(الصفحة 153)
الأرض وترك ما يوجب ضرراً فيها ، يمكن أن يُقال : إنّ الأمر كما ذكر; من التخيير بين الأمرين في صورة كون المزروع أضرّ ، وتعيّن الشركة في صورة كونه أقلّ ضرراً ، قال : لكن التحقيق مع ذلك خلافه .
وإن كان التعيين لغرض متعلّق بالنوع الخاصّ لا لأجل قلّة الضرر وكثرته ، فإمّا أن يكون التعيين على وجه التقييد والعنوانية ، أو يكون على وجه تعدّد المطلوب والشرطية ، فعلى الأوّل إذا خالف ما عيّن فبالنسبة إليه يكون كما لو ترك الزرع أصلاً حتّى انقضت المدّة ، فتجري فيه الوجوه المذكورة هناك . وأمّا بالنسبة إلى الزرع الموجود ، فإن كان البذر من المالك فهو له ، ويستحقّ العامل اُجرة عمله على إشكال في صورة علمه بالتعيين وتعمّده الخلاف; لإقدامه حينئذ على هتك حرمة عمله ، وإن كان البذر للعامل كان الزرع له ، ويستحقّ المالك عليه اُجرة الأرض مضافاً إلى ما استحقّه من بعض الوجوه المتقدّمة ، وعلى الثاني يكون المالك مخيّراً بين أن يفسخ المعاملة لتخلّف الشرط ، وبين أن لا يفسخ ويأخذ حصّته من الزرع الموجود(1) ، انتهى ملخّصاً .
وقد ذكر بعض الأعلام (قدس سره) على ما في تقريراته في شرح العروة ما خلاصته(2) : أنّ الأقوى أن يُقال : إنّه قد يفرض انكشاف الحال للمالك بعد تماميّة الزرع الذي تعدّى الزارع فيه وبلوغ الحاصل ، وقد يفرض انكشافه في أثناء العمل وقبل بلوغ النتاج ، وعلى كلا التقديرين ، فإمّا أن يكون على نحو التقييد ، وإمّا أن يكون على نحو الشرطيّة ، فإن كان على نحو التقييد ، فحيث إنّ ما وقع عليه العقد لم يتحقّق في
- (1) العروة الوثقى: 2/598 مسألة 3501 .
- (2) المباني في شرح العروة الوثقى ، كتاب المزارعة: 260 ـ 261 .
(الصفحة 154)مسألة 9 : الظاهر صحّة جعل الأرض والعمل من أحدهما والبذر والعوامل من الآخر ، أو واحد منها من أحدهما والبقيّة من الآخر ، بل الظاهر صحّة الاشتراك في الكلّ ، ولابدّ من تعيين ذلك حين العقد ، إلاّ إذا كان هناك مقدار يغني عنه . والظاهر عدم لزوم كون المزارعة بين الاثنين ، فيجوز أن تجعل الأرض من أحدهم ، والبذر من الآخر ، والعمل من الثالث ، والعوامل من الرابع ، وإن كان الأحوط ترك هذه الصورة وعدم التعدّي عن اثنين ، بل لا يترك ما أمكن1.
الخارج وما تحقّق لم يتعلّق به العقد ، كان الزارع متعدّياً ضامناً .
وأمّا لو كان على نحو الاشتراط ، فالمالك بالخيار بين إسقاط شرطه ورضاه بالمزروع بالفعل ، وبين فسخ العقد من جهة تخلّف الشرط ، وقد فصّل الكلام في حكم البذر وأنّه هل كان للمالك أو العامل ، والتحقيق في المقام يقتضي التفصيل بين صورة كون التعيين على نحو الشرطية أو القيديّة ، ولا فرق في ذلك بين وقوع انكشاف الحال للمالك بعد تماميّة الزرع أو الأثناء .
