(الصفحة 340)
مرضه ، فقال : إذا أبان به فهو جائز ، وإن أوصى به فهو من الثلث(1) .
ومنها : مرسلة الكليني ، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه عاب رجلاً من الأنصار أعتق مماليكه لم يكن له غيرهم ، فقال : ترك صبية صغاراً يتكفّفون الناس . بل في الوسائل ، بل رواه الصدوق مسنداً إلى جعفر بن محمّد (عليهما السلام) ، وفيه : فأعتقهم عند موته(2) .
قال صاحب الجواهر (قدس سره) : والضعف فيه سنداً أو دلالةً منجبر بما عرفت(3) .
هذا كلّه مضافاً إلى موافقتها لقاعدة السلطنة وللأصل .
وأمّا الدليل على المنع فهي أيضاً روايات كثيرة :
منها : صحيحة شعيب بن يعقوب قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) : عن الرجل يموت ما له من ماله؟ فقال : له ثلث ماله(4) . ويحتمل قويّاً أن يكون مراد السائل الوصية بالنسبة إلى ما بعد الموت ، ويؤيّده عدم إشعاره بمرضه فضلاً عن المتّصل بالموت .
ومثلها : صحيحة علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) : ما للرجل من ماله عند موته؟ قال : الثلث ، والثلث(5) كثير .
ويؤيّده رواية أبي بصير(6) ، ورواية عبدالله بن سنان ، عن الصادق (عليه السلام) قال : للرجل عند موته ثلث ماله ، وإن لم يوص فليس على الورثة إمضاؤه(7) .
- (1) الكافي: 7/8 ح6 ، الفقيه: 4/138 ح481 و ص149 ح519 ، وعنهما الوسائل: 19/298 كتاب الوصايا ب17 ح6 .
- (2) الكافي: 7/8 ح10 ، الفقيه: 4/137 ح478 ، علل الشرائع: 566 ح2 ، وعنها الوسائل: 19/299 ، كتاب الوصايا ب17 ح9 .
- (3) جواهر الكلام: 26/64 .
- (4) الكافي: 7/11 ح3، تهذيب الأحكام: 9/191 ح770، وعنهما الوسائل: 19/272، كتاب الوصايا ب10 ذح2.
- (5) تهذيب الأحكام: 9/242 ح940 ، وعنه الوسائل: 19/274 ، كتاب الوصايا ب10 ح8 .
- (6) الفقيه: 4/136 ح473 ، وعنه الوسائل: 19/272 ، كتاب الوصايا ب10 ح2 .
- (7) تهذيب الأحكام: 9/242 ح 939 ، وعنه الوسائل: 19/273 ، كتاب الوصايا ب10 ح7 .
(الصفحة 341)
ومنها : رواية أبي بصير ، عن الصادق (عليه السلام) قال : إن أعتق رجل عند موته خادماً له ثمّ أوصى بوصيّة اُخرى اُلغيت الوصيّة واُعتقت الجارية من ثلثه ، إلاّ أن يفضل من ثلثه ما يبلغ الوصيّة(1) .
ومنها : رواية أبي حمزة ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال : إنّ الله تبارك وتعالى يقول : يا ابن آدم تطوّلت عليك بثلاثة : سترت عليك ما لو علم به أهلك ما واروك ، وأوسعت عليك فاستقرضت منك لك فلم تقدّم خيراً ، وجعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم تقدّم خيراً(2) . ويجري فيها الاحتمال الذي أشرنا إليه .
ومنها : رواية أبي ولاّد قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يكون لامرأته عليه الدَّين فتبرئه منه في مرضها؟ قال : بل تهبه له فتجوز هبتها له ، ويحسب ذلك من ثلثها إن كانت تركت شيئاً(3) .
ومنها : رواية علي بن عقبة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل حضره الموت فأعتق مملوكاً له ليس له غيره ، فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك كيف القضاء منه؟ قال : ما يعتق منه إلاّ ثلثه ، وسائر ذلك الورثة أحقّ بذلك ، ولهم ما بقي(4) .
