(الصفحة 273)مسألة 2 : كما أنّ الصبي محجور عليه بالنسبة إلى ماله ، كذلك محجور عليه بالنسبة إلى ذمّته ، فلا يصحّ منه الإقتراض ولا البيع والشراء في الذمّة بالسلم والنسيئة وإن كانت مدّة الأداء مصادفة لزمان بلوغه . وكذلك بالنسبة إلى نفسه ، فلا ينفذ منه التزويج ، ولا الطلاق على الأقوى فيمن لم يبلغ عشراً ، وعلى الأحوط فيمن بلغه ، ولو طلّق يتخلّص بالاحتياط . وكذا لا يجوز إجارة نفسه ، ولا جعل نفسه عاملاً في المضاربة وغير ذلك . نعم ، لو حاز المباحات بالاحتطاب والاحتشاش ونحوها يملكها بالنيّة ، بل وكذا يملك الجعل في الجعالة بعمله وإن لم يأذن وليّه فيهما1.
صار وكيلاً عن الغير في إجراء مجرّد صيغة عقد النكاح مثلاً ، وكان مميّزاً عارفاً بالشرائط المعتبرة فيه ، فلا دليل على بطلان إنشائه وعدم الترتّب على عبارته ، بل لو فرض كونه إبناً كبيراً لأبيه ، وأتى بما فات منه من الصلاة مثلاً جامعة لجميع الشرائط ، لا يمكن الالتزام ببطلان عبادته ، وعدم السقوط عنه بعد صيرورته بالغاً مكلّفاً بقضاء الولي على تقدير عدم الإتيان ، كما أنّه لو فرض أنّه أتى بشيء من الصلوات المستحبّة لا وجه للالتزام ببطلانها ، كما ذكرناه في الكتاب المذكور(1) وأنّ عبادات الصبي شرعيّة لا تمرينيّة .
1 ـ لاشبهة في أنّ الصبي كما أنّه محجور عليه بالإضافة إلى أمواله ، كذلك محجور عليه بالإضافة إلى الذمّة المرتبطة بالأموال ، فلا يصحّ منه الاقتراض ولا البيع والشراء في الذمّة كالسلم والنسيئة، من دون فرق بين أن يكون زمان الأداء مصادفاً لزمان قبل بلوغه ، أو لزمان بلوغه ، فإنّ الملاك حال تحقّق المعاملة المستلزم
- (1) القواعد الفقهيّة: 1/341 ـ 356 .
(الصفحة 274)
لاشتغال الذمّة . وأمّا بالنسبة إلى نفسه ، فإن كان مثل التزويج فلا ينفذ لارتباطه بالمال; سواء سمّى أم لم يسمّ; لثبوت المهر في المتعة ومهر المثل في الدائم مع عدم مهر المسمّى ، وأمّا الطلاق ففيه قولان بعد الاتّفاق على البطلان فيمن لم يبلغ عشراً:
أحدهما : الصحّة فيمن بلغ عشراً ، كالوصيّة على ما سيأتي(1) البحث فيها إن شاء الله تعالى .
ثانيهما : البطلان ولو بلغ عشراً ، وجعله في المتن مقتضى الاحتياط الوجوبي ، لكن لو لم تتحقّق رعاية هذا الاحتياط من الصبي ، وطلّق قبل البلوغ بعد العشر فاللازم التخلّص بالاحتياط; بأن يطلّقها الوليّ أو الصبيّ بعد البلوغ; لأنّ مقتضى استصحاب عدم صحّة طلاقه قبل بلوغ العشر ذلك ، ولا مجال لقياس الطلاق على الوصيّة وإن قلنا بعدم الفرق بينهما ظاهراً .
وأمّا إجارة النفس التي يعبّر عنها بالإجارة على الأعمال فلا تجوز ; إمّا لأنّه لا معنى للزوم الوفاء بعقد الإجارة عليه بعد رفع قلم التكليف عنه ، وإمّا لأنّه لا فرق بين النفس والمال لو لم يكن الأوّل أقوى ، فإذا كان تصرّفه في ماله غير جائز ولو كان مشتملاً على الغبطة وبإذن الولي ، فالتصرّف في النفس أيضاً كذلك . ومن ذلك يظهر أنّه لا يجوز له أن يصير عاملاً في المضاربة ونظير ذلك . نعم ، لو تحقّق عمل حيازة المباحات كالاحتطاب والاحتشاش ونحوهما ، فالظاهر حصول الملكيّة له بالحيازة إذا كانت مقرونة بنيّة التملّك كغير الصبي ، وكذا يملك الجعل في الجعالة إذا كان على عمله ، وذلك لعدم لزوم العمل عليه في الجعالة ، وفي هاتين الصورتين لا فرق بين صورة إذن الولي وعدمه .
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الوصيّة: 144 ـ 148 .
(الصفحة 275)مسألة 3 : يعرف البلوغ في الذكر والاُنثى بأحد اُمور ثلاثة : الأوّل : نبات الشعر الخشن على العانة ، ولا اعتبار بالزّغَب والشعر الضعيف ، الثاني : خروج المني يقظةً أو نوماً بجماع أو احتلام أو غيرهما ، الثالث : السنّ; وهو في الذكر إكمال خمس عشرة سنة ، وفي الاُنثى إكمال تسع سنين1.
1 ـ يعرف البلوغ في الذكر والاُنثى بأحد اُمور ثلاثة :
الأوّل : نبات الشعر الخشن على العانة ، وظاهر إطلاق الماتن كصريح المحقّق في الشرائع(1) أنّه لا فرق في علاميّة هذه العلامة بين المسلم والكافر ، خلافاً للمحكي عن الشافعي في أحد قوليه ، حيث إنّه قال بالثبوت في حقّ الكفار خاصّة(2) ; لكونه علامة مكتسبة تستعجل بالمعالجة ، وإنّما اعتبرت في الكفّار لانتفاء التهمة بالاستعجال في حقّهم ، ولأنّه لا طريق إلى معرفة بلوغهم سوى ذلك ، بخلاف المسلمين; لجواز الرجوع إليهم في معرفة البلوغ .
