(الصفحة 213)
زكاة ، وكان هو في صلاة من الملائكة حتّى يؤدّيه(1) . وقول الصادق (عليه السلام) : لأن أقرض قرضاً أحبّ إليّ من أن أتصدّق بمثله ، وكان يقول: من أقرض قرضاً وضرب له أجلاً فلم يؤت به عند ذلك الأجل ، كان له من الثواب في كلّ يوم يتأخّر عن ذلك الأجل بمثل صدقة دينار واحد في كلّ يوم(2) ، والقرض الواحد بثمانية عشر ، وإن مات حسبتها من الزكاة(3) ، وما من مسلم أقرض مسلماً قرضاً حسناً يريد به وجه الله إلاّ حسب له أجره كأجر الصدقة حتّى يرجع إليه(4) . وعنه (عليه السلام) أيضاً قال : مكتوب على باب الجنّة : الصدقة بعشرة ، والقرض بثمانية عشر(5) .
والوجه فيه ما حكي عن الحدائق ممّا حاصله : أنّ الصدقة بعشرة ، حيث إنّ نفس الدرهم المتصدّق به يحسب في ضمن العشرة; لأنّه لا يرجع إلى المتصدّق ، فيكون أصل الثواب تسعة ، وبزيادة نفس درهم الصدقة يصير عشرة ، وأصل ثواب القرض أيضاً كذلك ، ولكن حيث إنّ درهم القرض يرجع إلى المقترض مع الثواب فيصير تسعة عشر ; لأنّ درهم القرض يرجع إلى المقترض مع فضله الثواب الذي اكتسبه من انطباق عنوان القرض عليه ، فالمقرض يستفيد تسعة من الثواب بالإقراض ، وتسعة اُخرى بثواب القرض(6) .
- (1) ثواب الأعمال: 166 ح1 ، وعنه الوسائل: 18/330 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ب6 ح3 .
- (2) ثواب الأعمال: 167 ح4 ، وعنه الوسائل: 18/330 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ب6 ح1 .
- (3) ثواب الأعمال: 167 ح3 ، وعنه الوسائل: 18/330 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ب6 ح4 .
- (4) ثواب الأعمال: 166 ح2 ، وعنه الوسائل: 18/330 ، كتاب التجارة ، أبواب الدين والقرض ب6 ح2 .
- (5) الكافي: 4/33 ح1 ، الفقيه: 2/31 ح124 ، وعنهما الوسائل: 16/318 ، كتاب الأمر والنهي ، أبواب فعل المعروف ب11 ح3 ، وأخرجه في البحار: 103/139 ح9 عن الهداية: 180 ـ 181 ، وفي مستدرك الوسائل: 12/364 ح3 عن تفسير القمّي: 2/350 .
- (6) الحدائق الناضرة: 20/107 .
(الصفحة 214)مسألة 3 : القرض عقد يحتاج إلى إيجاب ، كقوله : «أقرضتك» أو ما يؤدّي معناه ، وقبول دالّ على الرضا بالإيجاب . ولا يعتبر فيه العربيّة ، بل يقع بكلّ لغة ، بل تجري المعاطاة فيه بإقباض العين وقبضها بهذا العنوان . ويعتبر في المقرض والمقترض ما يعتبر في المتعاقدين; من البلوغ والعقل والقصد والاختيار وغيره1.
