(الصفحة 269)
كتاب الحَجر
(الصفحة 270)
(الصفحة 271)
[تعريف الحَجر]
وهو في الأصل: بمعنى المنع ، وشرعاً: كون الشخص ممنوعاً في الشرع عن التصرّف في ماله بسبب من الأسباب ، وهي كثيرة نذكر منها ما هو العمدة; وهي الصغر ، والسفه ، والفلس ، ومرض الموت1.
1 ـ الحجر لغةً بمعنى المنع ، والظاهر أنّ إطلاق الحجر والحجارة على الحجر من هذا القبيل; لأنّ صلاحيّته تمنع عن النفوذ فيه ، وشرعاً عبارة عن كون إنسان ممنوعاً عن التصرّف في ماله أو ما يتعلّق به ، كالذمّة والشراء نسيئة بسبب من الأسباب ، وهي كثيرة قد تعرّض الماتن (قدس سره) لأربعة منها لكونها العمدة; وهي الصغر والسفه ، والفلس ، ومرض الموت .
ثمّ إنّ المحقّق في الشرائع ذكر بعد كتاب الرهن كتاب المفلّس ثمّ اتبعه بكتاب الحجر(1) ، مع أنّ الفلس كما عرفت أحد أسباب الحجر في عرض الأسباب الاُخر ، ولعلّ جعله كتاباً مستقلاًّ إنّما هو لأجل كثرة مسائله وفروعه دون الأسباب الاُخر .
- (1) شرائع الإسلام: 2/89 ـ 97 .
(الصفحة 272)
القول في الصغر
مسألة 1 : الصغير ـ وهو الذي لم يبلغ حدّ البلوغ ـ محجور عليه شرعاً لا تنفذ تصرّفاته في أمواله ـ ببيع وصلح وهبة وإقراض وإجارة وإيداع وإعارة وغيرها ـ إلاّ ما استثني; كالوصيّة على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وكالبيع في الأشياء غير الخطيرة كما مرّ وإن كان في كمال التميّز والرشد وكان التصرّف في غاية الغبطة والصلاح ، بل لا يجدي في الصحّة إذن الولي سابقاً ولا إجازته لاحقاً عند المشهور ، وهو الأقوى1.
1 ـ الصغير ـ وهو غير البالغ حدّ البلوغ ، وسيأتي علائمه إن شاء الله تعالى ـ محجور عليه شرعاً في التصرّف في أمواله ولا تنفذ تصرّفاته فيها; سواء كانت معاوضة كالبيع والإجارة والصلح ، أم غير معاوضة كالإقراض والإعارة ونحوهما ، وسواء كانت مشتملة على الغبطة والمصلحة أم لا ، وسواء كانت مسبوقة بإذن الولي أو ملحوقة بإجازته أم لا . نعم ، قد استثنى بعض الموارد كالوصيّة ، وسيأتي إن شاء الله في كتابها(1) ، وكالبيع في الأشياء الحقيرة غير الخطيرة على ما هو مذكور في كتاب البيع(2) .
نعم ، المحجوريّة لا تستلزم مسلوبيّة العبارة وكون لفظه كلا لفظ ، كما أنّه لا ملازمة بين عدم ثبوت الحكم التكليفي الإلزامي عليه ، وبين عدم ثبوت الأحكام الوضعيّة كالضمان إذا أتلف مال الغير مثلاً ، كما أثبتنا ذلك في كتابنا في القواعد الفقهيّة(3) ، وذلك لأنّ مسلوبيّة العبارة لم يقم عليها دليل من إجماع أو غيره ، فلو
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الوصيّة: 144 ـ 148 .
- (2) تحرير الوسيلة ، كتاب البيع ، القول في شروط البيع .
- (3) القواعد الفقهيّة: 1/331 ـ 338 .
(الصفحة 273)مسألة 2 : كما أنّ الصبي محجور عليه بالنسبة إلى ماله ، كذلك محجور عليه بالنسبة إلى ذمّته ، فلا يصحّ منه الإقتراض ولا البيع والشراء في الذمّة بالسلم والنسيئة وإن كانت مدّة الأداء مصادفة لزمان بلوغه . وكذلك بالنسبة إلى نفسه ، فلا ينفذ منه التزويج ، ولا الطلاق على الأقوى فيمن لم يبلغ عشراً ، وعلى الأحوط فيمن بلغه ، ولو طلّق يتخلّص بالاحتياط . وكذا لا يجوز إجارة نفسه ، ولا جعل نفسه عاملاً في المضاربة وغير ذلك . نعم ، لو حاز المباحات بالاحتطاب والاحتشاش ونحوها يملكها بالنيّة ، بل وكذا يملك الجعل في الجعالة بعمله وإن لم يأذن وليّه فيهما1.
صار وكيلاً عن الغير في إجراء مجرّد صيغة عقد النكاح مثلاً ، وكان مميّزاً عارفاً بالشرائط المعتبرة فيه ، فلا دليل على بطلان إنشائه وعدم الترتّب على عبارته ، بل لو فرض كونه إبناً كبيراً لأبيه ، وأتى بما فات منه من الصلاة مثلاً جامعة لجميع الشرائط ، لا يمكن الالتزام ببطلان عبادته ، وعدم السقوط عنه بعد صيرورته بالغاً مكلّفاً بقضاء الولي على تقدير عدم الإتيان ، كما أنّه لو فرض أنّه أتى بشيء من الصلوات المستحبّة لا وجه للالتزام ببطلانها ، كما ذكرناه في الكتاب المذكور(1) وأنّ عبادات الصبي شرعيّة لا تمرينيّة .
1 ـ لاشبهة في أنّ الصبي كما أنّه محجور عليه بالإضافة إلى أمواله ، كذلك محجور عليه بالإضافة إلى الذمّة المرتبطة بالأموال ، فلا يصحّ منه الاقتراض ولا البيع والشراء في الذمّة كالسلم والنسيئة، من دون فرق بين أن يكون زمان الأداء مصادفاً لزمان قبل بلوغه ، أو لزمان بلوغه ، فإنّ الملاك حال تحقّق المعاملة المستلزم
- (1) القواعد الفقهيّة: 1/341 ـ 356 .