ولكن ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) : أنّ الجميع كما ترى; إذ الاستعجال قائم في الفريقين ، وكذا الحاجة إلى هذه العلامة ، فإنّ الاحتلام والسنّ كثيراً ما يشتبه الأمر فيهما بخلافها ، مضافاً إلى ما ستعرفه من إطلاق الأدلّة ، ولذا اتّفاق أصحابنا ظاهراً على خلافه . نعم ، ربما نسب ذلك إلى الشيخ ولم نتحقّقه ، بل قال في الخلاف : الإنبات دليل على بلوغ المسلمين والمشركين بإجماع الفرقة(3) (4) .
ويدلّ عليه الأخبار المرويّة عن الفريقين ، فعن طريق العامّة ما روي أنّ سعد بن
- (1) شرائع الإسلام: 2/99 .
- (2) الخلاف: 3/281 مسألة 1 ، المجموع: 14/148 ، المغني لابن قدامة: 4/513 ، الشرح الكبير: 4/513 .
- (3) الخلاف: 3/281 مسألة 1 .
- (4) جواهر الكلام: 26/5 .
(الصفحة 276)
معاذ لمّا حكم على بني قريضة كان يكشف عن عورات المراهقين ومن أنبت منهم قتل ، ومن لم ينبت جعل في الذراري(1) .
وكذا ما روي عن عطية القرضي قال : عرضنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم قريضة وكان من أنبت قتل ومن لم ينبت خلّى سبيله ، فكنت فيمن لم ينبت فخلّى سبيلي(2) .
وأمّا ما عن طريق الأصحاب .
فمنها : رواية أبي البختري ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه (عليهما السلام) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)عرضهم يومئذ على العانات ، فمن وجده أنبت قتله ، ومن لم يجده أنبت ألحقه بالذراري(3) .
ومنها : رواية حمزة بن حمران ، عن حمران ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ، ولا يخرج من اليتم حتّى يبلغ خمس عشرة سنة ، أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك(4) .
ومنها : رواية يزيد الكناسي ، عن أبي جفعر (عليه السلام) قال في حديث: إنّ الغلام إذا زوّجه أبوه ولم يدرك كان بالخيار إذا أدرك وبلغ خمس عشرة سنة ، أو يشعر في
- (1) صحيح البخاري: 4/35 ح3043 و ج5/60 ح4121 و ج7/174 ح6262 ، السنن الكبرى للبيهقي: 13/326 ـ 327 ح18525 ـ 18526 ، عوالئ اللئالي: 1/221 ح97 ، وعنه مستدرك الوسائل: 1/86 ، أبواب مقدمة العبادات ب4 ح45 .
- (2) السنن الكبرى للبيهقي: 8/411 ح11500 ـ 11502 و ج13/327 ح18527 .
- (3) قرب الإسناد: 133 ح467 ، وعنه الوسائل: 1/44 ، أبواب مقدّمة العبادات: ب4 ح8 والبحار: 100/31 ح5 .
- (4) الكافي: 7/197 ذح1 ، مستطرفات السرائر: 86 ذح34 ، وعنهما الوسائل: 1/43 ، أبواب مقدّمة العبادات ب4 ح2 .
(الصفحة 277)
وجهه ، أو ينبت في عانته قبل ذلك(1) .
ومنها : ما في المحكي عن تفسير عليّ بن إبراهيم في قوله تعالى :
{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى}(2) إلى آخره ، قال: قال : من كان في يده مال بعض اليتامى ، فلا يجوز له أن يعطيه حتّى يبلغ النكاح ويحتلم ـ إلى أن قال : ـ وإن كانوا لا يعلمون أنّه قد بلغ ، فإنّه يمتحن بريح إبطه أو نبت عانته ، فإذا كان ذلك فقد بلغ(3) ، بناءً على أنّ الضمير في قوله: قال: راجع إلى الصادق (عليه السلام) المذكور في الآية السابقة ، كما عن الصافي في روايته عنه مسنداً إليه(4) . قال في الجواهر : ولعلّه وجده كذلك فيما وصل إليه من النسخ ، وإلاّ كان من كلامه على عادة القدماء ، وهو وإن لم يكن حجّة لكنّه لا يخلو من تأييد(5) .
وكيف كان ، فلا ينبغي الإشكال في أصل الحكم في الجملة ، لكن الإشكال في عموميّة الحكم للذكر والاُنثى ، كما هو صريح المتن ومعقد إجماعي الخلاف(6)والتذكرة(7) ، أو الاختصاص بالذكر كما هو مورد النصوص ، وحكي عن بعض الأصحاب بنحو الإجمال(8) ، والظاهر هو الأوّل ، وأنّه لا اختصاص للذكر بذلك
- (1) تهذيب الأحكام: 7/382 ح1544 ، الاستبصار: 3/237 ح855 ، وعنهما الوسائل: 20/287 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب6 ح9 .
- (2) سورة النساء : 4/6 .
- (3) تفسير القمّي: 1/131 ، وعنه مستدرك الوسائل: 13/428 ، كتاب الحجر ب2 ح1 .
- (4) تفسير الصافي: 1/332 .
- (5) جواهر الكلام: 26/7 .
- (6) الخلاف: 3/281 مسألة 1.
- (7) تذكرة الفقهاء: 2/73 (ط الحجري) .
- (8) الحاكي هو صاحب الجواهر: 26/7 .