(الصفحة 342)
أمّا إذا كان صحيحاً فهو ماله يصنع به ما شاء ، وأمّا في مرضه فلا يصلح(1) .
ومنها : صحيحة الحلبي قال : سُئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يكون لامرأته عليه الصداق أو بعضه فتبرئه منه في مرضها؟ فقال : لا(2) .
ومنها : رواية السكوني عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام) قال : إنّ رجلاً أعتق عبداً له عند موته لم يكن له مال غيره ، قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : يستسعى في ثلثي قيمته للورثة(3) .
ومنها : رواية إسماعيل بن همام ، عن أبي الحسن (عليه السلام) في رجل أوصى عند موته بمال لذوي قرابته وأعتق مملوكاً ، وكان جميع ما أوصى به يزيد على الثلث ، كيف يصنع به في وصيّته؟ قال : يبدأ بالعتق فينفذه(4) ; لأنّ الظاهر أنّ قوله: «يبدأ» في إرادة الإنفاق من الثلث ، كما أنّ منه يعلم إرادة ما يشمل المنجّز من الوصية ، وإلاّ فلا وجه لتقديم العتق لو فرض كونه وصيّة ، بل ينبغي تقديم المقدّم منهما .
ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل حضره الموت فأعتق غلامه وأوصى بوصيّة فكان أكثر من الثلث ؟ قال : يمضى عتق الغلام ويكون النقصان في ما بقي(5) ، بناءً على أنّ الظاهر إرادة كون مجموع التنجيز
- (1) تهذيب الأحكام: 9/156 ح642 ، الاستبصار: 4/127 ح481 ، وعنهما الوسائل: 19/300 ، كتاب الوصايا ب17 ح11 .
- (2) تهذيب الأحكام: 9/201 ح802 ، وعنه الوسائل: 19/301 ، كتاب الوصايا ب17 ح15 .
- (3) تهذيب الأحكام: 8/229 ح828، الاستبصار: 4/7ح22، وعنهما الوسائل: 23/101، كتاب العتق ب64 ح5.
- (4) الكافي: 7/17 ح3 ، الفقيه: 4/158 ح547 ، تهذيب الأحكام: 9/219 ح861 ، الاستبصار: 4/135 ح510 ، وعنها الوسائل: 19/400 ، كتاب الوصايا ب67 ح2 .
- (5) الفقيه: 4/157 ح546 ، الكافي: 7/17 ح4 ، تهذيب الأحكام: 9/194 ح780 ، وعنها الوسائل: 19/399 ، كتاب الوصايا ب67 ح1 .
(الصفحة 343)
والوصية أكثر من الثلث ، فالجواب يرجع إلى مضيّ العتق وأنّ النقصان الذي في الثلث يكون في الوصيّة .
ومنها : رواية الحسن بن الجهم ـ التي وصفها في الجواهر بالموثّقة(1) ـ قال : سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول في رجل أعتق مملوكاً وقد حضره الموت وأشهد له بذلك وقيمته ستّمائة درهم ، وعليه دين ثلاثمائة درهم ولم يترك شيئاً غيره ، قال : يعتق منه سدسه; لأنّه إنّما له منه ثلاثمائة درهم ، ويقضي عنه ثلاثمائة درهم وله من الثلاثمائة ثلثها ، وله السدس من الجميع(2) .
ومنها : صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج الطويلة قال : سألني أبو عبدالله (عليه السلام) هل يختلف ابن أبي ليلى وابن شبرمة؟ فقلت : بلغني أنّه مات مولى لعيسى بن موسى فترك عليه ديناً كثيراً ، وترك مماليك يحيط دينه بأثمانهم ، فأعتقهم عند الموت ، فسألهما عيسى بن موسى عن ذلك ، فقال ابن شبرمة : أرى أن تستسعيهم في قيمتهم فتدفعها إلى الغرماء ، فإنّه قد أعتقهم عند موته ، وقال ابن أبي ليلى : أرى أن أبيعهم وأدفع أثمانهم إلى الغرماء ، فإنّه ليس له أن يعتقهم عند موته ، وعليه دين يحيط بهم ، وهذا أهل الحجاز اليوم يعتق الرجل عبده وعليه دين كثير ، فلا يجيزون عتقه إذا كان عليه دين كثير ، فرفع ابن شبرمة يده إلى السماء وقال : سبحان الله يا ابن أبي ليلى متى قلت بهذا القول؟ والله ما قلته إلاّ طلب خلافي .
فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : فعن رأي أيّهما صدر؟ قال : قلت : بلغني أنّه أخذ برأي ابن أبي ليلى ، وكان له في ذلك هوى فباعهم وقضى دينه ، فقال : فمع أيّهما من قبلكم؟
- (1) جواهر الكلام: 26/67 .
- (2) تهذيب الأحكام: 9/169 ح690 و ص218 ح855 ، الكافي: 7/27 ح3 ، وعنهما الوسائل: 19/354 ، كتاب الوصايا ب39 ح4 .
(الصفحة 344)
قلت له : مع ابن شبرمة ، وقد رجع ابن أبي ليلى إلى رأي ابن شبرمة بعد ذلك .
فقال : أما والله إنّ الحقّ لفي الّذي قال ابن أبي ليلى ، وإن كان قد رجع عنه ، فقلت له : هذا ينكسر عندهم في القياس ، فقال : هات قايسني ، قلت : أنا أُقايسك! فقال : لتقولنّ بأشدّ ما تدخل فيه من القياس ، فقلت له : رجل ترك عبداً لم يترك مالاً غيره ، وقيمة العبد ستّمائة درهم ودينه خمسمائة درهم ، فأعتقه عند الموت ، كيف يصنع؟ قال : يباع العبد فيأخذ الغرماء خمسمائة درهم ، ويأخذ الورثة مائة درهم ، فقلت : أليس قد بقي من قيمة العبد مائة درهم عن دينه؟ فقال : بلى ، قلت : أليس للرجل ثلثه يصنع به ما شاء؟ قال : بلى ، قلت : أليس قد أوصى للعبد بالثلث من المائة حين أعتقه؟ قال : إنّ العبد لا وصيّة له إنّما ماله لمواليه .
فقلت له : فإن كان قيمة العبد ستّمائة درهم ودينه أربعمائة؟ فقال : كذلك يُباع العبد فيأخذ الغرماء أربعمائة درهم ، ويأخذ الورثة مائتين ولا يكون للعبد شيء ، قلت : فإنّ قيمة العبد ستّمائة درهم ودينه ثلاثمائة درهم ، فضحك (عليه السلام) فقال : من ها هنا أتي أصحابك جعلوا الأشياء شيئاً واحداً ولم يعلموا السنّة ، إذا استوى مال الغرماء ومال الورثة ، أو كان مال الورثة أكثر من مال الغرماء لم يتّهم الرجل على وصيّته ، واُجيزت وصيّته على وجهها فالآن يوقف هذا ، فيكون نصفه للغرماء ويكون ثلثه للورثة ويكون له السدس(1) ، فإنّ ذيلها صريح في نفوذ العتق المنجّز في الثلث لا الأصل ، وإلاّ كان نصفه حرّاً ، واحتمال أنّه في الوصية لا المنجّز مقطوع بفساده أو كالمقطوع ، كما اعترف به
- (1) الكافي: 7/26 ح1 ، تهذيب الأحكام: 9/217 ح854 وج 8/232 ح841 ، وعنهما الوسائل: 19/354 ، كتاب الوصايا ب39 ح5 .
(الصفحة 345)
في الرياض(1)، بل في الجواهر(2)، خصوصاً بعد ملاحظة كلام الأصحاب في حكم مضمونه.
