(الصفحة 298)مسألة 5 : ولاية التصرّف في مال الطفل والنظر في مصالحه وشؤونه لأبيه وجدّه لأبيه ، ومع فقدهما للقيّم من أحدهما; وهو الذي أوصى أحدهما بأن يكون ناظراً في أمره ، ومع فقده للحاكم الشرعي . وأمّا الاُمّ والجدّ للاُمّ والأخ فضلاً عن سائر الأقارب فلا ولاية لهم عليه . نعم ، الظاهر ثبوتها مع فقد الحاكم للمؤمنين مع وصف العدالة على الأحوط1.
1 ـ قد حكى في المسالك(1) والكفاية(2) نفي الخلاف فيه ، أي في ثبوت الولاية في مال الطفل للأب والجدّ للأب ، بل في محكي التذكرة(3) ومجمع البرهان(4) الإجماع عليه والنصوص الواردة بين ما ورد في باب النكاح(5) الجاري في المال بالأولوية ، وبين ما ورد في بحث أموال اليتامى(6) والوصيّة(7) وغيرهما من المباحث الكثيرة ، كما هو المحكيّ عن الرياض(8) ، فلا إشكال في أصل الحكم في الجملة ، وقد يتوقّف في خصوص من تجدّد جنونه بعد بلوغه ورشده ، نظراً إلى انقطاع ولايتهما حينئذ عنه ، فيندرج تحت عموم ولاية الحاكم الذي هو نائب الأصل ، وجزم به في المحكي عن جامع المقاصد(9) ومجمع الفائدة والبرهان للمقدس الأردبيلي(10) ، بل عن
- (1) مسالك الأفهام: 4/161 .
- (2) كفاية الأحكام: 113 .
- (3) تذكرة الفقهاء: 2/80 (طبع الحجري) .
- (4) مجمع الفائدة والبرهان: 9/231 .
- (5 ـ 7) وسائل الشيعة: 20/275 ب6 و ج17/361 ب15 ، و ج19/366 ـ 371 ب45 ـ 47 .
- (8) رياض المسائل: 8/566 .
- (9) جامع المقاصد: 5/194 .
- (10) مجمع الفائدة والبرهان: 9/231 .
(الصفحة 299)
ظاهر الأخير(1) ونكاح المسالك(2) أنّه لا خلاف فيه ، بل ربما استظهر من بعض مواضع التذكرة الإجماع عليه(3) وإن كان المحكي عنها فيه أيضاً عكس ذلك(4) .
وكيف كان ، ففي أصل المسألة إذا لم يكن الأب وكذا الجدّ للأب بموجودين فيكون المرجع هو القيّم من أحدهما; وهو الذي أوصى أحدهما بالنظارة في أمره واختيار مصالحه ، ومع انتفاء القيّم والوصي تصل النوبة إلى الحاكم الشرعي ، وأمّا الاُمّ والجدّ للاُمّ والأخ والعمّ والخال وسائر الأقارب فلا تكون ولاية لهم على الطفل وماله بوجه ، بل إنّما هي للحاكم الشرعي ، وعلى تقدير عدمه تكون الولاية لعدول المؤمنين على ما قرّر من ثبوت ولايتهم في الاُمور الحسبيّة ، ومن المستبعد جدّاً أن يكون المؤمن من دون وصف العدالة المانعة عن الاجتراء على ماله من دون رعاية المصلحة ذا ولاية وله حقّ التصرّف ، بل ربما يرشد إلى اعتبار العدالة صحيحة ابن بزيع:
قال : إنّ رجلاً من أصحابنا مات ولم يوص ، فرفع أمره إلى قاضي الكوفة فصيّر عبد الحميد بن سالم القيّم بماله ، وكان رجلاً خلّف ورثة صغاراً ومتاعاً وجواري ، فباع عبد الحميد المتاع ، فلمّا أراد بيع الجواري ضعف قلبه في بيعهنّ ولم يكن الميّت صيّر إليه وصيّته ، وكان قيامه بها بأمر القاضي لأنّهنّ فروج .
