(الصفحة 348)
ومنها : رواية منصور بن حازم قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أوصى لبعض ورثته أنّ له عليه ديناً ؟ فقال : إن كان الميّت مرضيّاً فأعطه الذي أوصى له(1) .
ومنها : رواية العلاء بيّاع السابري قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن امرأة استودعت رجلاً مالاً ، فلمّا حضرها الموت قالت له : إنّ المال الذي دفعته إليك لفلانة ، وماتت المرأة فأتى أولياؤها الرجل ، فقالوا له: إنّه كان لصاحبتنا مال ولا نراه إلاّ عندك ، فاحلف لنا مالها قبلك شيء ، أفيحلف لهم؟ فقال : إن كانت مأمونة عنده فليحلف لهم ، وإن كانت متّهمة فلا يحلف ، ويضع الأمر على ما كان ، فإنّما لها من مالها ثلثه(2) .
ومنها : رواية أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل معه مال مضاربة فمات وعليه دين ، وأوصى أنّ هذا الذي ترك لأهل المضاربة ، أيجوز ذلك؟ قال : نعم ، إذا كان مصدّقاً(3) .
ومنها : مكاتبة محمّد بن عبد الجبّار إلى العسكري (عليه السلام) : عن امرأة أوصت إلى رجل وأقرّت له بدين ثمانية آلاف درهم ، وكذلك ما كان لها من متاع البيت من صوف وشعر وشبه وصفر ونحاس ، وكلّ مالها أقرّت به للموصى إليه ، وأشهدت على وصيّتها ، وأوصت أن يحجّ عنها من هذه التركة حجّتان ، وتعطى مولاة لها
- (1) الكافي: 7/41 ح2 ، الفقيه: 4/170 ح594 ، تهذيب الأحكام: 9/159 ح656 ، الاستبصار: 4/111 ح426 ، وعنها الوسائل: 19/291 ، كتاب الوصايا ب16 ح1 .
- (2) الكافي: 7/42 ح3 ، الفقيه: 4/170 ح595 ، تهذيب الأحكام: 9/160 ح661 ، الاستبصار: 4/112 ح431 ، وعنها الوسائل: 19/291 ، كتاب الوصايا ب16 ح2 .
- (3) تهذيب الأحكام: 9/167 ح679 ، وعنه الوسائل: 19/296 ، كتاب الوصايا ب16 ح14 .
(الصفحة 349)
أربعمائة درهم ، وماتت المرأة وتركت زوجاً ، فلم ندر كيف الخروج من هذا واشتبه علينا الأمر ، وذكر كاتب أنّ المرأة استشارته فسألته أن يكتب لها ما يصحّ لهذا الوصي ، فقال لها : لا تصحّ تركتك لهذا الوصي إلاّ بإقرارك له بدين يحيط بتركتك بشهادة الشهود ، وتأمريه بعدُ أن ينفذ ما توصيه به ، فكتبت له بالوصية على هذا ، وأقرّت للوصي بهذا الدَّين ، فرأيك أدام الله عزّك في مسألة الفقهاء قبلك عن هذا ، وتعريفنا ذلك لنعمل به إن شاء الله .
فكتب (عليه السلام) بخطّه : إن كان الدَّين صحيحاً معروفاً مفهوماً فيخرج الدَّين من رأس المال إن شاء الله ، وإن لم يكن الدَّين حقّاً أنفذ لها ما أوصت به من ثلثها ، كفى أو لم يكف(1) ، فإنّ الظاهر كما في الجواهر رجوع ذلك إلى الاتّهام بأخبار الكاتب وغيره(2) .
وهنا نصوص مطلقة في جانبي النفي والإثبات يجب تقييدها بالروايات المتقدِّمة ، مثل :
رواية إسماعيل بن جابر قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أقرّ لوارث له وهو مريض بدين له عليه؟ قال : يجوز عليه إذا أقرّ به دون الثلث(3) .
ورواية أبي ولاّد قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل مريض أقرّ عند الموت لوارث بدين له عليه ؟ قال : يجوز ذلك ، قلت : فإن أوصى لوارث
- (1) تهذيب الأحكام: 9/161 ح664 ، الاستبصار: 4/113 ح433 ، وعنهما الوسائل: 19/294 ، كتاب الوصايا ب16 ح10 .
- (2) جواهر الكلام: 26/80 .
- (3) الكافي: 7/42 ح4 ، الفقيه: 4/170 ح592 ، تهذيب الأحكام: 9/160 ح659 ، الاستبصار: 4/112 ح429 ، وعنها الوسائل: 19/292 ، كتاب الوصايا ب16 ح3 .
(الصفحة 350)مسألة 3 : لو لم يعلم حال المقرّ ، وأنّه كان متّهماً أو مأموناً ، فالأقوى عدم نفوذ إقراره في الزائد على الثلث وإن كان الأحوط التصالح بين الورثة والمقرّ له1.
مسألة 4 : إنّما يحسب الثلث في الإقرار ونحوه بالنسبة إلى مجموع ما يتركه
بشيء ، قال : جائز(1) .
ورواية القاسم بن سليمان قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل اعترف لوارث بدين في مرضه ؟ فقال : لا تجوز وصيّته لوارث ولا اعتراف له بدين(2) .
وغير ذلك من الروايات .
ثمّ إنّه قد فسّر التهمة في المتن بوجود أمارات يظنّ معها ذلك وأنّ منشأ الإقرار إمّا إرادة الإضرار ببعض الورثة ، أو الحبّ الشديد بالإضافة إلى المقرّ له ، والظاهر اعتبار الظنّ الشخصي من أيّ طريق حصل ، كما أنّ الظاهر عدم اعتبار حجّية المظنّة واعتبارها .
