(الصفحة 99)مسألة 3 : كما تطلق الشركة على المعنى المتقدِّم; وهو كون شيء واحد لاثنين أو أزيد ، تطلق أيضاً على معنى آخر; وهو العقد الواقع بين اثنين أو أزيد على المعاملة بمال مشترك بينهم ، وتسمّى الشركة العقدية والاكتسابية ، وثمرته جواز تصرّف الشريكين فيما اشتركا فيه بالتكسّب به ، وكون الربح والخسران بينهما على نسبة مالهما . وهي عقد يحتاج إلى إيجاب وقبول ، ويكفي قولهما: اشتركنا ، أو قول أحدهما ذلك مع قبول الآخر ، ولا يبعد جريان المعاطاة فيها; بأن خلطا المالين بقصد اشتراكهما في الاكتساب والمعاملة به1.
ومسؤوليّةً ، وغير ذلك من الجهات العقلائية التي لها دخل في ذلك ، كزوجته واُسرتها وغيرهما ، ففي صورة الإطلاق يجوز ذلك كلّه إلاّ أن يصرّح بالمنع عن الجميع أو البعض ، فاللازم مراعاة ذلك كما لايخفى .
ثمّ إنّه لو فرض أنّ الشريك يحتاج إلى التصرّف في المال المشترك ، مثل أن لا يكون له مسكن ، ومن ناحية اُخرى لا يأذن له الشريك الآخر بوجه ، فلابدّ من التقسيم ولو من حيث الزمان ، وسيأتي شرائط القسمة وكيفيّتها إن شاء الله تعالى .
1 ـ كما تطلق الشركة على المعنى المتقدّم; وهو كون شيء واحد لاثنين أو أزيد بأحد الأسباب التي تقدّم ذكرها ، كالإرث واشتراء شيء واحد في بيع واحد والحيازة وغيرها ، كذلك تطلق على معنى آخر; وهو العقد الواقع بين اثنين أو أزيد على المعاملة بمال مشترك بينهم ، وتسمّى الشركة العقدية والاكتسابية ، وثمرته جواز تصرّف الشريكين فيما اشتركا فيه بالتكسّب به ، وكون الربح والخسران بينهما على نسبة مالهما .
قال السيّد (قدس سره) في العروة : كما أنّ هذه الشركة قد تكون في عين وقد تكون في
(الصفحة 100)
منفعة ، وقد تكون في حقّ ، وبحسب الكيفيّة إمّا بنحو الإشاعة ، وإمّا بنحو الكلّي في المعيّن ، وقد تكون على وجه يكون كلّ من الشريكين أو الشركاء مستقلاًّ في التصرّف ، كما في شركة الفقراء في الزكاة ، والسادة في الخمس ، والموقوف عليهم في الأوقاف العامّة ونحوها(1) . وقد مثّل للكلّي في المعيّن بما لو باع منّاً من الصبرة المعيّنة لزيد ، فإنّ المنّ الكلّي يكون لزيد والباقي للمالك البائع ، وبذلك يكونان شريكين في الصبرة المعيّنة .
وقد ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) أنّه لا إشكال في صدق الشركة معه ولا إشاعة ، اللّهمَّ إلاّ أن يُراد بها عدم التعيين لا خصوص الثلث والربع ونحوهما(2) ، واُورد عليه بخروج هذا الفرض عن موضوع الشركة ، فإنّها إنّما تتحقّق فيما إذا كان المال الواحد مملوكاً لشخصين أو أكثر على نحو الإشاعة; بأن يكون لكلّ منهما حصّة في كلّ جزء من ذلك المال; لأنّه إذا كان مال كلّ منهما مستقلاًّ عن الآخر وإن كانا بحسب الوجود واحداً ، فإنّه لا تتحقّق الشركة فيه ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، فإنّ المالك يملك شيئاً والمشتري شيئاً آخر ; لأنّ الأوّل يملك الصبرة الخارجيّة والثاني يملك منّاً منه(3) .
ويؤيّد الإيراد أنّا قد ذكرنا في المسألة السابقة أنّه لا يجوز لأحد الشريكين التصرّف في المال المشترك إلاّ بإذن الآخر ، مع أنّه من الواضح جواز التصرّف له في المجموع إلاّ منّاً واحداً في المثال المفروض ، فيجوز له مع سائر الأجزاء من أشخاص آخرين بالبيع الصحيح غير المحتاج إلى الإذن بوجه .
- (1) العروة الوثقى: 2/582 .
- (2) جواهر الكلام: 26/286 .
- (3) مستمسك العروة الوثقى: 13/13 ـ 14 .
(الصفحة 101)
وقد ذكر بعض الأعلام (قدس سره) أنّ قياس المقام بمثل الدار من القياس مع الفارق; إذ العبرة في تحقّق الشركة بوحدة الوجود في الخارج بنظر العرف; وهي غير متحقّقة في مثال الدار بخلاف ما نحن فيه ، حيث لا يكون وجود الكلّي في الخارج منحازاً عن وجود الفرد الخارجي ، بل الكلّي موجود بوجود الفرد ، وحينئذ فالموجود الواحد في الخارج مضاف إلى مالكين ، ولكن بنحوين من الإضافة ، فإنّه بلحاظ الأفراد مملوك بتمامه للمالك ، وبلحاظ الكلّي مملوك للمشتري . والحاصل أنّ اختلاف نحوي الإضافة لا يوجب عدم تحقّق الشركة بينهما(1) .
