(الصفحة 151)مسألة 7 : لو زارع على أرض ثمّ تبيّن للزارع أنّه لا ماء لها فعلاً ، لكن أمكن تحصيله بحفر بئر ونحوه صحّت ، لكن للعامل خيار الفسخ . وكذا لو تبيّن كون الأرض غير صالحة للزراعة إلاّ بالعلاج التامّ ، كما إذا كان الماء مستولياً عليها ويمكن قطعه . نعم ، لو تبيّن أنّه لا ماء لها فعلاً ولا يمكن تحصيله ، أو كانت مشغولة بمانع لا يمكن إزالته ولا يرجى زواله ، بطل1.
ولايكون هذاالباب كالإجارة التي يملك المستأجر المنفعة في صورة الصحّة، والمؤجر الاُجرة المسمّـاة مع الصحّة ، واُجرة المثل مع عدمها . والتحقيق أن يُقال : بأنّه في صورة تسلّم الأرض من المالك يضمن اُجرة مثل منفعتها في المدّة التي ترك فيها الزرع; لتفويته على مالك الأرض ذلك ، وفي صورة عدم التسلّم لاضمان أصلاً . نعم، لو كان البذر للمالك وتسلّمه الزارع يجب ردّه عيناً أو مثلاً كما لا يخفى ، هذا في غير العذر العام، وأمّا فيه فسيأتي الكلام إن شاء الله تعالى في انفساخ المزارعة به فانتظر.
1 ـ لو زارع على أرض ثمّ تبيّن للزارع أنّه لا يكون لها ماء فعلاً ، ولكن يمكن تحصيله بحفر البئر ونحوه فالمزارعة في نفسها صحيحة لا إشكال فيها; لإمكان تحصيل الماء ، لكن للعامل خيار الفسخ; وهو تخلّف شرط ضمني; وهو إمكان الزرع من دون إضافة أمر سوى عمل العامل ، ولكن ذلك إنّما هو في صورة الجهل بالحال ، وأمّا مع العلم فلا ، ومثل هذا الفرض في ثبوت خيار الفسخ المذكور ما لو تبيّن كون الأرض غير صالحة للزراعة إلاّ بالعلاج التامّ كما إذا كان الماء مستولياً عليها ولكن يمكن قطعه . نعم ، لو تبيّن أنّه لا ماء لها فعلاً ولا يمكن تحصيله ولو بمؤونة كثيرة ، أو كانت مشغولة بمانع ولا يمكن إزالة المانع كذلك ، ولا يرجى زواله بوجه عادة بطلت المزارعة; لعدم إمكان الزرع فيها أصلاً كما هو ظاهر .
(الصفحة 152)مسألة 8 : لو عيّن المالك نوعاً من الزرع كالحنطة مثلاً فزرع غيره ببذره ، فإن كان التعيين على وجه الشرطية في ضمن عقد المزارعة كان له الخيار بين الفسخ والإمضاء ، فإن أمضاه أخذ حصّته ، وإن فسخ كان الزرع للزارع وعليه للمالك اُجرة الأرض . وأمّا إذا كان على وجه القيديّة فله عليه اُجرة الأرض وأرش نقصها على فرضه1.
1 ـ لو عيّن المالك نوعاً من الزرع كالحنطة مثلاً فزرع العامل غيره ببذر نفسه ، ففي المتن التفصيل بين ما إذا كان التعيين على وجه الشرطيّة في عقد المزارعة ، وبين ما إذا كان التعيين على وجه القيدية ، ففي الصورة الاُولى يكون للمالك خيار تخلّف الشرط ويكون مخيّراً بين الفسخ والإمضاء ، فإن اختار الإمضاء أخذ حصّته المعيّنة في عقد المزارعة ، وإن فسخ كان الزرع للزارع لقاعدة التبعيّة ، ولكن للمالك عليه اُجرة الأرض ، وإن كان على وجه القيدية فلا مجال للخيار والإمضاء ، بل للمالك عليه اُجرة الأرض وأرش نقصها كما في الصورة الاُولى على تقدير الفسخ .
