(الصفحة 475)مسألة 5 : يجوز هبة المشاع; لإمكان قبضه ولو بقبض المجموع بإذن الشريك ، أو بتوكيل المتّهب إيّاه في قبض الحصّة الموهوبة عنه ، بل الظاهر تحقّق القبض الذي هو شرط الصحّة في المشاع باستيلاء المتّهب عليه من دون إذن الشريك أيضاً ، ويترتّب عليه الأثر وإن كان تعدّياً بالنسبة إليه في بعض الصور1.
1 ـ تجوز هبة المشاع ; لأنّ المشاعية لا تخرجه عن العينيّة المعتبرة في الهبة ، فإنّ الكسور المشاعة لا تكون أمراً آخر وراء العين ، فالنصف مثلاً عين خارجيّة وإن كان مبهماً أو كلّياً في المعيّن .
وقد استدلّ على جواز هبة المشاع ـ مضافاً إلى الإجماع(1) وصحيحة أبي بصير المتقدِّمة ـ بصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن دار لم تقسّم فتصدّق بعض أهل الدار بنصيبه من الدار ، فقال : يجوز ، قلت : أرأيت إن كان هبة ؟ قال : يجوز(2) .
وكيف كان ، لا إشكال في جواز تعلّق الهبة بالمشاع ، إنّما الإشكال في كيفيّة القبض المعتبر في الصحّة على ما ذكرنا . وفي المتن إمكان قبض المشاع ولو بقبض المجموع بإذن الشريك ، أو بتوكيل المهتّب إيّاه في قبض الهبة الموهوبة عنه ، بل استظهر تحقّق القبض باستيلاء المتّهب عليه من دون إذن الشريك أيضاً ، كما في المنقولات ، ويترتّب عليه الأثر وإن كان تعدّياً بالنسبة إليه في بعض الصور ، والظاهر أنّ المراد من بعض الصور ما لم يأذن له الشريك في القبض ، والظاهر
- (1) غنية النزوع: 301 ، نهج الحقّ وكشف الصدق: 510 ، تذكرة الفقهاء: 2 / 415 ـ 416 (طبع الحجري) ، ملحقات العروة الوثقى: 2 / 167 مسألة 21 .
- (2) التهذيب: 9 / 133 ح 564 ، وعنه الوسائل: 19 / 194 ، كتاب الهبات ب 9 ح 1 .
(الصفحة 476)مسألة 6 : لا تعتبر الفورية في القبض ولا كونه في مجلس العقد ، فيجوز فيه التراخي عن العقد ولو بزمان كثير ، ولو تراخى يحصل الانتقال من حينه ، فالنماء السابق على القبض للواهب1.
مسألة 7 : لو مات الواهب بعد العقد وقبل القبض بطل العقد وانتقل الموهوب إلى ورثته ، ولا يقومون مقامه في الإقباض ، وكذا لو مات الموهوب له بطل ، ولا يقومون ورثته مقامه في القبض2.
الكفاية ولو كان حراماً ; لأنّ النهي لم يتعلّق بركن المعاملة ، حتّى يقال بأنّ النهي المتعلّق بالمعاملة أيضاً يقتضي فسادها ، بل بأمر خارج عن المعاملة; وهو التصرّف في مال الشريك بغير إذنه .
1 ـ لعدم الدليل على الفورية ولا على كونه في مجلس العقد ، كما في بعض أنواع البيع ، فيجوز فيه التراخي عن العقد ولو بزمان كثير ، كالإجازة في عقد الفضولي ، غاية الأمر أنّه مع تحقّق التراخي يحصل الانتقال بعد القبض ; لعدم تماميّة شرط الصحّة قبلها كالإجازة بناءً على النقل ، وعليه فالنماء المتوسّط بين الهبة والقبض للواهب ، كما لا يخفى .
2 ـ الوجه في البطلان بموت الواهب بعد العقد وقبل القبض ما عرفت من شرطية القبض في صحّة الهبة ، فلا يمكن أن تتّصف بالصحّة قبل القبض ، وقد عرفت أنّ الانتقال والتمليك إنّما يتحقّق بالقبض ، كالإجازة في الفضولي بناءً على النقل . وأمّا الروايتان المتقدِّمتان الدالّتان على الصحّة قبل القبض فقد عرفت أنّهما غير معمول بهما ; لمخالفتهما لفتوى المشهور ، وعليه فلا يقومون مقامه في الإقباض ،
(الصفحة 477)مسألة 8 : إذا تمّت الهبة بالقبض ، فإن كانت لذي رحم ـ أباً كان أو اُمّاً أو ولداً أو غيرهم ـ لم يكن للواهب الرجوع في هبته ، وإن كانت لأجنبي كان له الرجوع فيها ما دامت العين باقية ، فإن تلفت كلاًّ أو بعضاً بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها عرفاً فلا رجوع . والأقوى أنّ الزوج والزوجة بحكم الأجنبي ، والأحوط عدم الرجوع في هبتهما للآخر . وكذا لا رجوع إن عوّض المتّهب عنها ولو كان يسيراً; من غير فرق بين ما كان إعطاء العوض لأجل اشتراطه في الهبة ، وبين غيره; بأن أطلق العقد لكن المتّهب أثاب الواهب وأعطاه العوض . وكذا لا رجوع فيها لو قصد الواهب فيها القربة إلى الله تعالى1.
ويظهر ممّا ذكر أنّه لو مات الموهوب له قبل القبض تكون الهبة باطلة ، ولا فرق في ذلك بين سبق الإذن في الإقباض وعدمه ; لأنّ مجرّد الإذن لا يكفي في تحقّق القبض ، ولا يقومون مقامه في القبض كما في الإقباض ، فتدبّر .
