(الصفحة 344)
قلت له : مع ابن شبرمة ، وقد رجع ابن أبي ليلى إلى رأي ابن شبرمة بعد ذلك .
فقال : أما والله إنّ الحقّ لفي الّذي قال ابن أبي ليلى ، وإن كان قد رجع عنه ، فقلت له : هذا ينكسر عندهم في القياس ، فقال : هات قايسني ، قلت : أنا أُقايسك! فقال : لتقولنّ بأشدّ ما تدخل فيه من القياس ، فقلت له : رجل ترك عبداً لم يترك مالاً غيره ، وقيمة العبد ستّمائة درهم ودينه خمسمائة درهم ، فأعتقه عند الموت ، كيف يصنع؟ قال : يباع العبد فيأخذ الغرماء خمسمائة درهم ، ويأخذ الورثة مائة درهم ، فقلت : أليس قد بقي من قيمة العبد مائة درهم عن دينه؟ فقال : بلى ، قلت : أليس للرجل ثلثه يصنع به ما شاء؟ قال : بلى ، قلت : أليس قد أوصى للعبد بالثلث من المائة حين أعتقه؟ قال : إنّ العبد لا وصيّة له إنّما ماله لمواليه .
فقلت له : فإن كان قيمة العبد ستّمائة درهم ودينه أربعمائة؟ فقال : كذلك يُباع العبد فيأخذ الغرماء أربعمائة درهم ، ويأخذ الورثة مائتين ولا يكون للعبد شيء ، قلت : فإنّ قيمة العبد ستّمائة درهم ودينه ثلاثمائة درهم ، فضحك (عليه السلام) فقال : من ها هنا أتي أصحابك جعلوا الأشياء شيئاً واحداً ولم يعلموا السنّة ، إذا استوى مال الغرماء ومال الورثة ، أو كان مال الورثة أكثر من مال الغرماء لم يتّهم الرجل على وصيّته ، واُجيزت وصيّته على وجهها فالآن يوقف هذا ، فيكون نصفه للغرماء ويكون ثلثه للورثة ويكون له السدس(1) ، فإنّ ذيلها صريح في نفوذ العتق المنجّز في الثلث لا الأصل ، وإلاّ كان نصفه حرّاً ، واحتمال أنّه في الوصية لا المنجّز مقطوع بفساده أو كالمقطوع ، كما اعترف به
- (1) الكافي: 7/26 ح1 ، تهذيب الأحكام: 9/217 ح854 وج 8/232 ح841 ، وعنهما الوسائل: 19/354 ، كتاب الوصايا ب39 ح5 .
(الصفحة 345)
في الرياض(1)، بل في الجواهر(2)، خصوصاً بعد ملاحظة كلام الأصحاب في حكم مضمونه.
ومنها : صحيحة جميل ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل أعتق مملوكه عند موته وعليه دين ، فقال : إن كان قيمته مثل الذي عليه ومثله جاز عتقه ، وإلاّ لم يجز(3) . قال في الجواهر : ويحتمل تثنية مثل الثانية كما عن نسخة من الفقيه(4) ، وحينئذ يكون الواو فيه بمعنى أو ، فيوافق الصحيح السابق(5) .
ومنها : غير ذلك من الروايات .
والإنصاف أنّ الروايات من الطرفين الدالّة على كلا القولين قويّة جدّاً وإن كان بعضها بل كثيرها غير خال عن النقاش من حيث السند أو الدلالة ، ولكن حيث إنّ الشهرة المحقّقة خصوصاً بين القدماء على عدم المنع(6) ، فاللازم الأخذ به كما في المتن ، بل قد عرفت دعوى الإجماع عليه(7) . وقد ذكرنا مراراً أنّ أوّل المرجّحات على ما يستفاد من مقبولة ابن حنظلة المعروفة(8) الواردة في باب تعارض الروايتين هي الشهرة من حيث الفتوى(9) وإن كان يظهر من صاحب الجواهر ـ الذي تكلّم في
- (1) رياض المسائل: 9/461 ـ 464 و 546 ـ 547 .
- (2) جواهر الكلام: 26/69 .
- (3) الفقيه: 4/166 ح580 ، الكافي: 7/27 ح2 ، تهذيب الأحكام: 9/218 ح856 ، وعنها الوسائل: 19/356 ، كتاب الوصايا ب39 ح6 .
- (4) الفقيه : 3/70 ح239 .
- (5) جواهر الكلام: 26/70 .
- (6) رياض المسائل: 9/545 .
- (7) في ص339 .
- (8) وسائل الشيعة: 27/106 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ب9 ح1 .
- (9) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء: 225 و 296 .
(الصفحة 346)مسألة 1 : لا إشكال ولا خلاف في أنّ الواجبات المالية التي يؤدّيها المريض في مرض موته كالخمس والزكاة والكفّارات تخرج من الأصل1.
المسألة مفصّلاً كمال التفصيل بحيث لم يظهر منه مثله في سائر المسائل الفقهيّة ـ أنّ في المسألة أقوالاً سبعة ، وإن قال: إنّه ربما عدّت عشرة(1) ، ولكن الظاهر أنّ المهمّ هو القولان المتقدّمان ، وأنّ الحقّ مع ما في المتن من الخروج من الأصل لا الثلث; لما عرفت ، ولكن الرجوع إليهما فيه فوائد شتّى ومنافع كثيرة ، خصوصاً بعد إرجاع بعض الأقوال إلى بعض واختيار الخروج من الأصل ، فتدبّر جيّداً .
