(الصفحة 107)مسألة 8 : لا يقتضي عقد الشركة ولا إطلاقه جواز تصرّف كلّ من الشريكين في مال الآخر بالتكسّب إلاّ إذا دلّت قرينة حاليّة أو مقاليّة عليه ، كما إذا كانت الشركة حاصلة كالمورّث فأوقعا العقد ، ومع عدم الدلالة لابدّ من إذن صاحب المال ، ويتّبع في الإطلاق والتقييد ، وإذا اشترطا كون العمل من أحدهما أو من كليهما معاً فهو المتّبع . هذا من حيث العامل ، وأمّا من حيث العمل والتكسّب ، فمع إطلاق الإذن يجوز مطلقه ممّا يريان فيه المصلحة كالعامل في المضاربة ، ولو عيّنا جهة خاصّة ـ كبيع الأغنام أو الطعام وشرائهما أو البزازة أو غير ذلك ـ اقتصر عليه ولا يتعدّى إلى غيره1.
لهذه الجهة أصلاً كالمحقّق(1) والشهيد (قدس سرهما)(2) ، وبين من كان معقد إجماعه أمراً آخر(3) .
وعليه: فالظاهر عدم تحقّق انعقاد الإجماع على اعتبار الامتزاج الذي هو الأعمّ من الامتزاج المعتبر في الشركة القهرية على ما عرفت في أوّل بحث الشركة(4) ، ضرورة أنّه مع الاتّحاد لا يبقى حاجة إلى الشركة العنانية .
وممّا ذكرنا ظهر أنّه لابدّ في الأجناس المختلفة التي لا يجري فيها المزج الرافع للتمييز لابدّ من التوسّل بأحد أسباب الشركة ، كما مثّلنا بالدارين اللذين يكون كلّ واحد منهما لشخص واحد ، فتدبّر في هذا المقام حتّى لا يختلط عليك الأمر .
1 ـ قد عرفت(5) أنّه في موارد تحقّق الشركة القهريّة لا يجوز لأحد الشريكين
- (1) شرائع الإسلام: 2/129 ـ 130 .
- (2) اللمعة الدمشقيّة: 22 .
- (3) الخلاف: 3/327 ـ 328 ، السرائر: 2/399 ، جواهر الفقه: 73 ، المؤتلف من المختلف: 1/588 مسألة 2 .
- (4) في ص 94 ـ 95 .
- (5) في ص98 .
(الصفحة 108)مسألة 9 : حيث إنّ كلّ واحد من الشريكين كالوكيل والعامل عن الآخر ، فإذا عقدا على الشركة في مطلق التكسّب أو تكسّب خاصّ ، يقتصر على المتعارف ، فلا يجوز البيع بالنسيئة ولا السفر بالمال إلاّ مع التعارف ، والموارد فيهما مختلفة ، وإلاّ مع الإذن الخاصّ ، وجاز لهما كلّ ما تعارف; من حيث الجنس المشترى والبائع والمشتري وأمثال ذلك . نعم ، لو عيّنا شيئاً لم يجز لهما المخالفة
التصرّف في المال المشترك إلاّ بإذن الآخر ، ولا يكون جواز تصرّف المأذون ملازماً لجواز تصرّف الآذن ، فيمكن أن لا يجوز للآذن مع ثبوت الجواز للمأذون ; لعدم الملازمة ، كما لعلّه سيجي تحقيقه في مسائل القسمة .
فاعلم أنّه في مورد ثبوت الشركة العقدية أو العنانية يكون الحكم أيضاً كذلك ، أي لا يجوز لواحد من الشريكين التصرّف في المال المرتبط بالآخر ; لعدم حصول الامتزاج المعتبر في الشركة القهريّة بعد ، أو لكون الامتزاج فيها أعمّ من الامتزاج المعبّر في القهريّة كما عرفت ، وإيقاع عقد الشركة لا يقتضي الجواز لا مطابقة ولا إطلاقاً ، إلاّ إذا دلّت قرينة حالية أو مقالية عليه ، ومثّل له في المتن بما إذا كانت الشركة القهريّة حاصلة ابتداءً فأوقعا العقد ، ومع عدم الدلالة لابدّ من إذن صاحب المال والمتّبع في الإطلاق والتقييد هو نفس ذلك الإذن ، كما أنّ المتّبع في جواز التكسّب من كلّ منهما أو من أحدهما ذلك .
