(الصفحة 44)
جهة الجنس والبائع والمشتري وغير ذلك; كالنقد والنسيئة ، وحتّى في الثمن ، فلا يتعيّن عليه أن يبيع بخصوص النقود ، بل يجوز أن يبيع الجنس بجنس الآخر ، وبالجملة: في صورة الإطلاق يكون اللازم مراعاة المصلحة بحسب اعتقاده ، إلاّ أن يكون في البين تعارف موجب لانصراف الإطلاق إليه ; كما إذا كان المتعارف شراء الحنطة مثلاً لكون البلد محلّ نشؤها ، أو الأرُز مثلاً لكون البلد كذلك .
وفي الصورة الثانية: أعني ما يكون فيه عقد المضاربة مقروناً بالشرط أيّ شرط كان لا يجوز التخلّف عنه; سواء قلنا بأنّ الشروط في ضمن العقود الجائزة أيضاً يجب الوفاء بها كما تقدّم(1) ، أو قلنا بأنّ غير مورد الشرط لا يكون مأذوناً فيه ، وعلى أيّ حال فلو تحقّقت المخالفة ضمن العامل أصل المال أو الخسارة ، لكن المذكور في المتن أنّه لو حصل الربح وكانت التجارة رابحة شارك المالك في الربح على ما قرّراه في عقد المضاربة .
والظاهر أنّ الوجه فيه أنّ الربح كالنماء تابع لأصل المال ، والمفروض أنّه في عقد المضاربة قد التزم بثبوت حصّة من الربح للعامل ، اللّهمَّ إلاّ أن يُقال : إنّ الإذن كان مقيّداً ، ومع عدم رعاية القيد من طرف العامل لا يستحقّ من الربح شيئاً وإن كانت التجارة رابحة ، بل لا يستحقّ شيئاً أصلاً ولو اُجرة مثل العمل ; لعدم كونه مأذوناً فيه ، إلاّ أنّه استند في ذلك إلى دلالة جملة من الأخبار عليه ، مثل:
صحيحة جميل ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل دفع إلى رجل مالاً يشتري به ضرباً من المتاع مضاربة ، فذهب فاشترى به غير الذي أمره ، قال : هو ضامن
(الصفحة 45)
والربح بينهما على ما شرط(1) .
وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يعطي الرجل مالاً مضاربة فيخالف ما شرط عليه ، قال : هو ضامن والربح بينهما(2) . وغيرهما من النصوص .
قال السيّد في العروة : ولا داعي إلى حملها على بعض المحامل ، ولا إلى الاقتصار على مواردها; لاستفادة العموم من بعضها الآخر(3) ، والظاهر أنّ المراد من البعض الآخر هي صحيحة الحلبي الدالّة على إطلاق مخالفة المشروط عليه ، وعليه: فالروايات بما أنّها معتبرة ظاهرة لابدّ من الأخذ بمفادها وإن كانت على خلاف القاعدة ، ولكن التقييد بكون التجارة رابحة يعطي أمراً إضافيّاً كما لا يخفى .
هذا ، وقد ذكر بعض الأعلام (قدس سره)في تقريراته التي قرّرها ولده الشاب الشهيد (قدس سره)في هذا المجال ما ملخّصه: يمتاز القيد من الشرط في العقود الالتزامية التمليكيّة كالبيع ، بأنّ الشرط فيها قد يكون أمراً خارجيّاً أجنبيّاً عن المبيع والثمن كالخياطة ، ففي مثله لا يمكن أن يكون قيداً لمتعلّق العقد; إذ المبيع وجود والشرط وجود آخر ، والنسبة بين الوجودين هي التباين ، فلا معنى لأن يكون أحدهما مقيّداً بوجود الآخر.