1 ـ قد مرّ في كتاب الخمس(2) أنّه كما يظهر من عنوانه المذكور في الكتاب والسنّة أنّه ثابت بنحو الإشاعة للأصناف الستّة المذكورين في آية الخمس(3) ، وأمّا الزكاة ، فالتعبيرات بالإضافة إلى الاُمور المتعلّقة للزكاة مختلفة ، فمن بعضها يستفاد الإشاعة كما في زكاة الغلاّت ، ومن بعضها يستفاد الكلّي في المعيّن ، ومن ثالث يستفاد الشركة في المالية . وعلى أيّ حال فكلّ منهما دين يجب أداؤه فوراً ، ولا مدخلية للثلث في ذلك ، بل الدَّين مقدّم على الإرث كما في أكثر آياته .
وبالجملة : فأداؤه تكليف إلهيّ لا فرق فيه بين المريض وغيره ، ولا لنقصان حقّ الورثة وعدمه ، ولذا نفى الإشكال والخلاف في المتن عن الخروج عن الأصل ، وهكذا الكفّارات الواجبة .
- (1) جواهر الكلام: 26/81 ـ 82 .
- (2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الخمس: 251 ـ 252 .
- (3) سورة الأنفال: 8/41 .
(الصفحة 347)مسألة 2 : لو أقرّ بدين أو عين من ماله في مرض موته لوارث أو أجنبيّ ، فإن كان مأموناً غير متّهم نفذ إقراره في جميع ما أقرّ به وإن كان زائداً على ثلث ماله ، بل وإن استوعبه ، وإلاّ فلا ينفذ فيما زاد على ثلثه . والمراد بكونه متّهماً وجود أمارات يظنّ معها بكذبه; كأن يكون بينه وبين الورثة معاداة يظنّ معها بأنّه يريد بذلك إضرارهم ، أو كان له حبّ شديد بالنسبة إلى المقرّ له يظنّ معه بأنّه يريد بذلك نفعه1.
1 ـ قد فصّل في المتن في صورة الإقرار بدين أو عين في مرض موته لوارث أو أجنبيّ بين صورة عدم الاتّهام وكونه مأموناً ، فإقراره نافذ في جميع ما أقرّ به وإن كان زائداً على ثلث ماله ، بل وإن استوعبه ، وبين صورة الاتّهام فلا ينفذ فيما زاد على ثلثه ، ويدلّ عليه روايات :
منها: صحيحة الحلبي ـ التي جعلها في الوسائل روايتين ، مع أنّ الظاهر اتّحادهما ـ قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يقرّ لوارث بدين ، فقال : يجوز إذا كان مليّاً(1) .
والظاهر أنّ المراد هو الإقرار به له في مرضه ، كما وقع التصريح به في النقل الآخر(2) . وحكي عن الصحاح أنّه مَلُؤَ الرجل: صار مليئاً أي ثقة(3) . وفي الجواهر احتمال أن تكون الملاءة طريقاً لرفع التهمة ، خصوصاً إذا رجع الضمير في كان إلى الوارث . ثمّ قال : ولعلّ الأوّل أولى(4) .
- (1) الكافي : 7/41 ح1 ، الفقيه : 4/170 ح593 ، تهذيب الأحكام : 9/159 ح655 ، الاستبصار : 4/111 ، ح425 ، وعنها الوسائل : 292 ، كتاب الوصايا ب16 ح5 .
- (2) تهذيب الأحكام: 6/190 ح405 ، وعنه الوسائل: 19/293 ، كتاب الوصايا ب16 ح7 .
- (3) الصحاح: 1/110 .
- (4) جواهر الكلام: 26/79 .
(الصفحة 348)
ومنها : رواية منصور بن حازم قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أوصى لبعض ورثته أنّ له عليه ديناً ؟ فقال : إن كان الميّت مرضيّاً فأعطه الذي أوصى له(1) .
ومنها : رواية العلاء بيّاع السابري قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن امرأة استودعت رجلاً مالاً ، فلمّا حضرها الموت قالت له : إنّ المال الذي دفعته إليك لفلانة ، وماتت المرأة فأتى أولياؤها الرجل ، فقالوا له: إنّه كان لصاحبتنا مال ولا نراه إلاّ عندك ، فاحلف لنا مالها قبلك شيء ، أفيحلف لهم؟ فقال : إن كانت مأمونة عنده فليحلف لهم ، وإن كانت متّهمة فلا يحلف ، ويضع الأمر على ما كان ، فإنّما لها من مالها ثلثه(2) .
ومنها : رواية أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل معه مال مضاربة فمات وعليه دين ، وأوصى أنّ هذا الذي ترك لأهل المضاربة ، أيجوز ذلك؟ قال : نعم ، إذا كان مصدّقاً(3) .
ومنها : مكاتبة محمّد بن عبد الجبّار إلى العسكري (عليه السلام) : عن امرأة أوصت إلى رجل وأقرّت له بدين ثمانية آلاف درهم ، وكذلك ما كان لها من متاع البيت من صوف وشعر وشبه وصفر ونحاس ، وكلّ مالها أقرّت به للموصى إليه ، وأشهدت على وصيّتها ، وأوصت أن يحجّ عنها من هذه التركة حجّتان ، وتعطى مولاة لها
- (1) الكافي: 7/41 ح2 ، الفقيه: 4/170 ح594 ، تهذيب الأحكام: 9/159 ح656 ، الاستبصار: 4/111 ح426 ، وعنها الوسائل: 19/291 ، كتاب الوصايا ب16 ح1 .
- (2) الكافي: 7/42 ح3 ، الفقيه: 4/170 ح595 ، تهذيب الأحكام: 9/160 ح661 ، الاستبصار: 4/112 ح431 ، وعنها الوسائل: 19/291 ، كتاب الوصايا ب16 ح2 .
- (3) تهذيب الأحكام: 9/167 ح679 ، وعنه الوسائل: 19/296 ، كتاب الوصايا ب16 ح14 .