هذا كلّه من حيث العامل ، وأمّا من حيث العمل ، فمع الإطلاق لابدّ أن يكون العمل ممّا فيه المصلحة بنظرهما ، كالعامل في باب المضاربة ، فإنّ الجواز مقصور على ما يرى العامل فيه المصلحة ، وإن عيّنا جهة خاصّة ـ كبيع الأغنام أو الطعام وشرائهما ، أو البزازة أو غير ذلك من تكسّب خاصّ ـ لابدّ من الاقتصار عليه ، ولا يجوز التعدّي إلى غيره كما هو واضح .
(الصفحة 109)عنه إلاّ بإذن الشريك ، وإن تعدّى عمّا عيّنا أو عن المتعارف ضمن الخسارة والتلف1.
مسألة 10 : إطلاق الشركة يقتضي بسط الربح والخسران على الشريكين على نسبة مالهما ، فإن تساوى تساويا فيهما ، وإلاّ يتفاضلان حسب تفاوته; من غير فرق بين ما كان العمل من أحدهما أو منهما مع التساوي فيه أو الاختلاف . ولو شرط التفاوت في الربح مع التساوي في المال ، أو تساويهما فيه مع تفاوت فيه ، فإن جعل الزيادة للعامل منهما ، أو لمن كان عمله أزيد صحّ بلا إشكال ، وإن جعلت لغير العامل أو لمن لم يكن عمله أزيد ، ففي صحّة العقد والشرط معاً ، أو بطلانهما ، أو صحّة العقد دون الشرط أقوال ، أقواها أوّلها2.
1 ـ لابدّ في الشركة العقدية من كلّ ناحية الاقتصار على المتعارف أو الإذن الخاصّ ; لأنّ كلّ واحد من الشريكين كالوكيل والعامل عن الآخر ، فإذا تحقّق عقد الشركة وانعقد موضوع الشركة العنانية ، لا يجوز البيع بالنسيئة ولا السفر بالمال للبيع في بلد آخر إلاّ مع التعارف الذي تكون الموارد والأماكن والأزمان فيها مختلفة ، وإلاّ مع الإذن الخاصّ من المالك الأصلي . وكذا من جهة سائر الخصوصيّات التي يمكن الفرق فيها في المعاملات من جهة الجنس المشترى والبائع والمشتري ومقدار زمان النسيئة ، وغير ذلك من الجهات . ولو عيّنا في العقد شيئاً خاصّاً لم يجز لهما المخالفة عنه إلاّ مع الإذن من الآخر ، وفي صورة التعدّي والتفريط يتحقّق الضمان كسائر الموارد .