ومنها : رواية سماعة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن عطية الوالد لولده؟ فقال :
- (1) تهذيب الأحكام: 9/197 ح786 ، وعنه الوسائل: 19/276 ، كتاب الوصايا ب11 ح6 .
- (2) تهذيب الأحكام: 9/175 ح712 ، الخصال: 136 ح150 ، الفقيه: 4/133 ح461 ، وعنها الوسائل: 19/263 ، كتاب الوصايا ب4 ح4 .
- (3) تهذيب الأحكام: 9/195 ح783، الاستبصار: 4/120 ح457، وعنهماالوسائل: 19/278، كتاب الوصيا ب11 ح11 .
- (4) تهذيب الأحكام: 9/194 ح781 ، الاستبصار: 4/120 ح455 ، وعنهما الوسائل: 19/276 ، كتاب الوصايا ب11 ح4 .
(الصفحة 342)
أمّا إذا كان صحيحاً فهو ماله يصنع به ما شاء ، وأمّا في مرضه فلا يصلح(1) .
ومنها : صحيحة الحلبي قال : سُئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يكون لامرأته عليه الصداق أو بعضه فتبرئه منه في مرضها؟ فقال : لا(2) .
ومنها : رواية السكوني عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام) قال : إنّ رجلاً أعتق عبداً له عند موته لم يكن له مال غيره ، قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : يستسعى في ثلثي قيمته للورثة(3) .
ومنها : رواية إسماعيل بن همام ، عن أبي الحسن (عليه السلام) في رجل أوصى عند موته بمال لذوي قرابته وأعتق مملوكاً ، وكان جميع ما أوصى به يزيد على الثلث ، كيف يصنع به في وصيّته؟ قال : يبدأ بالعتق فينفذه(4) ; لأنّ الظاهر أنّ قوله: «يبدأ» في إرادة الإنفاق من الثلث ، كما أنّ منه يعلم إرادة ما يشمل المنجّز من الوصية ، وإلاّ فلا وجه لتقديم العتق لو فرض كونه وصيّة ، بل ينبغي تقديم المقدّم منهما .
ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل حضره الموت فأعتق غلامه وأوصى بوصيّة فكان أكثر من الثلث ؟ قال : يمضى عتق الغلام ويكون النقصان في ما بقي(5) ، بناءً على أنّ الظاهر إرادة كون مجموع التنجيز
- (1) تهذيب الأحكام: 9/156 ح642 ، الاستبصار: 4/127 ح481 ، وعنهما الوسائل: 19/300 ، كتاب الوصايا ب17 ح11 .
- (2) تهذيب الأحكام: 9/201 ح802 ، وعنه الوسائل: 19/301 ، كتاب الوصايا ب17 ح15 .
- (3) تهذيب الأحكام: 8/229 ح828، الاستبصار: 4/7ح22، وعنهما الوسائل: 23/101، كتاب العتق ب64 ح5.
- (4) الكافي: 7/17 ح3 ، الفقيه: 4/158 ح547 ، تهذيب الأحكام: 9/219 ح861 ، الاستبصار: 4/135 ح510 ، وعنها الوسائل: 19/400 ، كتاب الوصايا ب67 ح2 .
- (5) الفقيه: 4/157 ح546 ، الكافي: 7/17 ح4 ، تهذيب الأحكام: 9/194 ح780 ، وعنها الوسائل: 19/399 ، كتاب الوصايا ب67 ح1 .
(الصفحة 343)
والوصية أكثر من الثلث ، فالجواب يرجع إلى مضيّ العتق وأنّ النقصان الذي في الثلث يكون في الوصيّة .
ومنها : رواية الحسن بن الجهم ـ التي وصفها في الجواهر بالموثّقة(1) ـ قال : سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول في رجل أعتق مملوكاً وقد حضره الموت وأشهد له بذلك وقيمته ستّمائة درهم ، وعليه دين ثلاثمائة درهم ولم يترك شيئاً غيره ، قال : يعتق منه سدسه; لأنّه إنّما له منه ثلاثمائة درهم ، ويقضي عنه ثلاثمائة درهم وله من الثلاثمائة ثلثها ، وله السدس من الجميع(2) .
