(الصفحة 281)
بالاحتلام; وهو أشدّه(1) .
ومنها : رواية عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سأله أبي وأنا حاضر عن قول الله تعالى :
{حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ}(2) قال : الاحتلام(3) .
ومنها : الرواية النبويّة التي رواها الفريقان ، بل عن ابن إدريس أنّه مجمع على روايته(4) : رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتّى يحتلم ، وعن المجنون حتّى يفيق ، وعن النائم حتّى ينتبه(5) .
ومنها : رواية ابن ظبيان المروية في الخصال قال : اُتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت ، فأمر برجمها ، فقال عليّ (عليه السلام) : أما علمت أنّ القلم رفع عن ثلاثة: عن الصبي حتّى يحتلم ، وعن المجنون حتّى يفيق ، وعن النائم حتّى يستيقظ(6) .
ومنها : الرواية المرويّة في الفقيه عن حمّاد بن عمرو وأنس بن محمّد ، عن أبيه جميعاً ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السلام) ـ في وصيّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام) ـ قال: يا عليّ لا يُتم بعد احتلام(7) .
قال في الجواهر : وهو أيضاً من الأحاديث المشهورة المتلقّاة بالقبول(8) .
- (1) الكافي : 7/68 ح2 ، الفقيه: 4/163 ح569 ، تهذيب الأحكام: 9/183 ح737 ، وعنها الوسائل: 18/409 ، كتاب الحجر ب1 ح1 وج 19/363 ، كتاب الوصايا ب44 ح9 .
- (2) سورة الأحقاف: 46/15 .
- (3) تهذيب الأحكام: 9/182 ح731 ، وعنه الوسائل: 19/363 ، كتاب الوصايا ب44 ح8 .
- (4) السرائر: 3/18 .
- (5) السنن الكبرى للبيهقي: 8/409 ح11493 وص471 ح11644 و ج 9/234 ح12400 .
- (6) الخصال: 93 ح40 و ص175 ح233 ، وعنه الوسائل: 1/45 ، أبواب مقدّمة العبادات ب4 ح11 .
- (7) الفقيه: 4/260 ح1 ، وعنه الوسائل: 1/45 ، أبواب مقدّمة العبادات ب4 ح9 .
- (8) جواهر الكلام: 26/11 .
(الصفحة 282)
ومنها : مرسلة الفقيه أيضاً: على الصبي إذا احتلم الصيام ، وعلى المرأة إذا حاضت الصيام(1) .
ومنها : رواية طلحة بن يزيد ، عن الصادق (عليه السلام) قال : إنّ أولاد المسلمين موسومون عند الله ـ عزّوجلّ ـ شافع ومشفّع ، فإذا بلغوا اثنتي عشرة سنة كتبت لهم الحسنات ، فإذا بلغوا الحلم كتبت عليهم السيّئات(2) .
ومنها: غير ذلك من النصوص .
ولا يقدح تعبير بعضها بالاحتلام الذي يكون معناه هو الرؤية في المنام; سواء خرج المني أم لا ، بل المراد هو خروج المني; سواء كان في اليقظة أو النوم ، بالجماع أو بغيره ، ولعلّه لذا جعل الحمل دليلاً على سبق الحمل في الاُنثى; لكونه مسبوقاً بخروج المني ، وقد عرفت أنّه قد عبّر عن البلوغ في قوله تعالى :
{حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} ، مع أنّه لو كان المراد الاحتلام لزم أن لا يتحقّق البلوغ في الرجال ما لم يتحقّق الاحتلام وإن نكحوا وصاروا ذا ولد ، وهو واضح البطلان ، بل في الجواهر أنّه قد يقوى كون العلامة الاستعداد لخروج المني بالقوّة القريبة من الفعل ، وذلك بتحريك الطبيعة والإحساس بالشهوة; سواء انفصل المني منه من الموضع المعتاد أم لم ينفصل ، لكن بحيث لو أراد ذلك بالوطء أو الاستمناء تيسّر له ذلك(3) .