وقد يكون وصفاً لمتعلّق العقد ، وهو تارةً يكون من الأوصاف الذاتية المقوّمة للذات ، فهو قيد لا محالة; كأن يقول : «بعتك هذا الموجود الخارجي على أن يكون ذهباً» . وعليه: فلو تخلّف الوصف لكان البيع محكوماً بالبطلان لا محالة ، واُخرى لا يكون مقوّماً للذّات; كما لو باع العبد على أنّه كاتب ، ومثله لا يصلح أن يكون قيداً ، فإنّ الموجود الخارجي لا إطلاق له لكي يكون مقيّداً بالكتابة في بعض الأحيان ،
- (1) تهذيب الأحكام: 7/193 ح 853 ، و عنه الوسائل: 19/18 ، كتاب المضاربة ب1 ح9 .
- (2) تهذيب الأحكام: 7/190 ح 838 ، وعنه الوسائل: 19/16 ، كتاب المضاربة ب1 ح5 .
- (3) العروة الوثقى: 2/533 ذيل مسألة 3394 .
(الصفحة 46)
وحيث لا يجوز أن يكون من تعليق نفس البيع عليه; لأنّه من التعليق المبطل جزماً ، فينحصر أمره في كونه شرطاً .
هذا كلّه بالنسبة إلى المائز بين القيود والشروط في الأعيان الخارجيّة ، وأمّا إذا كان متعلّق العقد كلّياً في الذمّة ، فحيث إنّ وجود الكلّي ينحصر في وجود أفراده; إذ لا وجود له إلاّ في ضمنها ، كان الاشتراط ـ مقوّماً كان الشرط أو غيره ـ موجباً لتعدّد الوجود وامتياز المقيّد عن غيره ، ومن هنا يكون الشرط قيداً في متعلّق المعاملة لا محالة ، بحيث يكون متعلّقها خصوص الحصّة المقيّدة دون غيرها; لاقتضاء أخذ الوصف تخصّص الكلّي لا محالة .
وكذا الحال إذا كان متعلّق العقد عملاً من الأعمال ، فإنّه عرض من الأعراض ، وهو يختلف ويتعدّد في الوجود بما له من صفات .
هذا كلّه في العقود الالتزامية التمليكية ، وأمّا في عقد المضاربة الذي ينحلّ في الحقيقة إلى أمرين: إذن المالك للعامل في العمل ، والتزامه بأن يكون الربح بينهما ، فهو من العقود الإذنيّة بلحاظ الجهة الاُولى ، ومن العقود الالتزاميّة بلحاظ الجهة الثانية، فإذا اشترط المالك على العامل ما يرجع إلى خصوصيّة في البيع أو الشراء ، كان ذلك من تقييد الإذن لا محالة ، فيكون راجعاً إلى الجهة الاُولى في المضاربة . ومقتضى ذلك أنّ مخالفة الشرط توجب انتفاء الإذن في التصرّف فيه ، وعليه: فيحكم بعدم استحقاق العامل شيئاً ، وأمّا ما وقع من العمل خارجاً فهو معاملة فضوليّة تتوقّف على إجازة المالك .
وأمّا إذا كان الشرط أمراً خارجيّاً; كالخياطة والكتابة ونحوهما ، فيمكن أن يكون راجعاً إلى الجهة الاُولى ، فيكون من تعليق الإذن في التجارة على ذلك الفعل المعيّن ، ولا يقدح فيه التعليق ; لأنّ الممنوع إنّما هو التعليق في العقود التمليكيّة ،
(الصفحة 47)
والمضاربة من العقود الإذنية ، ويمكن أن يكون راجعاً إلى الجهة الثانية; أعني التزامه بكون الربح بينهما ، وهذا هو الأظهر في الشروط التي لها مالية ، وعليه: فعند تخلّف العامل عن الشرط ، فللمالك أن يرفع يده عن التزامه هذا ، وإن كان إذنه في أصل التجارة باقياً فيأخذ تمام الربح ، ويكون للعامل اُجرة مثل عمله(1) ، انتهى .
