(الصفحة 487)مسألة 15 : الظاهر أنّه لا يعتبر في الهبة المشروط فيها العوض أن يكون التعويض المشروط بعنوان الهبة ; بأن يشترط على المتّهب أن يهبه شيئاً ، بل يجوز أن يكون بعنوان الصلح عن شيء ; بأن يشترط عليه أن يصالحه عن مال أو حقّ ، فإذا صالحه عنه وتحقّق منه القبول فقد عوّضه ولم يكن له الرجوع في هبته . وكذا يجوز أن يكون إبراءً من حقّ أو إيقاع عمل له ، كخياطة ثوبه أو صياغة خاتمه ونحو ذلك ، فإذا أبرأه منه أو عمل له فقد عوّضه1.
مسألة 16 : لو رجع الواهب في هبته فيما جاز له ، وكان في الموهوب نماء منفصل حدث بعد العقد والقبض ـ كالثمرة والحمل والولد واللبن في الضرع ـ كان من مال المتّهب ، ولا يرجع إلى الواهب ، بخلاف المتّصل كالسمن ، فإنّه يرجع إليه ، ويحتمل أن يكون ذلك مانعاً عن الرجوع ; لعدم كون الموهوب معه قائماً بعينه، بل لايخلو من قوّة، بل الظاهر أنّ حصول الثمرة والحمل والولد أيضاً من ذلك ، فلا يجوز معها الرجوع . نعم ، اللبن في الضرع واُجرة البيت والحمّام ـ
لا بمقدار الموهب ، إلاّ أن يُقال: إنّ المنصرف بل المتبادر من كلمة الثواب هي المماثلة أو الأكثرية ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ استظهر في هذه المسألة أنّه لا يلزم في الهبة المشروط فيها العوض أن يكون العوض بعنوان الهبة ، بل يجوز أن يكون بعنوان الصلح عن شيء ، أو بعنوان الإبراء من حقّ أو إيقاع عمل منه ، كالمثالين المذكورين في المتن ، غاية الأمر لزوم تحقّق القبول من الواهب إلاّ في مسألة الإبراء التي لا حاجة فيها إلى القبول ظاهراً ، والدليل على أصل المطلب إطلاق التعويض الوارد في الرواية ، فإنّ العوض لا ينحصر بالهبة من جانب المتّهب ، بل يشمل مثل الموارد المذكورة .
(الصفحة 488)سيّما اُجرة المثل ـ لو غصبهما غاصب ليست منه ، فتكون بعد الرجوع للمتّهب1.
مسألة 17 : لو مات الواهب بعد إقباض الموهوب لزمت الهبة وإن كانت لأجنبيّ ولم تكن معوّضة ، وليس لورثته الرجوع . وكذلك لو مات الموهوب له ، فينقل الموهوب إلى ورثته انتقالاً لازماً2.
1 ـ لو رجع الواهب في هبته في الموارد التي يجوز له الرجوع فيها ، وكان في الموهوب نماء لم يكن حال الهبة ، فإن كان النماء منفصلاً حادثاً بعد العقد والقبض الذي هو شرط صحّته ـ كالأمثلة المذكورة في المتن ـ فكلّها من مال المتّهب ـ ولا ربط لها بالواهب ـ للحدوث في ملكه ، والفسخ إنّما يؤثّر من حينه لا من أصل العقد . وإن كان النماء متّصلاً كالسمن ، فإنّه يرجع إلى الواهب تبعاً ، ويحتمل الشركة بين الواهب والمتّهب بنسبة السمن ، فتدبّر .