قال محمد: فذكرت ذلك لأبي جعفر (عليه السلام) فقلت : جعلت فداك يموت الرجل من أصحابنا فلا يوصي إلى أحد ، وخلّف جواري فيقيّم القاضي رجلاً منّا لبيعهنّ أو
- (1) مجمع الفائدة والبرهان: 9/231 .
- (2) مسالك الأفهام: 7/144 و146 ـ 147 .
- (3) تذكرة الفقهاء: 2/592 (ط الحجري) .
- (4) اُنظر تذكرة الفقهاء: 2/586 (ط الحجري) والحاكي هو صاحب الرياض في ج 10/94 .
(الصفحة 300)
قال : يقوم بذلك رجل منّا فيضعف قلبه لأنّهنّ فروج ، فما ترى في ذلك؟ فقال : إذا كان القيّم مثلك ومثل عبد الحميد فلا بأس(1) .
واحتمال كون المراد هي المماثلة في جهة التشيّع والقول بإمامة الإمام لا العدالة ، يدفعه مضمرة سماعة قال: سألته عن رجل مات وله بنون وبنات صغار وكبار ، من غير وصيّة ، وله خدم و مماليك وعُقد كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك الميراث؟ قال : إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كلّه فلا بأس(2) .
قيل : ومثله صحيحة ابن رئاب(3) .
قال في الجواهر : والمناقشة فيه باحتمال كون ذلك إذناً خاصّاً من إمام الوقت ، كما ترى(4) . نعم ، ذكر فيها قبل ذلك «لعلّ التحقيق عدم اشتراط العدالة; للأصل والإطلاق ، ولكن متى ظهر للحاكم ولو بقرائن الأحوال الضرر منهما عليهما عزلهما ومنعهما من التصرّف حسبة ، وإن علم عدمه أقرّهما ، وإن لم يعلم حالهما فربما قيل بالاجتهاد في حالهما ، فيتبع سلوكهما وشواهد أحوالهما ، ويمكن عدم اعتبار ذلك عملاً بالإطلاق ، بل لعلّه الأقوى»(5) ، لكن هذا بالإضافة إلى الأب والجدّ ، وسيأتي حكمهما من جهة الإطلاق والتقييد ، والبحث إنّما هو في المؤمنين ، ومقتضى
- (1) تهذيب الأحكام: 9/240 ح932 ، الكافي: 5/209 ح2 ، وعنهما الوسائل: 17/363 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع وشروطه ب16 ح2 .
- (2) الكافي: 7/67 ح3 ، الفقيه: 4/161 ح563 ، تهذيب الأحكام: 9/240 ح929 ، وعنها الوسائل: 19/422 ، كتاب الوصايا ب88 ح2 .
- (3) الكافي: 7/67 ح2 ، الفقيه: 4/161 ح564 ، تهذيب الأحكام: 9/239 ح928 ، وعنها الوسائل: 19/422 ، كتاب الوصايا 89 ح1 .
- (4) جواهر الكلام: 26/103 ـ 104 .
- (5) جواهر الكلام: 26/102 .
(الصفحة 301)مسألة 6 : الظاهر أنّه لا يشترط العدالة في ولاية الأب والجدّ ، فلا ولاية للحاكم مع فسقهما ، لكن متى ظهر له ولو بقرائن الأحوال الضرر منهما على المولّى عليه عزلهما ومنعهما من التصرّف في أمواله ، ولا يجب عليه الفحص عن عملهما وتتبّع سلوكهما1.
الاحتياط كما في المتن رعاية العدالة ، خصوصاً مع أنّ الولاية على خلاف الأصل ، وروايات الفوق لا صراحة بل لا ظهور فيها في اعتبار العدالة الاصطلاحية وإن كان المعروف أنّ المذكور في عداد الولاة وفي آخرهم عدول المؤمنين ، فلا يجوز ترك الاحتياط كما لا يخفى .
