(الصفحة 402)من قصده القرار والاستقرار فيه ، فإن كانت قرينة على التعيين فهو ، وإلاّ بطلت الكفالة من أصلها وإن كان في إطلاقه إشكال1.
مسألة 9 : يجب على الكفيل التوسّل بكلّ وسيلة مشروعة لإحضار المكفول، حتّى أنّه لو احتاج إلى الاستعانة بشخص قاهر ـ لم تكن فيها مفسدة أو مضرّة دينيّة أو دنيويّة ـ لم يبعد وجوبها . ولو كان غائباً واحتاج حمله إلى مؤونة ،
1 ـ لو عيّن الكفيل في الكفالة مكان التسليم ، فلا يجب عليه التسليم في غيره ولو طلب المكفول له ذلك ، كما أنّه لو سلّمه الكفيل في غير ذلك المكان لا يجب على المكفول له القبول والتسلّم ، ولو أطلق ولم يعيّن في الكفالة مكان التسليم ، ففي المتن إن أوقعا العقد في بلد المكفول له أو بلد قراره انصرف إليه ، وإن أوقعاه في برّيّة أو بلد غربة لم يكن من قصده القرار والاستقرار فيه ، فإن كانت قرينة على التعيين فهو ، وإلاّ بطلت الكفالة من أصلها وإن كان في إطلاقه إشكال .
وخلاصته : أنّه إذا لم يكن هناك انصراف إلى بلد المكفول له وإن لم يكن وطنه بل محلّ قراره واستقراره ، ولم يكن هناك قرينة على التعيين ، تكون صحّة الكفالة مشكلة ، بل باطلة وإن كان الإطلاق محلّ إشكال . أمّا أصل البطلان فلأنّ الجهالة تمنع عن صحّة العقد بنحو اللزوم; لأنّ الكفيل ملزم بالإحضار ، وبعد عدم معلوميّة المحلّ لا مجال للزوم الإحضار ، وأمّا كون الإطلاق محلّ إشكال ; فلأنّه لا تلزم معلوميّة محلّ قراره واستقراره ، بل لو فرض العلم بوجوده في محلّ يتمكّن الكفيل من إحضار المكفول إليه يتعيّن الإحضار ، خصوصاً إذا كانت الكفالة مؤجّلة وعلم بوجود المكفول في رأس الأجل في مكان خاصّ ، فأيّ مانع من لزوم الإحضار إلى ذلك المحلّ مع تمكّنه من ذلك وعدم استلزامه العسر والحرج؟ كما لا يخفى .
(الصفحة 403)فإن كانت الكفالة بإذن المكفول فهي عليه، ولو صرفها الكفيل لا بعنوان التبرّع فله أن يرجع بها عليه على إشكال في بعضها ، وإن لم تكن بإذنه فعلى الكفيل1.
مسألة 10 : تبرأ ذمّة الكفيل بإحضار المكفول أو حضوره وتسليمه نفسه تامّاً عن قبل الكفيل . وأمّا حضوره وتسليم نفسه لا عن قبله فالظاهر عدم براءة ذمّته . وكذا لو أخذه المكفول له طوعاً أو كرهاً بحيث تمكّن من استيفاء حقّه ، أو إحضاره مجلس الحكم . نعم ، لو اُبرئ المكفول عن الحقّ الذي عليه ، أو الكفيل من الكفالة تبرأ ذمّته2.
1 ـ اللازم على الكفيل إحضار المكفول للمكفول له ولو مع التوسّل بكلّ وسيلة مشروعة ، ولو احتاج إلى الاستعانة بشخص قاهر قادر على ذلك ـ بشرط خلوّ الاستعانة المزبورة عن المفسدة والمضرّة الدينيّة قطعاً والدنيويّة احتمالاً ـ لم يبعد وجوبها; لأنّ الالتزام بشيء التزام بلوازمه ومقدّماته .