1 ـ لو لم يكن حال المقرّ معلوماً ، وأنّه هل يكون متّهماً أو مأموناً ، فقد قوىّ في المتن عدم نفوذ إقراره في الزائد على الثلث ، ولعلّ وجهه لزوم إحراز المأمونية والوثاقة في نفوذ الإقرار مطلقاً على ما يستفاد من الروايات المتقدِّمة ، لكن الأحوط استحباباً التصالح بين الورثة والمقرّ له .
- (1) الكافي: 7/42 ح5 ، تهذيب الأحكام: 9/160 ح660 ، الاستبصار: 4/112 ح430 ، وعنها الوسائل: 19/292 ، كتاب الوصايا ب16 ح4 .
- (2) تهذيب الأحكام: 9/200 ح799 ، الاستبصار: 4/127 ح479 ، وعنهما الوسائل: 19/289 ، كتاب الوصايا ب15 ح12 .
(الصفحة 351)في زمان موته من الأموال; عيناً أو ديناً أو منفعة ، أو حقّاً ماليّاً يبذل بإزائه المال كحقّ التحجير ، وهل تحسب الدية من التركة وتضمّ إليها ، ويحسب الثلث بالنسبة إلى المجموع أم لا؟ وجهان بل قولان ، لا يخلو أوّلهما من رجحان1.
1 ـ في المسألة أمران :
الأوّل : أنّه إنّما يحسب الثلث في الإقرار ونحوه بالنسبة إلى مجموع تركته في زمان موته من الأموال; عيناً كانت أو ديناً أو منفعة ، كما في باب الإجارة الذي يتملّكها المستأجر من حين عقد الإجارة ، أو حقّاً بشرط أن يكون ماليّاً يبذل بإزائه المال; كحقّ التحجير وحقّ الاختصاص ونحوهما ، والسرّ فيه أنّه من جانب الإثبات لا فرق بين ما ذكرنا من الأموال ; لأنّ كلّها مرتبطة به من دون فرق . وأمّا من جانب النفي فلأنّه يمكن عروض التلف السماوي للمجموع أو للبعض من دون تحقّق ضمان ، ولا مجال حينئذ لثبوت حكم بالإضافة إلى التالف ، فإذا قلنا : بأنّ إقراره إنّما يحسب من الثلث كما إذا كان متّهماً على ما عرفت ، فهل يمكن أن يُقال بنفوذ إقراره بالنسبة إلى الثلث حال الإقرار ، ولو كان مستوعباً للجميع حال الموت ، أو أزيد منه؟ فلا إشكال في أنّ الملاك هي التركة حال الموت .
الثاني : أنّه لو فرض أنّ سبب الموت هو القتل الخطائي ، أو ما يشبه العمد أو العمدي ، واختار الورثة الدية بدلاً عن القصاص ورضي بها القاتل ، فهل تحسب الدية من التركة وتضمّ إليها ويحسب الثلث بالنسبة إلى المجموع ، أم لا؟ وفي المتن وجهان بل قولان ، لا يخلو أوّلهما من رجحان ، ولعلّ السرّ في الرجحان أنّ الدية عوض عن الدم وبدل له ، ففي الحقيقة يكون صاحبها هو المقتول ، غاية الأمر أنّه حيث لا يمكن أن يصير المقتول مالكاً له لفرض موته ينتقل إلى
(الصفحة 352)مسألة 5 : ما ذكر من عدم النفوذ فيما زاد على الثلث في الوصيّة ونحوها ، إنّما هو مع عدم إجازة الورثة ، وإلاّ نفذت بلا إشكال ، ولو أجاز بعضهم نفذت بمقدار حصّته ، ولو أجازوا بعضاً من الزائد على الثلث نفذت بمقداره1.
مسألة 6 : لا إشكال في صحّة إجازة الوارث بعد موت المورّث . و هل تصحّ منه في حال حياته بحيث تلزم عليه ولا يجوز له الردّ بعد ذلك ، أم لا؟ قولان ،
ورثته ، ففي الحقيقة كأنّ الدية تنتقل إلى الميّت أوّلاً ، ومنه إلى ورثته ثانياً ، وإلاّ فليست هي مالاً منتقلاً إلى الوارث من دون واسطة ، فلا محالة تضمّ إلى سائر التركة ويحسب الثلث بالنسبة إلى المجموع ، وهذا هو الظاهر وإن كان الانتقال إلى الورثة في بعض الصور منوطاً باختياره ، كما في صورة ثبوت حقّ القصاص أوّلاً ، فتدبّر .
1 ـ ما تقدّم من عدم النفوذ فيما زاد على الثلث في الوصيّة مطلقاً(1) ، والإقرار مع كون المقرّ متّهماً على ما عرفت(2) إنّما هو بلحاظ حال الورثة وعدم تحقّق الإضرار بهم ، فلو اتّفقوا على إجازة ما زاد على الثلث طبقاً للوصيّة أو الإقرار بأجمعهما يتحقّق النفوذ بلا إشكال ; لأنّ الحقّ لا يعدوهم ، ومنه يظهر أنّه لو أجاز بعضهم دون بعض نفذت بمقدار حصّة المجيز ، ولا يكون الأمر دائراً بين إجازة الجميع أو ردّهم ، كما يظهر أنّه لو اتّفقوا على إجازة بعض الزائد دون الجميع يتحقّق النفوذ بذلك المقدار ، كما لايخفى .
- (1) في ص337 ـ 338 .
- (2) في ص 347 ـ 350 .