مسألة 4 : يعتبر في المال أن يكون عيناً على الأحوط مملوكاً ، فلا يصحّ إقراض الدَّين ولا المنفعة ، ولا ما لا يصحّ تملّكه كالخمر والخنزير . وفي صحّة إقراض الكلّي ـ بأن يوقع العقد عليه وأقبضه بدفع مصداقه ـ تأمّل . ويعتبر في المثليّات كونه ممّا يمكن ضبط أوصافه وخصوصيّاته التي تختلف باختلافها القيمة والرغبات . وأمّا في القيميّات كالأغنام والجواهر ، فلا يبعد عدم اعتبار إمكان ضبط الأوصاف ، بل يكفي فيها العلم بالقيمة حين الإقراض ، فيجوز إقراض الجواهر ونحوها على الأقرب مع العلم بقيمتها حينه وإن لم يمكن
1 ـ حيث إنّ القرض من العقود لا لصرف الاحتياج إلى الطرفين ـ فإنّ أكثر الإيقاعات أيضاً كذلك ، كالطلاق والعتاق والإبراء من الدَّين ـ بل لأجل اعتبار رضا الطرفين ، ضرورة أنّ اعتبار رضا المقرض والمقترض يحتاج إيجاب مفاده الإقراض ، وقبول دالّ على الرضا بالإيجاب ، ولا يعتبر فيه العربية بل يقع بكلّ لغة ، بل يكفي فيه الإيجاب والقبول الفعليّان المعبّر عنه بالمعاطاة ; لعدم الدليل على انحصار إنشائه باللفظ ، ويعتبر في المقرض والمقترض ما يعتبر في المتعاقدين; من البلوغ والعقل والقصد والاختيار وسائر الاُمور المعتبرة .
(الصفحة 215)ضبط أوصافها1.
مسألة 5 : لابدّ أن يقع القرض على معيّن ، فلا يصحّ إقراض المبهم كأحد هذين ، وأن يكون قدره معلوماً بالكيل فيما يكال ، والوزن فيما يُوزن ، والعدّ
1 ـ يعتبر في المال أن يكون عيناً في مقابل الدَّين والمنفعة على الأحوط ، ومنشؤه ادّعاء الإجماع(1) على ذلك ، فلا يصحّ إقراض الدَّين ولا المنفعة ، ولا ما لا يصحّ تملّكه كالخمر والخنزير ، وهو واضح بعد كون حقيقة القرض التمليك والتملّك . وأمّا العين في مقابل الكلّي; كأن أوقع عقد القرض على الكلّي وأقبضه بدفع مصداقه ، كما ربما يتحقّق غالباً في اقتراض النقدين واقراضهما ، فقد تأمّل فيه في المتن ، ولكن الظاهر أنّه لا وجه للتأمّل في صحّته بعد صحّة تمليك الكلّي وتحقّق الإقباض بدفع مصداقه ، اللّهمَّ إلاّ أن يكون هناك إجماع على خلافه ، والظاهر العدم لتحقّق الغلبة بالإضافة إلى هذا النوع من القرض ، كما نراه بالوجدان بين المتشرّعة .
وأمّا الأعيان الشخصيّة: فإن كانت مثليّة ، فالظاهر اعتبار كونه ممّا يمكن ضبط أوصافه وخصوصيّاته التي تختلف باختلافها القيمة والرغبات ; لأنّ المفروض لزوم ردّ العين بنفسها أو بمثلها ممّا لا يغاير نظر المالك المقرض ، ولا تكون مختلفة معها في القيمة والرغبة .
وأمّا إن كانت قيميّة ، ولازمها عدم إمكان ضبط جميع الأوصاف والخصوصيّات المذكورة ، فاللازم أن يُقال بكفاية العلم بقيمتها حين الاقتراض ، وعليه: فيجوز إقراض الجواهر ونحوها مع العلم بقيمتها في ذلك الحين ، كما استقربه الماتن (قدس سره) ، وهو الأقوى .
- (1) مهذّب الأحكام: 21/38 .
(الصفحة 216)فيما يقدّر بالعدّ ، فلا يصحّ إقراض صبرة من طعام جزافاً . ولو قدّر بكيلة معيّنة وملأ إناء معيّن غير الكيل المتعارف ، أو وزن بصخرة معيّنة غير العيار المتعارف عند العامّة لا يبعد الاكتفاء به ، لكن الأحوط خلافه1.
مسألة 6 : يشترط في صحّة القرض القبض والإقباض ، فلا يملك
1 ـ لابدّ أن يقع القرض على معيّن ، فلا يصحّ إقراض المبهم كأحد هذين ، وقد استدلّ على اعتباره بظهور الإجماع والسيرة(1) ، ولكن القدر المتيقّن منهما ـ خصوصاً مع كونهما من الأدلّة اللبّية التي لا إطلاق لها نوعاً ـ ما إذا كان الأمران والشيئان مختلفين في الأوصاف والخصوصيات الموجبة لاختلاف الأغراض . وأمّا لو فرض اتّحادهما في جميع ذلك فلا دليل على قدح الإبهام ، ومجرّده من حيث هو لا يلازم الغرر المنهيّ عنه(2) ، بناءً على عدم اختصاصه بالبيع .