ولو كان المكفول غائباً واحتاج حمله إلى مؤونة السفر ونحوها ، فإن كان أصل الكفالة بإذن المكفول واستدعائه فتلك المؤونة عليه ، ولو دفع المؤونة الكفيل لا مع قصد التبرّع فله أن يرجع بها عليه على إشكال في بعضها كما في المتن ، والظاهر أنّ المراد بذلك البعض ما إذا تمكّن الكفيل من دفع المؤونة وكان موافقاً له ولم يستدع من الكفيل ، فإنّ صرف الكفيل ولو كان لا بعنوان التبرّع ، إلاّ أنّ جواز الرجوع إلى المكفول مع الأوصاف والخصوصيّات المذكورة مشكل . هذا إذا كانت الكفالة بإذن المكفول . وأمّا إذا لم تكن بإذنه واستدعائه ، بل تصدّى الكفيل لعقد الكفالة فمؤونة الحمل على تقديرها على نفس الكفيل ، كما هو ظاهر .
2 ـ تبرأذمّة الكفيل بإحضارالمكفول على ما هو مقتضى التعهّد به في عقد الكفالة،
(الصفحة 404)مسألة 11 : لو نقل المكفول له الحقّ الذي له على المكفول إلى غيره ببيع أو صلح أو حوالة بطلت الكفالة1.
وكذا بحضور المكفول وتسليمه نفسه تامّاً عن قبل الكفيل . وأمّا حضوره وتسليم نفسه لا عن قبل الكفيل ، فقد استظهر في المتن عدم براءة ذمّة الكفيل ، مع أنّه يمكن أن يقال بالبراءة لحصول الغرض من عقد الكفالة; وهوتمكّن المكفول له من المكفول، والحضور عن قبل الكفيل لا خصوصيّة فيه ولا دخالة له في غرض العقد .
وكذا في الفرع الآتي; وهو ما لو أخذه المكفول له طوعاً أو كرهاً بحيث تمكّن من استيفاء حقّه المالي أو إحضاره مجلس الحكم ، وفي الذيل حكم ببراءة ذمّة الكفيل لو اُبرئ المكفول عن الحقّ الذي عليه أو الكفيل من الكفالة ، ووجه الثاني واضح ، وأمّا وجه الأوّل ، فلأنّ الغرض من الإحضار إنّما هو تمكين المكفول له من استيفاء حقّه ماليّاً كان أو غيره ، ومع الإبراء لا يبقى مجال للإحضار ولا يترتّب عليه أثر أصلاً ، ومنه يظهر أنّه تتحقّق البراءة في الفرع السابق ; لعدم الفرق كما هو ظاهر .
1 ـ لو نقل المكفول له الحقّ الذي كان له على المكفول إلى غيره بأيّة كيفيّة من بيع أو صلح أو حوالة ، ففي المتن : بطلت الكفالة ، والوجه في البطلان أنّ الكفيل إنّما كان متعهّداً لإحضار المكفول لتمكّن المكفول له من استيفاء حقّه منه ، ولم يكن متعهّداًلإحضارغيره،ولايتجاوزالحكم بلزوم عقدالكفالة عن هذه الدائرة، خصوصاً لو فرض عدم تمكّن الكفيل من إحضار من انتقل إليه الحقّ لفرض كونه قويّاً ، أو لأمر آخر مثل عدم مناسبة إحضاره لشأن الكفيل ، وغيره من الجهات الاُخر .
وكيف كان ، فالنقل إلى الغير إنّما هو كإبراء ذمّة المكفول من الحقّ الذي كان عليه ، فالكفالة حينئذ باطلة لا يترتّب عليها أثر; لأنّ من كان لازماً على الكفيل
(الصفحة 405)مسألة 12 : لومات الكفيل أو المكفول بطلت الكفالة ، بخلاف ما لو مات المكفول له ، فإنّ حقّه منها ينتقل إلى ورثته1.
مسألة 13 : من خلّى غريماً من يد صاحبه قهراً وإجباراً ضمن إحضاره ، ولو أدّى ما عليه سقط ضمانه . هذا في مثل الدَّين . وأمّا في مثل حقّ القصاص فيضمن إحضاره ، ومع تعذّره فمحلّ إشكال . ولو خلّى قاتلاً من يد وليّ الدم ضمن إحضاره ، ومع تعذّره بموت ونحوه تؤخذ منه الدية . هذا في القتل العمدي . وأمّا ما يوجب الدية فلا يبعد جريان حكم الدَّين عليه من ضمان إحضاره ، ولو أدّى ما عليه سقط ضمانه2.
