(الصفحة 380)
(الصفحة 381)
[القول في الحوالة]
أمّا الحوالة ، فحقيقتها: تحويل المديون ما في ذمّته إلى ذمّة غيره; وهي متقوِّمة بأشخاص ثلاثة : المُحيل وهو المديون ، والمحتال وهو الدائن ، والمُحال عليه . ويعتبر فيهم البلوغ والعقل والرشد والاختيار ، وفي المحتال عدم الحجر للفلس ، وكذا في المحيل إلاّ على البري . وهي عقد يحتاج إلى إيجاب من المحيل وقبول من المحتال ، وأمّا المحال عليه فليس طرفاً للعقد وإن قلنا باعتبار قبوله ، ويكفي في الإيجاب كلّ لفظ يدلّ على التحويل المزبور ، مثل: «أحلتك بما في ذمّتي من الدَّين على فلان» وما يفيد معناه ، وفي القبول ما يدلّ على الرضا بذلك ، ويعتبر في عقدها ما يعتبر في سائر العقود ، ومنها التنجيز على الأحوط1.
1 ـ حقيقة الحوالة عبارة عن تحويل المديون ما في ذمّته إلى ذمّة غيره ، ومنه يظهر أنّها متقوِّمة بأشخاص ثلاثة : المحيل والمحتال والمحال عليه ; لأنّ الدَّين متقوّم بشخصين ، وإحالته إلى الغير توجب الافتقار إلى الغير ، فهنا أشخاص ثلاثة ، ويعتبر في الجميع ما مرّ اعتباره في الضمان من البلوغ والعقل والرشد والاختيار ، ويعتبر في خصوص المحتال عدم الحجر لأجل الفلس; لأنّ الصغر والسفاهة داخلان في البلوغ والرشد ، فلا يبقى إلاّ الحجر لأجل المرض أو الفلس ، ولا خفاء
(الصفحة 382)مسألة 1 : يشترط في صحّة الحوالة ـ مضافاً إلى ما تقدّم ـ اُمور :
منها : أن يكون المال المحال به ثابتاً في ذمّة المحيل ، فلا تصحّ في غيره وإن وجد سببه ، كمال الجعالة قبل العمل ، فضلاً عمّا لا يوجد ، كالحوالة بما سيستقرضه فيما بعد .
ومنها : تعيين المال المحال به ; بمعنى عدم الإبهام والترديد . وأمّا معلوميّة مقداره أو جنسه عند المحيل أو المحتال فالظاهر عدم اعتبارها ، فلو كان مجهولاً عندهما ومعلوماً معيّناً واقعاً لا بأس به ، خصوصاً مع فرض إمكان ارتفاع الجهالة.
في أنّ الحوالة لا تكون تصرّفاً من المريض ، بل طريق إلى وصول ماله الذي ينتقل إلى الورثة بعداً; لأنّ المفروض مرض الموت كما مرّ في كتاب الحجر (1) .
وأمّا المفلَّس المحجور عليه لأجل ذلك ، فإحالته توجب تضييع حقّ الغرماء ; لأنّ المديون الأوّل ربما يكون أقرب إلى وصول المال وأداء الدَّين من المحال عليه ، كما أنّه يعتبر ذلك في المحيل إلاّ على فرض صحّة الحوالة على البري ، كما سيأتي .
ثمّ إنّه أفاد أنّ الحوالة عقد يحتاج إلى الإيجاب والقبول ، فالأوّل من المحيل المديون والثاني من المحتال الدائن ، وأمّا المحال عليه فهو وإن كانت الحوالة متقوّمة به أيضاً ، إلاّ أنّه لا يكون طرفاً للعقد; سواء قلنا بعدم اعتبار قبوله أو باعتباره ، ولا يعتبر في إيجابها لفظ خاصّ ، بل يكفي كلّ لفظ يدلّ على الإحالة المذكورة ، كما أنّ الأمر في القبول أيضاً كذلك ، فإنّه يكفي فيه كلّ لفظ يدلّ على الرضا بذلك .
ثمّ إنّه يعتبر في عقد الحوالة ما يعتبر في سائر العقود ، ومنها التنجيز على الأحوط كما في الضمان على ما تقدّم .
(الصفحة 383)ومنها : رضا المحال عليه وقبوله على الأحوط فيما إذا اشتغلت ذمّته للمحيل بمثل ما أحال عليه ، وعلى الأقوى في الحوالة على البري ، أو بغير جنس ما على المحال عليه1.
