(الصفحة 383)ومنها : رضا المحال عليه وقبوله على الأحوط فيما إذا اشتغلت ذمّته للمحيل بمثل ما أحال عليه ، وعلى الأقوى في الحوالة على البري ، أو بغير جنس ما على المحال عليه1.
1 ـ يشترط في صحّة الحوالة مضافاً إلى ما مرّ اُمور وإن كان الاعتبار في بعضها بنحو الاحتياط الوجوبي ، كما سيظهر إن شاء الله تعالى :
الأوّل : أن يكون المال المحال به ثابتاً في ذمّة المحيل واشتغلت عهدته به ، ضرورة أنّه مع عدم الاشتغال لا خصوصيّة له ولا مجال للحوالة ، فإنّها ترجع حينئذ إلى استدعاء وطلب من المحتال وإجابة لالتماسه ، ولو فرض اشتغال ذمّة المحال عليه للمحيل . نعم ، يمكن فرض توكيله في تأدية الدَّين في هذه الصورة وأخذه عن المديون وكالة عن الدائن ، وقد عرفت أنّ حقيقة الحوالة تحويل المديون ما في ذمّته إلى ذمّة غيره ، فالتعبير بها في العرف في موارد عدم ثبوت الدَّين أيضاً ليس تعبيراً حقيقيّاً ، بل مسامحيّاً ومجازاً ، ولا فرق في عدم صحّة الحوالة مع عدم اشتغال ذمّة المحيل بين أن يكون السبب غير التامّ موجوداً ، كمال الجعالة قبل العلم والاستحقاق ، أم لم يوجد كالحوالة بما سيستقرضه فيما بعد .
الثاني : تعيين المال المحال به ; بمعنى عدم الإبهام والترديد بالمعنى المتقدِّم في كتاب الضمان (1) ، وأمّا معلوميّة المقدار أو الجنس عند المحيل أو المحتال ، فقد استظهر في المتن عدم اعتبارها ، خصوصاً مع فرض إمكان ارتفاع الجهالة ، فلو أحال الدَّين الذي عليه على المحال عليه المديون بأضعاف هذا الدَّين من غير علم للمحيل أو المحتال بالمقدار أو بالجنس فلا دليل على بطلان الحوالة .
(الصفحة 384)مسألة 2 : لايعتبر في صحّة الحوالة اشتغال ذمّة المحال عليه بالدَّين للمحيل ، فتصحّ الحوالة على البري على الأقوى1.
الثالث : رضا المحال عليه ، وقد فصّل فيه في المتن بين صورة اشتغال ذمّته للمحيل بمثل ما أحال عليه ، فاحتاط وجوباً اعتباره ، وبين صورة الحوالة على البري بناءً على صحّتها ، أو بغير جنس ما أحال عليه ، فقد قوّى الاعتبار ، والوجه في الصورة الثانية واضح ، وأمّا الصورة الاُولى ، فإن قلنا بعدم الاعتبار يلزم أن لا يكون الدائن مستحقّاً لاستدعاء دينه وطلبه ، ولكن حيث يكون المحال عليه مديوناً للمحيل فاشتغال ذمّته للمحتال ـ مع أنّ المحال عليه لا يكون مديوناً له ـ إنّما هو على سبيل الاحتياط ، خصوصاً مع تقوّم الحوالة به ، كما لا يخفى .
1 ـ قد قوّى في المتن صحّة الحوالة على البري ، لكن قال المحقّق في الشرائع بعد الحكم بالصحّة: لكن يكون ذلك بالضمان أشبه (1) ، بل عن المحدّث الكاشاني : الأظهر أنّها ضمان (2) ، وأورد عليهما في الجواهر : بأنّ فيه ما لا يخفى ، ضرورة عدم حصول إنشاء ذلك من المحال عليه حتّى تكون ضماناً ، بل أقصاه الرضا بما أنشأ المحيل (3) .
وكيف كان ، فقد وافق الماتن في الحكم بالصحّة المشهور(4) ، بل الإجماع المحكي عن السرائر(5) ، مضافاً إلى الموافقة للسيرة العملية من المتشرّعة ، ولكن حكي عن
- (1) شرائع الإسلام: 2 / 113 .
- (2) مفاتيح الشرائع: 3 / 149 .
- (3) جواهر الكلام: 26 / 165 .
- (4) مفتاح الكرامة: 5 / 406 ـ 407 ، جواهر الكلام: 26 / 165 ، رياض المسائل: 8/588 .
- (5) السرائر: 3 / 79 .
(الصفحة 385)مسألة 3 : لا فرق في المحال به بين كونه عيناً ثابتاً في ذمّة المحيل ، وبين كونه منفعة أو عملاً لا يعتبر فيه المباشرة ، فتصحّ إحالة مشغول الذمّة ـ بخياطة ثوب أو زيارة أو صلاة أو حجّ أو قراءة قرآن ونحو ذلك ـ على بري ، أو على من اشتغلت ذمّته له بمثل ذلك . وكذا لا فرق بين كونه مثليّاً كالحنطة والشعير ، أو قيميّاً كالغنم والثوب بعدما كان موصوفاً بما يرفع الجهالة ، فإذا اشتغلت ذمّته بشاة موصوفة مثلاً بسبب كالسلم ، جاز له إحالتها على من كان له عليه شاة بذلك الوصف أو كان بريئاً1.
بعض ابتناء الخلاف على أنّ الحوالة اعتياض أو استيفاء ، فعلى الأوّل لا تجوز وعلى الثاني تجوز (1) ، والظاهر أنّها عنوان برأسه وإن لحقها حكم أحد العنوانين في بعض الأحوال والآخر في الآخر . ودعوى استبعاد اختلاف مقتضاها; لأنّها في بعض الصور انتقال ، وفي بعض الصور ضمان ، ليست إلاّ مجرّد الاستبعاد ، وإلاّ فقد عرفت أنّها عنوان مستقلّ كالصلح بناءً على كونه عقداً برأسه ، وإن أفاد فائدة البيع أو الإجارة أو الهبة أو نحوها ، فتدبّر .