إحضاره ليس عليه حقّ ، ومن انتقل إليه الحقّ لم تتحقّق الكفالة من ناحية الكفيل بالنسبة إليه أصلاً ، كما لا يخفى .
1 ـ أمّا بطلان الكفالة بمجرّد موت الكفيل ، فلأنّه كان متعهّداً وملتزماً بإحضار النفس ، ومع انتفاء موضوعه لا يبقى مجال للبقاء ، ولا ترجع الكفالة إلى ثبوت حقّ ماليّ على الكفيل حتّى يصير كالمديون في عدم انتفاء الحقّ لذيه بموته ، بل كان المطلوب هو الورثة .
وأمّا البطلان بموت المكفول ، فلأنّ الكفيل إنّما تعهّد والتزم بإحضاره ، ومع موته لا يبقى الموضوع للإحضار ، كما أنّ الوجه في عدم بطلان الكفالة بموت المكفول له، هوأنّ الكفالة بالإضافة إليه تكون حقّاً ثابتاً له على الكفيل، ومع موته يصير هذا الحقّ كسائر الحقوق منتقلاً إلى ورثته ، فيجب على الكفيل إحضار المكفول عند ورثة المكفول له ليستوفوا منه حقّه المالي مثلاً ، وهذا ظاهر.
2 ـ في المسألة صور :
(الصفحة 406)
الاُولى : من خلّى غريماً أي من عليه حقّ ـ سواء كان مالياً أو غيره ـ من يد صاحبه قهراً وإجباراً ضمن إحضاره ليستوفي منه الصاحب حقّه; لأنّه صار سبباً لعدم تمكّن الاستيفاء بسبب هربه أو مثله . نعم ، فيما إذا كان الحقّ ماليّاً كالدَّين لو أدّى ما عليه يسقط عنه وجوب الإحضار; لأنّه كان مقدّمة للاستيفاء ، والمفروض تحقّق الأداء ، وفيما إذا لم يكن الحقّ ماليّاً يتعيّن عليه الإحضار ، ومع تعذّره فقد استشكل فيه في المتن .
والظاهر أنّه من جهة أنّ الحكم بلزوم الإحضار غير ثابت مع فرض التعذّر ، والحقّ لا يكون ماليّاً حتّى يمكن الأداء ، ومن جهة أنّه كان السبب في ارتفاع يد ذي الحقّ عمّن عليه قصاص ، ومقتضى الاحتياط الالتزام بأنّه قد خالف الحكم التكليفي وتعزيره لأجل المخالفة ، من دون ثبوت حقّ عليه ، ومنه يظهر أنّه في المورد الأوّل لا يبعد الحكم بضمان الحقّ الذي كان عليه ، لا أنّه بالأداء يسقط لزوم إحضاره مع فرض التعذّر وعدم التمكّن من الإحضار ، كما تقدّم .
الثانية : لو خلّى قاتلاً من يد وليّ الدم ، فإن كان القتل عمداً وفيه القصاص ضمن إحضاره ، كما في أحد الفروع في الصورة الاُولى ، ومع تعذّره ـ بموت ونحوه ممّا يوجب عدم إمكان القصاص ولا أخذ الدية ـ تؤخذ منه الدية ، من دون فرق بين ما إذا كان وليّ الدّم مريداً للقصاص على تقدير عدم الموت ، وبين غيره . وإن كان القتل موجباً لثبوت الدية كما في قتل شبه العمد مثلاً ، فقد نفى البُعد عن جريان حكم الدَّين عليه من ضمان الإحضار والسقوط بأداء الدية التي كانت ثابتة في القتل ، ولا يتصوّر هذا في قتل الخطأ الذي تكون الدية فيه على العاقلة; لتعدّدهم غالباً وعدم ثبوت مجموع الدية على واحد منهم ، كما قد قرّر في كتاب الديات (1) .
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الديات: 308 ـ 310 .