(الصفحة 438)مسألة 33 : يجوز التوكيل بجُعل وبغيره ، وإنّما يستحقّ الجعل في الأوّل بتسليم العمل الموكّل فيه ، فلو وكّله في البيع أو الشراء وجعل له جُعلاً فله المطالبة به بمجرّد إتمام المعاملة وإن لم يتسلّم الموكّل الثمن أو المثمن . وكذا لو وكّله في المرافعة وتثبيت الحقّ استحقّه بمجرّد إثباته وإن لم يتسلّمه الموكّل1.
مسألة 34 : لو وكّله في قبض دينه من شخص فمات قبل الأداء ، لم يكن له مطالبة وارثه إلاّ أن تشملها الوكالة2.
الوكالة ، إلاّ أن يكون المراد من الاستيفاء الأعمّ من ذلك ، أو كانت المرافعة ثابتة فيها الوكالة بالخصوص أيضاً . ويمكن أن يكون بنحو الطولية ، ومرجعها إلى الوكالة في الاستيفاء مع عدم الجحد ، وفي المخاصمة معه ، كما لا يخفى .
1 ـ التوكيل قد يكون بجُعل وقد يكون بغيره ، وفي الفرض الأوّل لابدّ من ملاحظة أنّ الوكيل يستحقّ الجعل في أيّ زمان ، فنقول: بعد وضوح أنّ استحقاق الجعل في المقام إنّما يكون بتحقّق العمل الموكّل فيه من الوكيل ، ولا يتوقّف ذلك على لوازمه وآثاره ، أنّه لو وكّله في البيع أو الشراء ، كذلك ، فاستحقاق الجعل للوكيل إنّما يترتّب على مجرّد تماميّة البيع أو الشراء من قبله ، ولا يتوقّف على تسلّم الموكّل الثمن أو المبيع; لأنّ التسلّم أمر آخر خارج عن دائرة الوكالة . وكذا لو وكّله في الخصومة وتثبيت الحقّ كذلك يستحقّ الجُعل بمجرّد المخاصمة وتثبيت الحقّ; سواء تسلّمه الموكّل أم لا ، وهذا ظاهر .
2 ـ لو مات المديون بعد صيرورة الشخص وكيلاً عن الدائن في قبض دينه ، فمجرّد ا لتوكيل في القبض من المديون لا يلازم جواز القبض من ورثته بعنوان
(الصفحة 439)مسألة 35 : لو وكّله في استيفاء دينه من زيد فجاء إليه للمطالبة ، فقال زيد : خذ هذه الدراهم واقض بها دين فلان ـ أي موكّله ـ فأخذها ، صار وكيل زيد في قضاء دينه ، وكانت الدراهم باقية على ملك زيد ما لم يقبضها صاحب الدَّين ، وللوكيل أن يقبض نفسه بعد أخذه من المديون بعنوان الوكالة عن الدائن في الاستيفاء ، إلاّ أن يكون توكيل المديون بنحو لا يشمل قبض الوكيل ، فلزيد استردادها ما دامت في يد الوكيل ولم يتحقّق القبض من الدائن بنحو ممّا ذكر ، ولو تلفت عنده بقي الدَّين بحاله ، ولو قال : خُذها عن الدَّين الذي تطالبني به لفلان ، فأخذها كان قابضاً للموكّل وبرئت ذمّة زيد ، وليس له الاسترداد1.
الوكالة لعدم الملازمة ، إلاّ أن تكون دائرة الوكالة وسيعة شاملة للقبض من الوارث أيضاً .