1 ـ قد وقع التعرّض في هذه المسألة لاُمور :
الأوّل : أنّ مقتضى إطلاق أدلّة ولاية الأب والجدّ له ثبوت الولاية لهما من غير التقييد بالعدالة ، كما عرفت أنّه الأحوط في المؤمنين ، فثبوت فسقهما أو عروضه لا يوجب بنفسه الخروج عن الولاية ، بحيث لو راعيا المصلحة الكاملة في التصرّف في أموال الطفل لكان التصرّف بلا وجه وصادراً من غير الولي الشرعي ، بل تصرّفهما صحيح وصادر عمّن له الولاية .
الثاني : أنّه حيث إنّ الحكمة بل العلّة في ثبوت الولاية للأب والجدّ رعاية الغبطة والمصلحة للأطفال ، بحيث لم يقع منهما تضرّر على المولّى عليه لعدم قدرته خصوصاً في بعض المراحل على هذه الرعاية بوجه ، فلو ظهر للحاكم ولو بقرائن الأحوال ثبوت الضرر منهما على الطفل المولّى عليه يجب على الحاكم في هذه الصورة ـ وهي صورة الظهور ـ عزلهما ومنعهما من التصرّف في أمواله ; لاستلزامه خلاف علّة ثبوت الولاية لهما . غاية الأمر أنّ عدم اعتبار العدالة فيهما إنّما هو لأجل
(الصفحة 302)مسألة 7 : الأب والجدّ مستقلاّن في الولاية ، فينفذ تصرّف السابق منهما ولغا اللاّحق ، ولو اقترنا ففي تقديم الجدّ ، أو الأب ، أو عدم الترجيح وبطلان تصرّف كليهما وجوه ، بل أقوال ، فلا يترك الاحتياط1.
كون القرابة النسبية بهذا المقدار يوجب عادةً رعاية المصلحة للمولّى عليه ، فالأب لا يقدم غالباً على ابنه أو بنته وكذلك الجدّ ، لكن لو شوهد الخلاف ولو بقرائن الأحوال تصل النوبة إلى الحاكم الذي تمنع عدالته عن ذلك ويجب عليه العزل والمنع.
الثالث : أنّه لا يجب على الحاكم الذي يحتمل ذلك ـ ولكن لم يظهر له ـ الفحص عن عملهما وتتبّع سلوكهما ليظهر له كيفيّة عملهما; وذلك لحمل فعل المسلم على الصحّة ، وفي المقام هي عبارة عن عدم كون تصرّفهما بنحو يكون فيه ضرر على الطفل المولّى عليه ، فإنّ الصحّة في المقامات يختلف معناها ويتفاوت مصاديقها ، فإنّ الصحّة في المعاملات في مقابل فسادها الشرعي ، وفي التصرّفات غير المعامليّة في المقام بمعنى عدم اشتمالها على الضرر ، فتدبّر .
1 ـ قد نفى وجدان الخلاف في اشتراكهما في الولاية ـ على معنى نفوذ تصرّف السابق ـ في الجواهر(1) ، بل حكي عن ظاهر نكاح المسالك الإجماع عليه(2) ; لأنّه مقتضى ثبوت الولاية لكلّ منهما . نعم ، في صورة الاقتران وانعدام السابق واللاحق ربما يقال بترجيج الجدّ لثبوت ولايته على الأب في بعض الأحوال ، وللنصوص المستفيضة في باب النكاح(3) الثابتة في المقام بالأولوية ، وربما يقال بتقديم ولاية
- (1) جواهر الكلام: 26/102 .
- (2) مسالك الأفهام: 7/117 ـ 119 ، والحاكي هو صاحب مفتاح الكرامة: 5/256 .
- (3) وسائل الشيعة: 20/289 ـ 291 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب11 .