1 ـ عدم الفرق في المحال به بين الاُمور المذكورة في المتن واضح بعد أنّه لم ينهض دليل على ثبوت الفرق ، وقد ثبت في المسألة السابقة صحّة الحوالة على البري . نعم ، فيما إذا كان العمل الثابت على عهدة المحيل مقيّداً بالمباشرة تصريحاً أو انصرافاً ، لا معنى للحوالة به على الغير ; لعدم إمكان تحقّق المباشرة حينئذ ، ولا مجال لتوهّم الفرق بين المثلي والقيمي بعدما كان القيمي المحال به موصوفاً بما يرفع الجهالة ، وأنّه كالثابت على ذمّة المحيل ، فتأمّل .
- (1) غاية المراد: 2 / 226 ، جامع المقاصد: 5 / 359 ، مسالك الأفهام: 4 / 215 .
(الصفحة 386)مسألة 4 : لا إشكال في صحّة الحوالة مع اتّحاد الدَّين المحال به ، مع الدَّين الذي على المحال عليه جنساً ونوعاً . وأمّا مع الاختلاف; بأن كان عليه لرجل مثلاً دراهم وله على آخر دنانير ، فيحيل الأوّل على الثاني ، فهو على أنحاء : فتارةً: يُحيل الأوّل بدراهمه على الثاني بالدنانير; بأن يأخذ منه ويستحقّ عليه بدل الدراهم الدنانير ، واُخرى: يُحيله عليه بالدراهم; بأن يأخذ منه الدراهم ويعطي المحال عليه بدل ما عليه من الدنانير الدراهم ، وثالثة: يُحيله عليه بالدراهم; بأن يأخذ منه دراهمه وتبقى الدنانير على حالها ، لا إشكال في صحّة النحو الأوّل ، وكذا الثالث ، ويكون هو كالحوالة على البري . وأمّا الثاني ففيه إشكال ، فالأحوط فيما إذا أراد ذلك أن يقلب الدنانير التي على المحال عليه بدراهم بناقل شرعي أوّلاً ، ثمّ يحال عليه الدراهم وإن كان الأقوى صحّته مع التراضي1.
1 ـ لا ريب في صحّة الحوالة في صورة اتّحاد الدَّين المحال به مع الدَّين الذي للمحيل على المحال عليه ، وعدم اختلافهما من حيث الجنس والنوع . وأمّا مع الاختلاف; بأن كان لرجل عليه دراهم وله على الآخر دنانير ، فيحيل الأوّل على الثاني ، فهو كما في المتن على صور :
الاُولى : أن يحيل الأوّل على الثاني بالدنانير; بأن يأخذ منه ويستحقّ عليه بدل الدراهم الدنانير ، ونفى الإشكال في المتن في أواخر المسألة في صحّة هذه الصورة ، ولكن لابدّ من أن يُقال : إنّ التبديل المذكور لابدّ وأن يكون بنحو الصلح أو مثله ، وإلاّ فلو كان بنحو البيع يعتبر التقابض في المجلس ; لاعتباره في بيع النقدين ، والمفروض أنّه غير متحقّق هنا .
الثانية : أن يحيله عليه بالدراهم; بأن يأخذ منه الدراهم ويعطي المحال عليه بدل
(الصفحة 387)مسألة 5 : إذا تحقّقت الحوالة جامعة للشروط برئت ذمّة المحيل عن الدَّين وإن لم يبرئه المحتال ، واشتغلت ذمّة المحال عليه للمحتال بما اُحيل عليه . هذا حال المحيل مع المحتال ، والمحتال مع المحال عليه . وأمّا حال المحال عليه مع المحيل ، فإن كانت الحوالة بمثل ما عليه برئت ذمّته ممّا له عليه ، وكذا إن كانت بغير الجنس ووقعت على النحو الأوّل والثاني مع التراضي . وأمّا إن وقعت على النحو الأخير ، أو كانت الحوالة على البري ، اشتغلت ذمّة المحيل للمحال عليه بما أحال عليه ، وإن كان له عليه دين يبقى على حاله1.
ما عليه من الدنانير الدراهم ، وقد استشكل في ذيل كلامه في صحّة هذه الصورة ، واحتاط بتبديل الدنانير بالدراهم بناقل شرعي أوّلاً ، ثمّ يُحال عليه الدراهم ، وإن كان قد قوّى الصحّة مع التراضي لرجوعه إلى الصلح ومثله ، وإلاّ فقد عرفت أنّه لو كان بصورة البيع يعتبر التقابض في المجلس غير المتحقّق هنا .
الثالثة : الصورة المفروضة مع بقاء الدنانير على حالها ، وقد نفى الإشكال في صحّته; لأنّه يكون كالحوالة على البري التي قد قوّى صحّتها في المسألة الثانية ; لأنّ ما على المحال عليه لا يكون ثابتاً في ذمّته ، وما على ذمّته لم تتحقّق الحوالة بالإضافة إليه ، فهو كالحوالة على البري ، والظاهر أنّه أحسن الصور الثلاثة المفروضة في المقام ، فتدبّر .
1 ـ لو فرض تحقّق الحوالة جامعة للشروط المعتبرة السابقة يترتّب عليها اُمور :
الأوّل : براءة ذمّة المحيل عن الدَّين وإن لم يبرئه المحتال ; لأنّ الغرض من الحوالة ذلك; أي حصول البراءة للمحيل عن الدَّين .