1 ـ في هذه المسألة مقامان :
المقام الأوّل : أنّ المزارعة بحسب الأصل الأوّلي كما أشرنا إليه في أوّل كتاب المزارعة وإن كانت مشروعيّتها لأجل أن لا تكون الأرض لها مالك ـ ولكنّه لا يتمكّن من الزرع لأيّة جهة ـ خالية عن الفائدة والعائدة مع وجود من يتمكّن من العمل والزرع ، ولكنّه لا يكون مسلّطاً على الأرض بوجه مع قبوله للمزارعة; لأنّه نوع من تقوية الاقتصاد في المجتمع الإسلامي المشتمل على مالك الأرض فقط غير القادر مثلاً على العمل ، والعامل الذي لا يرتبط بالأرض ولو على نحو الإجارة
(الصفحة 155)
والعارية ، إلاّ أنّ الظاهر عدم اختصاص المشروعيّة بهذه الصورة ، بل مقتضى الحكمة المذكورة ، بل تصحّ أن تكون الأرض والعمل من أحدهما والبذر والعوامل من الآخر ، أو واحد منها من أحدهما والبقيّة من الآخر ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه بين الأصحاب ـ بعض الروايات :
ففي صحيحة سماعة قال : سألته عن مزارعة المسلم المشرك ، فيكون من عند المسلم البذر والبقر ، وتكون الأرض والماء والخراج والعمل على العِلج؟ قال : لا بأس به(1) .
ويؤيّدها بعض الروايات الاُخر ، لكن في صحيحة يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : وسألته عن المزارعة؟ فقال : النفقة منك والأرض لصاحبها ، فما أخرج الله من شيء قسّم على الشطر ، وكذلك أعطى رسول الله (صلى الله عليه وآله)خيبر حين أتوه ، فأعطاهم إيّاها على أن يعمروها ولهم النصف ممّا أخرجت(2) .
ولكن الظاهر عدم إفادتها انحصار المزارعة بذلك وأنّ مدلولها بيان مزارعة النبيّ (صلى الله عليه وآله) مع أصحاب خيبر ، وإلاّ لما جاز التوافق على أزيد من النصف أو أقلّ .
المقام الثاني : في جواز المزارعة بين أزيد من اثنين كالثلاثة أو الأربعة ، وقد استظهر في المتن أوّلاً الجواز ثمّ احتاط بالترك ما أمكن ، ويدلّ على الصحّة أنّه ربما لا تكون الأرض مختصّة بواحد ، بل مشتركة بينه وبين غيره ، كما أنّ إطلاق ما حكاه الإمام (عليه السلام) عن الرسول (صلى الله عليه وآله) في قصّة خيبر شامل لذلك ، ومنشأ الاحتياط إمّا ما حكي عن المسالك من أنّ العقود تتوقّف على التوقيف من الشارع ولم يثبت عنه
- (1) الكافي: 5/268 ح4 ، المقنع: 389 ، وعنهما الوسائل: 19/47 ، كتاب المزارعة والمساقاة ب12 ح1 .
- (2) الكافي: 5/268 ح2 ، تهذيب الأحكام: 7/198 ح876 ، وعنهما الوسائل: 19/45 ، كتاب المزارعة والمساقاة ب10 ح2 .
(الصفحة 156)مسألة 10 : يجوز للزارع أن يشارك غيره في مزارعته بجعل حصّة من حصّته لمن يشاركه ، كما يجوز أن ينقل حصّته إلى الغير ويشترط عليه القيام بأمر الزراعة ، والناقل طرف للمالك ، وعليه القيام بأمرها ولو بالتسبيب . وأمّا مزارعة الثاني ـ بحيث كان الزارع الثاني طرفاً للمالك ـ فليست بمزارعة ، ولا يصحّ العقد كذلك ، ولا يعتبر في صحّة التشريك في المزارعة ولا في نقل حصّته إذن المالك . نعم ، لا يجوز على الأحوط تسليم الأرض إلى ذلك الغير إلاّ بإذنه ، كما أنّه لو شرط عليه المالك أن يباشر بنفسه ـ بحيث لا يشاركه غيره ولا ينقل حصّته إلى الغير ـ كان هو المتّبع1.
