(الصفحة 189)
[تعريف الدين]
الدَّين مال كلّي ثابت في ذمّة شخص لآخر بسبب من الأسباب ، ويُقال لمن اشتغلت ذمّته به : المديون والمدين ، وللآخر: الدائن والغريم . وسببه: إمّا الاقتراض ، أو اُمور اُخر اختيارية ، كجعله مبيعاً في السلم ، أو ثمناً في النسيئة ، أو اُجرة في الإجارة ، أو صداقاً في النكاح ، أو عوضاً في الخلع ، وغير ذلك ، أو قهريّة ، كما في موارد الضمانات ، ونفقة الزوجة الدائمة ، ونحو ذلك ، وله أحكام مشتركة ، وأحكام مختصّة بالقرض1.
1 ـ الدَّين مال كلّي ثابت في ذمّة شخص لآخر بسبب من الأسباب ، فلا يُقال للعين المغصوبة: إنّها دين على الغاصب ، بل يجب عليه ردّها بعينها إلى صاحبها ما دامت باقية ومحفوظة في يده . نعم ، بعد عروض التلف لها يجب عليه أداء المثل أو القيمة . نعم ، ربما يُقال بأنّ المستفاد من قاعدة «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي»(1)ثبوت العين على العهدة بعد التلف أيضاً ، ولذا ربما يُقال بأنّ المضمون قيمة يوم الأداء والدفع ، لا سائر المواقع ولا أعلى القيم ، لكن ثبوت العين على العهدة على تقدير تسليم تصويرها لا ينافي عدم صدق الدَّين عليه ، وهو المهمّ في البحث .
(الصفحة 190)
وكيف كان ، فالدَّين مال كلّي ثابت في الذمّة ، ويُقال لمن اشتغلت ذمّته به : المديون والمدين ، وللآخر الذي يكون الدَّين له : الدائن والغريم ، وإن كان يستفاد من صحيحة أبي ولاّد المفصّلة(1) المعروفة المذكورة في كتاب متاجر الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد(2) ، إطلاق الغريم على المديون .
وكيف كان ، فسببه إمّا الاقتراض الذي تجيء أحكامه ، أو اُمور اُخر ، وتلك الاُمور قد تكون اختيارية كجعله مبيعاً في السلم والسلف ، أو ثمناً في النسيئة ، أو اُجرة في الإجارة ، أو صداقاً في النكاح ، أو عوضاً في الخلع ، وغير ذلك . وأمّا الثمن الكلّي في معاملة النقد ، فالظاهر أيضاً أنّه دين . غاية الأمر يجب عليه أداؤه فوراً بلحاظ كون المعاملة نقداً ، وهذا فيما إذا كان تسليم الثمن متأخِّراً عن العقد وتسلّم المبيع . وأمّا إذا كان البيع بصورة المعاطاة ، فالثمن وإن كان كليّاً إلاّ أنّه لا يصدق عليه عنوان الدَّين ; لأنّه بالإعطاء يصير جزئيّاً . وقد تكون اُموراً غير اختياريّة ، كما في موارد الضمانات ، ونفقة الزوجة الدائمة ، ونحو ذلك من الموارد ، وله أحكام مشتركة تجري في الدَّين بأيّ سبب كان ، وأحكام مختصّة بالقرض الذي هو سبب خاصّ للدَّين ، ويأتي الجميع إنشاء الله تعالى .
ثمّ ليعلم أنّه ربما اُطلق الدَّين على بعض الأحكام الإلهيّة كالصلاة ، حيث اُطلق عليها دين الله(3) ، وكالحجّ حيث ورد في الرواية النبويّة الواردة في نيابة الحجّ : أنّ
- (1) الكافي: 5/290 ح6 ، تهذيب الأحكام: 7/215 ح934 ، الاستبصار: 3/134 ح483 ، وعنها الوسائل: 19/119 ، كتاب الإجارة ب17 ح1 .
- (2) المكاسب: 3/245 ـ 247 .
- (3) الحدائق الناضرة: 11/38 ـ 40 .
(الصفحة 191)
القول في أحكام الدَّين
مسألة 1 : الدَّين إمّا حالّ ، فللدائن مطالبته واقتضاؤه ، ويجب على المديون أداؤه مع التمكّن واليسار في كلّ وقت ، وإمّا مؤجّل ، فليس للدائن حقّ المطالبة ، ولا يجب على المديون القضاء إلاّ بعد انقضاء المدّة المضروبة وحلول الأجل ، وتعيين الأجل تارةً بجعل المتداينين كما في السلم والنسيئة ، واُخرى بجعل الشارع كالنجوم والأقساط المقرّرة في الدية1.
دين الله أحقّ أن يقضى(1) ، ويؤيّده التعبير عنه في الكتاب بـ «اللام» و«على» في قوله تعالى :
{وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ . . .}(2) الآية ، ولكن الظاهر أنّ هذا الإطلاق مسامحي ، ومنشؤه ثبوت القضاء فيها كوجوب قضاء الدَّين ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ أمّا الدَّين الحالّ ، فيجوز للدائن المطالبة والاقتضاء ، ويجب على المديون الأداء مع التمكّن واليسار في كلّ وقت ، وإذا لم يؤدّ في هذه الحالة فمقتضى قوله (صلى الله عليه وآله) : ليّ الواجد بالدين يحلّ عقوبته ، أو مع إضافة عرضه(3) ، أنّ التأخير مع الوجدان والقدرة على الأداء موجب لحلية عقوبته ، بل ومع عرضه ، وأمّا مع عدم الإمكان واليسار ، فمقتضى قوله تعالى :
{فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة}(4) في مورد ذي العسرة ، لزوم التأخير إلى اليسار ، لكن هنا بحث قد تقدّم تفصيله في كتاب القضاء(5); وهو أنّه مع
- (1) المعجم الكبير للطبراني: 12/12 ـ 13 ح12330 ـ 12332 .