هذا ، وحكي عن بعض أنّه إن كان ما زرع أضرّ ممّا عيّنه المالك كان المالك مخيّراً بين الفسخ والإمضاء ، وأخذ اُجرة الأرض في الصورة الاُولى ، وأخذ الحصّة من المزروع مع أرش النقص الحاصل من الأضرّ ، وإن كان أقلّ ضرراً لزم وأخذ الحصّة منه(1) ، وقال بعضهم : يتعيّن أخذ اُجرة المثل للأرض مطلقاً ; لأنّ ما زرع غير ما وقع العقد عليه ، فلا يجوز أخذ الحصّة منه مطلقاً(2) ، وذهب صاحب العروة إلى أنّه لو علم أنّ المقصود مطلق الزرع ، وأنّ الغرض من التعيين ملاحظة مصلحة
- (1) شرائع الإسلام: 2/151 ، قواعد الأحكام: 2/313 ، جواهر الكلام: 27/25 ـ 26 .
- (2) جامع المقاصد: 7/328 ـ 329 ، مسالك الأفهام: 5/21 ـ 22 .
(الصفحة 153)
الأرض وترك ما يوجب ضرراً فيها ، يمكن أن يُقال : إنّ الأمر كما ذكر; من التخيير بين الأمرين في صورة كون المزروع أضرّ ، وتعيّن الشركة في صورة كونه أقلّ ضرراً ، قال : لكن التحقيق مع ذلك خلافه .
وإن كان التعيين لغرض متعلّق بالنوع الخاصّ لا لأجل قلّة الضرر وكثرته ، فإمّا أن يكون التعيين على وجه التقييد والعنوانية ، أو يكون على وجه تعدّد المطلوب والشرطية ، فعلى الأوّل إذا خالف ما عيّن فبالنسبة إليه يكون كما لو ترك الزرع أصلاً حتّى انقضت المدّة ، فتجري فيه الوجوه المذكورة هناك . وأمّا بالنسبة إلى الزرع الموجود ، فإن كان البذر من المالك فهو له ، ويستحقّ العامل اُجرة عمله على إشكال في صورة علمه بالتعيين وتعمّده الخلاف; لإقدامه حينئذ على هتك حرمة عمله ، وإن كان البذر للعامل كان الزرع له ، ويستحقّ المالك عليه اُجرة الأرض مضافاً إلى ما استحقّه من بعض الوجوه المتقدّمة ، وعلى الثاني يكون المالك مخيّراً بين أن يفسخ المعاملة لتخلّف الشرط ، وبين أن لا يفسخ ويأخذ حصّته من الزرع الموجود(1) ، انتهى ملخّصاً .
وقد ذكر بعض الأعلام (قدس سره) على ما في تقريراته في شرح العروة ما خلاصته(2) : أنّ الأقوى أن يُقال : إنّه قد يفرض انكشاف الحال للمالك بعد تماميّة الزرع الذي تعدّى الزارع فيه وبلوغ الحاصل ، وقد يفرض انكشافه في أثناء العمل وقبل بلوغ النتاج ، وعلى كلا التقديرين ، فإمّا أن يكون على نحو التقييد ، وإمّا أن يكون على نحو الشرطيّة ، فإن كان على نحو التقييد ، فحيث إنّ ما وقع عليه العقد لم يتحقّق في
- (1) العروة الوثقى: 2/598 مسألة 3501 .
- (2) المباني في شرح العروة الوثقى ، كتاب المزارعة: 260 ـ 261 .
(الصفحة 154)مسألة 9 : الظاهر صحّة جعل الأرض والعمل من أحدهما والبذر والعوامل من الآخر ، أو واحد منها من أحدهما والبقيّة من الآخر ، بل الظاهر صحّة الاشتراك في الكلّ ، ولابدّ من تعيين ذلك حين العقد ، إلاّ إذا كان هناك مقدار يغني عنه . والظاهر عدم لزوم كون المزارعة بين الاثنين ، فيجوز أن تجعل الأرض من أحدهم ، والبذر من الآخر ، والعمل من الثالث ، والعوامل من الرابع ، وإن كان الأحوط ترك هذه الصورة وعدم التعدّي عن اثنين ، بل لا يترك ما أمكن1.