1 ـ الظاهر أنّ مفروض المسألة فيما كان له على زيد دراهم مثلاً ، فوكّل عمرواً في استيفاء دينه من زيد ، فجاء إليه للمطالبة ، فقال زيد : خذ هذه الدراهم التي هي بمقدار الدَّين واقض بها دين فلان ـ أي موكّله في الاستيفاء ـ صار وكيل زيد المديون في قضاء دينه ، والدراهم باقية على ملك المديون ، فإن أقبضها صاحب الدَّين ـ يعني الموكّل ـ يخرج عن ملك زيد ويدخل في ملك الموكّل ; لأنّ المفروض أنّه دائن والوكيل ثابت له الوكالة في أداء الدَّين ، وقد قبضها صاحب الدَّين .
نعم ، يجوز للوكيل أن يقبض نفسه من المديون بعنوان الوكالة من الدائن في الاستيفاء والقبض ، إلاّ أن يكون توكيل المديون بنحو لا يشمل قبض الوكيل; بأن وكّله في إقباض شخص الدائن ، فلزيد حينئذ استردادها ما دامت في يد الوكيل ولم يتحقّق القبض من الدائن نفسه ، ولازمه حينئذ أنّه مع التلف في يد الوكيل يبقى
(الصفحة 440)مسألة 36 : الوكيل أمين بالنسبة إلى ما في يده لا يضمنه إلاّ مع التفريط أو التعدّي; كما إذا لبس ثوباً أو حمل على دابّة كان وكيلاً في بيعهما ، لكن لا تبطل بذلك وكالته ، فلو باع الثوب بعد لبسه صحّ بيعه وإن كان ضامناً له لو تلف قبل أن يبيعه ، وبتسليمه إلى المشتري يبرأ عن ضمانه ، بل لا يبعد ارتفاع ضمانه بنفس البيع1.
مسألة 37 : لو وكّله في إيداع مال فأودعه بلا إشهاد فجحد الودعي لم يضمنه الوكيل ، إلاّ إذا وكّله في أن يودعه مع الإشهاد فخالف . وكذا الحال لو
الدَّين بحاله ; لأنّ المفروض عدم الإقباض الذي وكّل فيه .
نعم ، لو قال المديون : خُذ هذه الدراهم عن الدَّين الذي تطالبني به لفلان ، يكون بمنزلة قبض الموكّل الدائن وبرئت ذمّة زيد المديون ، وليس له الاسترداد لحصول الأداء وتحقّق القبض ، كما لا يخفى .
1 ـ لا شبهة في أنّ الوكيل أمين ، وقد تقرّر في محلّه أنّ الأمين لا يضمن إلاّ مع التعدّي أو التفريط(1) كالمثالين المذكورين في المتن ، لكن الضمان بذلك لا يوجب بطلان الوكالة ، فلو باع الثوب بعد لبسه ـ غير الجائز للوكيل ـ صحّ بيعه وإن كان ضامناً له لو تلف قبل أن يبيعه ، لكن ارتفاع الضمان هل يتحقّق بمجرّد البيع وإن لم يسلّمه إلى المشتري ، أو بالتسليم إلى المشتري؟ نفى في المتن البُعد عن الأوّل ، ولعلّه لأجل أنّ الموكّل فيه إنّما هو البيع فقط ، وأمّا التسليم فهو أمر آخر لعلّه لم يكن وكيلاً فيه أصلاً ، كما تقدّم مثله .
- (1) القواعد الفقهيّة للمؤلّف دام ظلّه: 1 / 27 ـ 43 .
(الصفحة 441)وكّله في قضاء دينه فأدّاه بلا إشهاد وأنكر الدائن1.
مسألة 38 : لو وكّله في بيع سلعة أو شراء متاع ، فإن صرّح بكون البيع أو الشراء من غيره ، أو بما يعمّ نفسه فلا إشكال ، وإن أطلق وقال : «أنت وكيلي في أن تبيع هذه السلعة» أو «تشتري لي المتاع الفلاني» فهل يعمّ نفس الوكيل ، فيجوز أن يبيع السلعة من نفسه ، أو يشتري له المتاع من نفسه ، أم لا؟ وجهان بل قولان ، أقواهما الأوّل ، وأحوطهما الثاني2.