ويؤيّده أنّه قد يصل إلى حدّ الخروج في النوم ولكن يمنع عن خروجه بعد اليقظة ، وكون الفعليّة شرطاً لوجوب الغسل لا يستلزم كونه في البلوغ كذلك ، وعن المفسّرين أنّ المراد بقوله تعالى :
{بَلَغُوا النِّكَاحَ} شهوة الوطء والقدرة على
- (1) الفقيه: 2/76 ح333 ، وعنه الوسائل: 1/45 ، أبواب مقدّمة العبادات ب4 ح10 .
- (2) الكافي: 6/3 ح8 ، التوحيد: 392 ح3 ، وعنهما الوسائل: 1/42 ، أبواب مقدّمة العبادات ب4 ح1 .
- (3) جواهر الكلام: 26/11 .
(الصفحة 283)
الإنزال(1) ، بل تكوّن الولد في الاُنثى لا يكاد يتحقّق معه الخروج إلى الخارج نوعاً .
هذا ، ولكن ربما يُشعر بعض العبارات بأنّ المعتبر هو الخروج الفعلي; لتقييده الخروج بكونه من الموضع المعتاد ، ولكن الظاهر أنّ المراد نفي اعتبار الخروج عن غير الموضع المعتاد بجرح أو مثله ، لا اعتبار الخروج الفعلي عنه ، ويؤيّده العبارة المحكيّة عن ثاني الشهيدين ، حيث قال : وإنّما اعتبر ذلك مع إطلاق الأدلّة; لوجوب حمل كلام الشارع على ما هو المعهود المتعارف ، خصوصاً وفي بعضها بلوغ النكاح(2) ، وإنّما يكون من المعتاد ، فلو خرج عن جرح ونحوه لم يعتدّ به(3) .
والجميع موهم اعتبار ذلك فيه كالغسل .
ثمّ إنّه ذكر في الجواهر أنّه يشترط في خروج المني كونه في الوقت المحتمل للبلوغ فلا عبرة بما ينفصل بصفته قبل ذلك كما صرّح بعض الأساطين(4) ، بل في التذكرة البلوغ منوط بخروج المني مع إمكانه باستكمال تسع سنين مطلقاً عند الشافعي(5)وعندنا في المرأة خاصّة ، وأمّا في جانب الذكر فما وقفت له على حدّ لأصحابنا ـ إلى أن قال : ـ لأنّ في النساء حدّة في الطبيعة وتسارعاً إلى الإدراك(6) (7) ، ونظيره ما حكي عن مسالك ثاني الشهيدين مع إضافة قوله : ولا يبعد أن يكون ـ أي في الذكر ـ ما بعد العشرة محتملاً(8) ، ويؤيّده مثل : خبر ابن القداح ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)
- (1) مجمع البيان: 3/19 .
- (2) سورة النساء: 4/6 .
- (3 ، 4) مسالك الأفهام: 4/143 .
- (5) روضة الطالبين: 3/466، المجموع: 14/148.
- (6) تذكرة الفقهاء: 2/74 (ط الحجري) .
- (7) جواهر الكلام: 26/13 .
- (8) مسالك الأفهام: 4/143 .
(الصفحة 284)
قال : يفرّق بين الغلمان والنساء في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين(1) .
وخبره الآخر عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : الصبي والصبي ، والصبي والصبيّة ، والصبيّة والصبيّة يفرّق بينهم في المضاجع لعشر سنين(2) ، والظاهر عدم كونها رواية اُخرى ، بل هي الرواية الاُولى وإن كان بينهما الاختلاف في بعض الجهات .
