(الصفحة 364)مسألة 4 : الضمان لازم من طرف الضامن ، فليس له فسخه بعد وقوعه مطلقاً . وكذا من طرف المضمون له ، إلاّ إذا كان الضامن معسراً وهو جاهل بإعساره ، فله فسخه والرجوع بحقّه على المضمون عنه ، والمدار إعساره حال الضمان ، فلو أعسر بعده فلا خيار ، كما أنّه لو كان معسراً حاله ثمّ أيسر لم يزل الخيار1.
مسألة 5 : يجوز اشتراط الخيار لكلّ من الضامن والمضمون له على الأقوى2.
1 ـ الضمان لازم من طرف الضامن فليس له فسخه ، كما هو الأصل الأوّلى في كلّ عقد شكّ في لزومه وعدمه; وهو المعبّر عنه بأصالة اللزوم ، وهكذا من طرف المضمون له إلاّ في صورة واحدة; وهي كون الضامن معسراً حال الضمان والمضمون له جاهلاً بإعساره ، والوجه في استثناء هذه الصورة كون اللزوم منافياً لغرض الضمان ; لأنّ الظاهر أنّ الوجه في تشريعه هي سكونة المضمون له واعتماده بانتقال حقّه إلى ذمّة الضامن ، ومع إعساره وجهل المضمون له بالإعسار لا يتحقّق هذا الوجه ، فلا محيص عن الالتزام بالخيار وجواز الفسخ والرجوع إلى المضمون عنه .
وممّا ذكرنا يظهر أنّ المدار في الإعسار وعدمه هو حال الضمان ، فلو أعسر بعد الضمان فلا خيار ، كما أنّه لو كان معسراً حاله ثمّ أيسر يكون الخيار باقياً; لجريان الاستصحاب في كلتا الصورتين ، كما لا يخفى .
2 ـ الدليل على جواز اشتراط الخيار لكلّ من الضامن والمضمون له ـ بعد كون مقتضى الأصل مع عدم الاشتراط هو اللزوم ـ هو عموم «المؤمنون عند
(الصفحة 365)مسألة 6 : يجوز ضمان الدَّين الحالّ حالاًّ ومؤجّلاً ، وكذا ضمان المؤجّل مؤجّلاً وحالاًّ . وكذا يجوز ضمان المؤجّل بأزيد أو أنقص من أجله1.
مسألة 7 : لو ضمن من دون إذن المضمون عنه ليس له الرجوع عليه ، وإن كان بإذنه فله ذلك ، لكن بعد أداء الدَّين لا بمجرّد الضمان ، وإنّما يرجع إليه بمقدار ما أدّاه ، فلو صالح المضمون له مع الضامن الدين ببعضه ، أو أبرأه من بعضه لم يرجع بالمقدار الذي سقط عن ذمّته بهما2.
شروطهم»(1) كما في البيع ونحوه ، فإنّه مع كون مقتضى أصالة اللزوم هو اللزوم ، إلاّ أنّه مع الإطلاق وعدم اشتراط الخيار ، ومعه يجوز إعمال الفسخ لكلّ من جعل له الخيار ، وفي المدّة المجعول فيها الخيار لو فرضت له مدّة ، كما لا يخفى .
1 ـ والدليل على الجواز في جميع صور المسألة الثلاثة ، أ نّ كون الدَّين مؤجَّلاً لا يقتضي عدم الثبوت في الذمّة ، وما ذكرناه سابقاً(2) من عدم الجواز فيما لو قال : أقرض فلاناً درهماً مثلاً ، أو بعه نسيئة وأنا ضامن ، فإنّما هو صرف استدعاء لا ثبوت في الذمّة ، وإلاّ فمع الثبوت فيها لا وجه لعدم الصحّة ، فالجواز في جميع صور المسألة ثابت .
