(الصفحة 477)مسألة 8 : إذا تمّت الهبة بالقبض ، فإن كانت لذي رحم ـ أباً كان أو اُمّاً أو ولداً أو غيرهم ـ لم يكن للواهب الرجوع في هبته ، وإن كانت لأجنبي كان له الرجوع فيها ما دامت العين باقية ، فإن تلفت كلاًّ أو بعضاً بحيث يصدق معه عدم قيام العين بعينها عرفاً فلا رجوع . والأقوى أنّ الزوج والزوجة بحكم الأجنبي ، والأحوط عدم الرجوع في هبتهما للآخر . وكذا لا رجوع إن عوّض المتّهب عنها ولو كان يسيراً; من غير فرق بين ما كان إعطاء العوض لأجل اشتراطه في الهبة ، وبين غيره; بأن أطلق العقد لكن المتّهب أثاب الواهب وأعطاه العوض . وكذا لا رجوع فيها لو قصد الواهب فيها القربة إلى الله تعالى1.
ويظهر ممّا ذكر أنّه لو مات الموهوب له قبل القبض تكون الهبة باطلة ، ولا فرق في ذلك بين سبق الإذن في الإقباض وعدمه ; لأنّ مجرّد الإذن لا يكفي في تحقّق القبض ، ولا يقومون مقامه في القبض كما في الإقباض ، فتدبّر .
هذا بناءً على القول بالشرطيّة في الصحّة ، وأمّا على القول بمدخلية القبض في اللزوم ، فالبطلان بموت أحدهما محلّ إشكال .
1 ـ في هذه المسألة فروع :
الفرع الأوّل : إذا كانت الهبة المتّصفة بثبوت القبض فيها لذي رحم; أباً كان أو اُمّاً أو ولداً أو غيرهم ، وفي المتن لم يكن للواهب الرجوع في هبته ، والأخبار الواردة في هذا المجال مختلفة ، فنقول: ـ بعد بيان أنّ مقتضى القاعدة من العموم والاستصحاب عدم جواز الرجوع ; لأنّه مقتضى عموم «أوفُوا بِالعُقُود»(1)والمفروض التماميّة بالقبض ، وكذا مقتضى استصحاب ملكية المتّهب بعد رجوع
(الصفحة 478)
الواهب بقاء ملكيّته ـ يدلّ على اللزوم مثل :
صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال : الهبة والنحلة يرجع فيها صاحبها إن شاء حيزت أو لم تحز ، إلاّ لذي رحم فإنّه لا يرجع فيها(1) .
ورواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله وعبدالله بن سليمان جميعاً قالا : سألنا أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يهب الهبة أيرجع فيها إن شاء أم لا؟ فقال : تجوز الهبة لذوي القرابة ، والذي يثاب عن هبته ويرجع في غير ذلك إن شاء(2) .
ومن الواضح أنّ المراد بقوله (عليه السلام) : «تجوز» هو اللزوم والنفوذ; لمقابلته مع جواز الرجوع .
وأمّا ما يدلّ على عدم اللزوم فمثل :
رواية داود بن الحصين ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته هل لأحد أن يرجع في صدقة أو هبة؟ قال : أمّا ما تصدّق به لله فلا ، وأمّا الهبة والنحلة فإنّه يرجع فيها حازها أو لم يحزها وإن كانت لذي قرابة(3) .
وإطلاق صحيحة جميل والحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله أن يرجع ، وإلاّ فليس له(4) . فإنّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين
- (1) الكافي: 7 / 31 ح 7 ، تهذيب الأحكام: 9 / 156 ح 643 ، و ص 135 ح 569 ، الاستبصار: 4 / 108 ح 410 ، و ص 101 ح 387 ، وعنها الوسائل: 19 / 237 ، كتاب الهبات ب 6 ح 2 .
- (2) تهذيب الأحكام: 9 / 155 ح 636 ، الاستبصار: 4 / 108 / ح 414 ، وعنهما الوسائل: 19 / 237 ، كتاب الهبات ب6 ح 1 .
- (3) تهذيب الأحكام: 9 / 157 ح 645 و ص 155 ح 637 ، الاستبصار: 4 / 106 ح 404 ، وعنهما الوسائل: 19 / 238 ، كتاب الهبات ب 6 ح 3 .
- (4) الكافي: 7 / 32 ح 11 ، تهذيب الأحكام: 9 / 153 ح 627 ، الاستبصار: 4 / 108 ح 412 ، وعنها الوسائل: 19 / 241 ، كتاب الهبات ب 8 ح 1 .
(الصفحة 479)
الرحم وغيره .
وكذا إطلاق رواية المعلّى بن خنيس قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) : هل لأحد أن يرجع في صدقته أو هبته؟ قال : أمّا ما تصدّق به لله فلا(1) .
وكذا إطلاق مفهوم صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا عوّض صاحب الهبة فليس له أن يرجع(2) .
ويرد على هذه الطائفة ـ مضافاً إلى ما قرّرنا في محلّه من عدم ثبوت المفهوم رأساً ، ولو في القضية الشرطية ، وإلى أنّ الإطلاق صالح للتقييد وقابل له ـ أنّ استناد المشهور إلى الطائفة الاُولى(3) يوجب ترجيحها على هذه الطائفة .