ذلك(1) ، وإمّا تركّب العقد من الطرفين أحدهما موجب والآخر قابل ، فلا يجوز التركّب من أزيد ، وكلاهما مدفوعان ، لكن الاحتياط الاستحبابي في الترك .
1 ـ يجوز للزارع أن يشارك غيره في مزارعته بجعل حصّة من حصّته لمن يشاركه ، كما يجوز أن ينقل حصّته إلى الغير ويشترط عليه القيام بأمر الزراعة ، وأمّا طرف المالك في عقد المزارعة هو الناقل; لوقوع العقد اللازم بينهما ، غاية الأمر أنّ العامل يجب عليه القيام بأمر الزراعة ولو بالتسبيب ، وأمّا صحّتها; بأن يجعل العامل الغير طرفاً للمالك في عقد المزارعة ـ بحيث تصير نفسها كأنّها أجنبيّة عنها ـ فممنوعة; لتقوّم العقد به وبالمالك ، فلا يجوز جعل الغير طرفاً له . نعم ، لا يعتبر في صحّة التشريك في الفرض الأوّل ، ولا في صحّة النقل في الفرض الثاني إذن المالك إلاّ مع شرط المباشرة وعدم التشريك ، أو شرط عدم النقل إلى الغير ، فهو المتّبع ويوجب تخلّفه الخيار .
- (1) مسالك الأفهام: 5/28 ـ 29 .
(الصفحة 157)
نعم ، يبقى الكلام في تسليم الأرض إلى الغير شركةً أو نقلاً ، وقد احتاط في المتن بعدم الجواز ، والسرّ فيه أنّ المالك قد رضي بالتسليم إلى طرفه في عقد المزارعة ، وأمّا التسليم إلى الغير فلا وإن لم يشترط المباشرة .
هذا ، ولكن ذكر السيّد في العروة ، والظاهر جواز نقل مزارعته إلى الغير بحيث يكون كأنّه هو الطرف للمالك بصلح ونحوه بعوض من خارج أو بلا عوض ، كما يجوز نقل حصّته إلى الغير; سواء كان ذلك قبل ظهور الحاصل أو بعده ، قال : كلّ ذلك لأنّ عقد المزارعة من العقود اللازمة الموجبة لنقل منفعة الأرض نصفاً أو ثلثاً ونحوهما إلى العامل ، فله نقلها إلى الغير بمقتضى قاعدة السلطنة ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون المالك شرط عليه مباشرة الفعل بنفسه أو لا ; إذ لا منافاة بين صحّة المذكورات ، وبين مباشرته للعمل; إذ لا يلزم في صحّة المزارعة مباشرة العمل ، فيصحّ أن يشارك أو يزارع غيره ويكون هو المباشر دون ذلك الغير(1) .
وأورد عليه بعض الأعلام في الشرح بأنّ الظاهر عدم جوازه فيما إذا كان النقل قبل ظهور الحاصل ، إذ لا يجوز نقل الزرع أو الثمر قبل ظهورهما على ما يذكر مفصّلاً في كتاب البيع . نعم ، يجوز ذلك في موردين :
الأوّل: بيع الثمر لأكثر من سنة .
الثاني: بيعه مع الضميمة على ما يذكر في محلّه(2) .
هذا ، ولكن العمدة ما ذكرنا من أنّه لا يصحّ جعل الغير طرفاً لمالك الأرض بعد كون عقد المزارعة واقعاً بينه وبين العامل ، سيّما مع اشتراط المباشرة ، وأمّا الموردان
- (1) العروة الوثقى: 2/601 مسألة 3505 .
- (2) المباني في شرح العروة الوثقى ، كتاب المزارعة: 372 .