- (2) سورة آل عمران : 3/97 .
- (3) أمالي الطوسي 520 ح1146 ، وعنه الوسائل: 18/334 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ب8 ح4 .
- (4) سورة البقرة : 2/279 .
- (5) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء: 110 ـ 115 .
(الصفحة 192)
عدم اليسار هل يجب عليه التكسّب وإيجاد اليسار ليؤدّي دينه ، أو لا يجب عليه التكسّب بوجه ، بل إن صار موسراً أحياناً يجب ذلك ، أو تفصيل بين التكسّب المناسب لشأنه عادةً، أو التكسّب غير المناسب؟ وقد تقدّم التحقيق في هذه الجهة في كتاب القضاء(1) ، ولا حاجة إلى الإعادة بوجه .
هذا في الدَّين الحالّ ، وأمّا في الدَّين المؤجّل ، فلا يجوز المطالبة للدائن ، ولا يجب على المديون القضاء إلاّ بعد انقضاء المدّة المضروبة وحلول الأجل ; لعدم صدق الدائن والمديون قبل الحلول وانقضاء المدّة ، وقد تقدّم(2) بعض الروايات الدالّة على أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يحبس في الدَّين ، فإذا انكشف الحال وأنّه غير قادر على القضاء يطلقه إلى زمان اليسار وإمكان الأداء .
وكيف كان ، فتعيين الأجل قد يكون بجعل المتداينين كما في السلم والنسيئة وأمثالهما ، وقد يكون بجعل الشارع كالنجوم والأقساط المقرّرة في الدية المختلفة بحسب كون القتل خطأً الذي تكون الدية فيه على العاقلة ، أو شبه العمد الذي تكون الدية فيه على القاتل نفسه ، وقد فصّلنا الكلام في هذا المجال في كتاب الديات من شرح هذا الكتاب المطبوع قبل سنتين(3) ، فراجع .
ثمّ إنّ في بعض الشروح: أنّ هذا الحصر استقرائي شرعي ، ويمكن أن يكون عقليّاً أيضاً; إذ لا يعقل تعيين المدّة لمن لا يكون مسلّطاً عليها ، والمسلّط عليها إمّا الشارع أو المتداينان ، ولا ثالث في البين إلاّ الظالم ، ولا اعتبار بتعيينه بالضرورة(4) ، والأمر سهل كما لايخفى .
- (1 ، 2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب القضاء: 110 ـ 115 .
- (3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الديات: 30 ـ 31 .
- (4) مهذّب الأحكام في بيان الحلال والحرام: 21/7 .
(الصفحة 193)مسألة 2 : لو كان الدَّين حالاًّ أو مؤجّلاً وقد حلَّ أجله ، فكما يجب على المديون الموسر أداؤه عند مطالبة الدائن ، كذلك يجب على الدائن أخذه وتسلّمه إذا صار المديون بصدد أدائه وتفريغ ذمّته . وأمّا الدَّين المؤجَّل قبل حلول أجله فلا إشكال في أنّه ليس للدائن حقّ المطالبة ، وإنّما الإشكال في أنّه هل يجب عليه القبول لو تبرّع المديون بأدائه أم لا؟ وجهان بل قولان ، أقواهما الثاني ، إلاّ إذا علم بالقرائن أنّ التأجيل لمجرّد إرفاق على المديون من دون أن يكون حقّاً للدائن1.
1 ـ لو كان الدَّين حالاًّ أو مؤجّلاً وقد حلّ أجله وانقضت مدّته ، فكما يجب على المديون الموسر أداؤه عند مطالبة الدائن ، كذلك يجب على الدائن أخذه وتسلّمه إذا صار المديون بصدد أدائه وتفريغ ذمّته خوفاً من الإعسار أو من الموت ، وعدم قيام الورثة بالأداء ، أو حبّاً لعدم اشتغال ذمّته في نفسه ، والظاهر أنّه لا خلاف فيه أيضاً ، كما أنّه في العين المغصوبة إذا أراد الغاصب ردّها إلى صاحبها يجب عليه القبول ، ولايجوز له المماطلة إلى أن تتلف مثلاً ، فيتحقّق الانتقال إلى المثل أو القيمة .
وأمّا الدَّين المؤجّل قبل حلول أجله وانقضاء مدّته ، فقد عرفت أنّه ليس للدائن حقّ المطالبة ; لعدم ثبوت الدَّين بعد ، إنّما الإشكال في أنّه هل يجب عليه القبول لو أراد المديون التبرّع بالأداء قبل الأجل ، أو لا يجب ؟ فيه وجهان بل قولان ، وظاهر المتن التفصيل بين ما إذا علم بالقرائن أنّ التأجيل لمجرّد إرفاق على المديون من دون أن يكون حقّاً للدائن ، فيجب القبول حينئذ لفرض عدم التأجيل في الدَّين ، بل هو حالّ على كلّ حال ، والتأخير إرفاق بالنسبة إلى المديون لا أن يكون من ثبوت حقّ في البين ، وقد عرفت أنّه في الدَّين الحالّ يجب على الدائن الأخذ والتسلّم إذا صار المديون بصدد أداء دينه وتفريغ ذمّته ، وهذا التفصيل هو الأقوى .