أقول : الظاهر وجود الفرق بين صورة مزج منّ من حنطة بصبرة الغير ، وبين صورة بيع منّ من صبرته من زيد مثلاً ، فإنّ الظاهر تحقّق الشركة في الصورة الاُولى إن قلنا بأنّ مزج الحنطة بالحنطة موجب للشركة ، وعدم تحقّقها في الصورة الثانية التي يعبّر عنها بالكلّي في المعيّن ، ولا دليل على لزوم الإشاعة في تحقّق الشركة ، بل كما أفاده صاحب العروة أنّ الشركة قد تكون بنحو الإشاعة وقد تكون بنحو الكلّي في المعيّن ، كما أنّه لا دليل على جريان الحكم الذي ذكرناه في الشركة في جميع فروضها ، بل في بعض أقسامها; وهي الشركة بنحو الإشاعة ، ولذا يجوز لمالك الصبرة التصرّف في الجميع إلاّ في المنّ الواحد منه في المثال المفروض ، من دون توقّف على إجازة صاحب المنّ بوجه وإن كان يبعد هذا الفرق في بادئ النظر .
وكيف كان ، فيدلّ على صحّة الشركة العقدية مضافاً إلى عموم ما يدلّ على صحّة العقود والتجارة عن تراض ، مثل صحيحة هشام بن سالم المتقدِّمة في أوّل
- (1) المباني في شرح العروة الوثقى ، كتاب المضاربة: 185 ـ 186 .
(الصفحة 102)مسألة 4 : يعتبر في الشركة العقدية كلّ ما اعتبر في العقود الماليّة; من البلوغ والعقل والقصد والاختيار ، وعدم الحجر لفلس أو سفه1.
مسألة 5 : لا تصحّ الشركة العقديّة إلاّ في الأموال نقوداً كانت أو عروضاً ، وتسمّى تلك شركة العنان ، ولا تصحّ في الأعمال ; وهي المسمّاة بشركة الأبدان; بأن أوقع العقد اثنان على أن تكون اُجرة عمل كلّ منهما مشتركاً بينهما; سواء اتّفقا في العمل كالخيّاطين ، أو اختلفا كالخيّاط مع النسّاج ، ومن ذلك معاقدة شخصين على أنّ كلّ ما يحصّل كلّ منهما بالحيازة من الحطب مثلاً يكون مشتركاً
بحث الشركة(1); وهي وإن كانت غير ظاهرة في ثبوت الثمن الذي يشترى به السلعة بينهما بنحو الاشتراك ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ المتفاهم العرفي منها ذلك ، خصوصاً مع ملاحظة ثبوت الربح لهما والخسران عليهما .
هذا ، وأمّا الشركة في بابي الزكاة والخمس ، وكذا في الموقوفات العامّة مثل القناطير والأمكنة العامّة ، فلسيّد العروة في هذا المجال كلام مفصّل مذكور في ملحقات العروة في كتاب القضاء ، وقد أوردناه مع ما يرد عليه في نفس الكتاب(2) ، فراجع .
1 ـ حيث إنّ الشركة العقدية بالمعنى المذكور من العقود الصحيحة الماليّة ، فيعتبر فيها جميع ما يعتبر فيها من البلوغ والعقل والقصد والاختيار ، وعدم المحجوريّة لفلس أو سفه وأمثال ذلك ، إذ لا خصوصيّة فيها من هذه الجهة كما لايخفى .
- (1) في ص 94 .
- (2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء: 272 ـ 277 .
(الصفحة 103)بينهما ، فلا تتحقّق الشركة بذلك ، بل يختصّ كلّ منهما باُجرته وبما حازه .
نعم ، لو صالح أحدهما الآخر بنصف منفعته إلى مدّة ـ كسنة أو سنتين ـ على نصف منفعة الآخر إلى تلك المدّة وقبِلَ الآخر صحّ ، واشترك كلّ منهما فيما يحصّله الآخر في تلك المدّة بالأجر والحيازة ، وكذا لو صالح أحدهما الآخر عن نصف منفعته إلى مدّة بعوض معيّن ـ كدينار مثلاً ـ وصالحه الآخر أيضاً نصف منفعته في تلك المدّة بذلك العوض .
ولا تصحّ أيضاً شركة الوجوه ، وأشهر معانيها على المحكيّ أن يوقع العقد اثنان وجيهان عند الناس ـ لا مال لهما ـ على أن يبتاع كلّ منهما في ذمّته إلى أجل ، ويكون ذلك بينهما فيبيعانه ويؤدّيان الثمن ، ويكون ما حصل من الربح بينهما ، ولو أرادا حصول هذه النتيجة بوجه مشروع وكَّل كلٌّ منهما الآخر في أن يشاركه فيما اشتراه; بأن يشتري لهما وفي ذمّتهما ، فيكون حينئذ الربح والخسران بينهما .
ولا تصحّ أيضاً شركة المفاوضة; وهي أن يعقد اثنان على أن يكون كلّ ما يحصل لكلّ منهما ـ من ربح تجّارة أو فائدة زراعة ، أو اكتساب ، أو إرث ، أو وصيّة ، أو غير ذلك ـ شاركه فيه الآخر ، وكذا كلّ غرامة وخسارة ترد على أحدهما تكون عليهما ، فانحصرت الشركة العقديّة الصحيحة بشركة العنان1.
1 ـ الغرض من هذه المسألة بيان انحصار الشركة المسبّبة عن المعاقدة بالشركة العقدية المذكورة المعبّر عنها بشركة العنان ، وهنا بعض العناوين الاُخر من الشركة ولكنّها غير صحيحة :
منها : شركة الأبدان; بأن أوقع العقد إثنان على أن تكون اُجرة عمل كلّ منهما مشتركة بينهما; سواء اتّفقا في العمل كالخيّاطين ، أو اختلفا كالخيّاط مع النسّاج ، أو