2 ـ أمّا عدم جواز رجوع الضامن إلى المضمون عنه لأخذ ما أدّاه إلى المضمون له ، أو يريد الأداء إليه ، أو لا يريد أصلاً ، فالوجه فيه واضح في صورة عدم كون الضمان واقعاً بإذن المضمون عنه ، بل ربما كان واقعاً بدون علمه واطّلاعه ، ضرورة
- (1) تقدّم في ص36 .
- (2) في ص360 .
(الصفحة 366)مسألة 8 : لو كان الضمان بإذن المضمون عنه ، فإنّما يرجع عليه بالأداء فيما إذا حلّ أجل الدَّين الذي كان على المضمون عنه ، وإلاّ فليس له الرجوع عليه إلاّ بعد حلول أجله ، فلو ضمن الدَّين المؤجَّل حالاًّ ، أو المؤجّل بأقلّ من أجله فأدّاه ، ليس له الرجوع عليه إلاّ بعد حلول الأجل . نعم ، لو أذِن له صريحاً بضمانه حالاًّ ، أو بأقلّ من الأجل ، فالأقرب جواز الرجوع عليه مع أدائه . وأمّا لو كان بالعكس; بأن ضمن الحالّ مؤجّلاً ، أو المؤجّل بأكثر من أجله برضا المضمون عنه قبل حلول أجله ، جاز له الرجوع عليه بمجرّد الأداء في الحالّ ، وبحلول الأجل فيما ضمن بالأكثر بشرط الأداء . وكذا لو مات قبل انقضاء الأجل ، فحلّ الدَّين بموته وأدّاه الورثة من تركته ، كان لهم الرجوع على المضمون عنه1.
أنّه مع عدم الإذن لا يبقى وجه للانتقال ، ومن الممكن أن يكون هذا النحو من الضمان منافياً لشأن المضمون عنه وشخصيّته . وأمّا الجواز في صورة الإذن فيتوقّف على الأداء ويثبت بمقدار الأداء; لأنّه لا يكون تشريع الضمان على نقل الذمّة تبرّعاً ومجّاناً ، بل لأجل حصول الطمأنينة للمضمون له للوصول إلى دينه وماله ، ومع عدم أداء الضامن لا يبقى مجال للرجوع إلى المضمون عنه ، ومنه يظهر أنّ جواز الرجوع إنّما هو بمقدار ما أدّاه ، فلو صالح المضمون له مع الضامن بالبعض ، أو أبرأه كذلك لا يجوز له الرجوع إلى الجميع .
1 ـ قد عرفت جواز ضمان الدَّين الحالّ مؤجّلاً وكذا العكس ، وعليه فلو كان الضمان بإذن المضمون عنه الذي قد مرّ إنحصار جواز الرجوع له عليه بهذه الصورة ، فينحصر جواز الرجوع عليه بما إذا حلَّ أجل الدَّين الذي كان على المضمون عنه ، وإلاّ فليس له الرجوع عليه إلاّ بعد حلول أجله ; لعدم وجوب
(الصفحة 367)مسألة 9 : لو ضمن بالإذن الدَّين المؤجَّل مؤجّلاً ، فمات قبل انقضاء الأجلين وحلّ ما عليه فأخذ من تركته ، ليس لورثته الرجوع على المضمون عنه إلاّ بعد حلول أجل الدَّين الذي كان عليه ، ولا يحلّ الدَّين بالنسبة إلى المضمون عنه بموت الضامن ، وإنّما يحلّ بالنسبة إليه1.
الدفع على المضمون عنه قبل حلول الأجل ، فلا يجب عليه الدفع إلى الضامن مع ضمانه حالاًّ ، وهكذا مع ضمانه مؤجّلاً ولكن بأقلّ من أجله .
