(الصفحة 409)
كتاب الوكالة
(الصفحة 410)
(الصفحة 411)
[الوكالة]
وهي تفويض أمر إلى الغير ليعمل له حال حياته ، أو إرجاع تمشية أمر من الاُمور إليه له حالها ; وهي عقد يحتاج إلى إيجاب بكلّ ما دلّ على هذا المقصود; كقوله : «وكّلتك» أو «أنت وكيلي في كذا» أو «فوّضته إليك» ونحوها ، بل الظاهر كفاية قوله : «بع داري» قاصداً به التفويض المذكور فيه ، وقبول بكلّ ما دلّ على الرّضا به ، بل الظاهر أنّه يكفي فيه فعل ما وكّل فيه بعد الإيجاب ، بل الأقوى وقوعها بالمعاطاة; بأن سلّم إليه متاعاً ليبيعه فتسلّمه لذلك ، بل لا يبعد تحقّقها بالكتابة من طرف الموكّل ، والرضا بما فيها من طرف الوكيل وإن تأخّر وصولها إليه مدّة ، فلا يعتبر فيها الموالاة بين إيجابها وقبولها .
وبالجملة: يتّسع الأمر فيها بما لا يتّسع في غيرها ، حتّى أنّه لو قال الوكيل : «أنا وكيلك في بيع دارك؟» مستفهماً ، فقال : «نعم» صحّ وتمّ ، وإن لم نكتف بمثله في سائر العقود1.
1 ـ المغايرة بين التعبيرين التي يدلّ عليها العطف بأو ، هل هي بلحاظ الاختلاف في حقيقة الوكالة وماهيّتها ، أو بلحاظ اختلاف مواردها؟ والفرق بينهما ظاهراً يظهر في مثل ما لو استدعى منه أن يجد المشتري لاشتراء داره مثلاً ، فعلى الأوّل لا يتحقّق معنى الوكالة لعدم التفويض ، وعلى الثاني تتحقّق; لأنّه أرجع
(الصفحة 412)
تمشية بيع الدار إليه مع كون المباشر للبيع هو المالك نفسه . وقوله: «ليعمل له حال حياته» إنّما هو لإخراج الوصاية ، فإنّها ترتبط بما بعد الموت وتسليط للغير على العمل بعده ، كما لا يخفى .
وممّا ذكرنا ظهر الفرق بين الوكالة وبين العارية والوديعة ، بل بينها وبين المضاربة ، فتدبّر .
وهي من العقود التي لابدّ فيها من الإنشاء الدالّ عليها ، ويكفي للموكّل الإيجاب بكلّ ما دلّ على مقصوده ، وللوكيل الرضا بمفاد الإيجاب وقبوله .
نعم ، ربما يشكل في الفعل الصادر من الوكيل بعد الإيجاب; بأنّه ليس فيها عقد لفظي ، ولم يتحقّق قصد معناه الذي هو الربط بين الإيجاب والقبول ، بل المتحقّق في البين مجرّد رخصة وأمر وإذن وإعلام في الفعل ، ويترتّب عليه صحّة الفعل المأمور به نحو الفعل الموكّل فيه . وذكر في الجواهر أنّ بذلك يظهر التشويش في جملة من كلمات الأصحاب الذين لم يحرّروا ذلك بهذا التحرير(1) ، ولكن الظاهر أنّه لا إشكال فيه بعد عدم اعتبار اللفظ مطلقاً في الإيجاب والقبول وجريان المعاطاة ، والمقام أولى منها ; لأنّ الإيجاب صدر لفظاً ، والعمدة تعلّق القصد بعنوان الوكالة لا مجرّد الإذن والأمر ، فتدبّر .
واستظهر كفاية الأمر في الإيجاب ، كما أنّه استظهر في القبول فعل ما وكّل فيه بعد الإيجاب .
وقد قوّى صاحب العروة في الملحقات عدم كونها من العقود ، فلا يعتبر فيها القبول ، قال : ولذا ذكروا أنّه لو قال : «وكّلتك في بيع داري» فباعه ، صحّ بيعه ،
- (1) جواهر الكلام: 27 / 351 .
(الصفحة 413)
والظاهر ذلك وإن غفل عن قصد النيابة وعن كونه قبولاً لإيجابه ، مع أنّها لو كانت من العقود لزم عدم صحّة بيعه; لعدم تمامية الوكالة قبله .
وما عن العلاّمة من أنّ الرضا الباطني كاف في القبول وهو حاصل(1) ، لا وجه له ، إذ هو لا يخرجه عن حدّ الفضوليّة ، وفي الحقيقة هذا منه التزام بعدم شرائط القبول (2) .
أقول : وسيجيء بيان الإشكال في الفعل الصادر من الوكيل بعد الإيجاب ، ولكن الظاهر أنّه لو قلنا بعدم اعتبار اللفظ مطلقاً في الإيجاب والقبول ، وجريان المعاطاة فيها لا محيص عن الالتزام بالوكالة هنا ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ الفعل الصادر من الوكيل إنّما هو عقيب الإيجاب ومتفرّعاً عليه ، والبيع الصادر ليس بقصد غير الوكالة .
ويمكن أن يُقال : إنّ البيع الصادر من الوكيل لا محالة له مقدّمة أو مقدّمات ، فالتصدّي لها قبول فعلي للوكالة ، فلا يقال: إنّه قبل تحقّق البيع منه لم تتمّ الوكالة فكيف يكون وكالة؟
وليس جواز هذا العقد راجعاً إلى عدم كونه عقداً ، بل إنّما هو عقد خاصّ يشتمل على أحكام خاصّة .
بل قوّى فيها جريان المعاطاة كما في أكثر العقود اللازمة ، بل نفى البُعد عن تحقّقها بالكتابة من طرف الموكّل ، والرضا بما فيها من طرف الوكيل ، ولو مع فصل مدّة بين الإيجاب والقبول ، ومرجعه إلى عدم اعتبار الموالاة بين الإيجاب والقبول ، والوجه
- (1) تذكرة الفقهاء: 2 / 114 (طبع الحجري) .
- (2) ملحقات العروة الوثقى: 2 / 119 .