده ، أو صفة مثل أن يقرضه دراهم مكسورة على أن يؤدّيها صحيحة; لصدق عنوان الزيادة في جميع الصور المفروضة . كما أنّه لا فرق بين أن يكون الاشتراط صريحاً ، أو أضمراه بحيث وقع القرض مبنيّاً عليه ، كما أنّه لا فرق بين أن يكون المال المقترض ربوياً في باب المعارضة; بأن كان من المكيل والموزون ، أو غيره; بأن كان معدوداً كالجوز والبيض ، والظاهر أنّ مثل الورقة النقديّة الإيراني من هذا القبيل .
- (1) الفقيه: 3/181 ح817 ، تهذيب الأحكام: 6/205 ح467 ، الاستبصار: 3/10 ح28 ، وعنها الوسائل: 18/357 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ب19 ح13 .
- (2) الكافي: 5/253 ح1 ، الفقيه: 3/180 ح815 ، تهذيب الأحكام: 6/200 ح470 ، وعنها الوسائل: 18/191 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ب12 ح2 .
(الصفحة 222)مسألة 10 : لو أقرضه وشرط عليه أن يبيع منه شيئاً بأقلّ من قيمته ، أو يؤاجره بأقلّ من اُجرته كان داخلاً في شرط الزيادة . نعم ، لو باع المقترض من المقرض مالاً بأقلّ من قيمته ، وشرط عليه أن يقرضه مبلغاً معيّناً لا بأس به1.
مسألة 11 : إنّما تحرم الزيادة مع الشرط ، وأمّا بدونه فلا بأس ، بل تستحبّ للمقترض; حيث إنّه من حسن القضاء ، وخير الناس أحسنهم قضاءً ، بل يجوز ذلك إعطاءً وأخذاً لو كان الإعطاء لأجل أن يراه المقرض حسن القضاء ، فيقرضه كلّما احتاج إلى الاقتراض ، أو كان الإقراض لأجل أن ينتفع من المقترض لكونه حسن القضاء ، ويكافئ من أحسن إليه بأحسن الجزاء بحيث لولا ذلك لم يقرضه . نعم ، يكره أخذه للمقرض ، خصوصاً إذا كان إقراضه لأجل ذلك ، بل يستحبّ أنّه إذا أعطاه شيئاً بعنوان الهدية ونحوها يحسبه عوض طلبه; بمعنى أنّه يسقط منه بمقداره2.
1 ـ من شرط الزيادة ما لو أقرضه وشرط عليه أن يبيع منه شيئاً بأقلّ من قيمته ، أو يؤاجره بأقلّ من اُجرته كما هو المتداول في هذه الأزمنة ، غاية الأمر يعبّرون عن القرض بالرهن غلطاً مشهوراً ، ولا وجه لتصحيحه بالنحو المتعارف إلاّ بالكيفيّة المذكورة في المتن; وهي القرض في ضمن الإجارة بالأقلّ ، بحيث كان القرض شرطاً في الإجارة ، لا كون الإجارة بالأقلّ شرطاً في ضمن القرض ، فإنّه غير جائز ، ولا يشكل بأنّه أيّ فرق بينهما ، فإنّه يُقال عند ذلك : لابدّ وأن يقال بأنّه ما الفرق بين المتعة والزنا مع اشتراكهما في كثير من الأحكام ، وفي أنّ المقصود من كليهما الالتذاذ والاستمتاع .
2 ـ مقتضى النصّ والفتوى أنّ حرمة الزيادة إنّما هي مع الشرط ، وأمّا بدونه
(الصفحة 223)مسألة 12 : إنّما يحرم شرط الزيادة للمقرض على المقترض ، فلا بأس بشرطها للمقترض; كما أقرضه عشرة دراهم على أن يؤدّي ثمانية ، أو أقرضه دراهم صحيحة على أن يؤدّيها مكسورة . فما تداول بين التجّار من أخذ الزيادة وإعطائها في الحوائل المسمّى عندهم بصرف البرات ، ويطلقون عليه ـ على المحكي ـ بيع الحوالة وشرائها ، إن كان بإعطاء مقدار من الدراهم وأخذ الحوالة من المدفوع إليه بالأقلّ منه فلا بأس به ، وإن كان بإعطاء الأقلّ وأخذ الحوالة بالأكثر يكون داخلاً في الرّبا1.
فلا بأس ، بل تستحبّ الزيادة للمقترض; حيث إنّه من حسن القضاء ، وخير الناس أحسنهم قضاءً ، بل يجوز ذلك إعطاءً وأخذاً لو كان الإعطاء لأجل أن يراه المقرض حسن القضاء ، فيقرضه كلّما احتاج إلى القرض ، أو كان الإقراض لأجل أن ينتفع من المقترض لكونه حسن القضاء ، ويكافئ من أحسن إليه بأحسن الجزاء بحيث لولا ذلك لم يقرضه ، وفي عين الحال يكره أخذه للمقرض ، خصوصاً إذا كان إقراضه لأجل ذلك; أي لأجل العلم بأنّ المقترض يعطي الزيادة ، بل المستحبّ له أنّه إذا أعطاه شيئاً بعنوان الهدية ونحوها يحسب عوض طلبه; بمعنى أنّه يسقط منه بمقداره . وهذه نظير الضيافة ، فإنّه يكره للضيف التحميل على المضيف وإيقاعه في الكلفة والمشقّة ، ويستحبّ للمضيف ذلك; أي إكمال الإكرام وتكميل الضيافة ولو بالوقوع في الكلفة ، كما لايخفى .
1 ـ إنّما يحرم شرط الزيادة في القرض إذا كان للمقرض على المقترض ، كالمثال المذكور في المسألة التاسعة المتقدِّمة; وهو أن يقرضه عشرة دراهم باثني عشر ومثله من أنواع الزيادة . وأمّا إذا كان بالعكس; بأن يكون للمقترض على المقرض