ويعتبر أن يكون قدره معلوماً بالكيل فيما يكال ، والوزن فيما يوزن ، والعدّ فيما يقدّر بالعدّ ، فلا يصحّ إقراض صبرة من طعام جزافاً . نعم ، لو كان الكيل أو الوزن بغير الكيل أو الوزن المتعارف عند العامّة لا يبعد الاكتفاء به; لعدم استلزام نقص أو زيادة في مال الغير عند الأداء و الردّ اللذين يهتمّ بهما الشارع ، ولا يتحقّق الغرر بوجه ، لكن الاحتياط الاستحبابي في خلافه ; لأنّه قد ينتهي الأمر إلى فقدان تلك الكيلة وتلك الصخرة المعيّنة; لفرض كونهما غير المتعارف عند العامّة ، فيتحقّق التنازع والتخاصم الذي بناء الشارع على العدم في باب المعاملات .
- (1) مهذّب الأحكام: 21/40 .
- (2) المصنّف في الأحاديث والآثار: 5/61 ، 62 ح4 و7 و18 ، سنن أبي داود: 3/435 ح3376 ، سنن ابن ماجة: 3/35 ـ 36 ح2194 و2195 ، سنن الدارقطني: 2/12 ح2818 ، حلية الأولياء: 7/94 ، شرح السنّة: 8/131 ح2103 .
(الصفحة 217)المستقرض المال المقترض إلاّ بعد القبض ، ولا يتوقّف على التصرّف1.
مسألة 7 : الأقوى أنّ القرض عقد لازم ، فليس للمقرض فسخه بالرجوع بالعين المقترضة لو كانت موجودة ، ولا للمقترض فسخه وإرجاع العين في القيميات . نعم ، للمقرض عدم الإنظار ومطالبة المقترض بالأداء ولو قبل قضاء وطره ، أو مضيّ زمان يمكن فيه ذلك2.
1 ـ يشترط في صحّة القرض القبض والإقباض ، فلا يملك المستقرض المال المقترض إلاّ بعد القبض ، والدليل عليه إرسالهم اعتبار القبض في القرض إرسال المسلّمات ، ولعلّ الارتكاز العقلائي يساعد ذلك ، فإنّه لا يكون مجرّد التمليك والتملّك والإيجاب والقبول عندهم موجباً لتحقّق القرض الذي هو بمعنى قطع جزء من المال وقرضه للمقترض ، ولولا ذلك لأمكن المناقشة في اعتباره بأنّه أيّ فرق بينه ، وبين مثل البيع الذي لا يفتقر إلى القبض إلاّ في بعض أنواعه ، كبيع الصرف والسلم .
وأمّا عدم التوقّف على التصرّف ، فلأنّه لا دليل عليه ، بل الدليل على خلافه; وهو إطلاق النصوص الدالّة على أنّ زكاة مال القرض على المقترض(1) ، فإنّ مقتضى إطلاقها ثبوت الملكيّة للمقترض وإن لم يتصرّف فيه أصلاً ، ولكن ربما يستدلّ على عدم حصول الملكيّة إلاّ بالتصرّف بأصالة عدم تحقّق الملكيّة قبل التصرّف ، ولكن يردّه ـ مضافاً إلى أنّ الأصل لا يكون في رتبة الإطلاق ـ أنّ التصرّف لابدّ وأن يكون مسبوقاً بالملكيّة ولا يتصوّر هنا ، نظير ما ذكر في باب المعاطاة في البيع من حصول الإباحة بالعوض ، كما لا يخفى .
2 ـ لأدلّة أصالة اللزوم الجارية في كلّ عقد شكّ في لزومه وعدمه ، ولكن
- (1) وسائل الشيعة : 9/100 ـ 102 ، كتاب الزكاة ، أبواب من وجب عليه الزكاة ب7 .