(الصفحة 355)
كتاب الضمان
(الصفحة 356)
(الصفحة 357)
[مسائل الضمان]
وهو التعهّد بمال ثابت في ذمّة شخص لآخر . وهو عقد يحتاج إلى إيجاب من الضامن بكلّ لفظ دالّ عرفاً ـ ولو بقرينة ـ على التعهّد المزبور ، مثل : «ضمنت» أو «تعهّدت لك الدَّين الذي لك على فلان» ونحو ذلك ، وقبول من المضمون له بما دلّ على الرضا بذلك ، ولا يعتبر فيه رضا المضمون عنه1.
1 ـ قال في الجواهر : الضمان الذي هو عندنا على ما اعترف به غير واحد منّا مشتقّ من الضمن(1) ; لأنّه ينقل ما كان في ذمّته من المال ، ويجعله في ضمن ذمّة اُخرى ، أو لأنّ ذمّة الضامن تتضمّن الحقّ ، فالنون فيه أصليّة ، خلافاً لما عن أكثر العامّة(2) من أنّه غير ناقل ، وإنّما يفيد اشتراك الذمّتين ، فاشتقاقه من الضمّ ، والنون فيه زائدة; لأنّه حينئذ ضمّ ذمّة إلى ذمّة ، فيتخيّر المضمون له في المطالبة ، قال : وفيه ما لا يخفى; من منافاة وجود النون في جميع تصاريفه ، إلاّ بدعوى اشتقاق ما فيه النون من الخالي عنها ، وهو كما ترى . ومن صعوبة تحقّقه في ضمان النفس وظهور
- (1) مسالك الأفهام: 4/171 ، غاية المراد: 2/219 ، تذكرة الفقهاء: 2/85 (ط الحجري) ، مفتاح الكرامة: 5/348 .
- (2) المغني لابن قدامة: 5/70 ، الشرح الكبير: 5/70 ، المجموع شرح المهذّب: 14/252 .
(الصفحة 358)
قوله (عليه السلام) : الزعيم غارم(1) في اختصاص الغرم به ، ولغير ذلك ممّا هو في مذهب الخصم ، بعد الغضّ عن عدم تصوّر شغل ذمّتين فصاعداً بمال واحد ، وقد بيّنا أنّ المشغول به في تعاقب الأيدي على المغصوب ذمّة واحدة ، وهو من تلف في يده المال مثلاً ، وإن جاز له الرجوع على كلّ واحد ، وإلاّ فهو مناف للمقطوع به من مذهبنا(2) ، انتهى موضع الحاجة .
وكيف كان ، لا ينبغي الارتياب في أنّ النون أصليّة غير زائدة ، وهو لا ينطبق إلاّ على ما يقول به فقهائنا (رضي الله تعالى عنهم) . وما أفاده في الجواهر من عدم تصوّر شغل ذمّتين أو أزيد بمال واحد ممنوع جدّاً ; لأنّ دليل ضمان اليد بالنسبة إلى الأيدي المتعاقبة متساوية النسبة من حيث الضمان ، وجواز الرجوع إلى كلّ واحدة فرع ثبوت هذا الضمان، وإلاّ لا دليل عليه. نعم ، بعد أداء واحد منهم لا يبقى موضوع للضمان ; لفرض تحقّق التأدية التي هي الغاية للثبوت على العهدة . نعم ، الأمر غير المتصوّر هو اشتغال ذمم متعدِّدة بمال واحد بنحو يكون كلّ منها ضامناً ولو مع أداء الآخر ، ضرورة أنّ المال الواحد لا يتدارك إلاّ بمثل واحد أو قيمة واحدة .
كما أنّه لا شبهة في أنّه عقد يحتاج إلى إيجاب من الضامن وقبول من المضمون له ، أمّا احتياجه إلى الإيجاب من الضامن فواضح ، وأمّا احتياجه إلى قبول من المضمون له ، فلأنّه حيث يكون موجباً لانتقال الحقّ إلى غير من هو الطرف الأصلي للمضمون له ; لأنّ المفروض أنّه على مذهبنا عبارة عن انتقال مال من ذمّة
- (1) المنصف لعبد الرزاق: 8/181 ح14796 وج 9/49 ذح16308 ، المسند لابن حنبل: 8/304 ذح22357 وح22358 ، سنن ابن ماجة: 3/150 ح25405 ، سنن أبي داود: 549 ذح3565 ، سنن الترمذي: 3/565 ح1268 ، معرفة السنن والآثار: 4/472 ح3664 ، شرح السنة: 8/225 ح2162 .
- (2) جواهر الكلام: 26/113 .
(الصفحة 359)مسألة 1 : يشترط في كلّ من الضامن والمضمون له أن يكون بالغاً عاقلاً رشيداً مختاراً ، وفي خصوص المضمون له أن يكون غير محجور عليه لفلس1.
مسألة 2 : يشترط في صحّة الضمان اُمور :
منها: التنجيز على الأحوط ، فلو علّق على أمر ـ كأن يقول: أنا ضامن إن أذن أبي ، أو أنا ضامن إن لم يف المديون إلى زمان كذا ، أو إن لم يف أصلاً ـ بطل2.
المضمون عنه إلى الضامن ، فمن الممكن أن لا تكون ذمّة الضامن معتبرة عند المضمون له بوجه ، وعدم الاعتبار وإن كان قد يفرض بالإضافة إلى ذمّة المضمون عنه أيضاً ، إلاّ أنّ الفرق أنّ الدَّين الثابت قد يكون بسبب غير اختياري كالإتلاف ، والضمان أمر اختياري متقوّم بالعقد .
1 ـ أمّا اعتبار البلوغ والعقل والرشد والاختيار في كلّ من الضامن والمضمون له ، فلأنّ الضمان من التصرّفات الماليّة ، والفاقد لبعض هذه الأوصاف إمّا أن يكون ممنوعاً من تلك التصرّفات مطلقاً ، أو مع عدم إذن الوليّ وإجازته ، وأمّا اعتبار أن لا يكون المضمون له محجوراً عليه لفلس ، فلأنّه حيث يكون الضمان عندنا كما عرفت نقل ذمّة إلى ذمّة اُخرى ، وانتقال الدَّين عن عهدة المضمون عنه إلى الضامن ، فإذا كان المضمون له محجوراً عليه لأجل الفلس ، يكون ذلك بمنزلة التصرّف في حقّ الغرماء ، ومن الممكن عدم رضا بعضهم بكون الضامن هو المديون; لأجل عدم اعتبار ذمّته ، أو لبعض الجهات الاُخر .
2 ـ يشترط في صحّة الضمان اُمور :
منها : التنجيز على الأحوط الوجوبي ، والدليل على اعتباره ـ مضافاً إلى أدلّة