1 ـ يشترط في صحّة الحوالة مضافاً إلى ما مرّ اُمور وإن كان الاعتبار في بعضها بنحو الاحتياط الوجوبي ، كما سيظهر إن شاء الله تعالى :
الأوّل : أن يكون المال المحال به ثابتاً في ذمّة المحيل واشتغلت عهدته به ، ضرورة أنّه مع عدم الاشتغال لا خصوصيّة له ولا مجال للحوالة ، فإنّها ترجع حينئذ إلى استدعاء وطلب من المحتال وإجابة لالتماسه ، ولو فرض اشتغال ذمّة المحال عليه للمحيل . نعم ، يمكن فرض توكيله في تأدية الدَّين في هذه الصورة وأخذه عن المديون وكالة عن الدائن ، وقد عرفت أنّ حقيقة الحوالة تحويل المديون ما في ذمّته إلى ذمّة غيره ، فالتعبير بها في العرف في موارد عدم ثبوت الدَّين أيضاً ليس تعبيراً حقيقيّاً ، بل مسامحيّاً ومجازاً ، ولا فرق في عدم صحّة الحوالة مع عدم اشتغال ذمّة المحيل بين أن يكون السبب غير التامّ موجوداً ، كمال الجعالة قبل العلم والاستحقاق ، أم لم يوجد كالحوالة بما سيستقرضه فيما بعد .
الثاني : تعيين المال المحال به ; بمعنى عدم الإبهام والترديد بالمعنى المتقدِّم في كتاب الضمان (1) ، وأمّا معلوميّة المقدار أو الجنس عند المحيل أو المحتال ، فقد استظهر في المتن عدم اعتبارها ، خصوصاً مع فرض إمكان ارتفاع الجهالة ، فلو أحال الدَّين الذي عليه على المحال عليه المديون بأضعاف هذا الدَّين من غير علم للمحيل أو المحتال بالمقدار أو بالجنس فلا دليل على بطلان الحوالة .
(الصفحة 384)مسألة 2 : لايعتبر في صحّة الحوالة اشتغال ذمّة المحال عليه بالدَّين للمحيل ، فتصحّ الحوالة على البري على الأقوى1.
الثالث : رضا المحال عليه ، وقد فصّل فيه في المتن بين صورة اشتغال ذمّته للمحيل بمثل ما أحال عليه ، فاحتاط وجوباً اعتباره ، وبين صورة الحوالة على البري بناءً على صحّتها ، أو بغير جنس ما أحال عليه ، فقد قوّى الاعتبار ، والوجه في الصورة الثانية واضح ، وأمّا الصورة الاُولى ، فإن قلنا بعدم الاعتبار يلزم أن لا يكون الدائن مستحقّاً لاستدعاء دينه وطلبه ، ولكن حيث يكون المحال عليه مديوناً للمحيل فاشتغال ذمّته للمحتال ـ مع أنّ المحال عليه لا يكون مديوناً له ـ إنّما هو على سبيل الاحتياط ، خصوصاً مع تقوّم الحوالة به ، كما لا يخفى .
1 ـ قد قوّى في المتن صحّة الحوالة على البري ، لكن قال المحقّق في الشرائع بعد الحكم بالصحّة: لكن يكون ذلك بالضمان أشبه (1) ، بل عن المحدّث الكاشاني : الأظهر أنّها ضمان (2) ، وأورد عليهما في الجواهر : بأنّ فيه ما لا يخفى ، ضرورة عدم حصول إنشاء ذلك من المحال عليه حتّى تكون ضماناً ، بل أقصاه الرضا بما أنشأ المحيل (3) .
وكيف كان ، فقد وافق الماتن في الحكم بالصحّة المشهور(4) ، بل الإجماع المحكي عن السرائر(5) ، مضافاً إلى الموافقة للسيرة العملية من المتشرّعة ، ولكن حكي عن
- (1) شرائع الإسلام: 2 / 113 .
- (2) مفاتيح الشرائع: 3 / 149 .
- (3) جواهر الكلام: 26 / 165 .
- (4) مفتاح الكرامة: 5 / 406 ـ 407 ، جواهر الكلام: 26 / 165 ، رياض المسائل: 8/588 .
- (5) السرائر: 3 / 79 .