ومنها : صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج الطويلة قال : سألني أبو عبدالله (عليه السلام) هل يختلف ابن أبي ليلى وابن شبرمة؟ فقلت : بلغني أنّه مات مولى لعيسى بن موسى فترك عليه ديناً كثيراً ، وترك مماليك يحيط دينه بأثمانهم ، فأعتقهم عند الموت ، فسألهما عيسى بن موسى عن ذلك ، فقال ابن شبرمة : أرى أن تستسعيهم في قيمتهم فتدفعها إلى الغرماء ، فإنّه قد أعتقهم عند موته ، وقال ابن أبي ليلى : أرى أن أبيعهم وأدفع أثمانهم إلى الغرماء ، فإنّه ليس له أن يعتقهم عند موته ، وعليه دين يحيط بهم ، وهذا أهل الحجاز اليوم يعتق الرجل عبده وعليه دين كثير ، فلا يجيزون عتقه إذا كان عليه دين كثير ، فرفع ابن شبرمة يده إلى السماء وقال : سبحان الله يا ابن أبي ليلى متى قلت بهذا القول؟ والله ما قلته إلاّ طلب خلافي .
فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : فعن رأي أيّهما صدر؟ قال : قلت : بلغني أنّه أخذ برأي ابن أبي ليلى ، وكان له في ذلك هوى فباعهم وقضى دينه ، فقال : فمع أيّهما من قبلكم؟
- (1) جواهر الكلام: 26/67 .
- (2) تهذيب الأحكام: 9/169 ح690 و ص218 ح855 ، الكافي: 7/27 ح3 ، وعنهما الوسائل: 19/354 ، كتاب الوصايا ب39 ح4 .
(الصفحة 344)
قلت له : مع ابن شبرمة ، وقد رجع ابن أبي ليلى إلى رأي ابن شبرمة بعد ذلك .
فقال : أما والله إنّ الحقّ لفي الّذي قال ابن أبي ليلى ، وإن كان قد رجع عنه ، فقلت له : هذا ينكسر عندهم في القياس ، فقال : هات قايسني ، قلت : أنا أُقايسك! فقال : لتقولنّ بأشدّ ما تدخل فيه من القياس ، فقلت له : رجل ترك عبداً لم يترك مالاً غيره ، وقيمة العبد ستّمائة درهم ودينه خمسمائة درهم ، فأعتقه عند الموت ، كيف يصنع؟ قال : يباع العبد فيأخذ الغرماء خمسمائة درهم ، ويأخذ الورثة مائة درهم ، فقلت : أليس قد بقي من قيمة العبد مائة درهم عن دينه؟ فقال : بلى ، قلت : أليس للرجل ثلثه يصنع به ما شاء؟ قال : بلى ، قلت : أليس قد أوصى للعبد بالثلث من المائة حين أعتقه؟ قال : إنّ العبد لا وصيّة له إنّما ماله لمواليه .
فقلت له : فإن كان قيمة العبد ستّمائة درهم ودينه أربعمائة؟ فقال : كذلك يُباع العبد فيأخذ الغرماء أربعمائة درهم ، ويأخذ الورثة مائتين ولا يكون للعبد شيء ، قلت : فإنّ قيمة العبد ستّمائة درهم ودينه ثلاثمائة درهم ، فضحك (عليه السلام) فقال : من ها هنا أتي أصحابك جعلوا الأشياء شيئاً واحداً ولم يعلموا السنّة ، إذا استوى مال الغرماء ومال الورثة ، أو كان مال الورثة أكثر من مال الغرماء لم يتّهم الرجل على وصيّته ، واُجيزت وصيّته على وجهها فالآن يوقف هذا ، فيكون نصفه للغرماء ويكون ثلثه للورثة ويكون له السدس(1) ، فإنّ ذيلها صريح في نفوذ العتق المنجّز في الثلث لا الأصل ، وإلاّ كان نصفه حرّاً ، واحتمال أنّه في الوصية لا المنجّز مقطوع بفساده أو كالمقطوع ، كما اعترف به
- (1) الكافي: 7/26 ح1 ، تهذيب الأحكام: 9/217 ح854 وج 8/232 ح841 ، وعنهما الوسائل: 19/354 ، كتاب الوصايا ب39 ح5 .