الخارج وما تحقّق لم يتعلّق به العقد ، كان الزارع متعدّياً ضامناً .
وأمّا لو كان على نحو الاشتراط ، فالمالك بالخيار بين إسقاط شرطه ورضاه بالمزروع بالفعل ، وبين فسخ العقد من جهة تخلّف الشرط ، وقد فصّل الكلام في حكم البذر وأنّه هل كان للمالك أو العامل ، والتحقيق في المقام يقتضي التفصيل بين صورة كون التعيين على نحو الشرطية أو القيديّة ، ولا فرق في ذلك بين وقوع انكشاف الحال للمالك بعد تماميّة الزرع أو الأثناء .
1 ـ في هذه المسألة مقامان :
المقام الأوّل : أنّ المزارعة بحسب الأصل الأوّلي كما أشرنا إليه في أوّل كتاب المزارعة وإن كانت مشروعيّتها لأجل أن لا تكون الأرض لها مالك ـ ولكنّه لا يتمكّن من الزرع لأيّة جهة ـ خالية عن الفائدة والعائدة مع وجود من يتمكّن من العمل والزرع ، ولكنّه لا يكون مسلّطاً على الأرض بوجه مع قبوله للمزارعة; لأنّه نوع من تقوية الاقتصاد في المجتمع الإسلامي المشتمل على مالك الأرض فقط غير القادر مثلاً على العمل ، والعامل الذي لا يرتبط بالأرض ولو على نحو الإجارة
(الصفحة 155)
والعارية ، إلاّ أنّ الظاهر عدم اختصاص المشروعيّة بهذه الصورة ، بل مقتضى الحكمة المذكورة ، بل تصحّ أن تكون الأرض والعمل من أحدهما والبذر والعوامل من الآخر ، أو واحد منها من أحدهما والبقيّة من الآخر ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب ـ بعض الروايات :
ففي صحيحة سماعة قال : سألته عن مزارعة المسلم المشرك ، فيكون من عند المسلم البذر والبقر ، وتكون الأرض والماء والخراج والعمل على العِلج؟ قال : لا بأس به(1) .
ويؤيّدها بعض الروايات الاُخر ، لكن في صحيحة يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : وسألته عن المزارعة؟ فقال : النفقة منك والأرض لصاحبها ، فما أخرج الله من شيء قسّم على الشطر ، وكذلك أعطى رسول الله (صلى الله عليه وآله)خيبر حين أتوه ، فأعطاهم إيّاها على أن يعمروها ولهم النصف ممّا أخرجت(2) .
ولكن الظاهر عدم إفادتها انحصار المزارعة بذلك وأنّ مدلولها بيان مزارعة النبيّ (صلى الله عليه وآله) مع أصحاب خيبر ، وإلاّ لما جاز التوافق على أزيد من النصف أو أقلّ .
المقام الثاني : في جواز المزارعة بين أزيد من اثنين كالثلاثة أو الأربعة ، وقد استظهر في المتن أوّلاً الجواز ثمّ احتاط بالترك ما أمكن ، ويدلّ على الصحّة أنّه ربما لا تكون الأرض مختصّة بواحد ، بل مشتركة بينه وبين غيره ، كما أنّ إطلاق ما حكاه الإمام (عليه السلام) عن الرسول (صلى الله عليه وآله) في قصّة خيبر شامل لذلك ، ومنشأ الاحتياط إمّا ما حكي عن المسالك من أنّ العقود تتوقّف على التوقيف من الشارع ولم يثبت عنه
- (1) الكافي: 5/268 ح4 ، المقنع: 389 ، وعنهما الوسائل: 19/47 ، كتاب المزارعة والمساقاة ب12 ح1 .
- (2) الكافي: 5/268 ح2 ، تهذيب الأحكام: 7/198 ح876 ، وعنهما الوسائل: 19/45 ، كتاب المزارعة والمساقاة ب10 ح2 .