ويؤيّد ما ذكر ما عن الفاضل الآبي من قوله : كلّ رواية دلّت على البلوغ فيما بين الخمسة عشر والعشر محمولة على ما إذا كان الغلام قد احتلم أو أنبت شعر العانة توفيقاً بين الروايات ، ولأنّ الاحتلام في تلك السنين قد يقع كثيراً ، ولقد شاهدنا مَن احتلم في ثلاث عشر سنة واثنى عشرة سنة(3) انتهى . والمحكي عن بعض الأفاضل(4) : أنّه ينبغي القطع بالإمكان في الثلاثة عشر فما فوقها; لقضاء العادة بالاحتلام في ذلك غالباً; ولما رواه المشايخ عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا بلغ أشدّه ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين ، احتلم أو لم يحتلم(5) .
وعن عيسى بن زيد، عنه أيضاً قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : يثغر الصبي لسبع، ويؤمر بالصلاة لتسع، ويفرّق بينهم في المضاجع لعشر، ويحتلم لأربع عشرة(6).
- (1) الكافي: 6/47 ح6 ، وعنه الوسائل: 21/461 ، كتاب النكاح ، أبواب أحكام الأولاد ب74 ح6 .
- (2) الفقيه: 3/276 ح1310 ، وعنه الوسائل: 21/460 ، كتاب النكاح ، أبواب أحكام الأولاد ب74 ح2 .
- (3) كشف الرموز: 1/552 ـ 553 و ج2/69 .
- (4) الحاكي هو صاحب الجواهر في جواهر الكلام: 26/13 .
- (5) الكافي: 7/69 ح7 ، وعنه الوسائل: 17/361 ، كتاب التجارة ، أبواب عقد البيع و شروطه ب14 ح3 .
- (6) تهذيب الأحكام: 9/183 ح738 ، وعنه الوسائل: 19/364 ، كتاب الوصايا ب44 ح10 .
(الصفحة 285)
والوجدان شاهد على أنّ الاحتلام في السنّ المخصوص إنّما هو بحسب الغالب ، وإلاّ فلا ينبغي الإشكال في إمكان تحقّقه قبل ذلك ، وسيأتي مزيد التحقيق في الأمر الثالث ، لكنّه ينبغي في ختام هذا الأمر الثاني من التنبيه على شيئين :
الأوّل : أنّه في صورة العلم بأنّ الخارج هو المنيّ الذي من شأنه إمكان التولّد منه ، فلا إشكال في لزوم الإتّكال على العلم ، ولا اعتبار بملاحظة أوصاف المني المشهورة ، وأمّا في صورة عدم العلم وحصول الاشتباه خصوصاً مع الوذي والمذي ، فلا إشكال في لزوم الرجوع إلى تلك الأوصاف; لإناطة الحكم بالجنابة ولزوم الغسل بها في صورة عدم العلم ، ومن المعلوم أنّه لا فرق بين المقامين من هذه الجهة ; لأنّ سبب الجنابة منحصر في الوطء وإنزال المني اتّفاقاً ، فإذا انتفى الأوّل تعيّن الثاني ، لكن في الجواهر : ويحتمل العدم ; لأنّ اعتبارها فيهما لا يستلزم اعتبارها في البلوغ; لجواز تقدّم الأسباب عليه ، ثمّ قال : لكنّه مبنيّ على إمكان خروج المني قبل البلوغ ، وفيه بحث بل منع; لأنّ الظاهر عدم تكوّنه إلاّ حال وصول الطفل إلى حدّ البلوغ ، كما يؤمى إليه إطلاق ما دلّ على أنّ خروجه علامة البلوغ من النصوص السابقة وغيرها(1) .
الثاني : الظاهر أنّه لا فرق في كون هذا الأمر الثاني كالأمر الأوّل علامة بين الذكر والاُنثى ، لكن الأمر في الذكر كما عرفت من أنّ الاحتلام في الزمان الذي يمكن البلوغ فيه ـ وهو ما بعد العشر سنين إلى خمسة عشر ـ علامة على البلوغ . وأمّا المرأة فالكلام فيها يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في إمكان تحقّق الاحتلام من المرأة مطلقاً .
- (1) جواهر الكلام: 26/14 .