واحتمل في المتن بل نفى خلوّه عن القوّة أن يكون النماء المذكور مانعاً عن أصل جواز الرجوع; لعدم كون الموهوب معه قائماً بعينه ، بل استظهر أنّ حصول الثمرة والحمل والولد أيضاً من ذلك ، فلا يجوز الرجوع معها للدليل المذكور ، ولكنّه مشكل ; لأنّ صيرورتها سبباً لعدم قيام العين محلّ إشكال ; لأنّه في مقابل التلف أو ما بحكمه ممّا عرفت ، لا في مقابل ما ذكر ، واستدرك اللبن في الضرع واُجرة البيت والحمّام ـ سيّما اُجرة المثل ـ لو غصبهما غاصب ، فإنّها ليست منه ، بل هي بعد الرجوع للمتّهب الذي كان مالكاً .
2 ـ لو مات الواهب بعد تماميّة الهبة وإقباض الموهوب لزمت الهبة وإن كانت لغير ذي رحم ولم تكن معوّضة ، وفاقاً لجماعة من أجلاّء الفقهاء(1) ، وليس لورثته
- (1) قواعد الأحكام : 2/408 ، إيضاح الفوائد : 2/419 ، القواعد والفوائد : 2/285 ، جامع المقاصد : 9/169 ، جامع الشتات : 4/169 ـ 171 .
(الصفحة 489)مسألة 18 : لو باع الواهب العين الموهوبة ، فإن كانت الهبة لازمة ـ بأن كانت لذي رحم ، أو معوّضة ، أو قصد بها القربة ، أو خرجت العين عن كونها قائمة بعينها ـ يقع البيع فضولياً ، فإن أجاز المتّهب صحّ . وإن كانت غير لازمة فالظاهر صحّة البيع ووقوعه من الواهب ، وكان رجوعاً في الهبة . هذا إذا كان ملتفتاً إلى هبته ، وإلاّ ففي كونه رجوعاً قهراً تأمّل وإشكال ، فلا يترك الاحتياط1.
حقّ الرجوع كحقّ الخيار الذي ينتقل إلى الورثة ; لأنّ الفرق بين المقامين هو الفرق بين الحقّ والحكم ، وكذا لو مات المتّهب كذلك تلزم الهبة وليس للواهب الرجوع إلى ورثته ; لأنّه ـ مضافاً إلى إمكان أن يقال بعدم قيام العين بعد الانتقال إلى الوارث ـ يكون القدر المتيقّن في مقابل أدلّة اللزوم وأصالته هو الرجوع إلى نفس المتّهب دون ورثته .
1 ـ لو باع الواهب العين الموهوبة ، فإن كانت الهبة لازمة كما في الموارد المتقدّمة المذكورة في المتن ، فالظاهر صحّة البيع بعنوان الفضولي ، ويكون من مصاديق ما إذا باع الفضولي مال الغير لنفسه ، وقد تقرّر في محلّه أنّه صحيح ، ولكن يقع للمالك الذي يكون هو المتّهب في المقام في صورة الإجازة . وإن كانت الهبة غير لازمة ، كما في غير الموارد المذكورة ، فتارةً : يقع البيع من الواهب لنفسه مع الالتفات إلى الهبة والتوجّه إلى كون المبيع موهوباً قبل البيع ، غاية الأمر أنّ الهبة لا تكون لازمة كما هو المفروض ، واُخرى : يقع منه البيع مع عدم الالتفات إلى ذلك ، ففي الصورة الاُولى يكون البيع رجوعاً في الهبة وواقعاً لنفس الواهب ; لعدم إمكان وقوع البيع له مع بقاء الهبة وعدم الرجوع فيها ، والفرض جواز الرجوع ، وفي الصورة الثانية
(الصفحة 490)مسألة 19 : الرجوع : إمّا بالقول ، كأن يقول: «رجعت» وما يفيد معناه ، وإمّا بالفعل ، كاسترداد العين وأخذها من يد المتّهب ، ومن ذلك بيعها ، بل وإجارتها ورهنها إن كان بقصد الرجوع1.
مسألة 20 : لا يشترط في الرجوع إطّلاع المتّهب ، فلو أنشأه من غير إطلاعه صحّ2.