ومنها : صحيحة جميل ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل أعتق مملوكه عند موته وعليه دين ، فقال : إن كان قيمته مثل الذي عليه ومثله جاز عتقه ، وإلاّ لم يجز(3) . قال في الجواهر : ويحتمل تثنية مثل الثانية كما عن نسخة من الفقيه(4) ، وحينئذ يكون الواو فيه بمعنى أو ، فيوافق الصحيح السابق(5) .
ومنها : غير ذلك من الروايات .
والإنصاف أنّ الروايات من الطرفين الدالّة على كلا القولين قويّة جدّاً وإن كان بعضها بل كثيرها غير خال عن النقاش من حيث السند أو الدلالة ، ولكن حيث إنّ الشهرة المحقّقة خصوصاً بين القدماء على عدم المنع(6) ، فاللازم الأخذ به كما في المتن ، بل قد عرفت دعوى الإجماع عليه(7) . وقد ذكرنا مراراً أنّ أوّل المرجّحات على ما يستفاد من مقبولة ابن حنظلة المعروفة(8) الواردة في باب تعارض الروايتين هي الشهرة من حيث الفتوى(9) وإن كان يظهر من صاحب الجواهر ـ الذي تكلّم في
- (1) رياض المسائل: 9/461 ـ 464 و 546 ـ 547 .
- (2) جواهر الكلام: 26/69 .
- (3) الفقيه: 4/166 ح580 ، الكافي: 7/27 ح2 ، تهذيب الأحكام: 9/218 ح856 ، وعنها الوسائل: 19/356 ، كتاب الوصايا ب39 ح6 .
- (4) الفقيه : 3/70 ح239 .
- (5) جواهر الكلام: 26/70 .
- (6) رياض المسائل: 9/545 .
- (7) في ص339 .
- (8) وسائل الشيعة: 27/106 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب9 ح1 .
- (9) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء: 225 و 296 .
(الصفحة 346)مسألة 1 : لا إشكال ولا خلاف في أنّ الواجبات المالية التي يؤدّيها المريض في مرض موته كالخمس والزكاة والكفّارات تخرج من الأصل1.
المسألة مفصّلاً كمال التفصيل بحيث لم يظهر منه مثله في سائر المسائل الفقهيّة ـ أنّ في المسألة أقوالاً سبعة ، وإن قال: إنّه ربما عدّت عشرة(1) ، ولكن الظاهر أنّ المهمّ هو القولان المتقدّمان ، وأنّ الحقّ مع ما في المتن من الخروج من الأصل لا الثلث; لما عرفت ، ولكن الرجوع إليهما فيه فوائد شتّى ومنافع كثيرة ، خصوصاً بعد إرجاع بعض الأقوال إلى بعض واختيار الخروج من الأصل ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ قد مرّ في كتاب الخمس(2) أنّه كما يظهر من عنوانه المذكور في الكتاب والسنّة أنّه ثابت بنحو الإشاعة للأصناف الستّة المذكورين في آية الخمس(3) ، وأمّا الزكاة ، فالتعبيرات بالإضافة إلى الاُمور المتعلّقة للزكاة مختلفة ، فمن بعضها يستفاد الإشاعة كما في زكاة الغلاّت ، ومن بعضها يستفاد الكلّي في المعيّن ، ومن ثالث يستفاد الشركة في المالية . وعلى أيّ حال فكلّ منهما دين يجب أداؤه فوراً ، ولا مدخلية للثلث في ذلك ، بل الدَّين مقدّم على الإرث كما في أكثر آياته .
وبالجملة : فأداؤه تكليف إلهيّ لا فرق فيه بين المريض وغيره ، ولا لنقصان حقّ الورثة وعدمه ، ولذا نفى الإشكال والخلاف في المتن عن الخروج عن الأصل ، وهكذا الكفّارات الواجبة .
- (1) جواهر الكلام: 26/81 ـ 82 .
- (2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الخمس: 251 ـ 252 .
- (3) سورة الأنفال: 8/41 .