وهذا الكلام وإن كان دقيقاً ومتيناً جيّداً ، إلاّ أنّ الحكم في الروايات بعدم ثبوت الاختيار لشيء من المالك والعامل في صورة التخلّف عن الشرط ـ بل بأنّ العامل ضامن قهراً والربح بينهما كذلك ـ لا ينطبق على أيّة قاعدة ، فلابدّ من الالتزام بمفادها ، وإن كان على خلاف القاعدة ، ولا داعي إلى حملها على بعض المحامل ، كحمل المخالفة في النصوص على المخالفة الصّورية ، بدعوى أنّ قصد المالك حين إعطائه لرأس المال للعامل إنّما هو الاسترباح .
غاية الأمر أنّه كان يتخيّل أنّه إنّما يكون بشراء الأطعمة مثلاً ، لكن العامل لمـّا يعلم أنفعيّة شراء الحيوان مثلاً فيشتريه فلا يمكن أن يُقال: إنّه كان من غير إذن المالك ; لأنّه لمّا كان قصده الاسترباح كان راضياً بكلّ معاملة فيها ربح ، ومن هنا تكون المعاملة صحيحة والربح بينهما طبق ما قرّراه ، ومن الواضح بعد هذا الحمل ، بل عدم صحّته ; لأنّه لا فرق في صورة صحّة المضاربة بين الضمان والربح ، فلا مجال لهذا الحمل وكذا المحامل الاُخر ، خصوصاً مع أنّه لا داعي إليه بعد وجود الروايات الصحيحة ، وقد عرفت أنّ التقييد بكون التجارة رابحة لا دليل عليه ، بل صحيحة الحلبي التي اُطلق فيها المخالفة خصوصاً في السؤال تكون مطلقة من هذه الحيثيّة أيضاً ، فتدبّر جيّداً .
- (1) المباني في شرح العروة ، كتاب المضاربة: 37 ـ 40 .
(الصفحة 48)مسألة 17 : لا يجوز للعامل خلط رأس المال بمال آخر لنفسه أو لغيره إلاّ بإذن المالك عموماً أو خصوصاً ، فلو خلط ضمن المال والخسارة ، لكن لو اتّجر بالمجموع وحصل ربح فهو بين المالين على النسبة1.
مسألة 18 : لا يجوز مع الإطلاق أن يبيع نسيئة ، خصوصاً في بعض الأزمان وعلى بعض الأشخاص ، إلاّ أن يكون متعارفاً بين التجّار ـ ولو في ذلك البلد أو الجنس الفلاني ـ بحيث ينصرف إليه الإطلاق ، فلو خالف في غير مورد الانصراف ضمن ، لكن لو استوفاه وحصل ربح كان بينهما2.
ثمّ إنّ مثل ما ذكرنا ، العارية المضمونة التي اشترك فيها الانتفاع الخاصّ والاستفادة في مجلس مخصوص ، فإنّ الظاهر أنّ مقتضى القاعدة ثبوت الضمان مع عدم جواز الاستفادة في غير ما اشترط ، مع أنّ العارية أيضاً من العقود الإذنية لا التمليكيّة ، كما لا يخفى .
1 ـ أمّا عدم جواز الخلط ، فلأنّه وإن لم يصرّح به المالك الإذن ، إلاّ أنّ ظاهر كلامه فيما إذا لم يأذن المالك عموماً أو خصوصاً ، ولم يكن هناك قرينة ، عليه الاتّجار بشخص رأس المال من دون خلط، فلو خلط وتخلّف ضمن المال والخسارة ، لكن لو اتّجر بالمجموع وحصل ربح فهو بين المالين على النسبة ، وقسمة رأس المال بين المالك والعامل على ما قرّراه في المضاربة ، والدليل عليه الروايات المتقدِّمة في المسألة السابقة، مع ما ذكرنا من أنّه لا داعي إلى الحمل على بعض المقام، ولا خصوصيّة لموردها الذي يتوهّم أنّه صورة الشرط الصريح ، بل يعمّ مثل ما ذكرنا ، فراجع .
2 ـ إذا لم يكن هناك تعارف ينصرف إليه الإطلاق لا يجوز البيع نسيئة الذي هو