(الصفحة 412)
تمشية بيع الدار إليه مع كون المباشر للبيع هو المالك نفسه . وقوله: «ليعمل له حال حياته» إنّما هو لإخراج الوصاية ، فإنّها ترتبط بما بعد الموت وتسليط للغير على العمل بعده ، كما لا يخفى .
وممّا ذكرنا ظهر الفرق بين الوكالة وبين العارية والوديعة ، بل بينها وبين المضاربة ، فتدبّر .
وهي من العقود التي لابدّ فيها من الإنشاء الدالّ عليها ، ويكفي للموكّل الإيجاب بكلّ ما دلّ على مقصوده ، وللوكيل الرضا بمفاد الإيجاب وقبوله .
نعم ، ربما يشكل في الفعل الصادر من الوكيل بعد الإيجاب; بأنّه ليس فيها عقد لفظي ، ولم يتحقّق قصد معناه الذي هو الربط بين الإيجاب والقبول ، بل المتحقّق في البين مجرّد رخصة وأمر وإذن وإعلام في الفعل ، ويترتّب عليه صحّة الفعل المأمور به نحو الفعل الموكّل فيه . وذكر في الجواهر أنّ بذلك يظهر التشويش في جملة من كلمات الأصحاب الذين لم يحرّروا ذلك بهذا التحرير(1) ، ولكن الظاهر أنّه لا إشكال فيه بعد عدم اعتبار اللفظ مطلقاً في الإيجاب والقبول وجريان المعاطاة ، والمقام أولى منها ; لأنّ الإيجاب صدر لفظاً ، والعمدة تعلّق القصد بعنوان الوكالة لا مجرّد الإذن والأمر ، فتدبّر .
واستظهر كفاية الأمر في الإيجاب ، كما أنّه استظهر في القبول فعل ما وكّل فيه بعد الإيجاب .
وقد قوّى صاحب العروة في الملحقات عدم كونها من العقود ، فلا يعتبر فيها القبول ، قال : ولذا ذكروا أنّه لو قال : «وكّلتك في بيع داري» فباعه ، صحّ بيعه ،
- (1) جواهر الكلام: 27 / 351 .
(الصفحة 413)
والظاهر ذلك وإن غفل عن قصد النيابة وعن كونه قبولاً لإيجابه ، مع أنّها لو كانت من العقود لزم عدم صحّة بيعه; لعدم تمامية الوكالة قبله .
وما عن العلاّمة من أنّ الرضا الباطني كاف في القبول وهو حاصل(1) ، لا وجه له ، إذ هو لا يخرجه عن حدّ الفضوليّة ، وفي الحقيقة هذا منه التزام بعدم شرائط القبول (2) .
أقول : وسيجيء بيان الإشكال في الفعل الصادر من الوكيل بعد الإيجاب ، ولكن الظاهر أنّه لو قلنا بعدم اعتبار اللفظ مطلقاً في الإيجاب والقبول ، وجريان المعاطاة فيها لا محيص عن الالتزام بالوكالة هنا ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ الفعل الصادر من الوكيل إنّما هو عقيب الإيجاب ومتفرّعاً عليه ، والبيع الصادر ليس بقصد غير الوكالة .
ويمكن أن يُقال : إنّ البيع الصادر من الوكيل لا محالة له مقدّمة أو مقدّمات ، فالتصدّي لها قبول فعلي للوكالة ، فلا يقال: إنّه قبل تحقّق البيع منه لم تتمّ الوكالة فكيف يكون وكالة؟
وليس جواز هذا العقد راجعاً إلى عدم كونه عقداً ، بل إنّما هو عقد خاصّ يشتمل على أحكام خاصّة .
بل قوّى فيها جريان المعاطاة كما في أكثر العقود اللازمة ، بل نفى البُعد عن تحقّقها بالكتابة من طرف الموكّل ، والرضا بما فيها من طرف الوكيل ، ولو مع فصل مدّة بين الإيجاب والقبول ، ومرجعه إلى عدم اعتبار الموالاة بين الإيجاب والقبول ، والوجه
- (1) تذكرة الفقهاء: 2 / 114 (طبع الحجري) .
- (2) ملحقات العروة الوثقى: 2 / 119 .
(الصفحة 414)مسألة 1 : يشترط فيها على الأحوط التنجيز; بمعنى عدم تعليق أصل الوكالة على شيء ، كقوله مثلاً: «إذا قدم زيد ، أو أهلّ هلال الشهر وكّلتك في كذا» . نعم ، لا بأس بتعليق متعلّقها ، كقوله : «أنت وكيلي في أن تبيع داري إذا قدم زيد » ، أو «وكّلتك في شراء كذا في وقت كذا»1.
مسألة 2 : يشترط في كلّ من الوكيل والموكّل البلوغ والعقل والقصد والاختيار ، فلا يصحّ التوكيل ولا التوكّل من الصبي والمجنون والمكره . نعم ، لا يشترط البلوغ في الوكيل في مجرّد إجراء العقد على الأقرب ، فيصحّ توكيله فيه إذا كان مميّزاً مراعياً للشرائط . ويشترط في الموكّل كونه جائز التصرّف
في الجميع ـ بل أولى من ذلك ما لو استفهم الوكيل من الموكّل ، فأجاب بمثل نعم الدالّ على الموافقة لطلبه ـ أنّ الوكالة من العقود الجائزة التي يجوز لكلّ من الموكّل والوكيل الفسخ في كلّ زمان ، فلا تكون فيها المحذورية الثابتة في سائر العقود مثل البيع ، مضافاً إلى كثرة الابتلاء بها في موارد مختلفة وشدّة افتقار الناس إليها ، فاتّسع الأمر فيها بما لا يتّسع في غيرها ، كما لا يخفى .