2 ـ لا شبهة في أنّه إذا كانت الشركة العقديّة مطلقة غير معيّنة فيها مقدار الربح والخسران بالإضافة إلى الشريكين ، يكون مقتضى إطلاقها ملاحظة النسبة مع
(الصفحة 110)
المالين ، فإن تساوى فيهما تساويا في الربح والخسران ، وإن تفاضلا يتحقّق التفاضل فيهما بالنسبة ، وهذا من دون فرق بين ما كان العمل من أحدهما أو من كليهما ، وفي الصورة الثانية لا فرق بين صورتي التساوي في العمل والاختلاف فيه أصلاً . ولو شرط التفاوت في الربح مع عدم الاختلاف في مقدار المال ، أو شرط التساوي في الربح مع ثبوت التفاوت والتفاضل في المال ، فإن جعل الزيادة لخصوص العامل ، أو لمن كان عمله أزيد صحّ بلا إشكال; لأنّ مرجع جعل الزيادة إلى جعلها في مقابل أصل العمل ، أو الزيادة فيه وهو لا مانع منه أصلاً ، وإن جعل الزيادة لغير العامل ، أو لمن كان عمله أنقص ففي المسألة أقوال ثلاثة :
أحدها : القول بصحّة العقد والشرط معاً; وهو الذي قوّاه الماتن (قدس سره) تبعاً للسيّد في العروة ، مستدلاًّ بعموم قوله (صلى الله عليه وآله) : المؤمنون عند شروطهم(1) . قال : ودعوى أنّه مخالف لمقتضى العقد كما ترى . نعم ، هو مخالف لمقتضى إطلاقه ، والقول بأنّ جعل الزيادة لأحدهما من غير أن يكون له عمل يكون في مقابلتها ليس تجارة ، بل هو أكل بالباطل ، كما ترى باطل .
ودعوى أنّ العمل بالشرط غير لازم; لأنّه في عقد جائز ، مدفوعة أوّلاً : بأنّه مشترك الورود; إذ لازمه عدم وجوب الوفاء به في صورة العمل أو زيادته ، وثانياً: بأنّ غاية الأمر جواز فسخ العقد فيسقط وجوب الوفاء بالشرط ، والمفروض في صورة عدم الفسخ ، فما لم يفسخ يجب الوفاء به ، وليس معنى الفسخ حلّ العقد من الأوّل بل من حينه ، فيجب الوفاء بمقتضاه مع الشرط إلى ذلك الحين(2) .
- (1) تقدّم في ص36 .
- (2) العروة الوثقى: 2/585 مسألة 3484 .
(الصفحة 111)
ثانيها : ما اختاره بعض الأعلام (قدس سره) من بطلان الشرط دون العقد ، أمّا بطلان الشرط فلمخالفته للسنّة ; لأنّ مقتضاها تبعيّة الربح للمال في الملك وكونه لصاحبه ، فاشتراط كونه كلاًّ أو بعضاً لغيره يكون من الشرط المخالف للسنّة ، وقال في توضيحه ما ملخّصه : إنّ الربح المشترط كونه للغير ، إذا كان موجوداً بالفعل ومملوكاً له فلا مانع من أخذه في العقد; لأنّه شرط سائغ ، وأمّا إذا لم يكن كذلك فلا يصحّ أخذه شرطاً; إذ لا يصحّ تمليك المعدوم ، ويكون من الشرط المخالف للسنّة إلاّ ما أخرجه الدليل ، كالمضاربة ونحوها .
ولذا لم يتوقّف أحد في بطلان هذا الشرط إذا اُخذ في ضمن عقد آخر كالبيع والإجارة; بأن يشترط البائع على المشتري في عقد بيع الدار مثلاً أن تكون أرباح بستانه له ، فإنّه فاسد جزماً ، إذا الشرط لا يكون مشرّعاً ، هذا إذا كان بصورة شرط النتيجة ، وأمّا إذا كان بصورة شرط الفعل فهو أيضاً كذلك وإن كان قد يفصّل بينهما ، وأمّا عدم بطلان العقد فلعدم اقتضاء بطلان الشرط لبطلان العقد كما قد تقرّر في محلّه(1) .
ثالثها : بطلان كليهما ; أمّا بطلان الشرط فلما ذكر ، وأمّا بطلان العقد فلاستلزام بطلان الشرط لبطلان العقد .
والتحقيق يوافق القول الأوّل من صحّة العقد والشرط معاً ; لأنّ بطلان الشرط المخالف للسنّة لا يكون أمراً قابلاً للتخصيص حتّى أخرجه الدليل في مثل المضاربة ، أفهل يمكن الالتزام بأنّ الشرط المحرّم للحلال أو المحلّل للحرام باطل
- (1) المباني في شرح العروة الوثقى ، كتاب المضاربة: 202 ـ 203 .