وبالجملة : الضمان لا يؤثّر في لزوم الأداء على المضمون عنه قبل حلول الأجل ، واستدرك في المتن ما إذا أذِن المضمون عنه للضامن صريحاً بضمانه الدَّين المؤجَّل حالاًّ ، أو بأقلّ من الأجل ، فإنّه يجوز حينئذ للضامن الرجوع عليه قبل حلول أجل الدَّين الأصلي ، لكن لا بمجرّد الضمان بل بعد الأداء إلى المضمون له وحصول براءة ذمّة المضمون عنه . وأمّا لو كان الأمر بالعكس ; بأن ضمن الحالّ مؤجّلاً أو المؤجّل بأكثر من أجله مع رضا المضمون عنه بذلك ، جاز للضامن الرجوع إلى المضمون عنه بمجرّد الأداء في ظرفه الضماني ، وهكذا الحال فيما لو مات الضامن في هذه الصورة قبل انقضاء الأجل الذي ضمن الدَّين عند حلوله ، وبعد موت الضامن يحلّ الدَّين بموته كسائر الموارد ، وأدّاه الورثة من تركة الضامن ، فإنّ لهم حينئذ الرجوع إلى المضمون عنه لفرض تحقّق الأداء ، كما لا يخفى .
1 ـ المفروض في هذه المسألة ضمان الدَّين المؤجَّل مؤجّلاً; سواء كان الأجلان متّحدين أم كان أجل الدَّين الذي ضمنه أكثر من أجل الدَّين الأصلي ، لكن عرض للضامن الموت قبل انقضاء الأجلين ، فإنّه لا خفاء حينئذ في حلول ديون الضامن التي منها الدَّين الذي ضمنه بمجرّد موت الضامن ، وعليه : فالواجب على الورثة
(الصفحة 368)مسألة 10 : لو دفع المضمون عنه الدَّين إلى المضمون له من دون إذن الضامن برئت ذمّته ، وليس له الرجوع عليه1.
أخذ هذا الدَّين أيضاً من تركته ، ولكن ليس لهم الرجوع إلى المضمون عنه إلاّ بعد حلول أجل الدَّين الأصلي ; لأنّ حلول الدَّين لأجل الموت إنّما هو بالإضافة إلى الضامن الذي عرض عليه الموت ، لا بالنسبة إلى المضمون عنه الذي لم يتحقّق له الموت بعد ، كلّ ذلك إنّما هو في الضمان الواقع بإذن المضمون عنه ، وإلاّ ففي صورة العدم لا يجوز لنفس الضامن الرجوع ، فضلاً عن ورثته بعد موته ، وإن كان المفروض الأداء إلى المضمون له كما هو ظاهر .
1 ـ لو دفع المضمون عنه الدَّين إلى المضمون له ولو من دون إذن الضامن برئت ذمّة الضامن وليس له الرجوع على المضمون عنه ، أمّا حصول البراءة فلأنّ ذمّة المضمون عنه وإن لم تكن مشغولة بعد تحقّق الضمان; لأنّ المفروض أ نّه عبارة عن نقل ذمّة إلى ذمّة اُخرى ، إلاّ أنّه يجوز التبرّع بأداء الدَّين ولو مع عدم رضا المديون بذلك ، فضلاً عن لزوم الاستئذان منه .
وممّا ذكرنا ظهر أنّه لو تحقّق الإبراء مكان الدفع ، فإنّه وإن كان الإبراء متوجّهاً إلى ذمّة الضامن لفرض اشتغالها به ، إلاّ أنّه حيث كان جواز رجوعه إلى المضمون عنه متفرِّعاً على الأداء ، والمفروض تحقّق الإبراء فلا مجال للرجوع ، ولا وجه لتوهّم أنّ إبراء الضامن وإخراج ذمّته عن العهدة إنّما هو بمنزلة الأداء ، فيجوز له الرجوع إلى المضمون عنه ; لأنّ الإبراء ولو فرض أنّه يكون لمصلحته; بمعنى أنّه لا يريد المضمون له اشتغال ذمّة الضامن بالإضافة إليه ، ولكنّه ليس بمنزلة الأداء حتّى يجوز له الرجوع إلى المضمون عنه ، فتدبّر جيّداً .