بقي في هذا الفرع أمران لابدّ من التنبيه عليهما :
الأمر الأوّل : المراد بذي الرحم من ينسب إليه عرفاً ، قريباً أو بعيداً ، وارثاً كان أو لا ، ولا يختصّ بمن يحرم نكاحه كما قيل(4) ، فيشمل الأبوين والأولاد والإخوة ، من دون فرق بين المذكّر والمؤنّث ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى فهم العرف ، خصوصاً مع التعبير بـ«ذي القرابة» كما عرفت في بعض الروايات ـ رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : نسخت من كتاب بخطّ أبي الحسن (عليه السلام) : رجل أوصى لقرابته بألف درهم وله قرابة من قبل أبيه واُمّه ما حدّ القرابة ، يعطي من كان بينه
- (1) تهذيب الأحكام: 9 / 158 ح 651 ، الاستبصار: 4 / 107 ح 406 ، وعنهما الوسائل: 19 / 238 ، كتاب الهبات ب 6 ح 4 .
- (2) الكافي: 7 / 33 ح 19 ، تهذيب الأحكام: 9 / 154 ح 632 ، الاستبصار: 4 / 108 ح 413 ، وعنها الوسائل: 19 / 242 ، كتاب الهبات ب 9 ح 1 .
- (3) يراجع ملحقات العروة الوثقى: 2 / 171 ، ورياض المسائل: 9 / 388 ـ 389 .
- (4) حكاه في الرياض: 9 / 391 ، ولعلّ مراده أبو حنيفة . الانتصار: 460 ، المبسوط للسرخسي: 12 / 49 و54 ـ 56 ، بدائع الصنائع: 5 / 190 .
(الصفحة 480)
وبينه قرابة ، أو لها حدّ ينتهي إليه؟ فرأيك فدتك نفسي . فكتب : إن لم يسمّ أعطاها قرابته(1) .
والمراد منه ظاهراً أنّه لم يعيّن حدّاً وأبقى عنوان القرابة على إطلاقه; يعطي من كان بينه وبينه قرابة ، فالمرجع هو العرف .
الأمر الثاني : أنّه لا فرق بين كبار الأولاد وصغارهم ; لأنّ كلّهم ذووا قرابة ، فما عن الشيخ في المبسوط من الفرق بين كبار الأولاد وصغارهم وتخصيص عدم جواز الرجوع بالصغار(2) ، فالظاهر أنّ مراده صورة قبل القبض الذي له مدخلية في صحّة الهبة كما عرفت (3) ، فالتفصيل ناظر إلى حصول القبض قهراً ، كما يؤيّده التعبير في بعض الروايات المتقدِّمة بأنّه «في حجره» ، وعدم حصول القبض في قبض الكبير إلاّ بقبض نفسه أو وكيله مثلاً ، وكذا لا فرق بين الولد وولد الولد الذكور والإناث ، وخلاف المرتضى شاذ وإن حكي عنه الإجماع(4) عليه على عكس الواقع ، فتدبّر .
الفرع الثاني : جواز الرجوع في هبة غير ذي الرحم مع فرض القبض إذا كانت العين باقية ، فإذا تلفت كلاًّ أو بعضاً بحيث يصدق معه عدم قيام العين عرفاً فلا رجوع ، والدليل عليه صحيحة جميل والحلبي المتقدّمة ، ولا فرق بين التلف السماوي أو إتلاف المتّهب أو الأجنبي ، وهذا بالنسبة إلى تلف الجميع واضح . وأمّا
- (1) تهذيب الأحكام: 9 / 215 ح 848 ، قرب الإسناد: 388 ح 1362 ، وعنه الوسائل: 19 / 401 ، كتاب الوصايا ب 68 ح 1 .
- (2) المبسوط: 3 / 309 ـ 310 .
- (3 ، 4) في ص 472 ـ 473 .
- (4) الانتصار: 460 .
(الصفحة 481)
بالنسبة إلى تلف البعض ، فالظاهر أنّ الأمر يدور مدار قيام العين عند العرف وعدمه ، ولا ينحصر ظاهراً عدم قيام العين بعينها بصورة التلف ، بل يشمل مثل طحن الحنطة وخياطة الثوب وصبغه .
الفرع الثالث : هبة الزوج للزوجة وبالعكس ، وقد قوّى فيهما أنّهما كالأجنبي وإن احتاط استحباباً بعدم الرجوع ، ولكن قوّى السيّد في الملحقات عدم جواز الرجوع ، مستنداً إلى صحيحة زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : ولا يرجع الرجل فيما يهب لامرأته ، ولا المرأة فيما تهب لزوجها ، حيز أو لم يحز; لأنّ الله تعالى يقول :
{وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً}(1) وقال :
{فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْء مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً}(2) ، وهذا يدخل في الصداق والهبة(3)(4) .
ولكنّ المشهور أو الأكثر على الجواز مع الكراهة(5) ، ويدلّ عليه صحيحة محمّد ابن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام) أنّه سئل عن رجل كانت له جارية فآذته امرأته فيها فقال : هي عليك صدقة ؟ فقال : إن كان قال ذلك لله فليمضها وإن لم يقل فله أن يرجع إن شاء فيها(6) .
- (1) سورة البقرة : 2 / 229 .
- (2) سورة النساء : 4 / 4 .
- (3) تهذيب الأحكام: 9 / 152 ح 624 ، الاستبصار: 4 / 110 ح 423 ، الكافي: 7 / 30 ح 3 ، وعنها الوسائل: 19 / 239 ، كتاب الهبات ب7 ح1 .
- (4) ملحقات العروة الوثقى: 2 / 171 ـ 172 .
- (5) رياض المسائل: 9 / 392 ، مفاتيح الشرائع: 3 / 204 ، ملحقات العروة الوثقى: 2 / 172 .
- (6) الكافي: 7 / 32 ح 12 ، تهذيب الأحكام: 9 / 151 ح 617 وص154 ح 628 ، وعنهما الوسائل: 19 / 209 ، كتاب الوقوف والصدقات ب 13 ح 1 .