1 ـ يشترط في الوكالة على الأحوط التنجيز مثل سائر العقود كما مرّ بعضها ، لكن ينبغي التنبيه هنا على أنّ التنجيز المعتبر على الأحوط إنّما هو بالإضافة إلى أصل الوكالة كالمثالين المذكورين . وأمّا إذا كان التعليق لا في أصل الوكالة ، بل في متعلّقها كالمثالين الآخرين المذكورين في المتن أيضاً فلا مانع منه ; لأنّه يصير حينئذ كالواجب المعلّق الذي يكون الوجوب فعلياً والواجب استقبالياً ، وقد قرّر في محلّه جوازه ، بل ثبوته في الشرع كالحجّ للمستطيع الذي يكون وجوبه فعليّاً والواجب استقبالياً ، يقع في ظرفه الزماني الخاصّ .
(الصفحة 415)فيما وكّل فيه ، فلا يصحّ توكيل المحجور عليه لسفه أو فلس فيما حجر عليهما فيه ، دون غيره كالطلاق ، وأن يكون إيقاعه جائزاً له ولو بالتسبيب ، فلا يصحّ منه التوكيل في عقد النكاح أو ابتياع الصيد إن كان مُحرِماً . وفي الوكيل كونه متمكِّناً عقلاً وشرعاً من مباشرة ما توكّل فيه ، فلا تصحّ وكالة المحرم فيما لا يجوز له ، كابتياع الصيد وإمساكه وإيقاع عقد النكاح1.
1 ـ يشترط في كلّ من الموكّل والوكيل البلوغ والعقل والقصد والاختيار ، كسائر العقود على ما تقدّم . نعم ، استدرك في المتن ما إذا كان الوكيل وكيلاً في مجرّد إجراء الصيغة ، فاستقرب صحّة توكيله إذا كان مميّزاً مراعياً للشرط ، وقد ذكرنا في كتابنا في القواعد الفقهيّة مشروعيّة عبادات الصبي وإن لم تكن واجبة عليه (1) ، وعليه فلا مانع لاستئجاره للنيابة في العبادة إذا كان مقروناً بإذن الولي ، بل لا مانع لاستئجاره لمطلق الأعمال كذلك مع إحراز صدورها صحيحة .
ويشترط في الموكّل كونه جائز التصرّف فيما وكّل فيه ، فلا يصحّ صدور الوكالة من المحجور عليه لسفه أو فلس فيما حجر عليهما دون غيره كالطلاق ، وثبوت المهر فيه كلاًّ أو بعضاً كالطلاق قبل الدخول ليس لأجل الطلاق حتّى يحجرا عليه ، بل إنّما لأجل العقد أو مع الدخول ، وإلاّ فالطلاق بنفسه لا يكون تصرّفاً ماليّاً ، كما أنّه يشترط في الموكّل أن يكون إيقاع ما وكّل فيه جائزاً له شرعاً ولو مع التسبيب ، فلا يصحّ منه التوكيل في حال الإحرام بالإضافة إلى النكاح أو ابتياع الصيد; لحرمتهما على المحرم ولو كذلك .
ويشترط في الوكيل كونه متمكِّناً عقلاً وشرعاً من مباشرة ما توكّل فيه ،
- (1) القواعد الفقهيّة: 1 / 341 ـ 356 .
(الصفحة 416)مسألة 3 : لا يشترط في الوكيل الإسلام ، فتصحّ وكالة الكافر ـ بل والمرتدّ وإن كان عن فطرة ـ عن المسلم والكافر ، إلاّ فيما لا يصحّ وقوعه من الكافر ، كابتياع المصحف لكافر ، وكاستيفاء حقّ من المسلم ، أو مخاصمة معه وإن كان ذلك لمسلم1.
مسألة 4 : تصحّ وكالة المحجور عليه لسفه أو فلس عن غيرهما ممّن لا حجر عليه2.
فلا يصحّ جعل المحرم وكيلاً ـ وإن كان الموكّل غير محرم ـ فيما لا يجوز له ، كابتياع الصيد وإمساكه وإيقاع عقد النكاح .
1 ـ لا يشترط في الوكيل الإسلام ، فتصحّ وكالة الكافر ـ بل والمرتدّ وإن كان عن فطرة ـ عن المسلم والكافر; لعدم الدليل على اعتبار الإسلام في الوكيل . نعم ، فيما لا يصحّ وقوعه عن الكافر ـ كابتياع المصحف لكافر ، وكاستيفاء حقّ من المسلم ، أو مخاصمة معه وإن كان ذلك لمسلم ، أو توكيله في كنس المسجد وأمثال ذلك ممّا لا يجوز للكافر شرعاً ـ لا يصحّ التوكيل فيه على ما مرّ من اعتبار جوازه شرعاً بالإضافة إليه .
2 ـ قد عرفت أنّه يصحّ صدور الوكالة للوكيل السفيه أو المفلّس في غير ما حجرا عليه ، كالطلاق على ما تقدّم ، والغرض في هذه المسألة عكس ذلك ، وهو قبول السفيه أو المفلّس الوكالة عن الغير ممّن لا حجر عليه ولو بالإضافة إلى التصرّفات المالية ، كبيع دار الموكّل غير المحجور ونظيره ، والوجه فيه واضح .