قد تأمّل في المتن واستشكل في تحقّق الرجوع قهراً مع عدم الالتفات إلى الهبة أصلاً ، وتخيّل كونه مالاً لنفسه لم يهبه لغيره ، والأمر كذلك ، فلا يترك الاحتياط بالتصالح ، ونظير ذلك بيع ذي الخيار المال المنتقل منه إلى الغير مع عدم التوجّه حال البيع إلى الانتقال والخيار .
1 ـ كما أنّ الهبة قد تتحقّق بالعقد المشتمل على الإيجاب والقبول اللفظيّين ، وقد تتحقّق بالمعاطاة; بأن أعطى الواهب العين الموهوبة إلى المتّهب بقصد الهبة وإنشائها ، كذلك الرجوع في الهبة الجائزة قد يقع بالقول; كأن يقول : رجعت وما يفيد معناه ، وقد يقع بالفعل كاسترداد العين الموهوبة وأخذها من يد المتّهب بقصد الرجوع ، ومن هذا القبيل البيع أو الإجارة أو الرهن مع الشرط المذكور; وهو قصد الرجوع .
2 ـ لا يشترط في الرجوع إطلاع المتّهب ، فلو أنشأه من غير اطلاعه لا يخلّ ذلك بالرجوع ، كالرجوع في باب الطلاق ، حيث إنّه لا يشترط في صحّة أصل الرجوع إطلاع المطلّقة ، فلو علمت بعد العدّة برجوع زوجها في العدّة صحّ ولا يتوقّف على الاطّلاع ، وهذا بخلاف باب الوكالة ، حيث إنّ انعزال الوكيل يتوقّف
(الصفحة 491)مسألة 21 : يستحبّ العطية للأرحام الذين أمر الله تعالى أكيداً بصلتهم ، ونهى شديداً عن قطيعتهم ، فعن مولانا الباقر (عليه السلام) قال: في كتاب عليّ (عليه السلام) : ثلاث خصال لا يموت صاحبهنّ أبداً حتّى يرى وبالهنّ : البغي ، وقطيعة الرحم ، واليمين الكاذبة يبارز الله بها ، وإنّ أعجل الطاعة ثواباً لصلة الرحم ، وإنّ القوم ليكونون فجّاراً فيتواصلون فتنمى أموالهم ويثرون ، وإنّ اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم لتذران الدِّيار بلاقع من أهلها وتنقلان الرحم ، وإنّ نقل الرّحم انقطاع النسل(1) .
وأولى بذلك الوالدان اللذان أمر الله تعالى ببرّهما(2) ، فعن أبي عبدالله (عليه السلام) : إنّ رجلاً أتى النبيّ (صلى الله عليه
وآله) فقال : يارسول الله أوصني ، فقال : لا تشرك بالله شيئاً وإن حرّقت بالنار وعذّبت إلاّ وقلبك مطمئنّ بالإيمان ، ووالديك فأطعهما وبرّهما حيّين كانا أو ميّتين ، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل ، فإنّ ذلك من الإيمان(3) .
وأولى من الكلّ الاُمّ التي يتأكّد برّها وصلتها أزيد من الأب ، فعن الصادق (عليه السلام) : جاء رجل إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال : يارسول الله مَنْ أبرّ؟ قال : اُمّك قال : ثمّ إلى مَن؟ قال : اُمّك ، قال : ثمّ مَنْ؟ قال : اُمّك ، قال : ثمَّ مَنْ؟ قال : أباك (4) .
على بلوغ الخبر إليه ، كما تقدّم في كتاب الوكالة (5) .
- (1) الكافي: 2 / 347 ح 4 ، وعنه البحار: 74 / 134 ح 104 .
- (2) سورة الإسراء: 17 / 23 ـ 24 .
- (3) الكافي: 2 / 158 ح2 .
- (4) الكافي: 2 / 159 ح 9 .
- (5) في ص 431 .