مسألة 39 : لو اختلفا في التوكيل فالقول قول منكره ، ولو اختلفا في التلف أو في تفريط الوكيل فالقول قول الوكيل ، ولو اختلفا في دفع المال إلى الموكّل
1 ـ لو وكّله في إيداع ماله ، فإن قيّده بالإيداع مع الإشهاد فأودعه بلا إشهاد فجحد الودعي يكون ضامناً ، وإن لم يقيّده بالإيداع مع الإشهاد لا يكون جحود الودعي موجباً لضمانه; لعدم تحقّق التعدّي والتفريط . وهكذا الحال في الصورتين فيما لو وكّله في قضاء دينه فأدّاه فأنكر الدائن الأداء .
2 ـ لو وكّله في بيع سلعة أو شراء متاع ، فهل يشمل البيع من الوكيل ، أو شراء متاعه ؟ ففي المتن أنّه إن وقع التصريح بأحد الأمرين من الغير أو التعميم فهو ، وإن أطلق ، فهل يجوز للوكيل ذلك البيع من نفسه ، أو شرائه من ماله ؟ فيه وجهان ، بل قولان ، قد قوّى في المتن الجواز ، واحتاط استحباباً بالمنع ، والدليل على الجواز أنّه مقتضى الإطلاق المفروض ، فإنّ ظاهره تحقّق البيع أو الشراء من دون خصوصيّة ، وإلاّ فلو أرادها كان عليه التصريح بها ، والوجه للاحتياط الاستحبابي احتمال الانصراف عن الوكيل ، وتعيين البيع من الغير أو الشراء منه .
(الصفحة 442)فالظاهر أنّ القول قول الموكّل ، خصوصاً إذا كانت الوكالة بجُعل . وكذا الحال فيما إذا اختلف الوصيّ والموصى له في دفع المال الموصى به إليه ، والأولياء ـ حتّى الأب والجدّ ـ إذا اختلفوا مع المولّى عليه ـ بعد زوال الولاية عليه ـ في دفع ماله إليه ، فإنّ القول قول المنكر في جميع ذلك . نعم ، لو اختلف الأولياء مع المولّى عليهم في الإنفاق عليهم ، أو على ما يتعلّق بهم في زمان ولايتهم ، فالظاهر أنّ القول قول الأولياء بيمينهم1.
1 ـ هذه المسألة متعرِّضة لصور الاختلاف :
إحداها : ما إذا وقع الاختلاف بينهما في أصل التوكيل ولم يكن هناك بيِّنة ، فالقول قول منكره لأصالة عدم التوكيل ، أو لصدق عنوان المنكر عليه عند العرف والعقلاء; للاختلاف في معنى المدّعي والمنكر ، وقد تقدّم في كتاب القضاء (1) .
ثانيتها : ما إذا وقع الاختلاف بين الموكّل والوكيل في عروض التلف للمال الذي وكّله في بيعه مثلاً ، أو في تحقّق تفريط الوكيل وعدمه ، فالقول قول الوكيل; لما ذكر في الصورة الاُولى .
ثالثتها : ما إذا اختلفا في دفع المال إلى الموكّل ، واستظهر في المتن أنّ القول قول الموكّل ، خصوصاً إذا كانت الوكالة بجُعل ، فإنّ الأصل عدم الدفع وعدم استحقاق الجعل; لما عرفت من أنّ استحقاقه يتوقّف على تحقّق العمل الموكّل فيه من الوكيل ، فمع الشكّ في الاستحقاق تجري أصالة العدم . وقد ذكر لهذه الصورة الأخيرة بعض النظائر ، مثل ما إذا اختلف الوصيّ والموصى له في دفع المال الموصى به إليه وعدمه ، فإنّ مقتضى الأصل عدم تحقّق الدفع الذي هو مقتضى الوصيّة .
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء: 75 ـ 77 .