هذا بناءً على القول بالشرطيّة في الصحّة ، وأمّا على القول بمدخلية القبض في اللزوم ، فالبطلان بموت أحدهما محلّ إشكال .
1 ـ في هذه المسألة فروع :
الفرع الأوّل : إذا كانت الهبة المتّصفة بثبوت القبض فيها لذي رحم; أباً كان أو اُمّاً أو ولداً أو غيرهم ، وفي المتن لم يكن للواهب الرجوع في هبته ، والأخبار الواردة في هذا المجال مختلفة ، فنقول: ـ بعد بيان أنّ مقتضى القاعدة من العموم والاستصحاب عدم جواز الرجوع ; لأنّه مقتضى عموم «أوفُوا بِالعُقُود»(1)والمفروض التماميّة بالقبض ، وكذا مقتضى استصحاب ملكية المتّهب بعد رجوع
(الصفحة 478)
الواهب بقاء ملكيّته ـ يدلّ على اللزوم مثل :
صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال : الهبة والنحلة يرجع فيها صاحبها إن شاء حيزت أو لم تحز ، إلاّ لذي رحم فإنّه لا يرجع فيها(1) .
ورواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله وعبدالله بن سليمان جميعاً قالا : سألنا أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يهب الهبة أيرجع فيها إن شاء أم لا؟ فقال : تجوز الهبة لذوي القرابة ، والذي يثاب عن هبته ويرجع في غير ذلك إن شاء(2) .
ومن الواضح أنّ المراد بقوله (عليه السلام) : «تجوز» هو اللزوم والنفوذ; لمقابلته مع جواز الرجوع .
وأمّا ما يدلّ على عدم اللزوم فمثل :
رواية داود بن الحصين ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته هل لأحد أن يرجع في صدقة أو هبة؟ قال : أمّا ما تصدّق به لله فلا ، وأمّا الهبة والنحلة فإنّه يرجع فيها حازها أو لم يحزها وإن كانت لذي قرابة(3) .
وإطلاق صحيحة جميل والحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله أن يرجع ، وإلاّ فليس له(4) . فإنّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين
- (1) الكافي: 7 / 31 ح 7 ، تهذيب الأحكام: 9 / 156 ح 643 ، و ص 135 ح 569 ، الاستبصار: 4 / 108 ح 410 ، و ص 101 ح 387 ، وعنها الوسائل: 19 / 237 ، كتاب الهبات ب 6 ح 2 .
- (2) تهذيب الأحكام: 9 / 155 ح 636 ، الاستبصار: 4 / 108 / ح 414 ، وعنهما الوسائل: 19 / 237 ، كتاب الهبات ب6 ح 1 .
- (3) تهذيب الأحكام: 9 / 157 ح 645 و ص 155 ح 637 ، الاستبصار: 4 / 106 ح 404 ، وعنهما الوسائل: 19 / 238 ، كتاب الهبات ب 6 ح 3 .
- (4) الكافي: 7 / 32 ح 11 ، تهذيب الأحكام: 9 / 153 ح 627 ، الاستبصار: 4 / 108 ح 412 ، وعنها الوسائل: 19 / 241 ، كتاب الهبات ب 8 ح 1 .
(الصفحة 479)
الرحم وغيره .
وكذا إطلاق رواية المعلّى بن خنيس قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) : هل لأحد أن يرجع في صدقته أو هبته؟ قال : أمّا ما تصدّق به لله فلا(1) .
وكذا إطلاق مفهوم صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا عوّض صاحب الهبة فليس له أن يرجع(2) .
ويرد على هذه الطائفة ـ مضافاً إلى ما قرّرنا في محلّه من عدم ثبوت المفهوم رأساً ، ولو في القضية الشرطية ، وإلى أنّ الإطلاق صالح للتقييد وقابل له ـ أنّ استناد المشهور إلى الطائفة الاُولى(3) يوجب ترجيحها على هذه الطائفة .
بقي في هذا الفرع أمران لابدّ من التنبيه عليهما :
الأمر الأوّل : المراد بذي الرحم من ينسب إليه عرفاً ، قريباً أو بعيداً ، وارثاً كان أو لا ، ولا يختصّ بمن يحرم نكاحه كما قيل(4) ، فيشمل الأبوين والأولاد والإخوة ، من دون فرق بين المذكّر والمؤنّث ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى فهم العرف ، خصوصاً مع التعبير بـ«ذي القرابة» كما عرفت في بعض الروايات ـ رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : نسخت من كتاب بخطّ أبي الحسن (عليه السلام) : رجل أوصى لقرابته بألف درهم وله قرابة من قبل أبيه واُمّه ما حدّ القرابة ، يعطي من كان بينه
- (1) تهذيب الأحكام: 9 / 158 ح 651 ، الاستبصار: 4 / 107 ح 406 ، وعنهما الوسائل: 19 / 238 ، كتاب الهبات ب 6 ح 4 .
- (2) الكافي: 7 / 33 ح 19 ، تهذيب الأحكام: 9 / 154 ح 632 ، الاستبصار: 4 / 108 ح 413 ، وعنها الوسائل: 19 / 242 ، كتاب الهبات ب 9 ح 1 .
- (3) يراجع ملحقات العروة الوثقى: 2 / 171 ، ورياض المسائل: 9 / 388 ـ 389 .
- (4) حكاه في الرياض: 9 / 391 ، ولعلّ مراده أبو حنيفة . الانتصار: 460 ، المبسوط للسرخسي: 12 / 49 و54 ـ 56 ، بدائع الصنائع: 5 / 190 .